قال أبو الفضل: فصار أبي ومحمد بن نوح إلى طرسوس، وجاء نعي المأمون من البذندون، فردا في أقيادهما إلى الرقة، وأخرجا من الرقة في السفينة مع قوم محبسين، فلما صارا بعانات توفي محمد بن نوح رحمه الله فتقدم أبي فصلى عليه، ثم صار أبي إلى بغداد وهو مقيد، فمكث بالياسرية أياما ثم صير إلى الحبس في دار اكتريت عند دار عمارة، ثم نقل بعد ذلك إلى حبس العامة في درب الموصلية. فمكث في السجن منذ أخذ وحمل إلى أن ضرب وخلي عنه ثمانية وعشرين شهرا.
قال أبي: فكنت أصلي بهم وأنا مقيد.
وقال أبي: إذا كان القيد لا يحجز عن تمام الصلاة فلا بأس. وكنت أرى فوران يحمل إليه في دورق ماء باردا فيذهب به إلى السجن.
أخبرنا عبد الرحمن بن علي، أخبرنا محمد بن ناصر، أنبأنا أحمد بن أبي سعيد النيسابوري، قال: سمعت عبد الله بن يوسف، يقول: سمعت أبا العباس الأصم يقول: سمعت العباس بن محمد الدوري، يقول: سمعت أبا جعفر الأنباري، يقول لما حمل أحمد بن حنبل إلى المأمون، اجتزت فعبرت الفرات، فإذا هو جالس في الخان، فسلمت عليه، فقال: يا أبا جعفر، تعنيت. فقلت: ليس في هذا عناء وقلت له: يا هذا، أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك، فوالله لئن أجبت إلى القول بخلق القرآن ليجيبن بإجابتك خلق من خلق الله، وإن أنت لم تجب ليمتنعن خلق من الناس كثير، ومع هذا إن الرجل إن لم يقتلك فأنت تموت ولا بد من الموت، فاتق الله ولا تجبهم إلى شيء. فجعل أحمد يبكي ويقول: ما شاء الله، ما شاء الله، ثم قال لي أحمد: يا أبا جعفر، أعد علي ما قلت: فأعدت عليه، فقال: ما شاء الله، ما شاء الله.
مخ ۳۱