زهد أيوب السختياني وورعه
زهده وورعه ﵀: عن ابن شوذب قال: كان أيوب - يعني: السختياني - إذا سئل عن الشيء ليس عنده فيه شيء؟ قال: سل أهل العلم، وكأنه ليس من أهل العلم.
وعن حماد عن أيوب قال: أدركت الناس هاهنا، وكلامهم: إن قضي وإن قدر.
وكان يقول: ليتق الله رجل، فإن زهد فلا يجعلن زهده عذابًا على الناس، فلأن يخفي الرجل زهده خير من أن يعلنه.
يعني: إذا كان يأخذ نفسه بالشدة فلا يظهر ذلك؛ شفقة على الناس.
قال: وكان أيوب ممن يخفي زهده، دخلنا عليه فإذا هو على فراش مخمس أحمر فرفعته أو رفعه بعض أصحابنا فإذا خصفة محشوة بليف.
وعن شعبة قال: ما واعدت أيوب موعدًا قط إلا قال حين يفارقني: ليس بيني وبينك موعد، فإذا جئت وجدته قد سبقني.
يعني: أنه كان يخشى أن يطرأ له عذر، فكان يقول: ليس بيني وبينك ميعاد احتياطًا.
وعن بشر بن منصور قال: كنا عند أيوب فوعظنا وتكلمنا فقال لنا: كفوا، لو أردت أن أخبركم بكل شيء تكلمت به اليوم لفعلت.
لأنه كان يجتهد في الطاعة والعبادة والعمل الصالح، وكانوا يعدون كلامهم فلا يتكلمون كلامًا كثيرًا كما نتكلم نحن، وإنما كان وقتهم في الطاعة والعبادة والعمل الصالح، وكان في التابعين من هو أكثر عملًا من الصحابة ﵃، حتى قال ابن مسعود للتابعين: لأنتم أكثر عملًا من أصحاب رسول الله ﷺ ولكنهم كانوا خيرًا منكم، كانوا أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة.
فالصحابة سبقوا بأحوال القلوب، فالأحوال الإيمانية كانت عندهم مرتفعة جدًا في الزهد والورع والتقوى والمحبة لله ﷿ ولرسوله ﷺ، فالعبد يسبق بقلبه من هو أكثر اجتهادًا ببدنه، والسبق سبق القلوب وسبق الهمم.
من لي بمثل سيرك المدلل تسير رويدًا وتجيء في الأول والصحابة تهيأت لهم ظروف لم تتهيأ لمن بعدهم؛ فهم عاصروا النبي ﷺ واكتحلوا برؤيته، وكان يفيض عليهم مما يفيض الله ﷿ على قلبه، ولذلك يقول أنس: ما نفضنا أيدينا من دفن رسول الله ﷺ حتى أنكرنا قلوبنا.
أي: أنهم فقدوا مصدرًا عظيمًا من مصادر الرقي الإيماني فأحسوا بتغير القلوب بمجرد أن دفنوا الجسد الشريف.
وقال حماد بن زيد: كان أيوب صديقًا لـ يزيد بن الوليد، فلما ولي الخلافة قال أيوب: اللهم أنسه ذكري.
كان بعض السلف إذا تولى صاحب أحدهم الإمامة يقول: اللهم أنسه ذكرنا حتى يصير لا يعرفنا ولا نعرفه.
13 / 5