131

فإن قيل: نحن نسلم امتناع ذلك، لكن لا لما ذكرتم، بل لأنه صفة نقص والنقص على الله محال.

قيل: لا شك أن كل نقص مذموم، وأن أصحاب الكمال محمودون لكمالهم، وأصحاب النقص مذمومون بنقصهم، فجوابكم هذا تسليم للمدعى وهو القبح العقلي، ولهذا قال (ابن تاج الشريعة): إن إنكار (الأشعري) الحسن والقبح بمعنى أنهما صفتان لأجلهما يحمد أو يذم الموصوف بهما في غاية التناقض، يعني مع تسليمه الحسن والقبح بمعنى الكمال والنقصان.

وقال في (المواقف) وشرحه: إنه لم يظهر له فرق بين النقص في الفعل والقبح العقلي فيه، فكيف يصح التمسك في دفع الكذب عن الكلام اللفظي بلزوم النقص في أفعاله تعالى، هذا معنى كلامه.

فإن قيل: نحن نقطع بامتناع ظهور المعجز على يد الكاذب لكن لا للقبح العقلي، ولا لكونه صفة نقص، بل للعادة والتجربة.

قيل: إن أردت أن التجربة أفادتك أن المعجزة لا تظهر إلا على صادق، وأن الله تعالى لا يخبر إلا بالصدق، فهذا لا يفيدك لأن السؤال وارد على نبوة كل نبي، وعلى كل خبر من جهته تعالى، فما دلك على صدق الجزئيات حتى حصل لك العلم بالأمر الكلي الصادر عن التجربة.

وإن أردت أن الله أجرى عادته بخلق العلم بصدق المعجزة عند ظهورها وليس العلم حاصلا عنها، فهو يؤدي إلى عدم دلالة المعجزة على النبوة، مع أن الذي نعلمه من أنفسنا أن هذا العلم الضروري لم يحصل لنا، وإنما عرفنا أن المعجز من فعل الله، وعرفنا وجه الإعجاز فصدقنا به؛ لأن من صدقه الله فهو صادق لا لغير ذلك، ثم إنا نقول: متى يخلق الله هذا العلم أبعد معرفة وجه دلالة المعجزة، فهو لا يتم حتى نعرف أن من صدقه الله فهو صادق، أم يقول إن الله تعالى يخلقه عند رؤية المعجزة أو سماعها، فهذا كذب ضرورة؛ إذ قد رآها الكفار وسمعوا بها فلم ينقادوا لها، ولم يخبر من أسلم منهم بأنه حصل له العلم عند أول ما رأى أو سمع بها من دون نظر.

فإن قيل: خلق الله لهذا العلم ممكن فلا وجه للقطع بعدمه.

مخ ۱۳۱