[1/1] بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله
الحمد لله المتفضل بإجابة السائل,المتطول بإفاضة النائل, فاتح أبواب الآمال, البعيدة المنال, ومانع الهبات الوافرة والعطايا الجزائل, الذي جعل العلم النافع من أعظم الأسباب الموصلة لمقاصد السعادة الأخروية وأشرف الوسائل. والصلاة والسلام الأكملان على سيدنا ومولانا محمد المنتخب من أشرف العشائر والقبائل, الآتي بالحجج والدلائل. والرضى عن آله الأفضلين, وأصحابه الأعدلين, وتعاقبت البكور والأصائل.
وبعد فهذا كتاب سميته بالمعيار المعرب, والجامع المغرب, عن فتاوى علماء أفريقية والأندلس والمغرب جمعت فيه من أجوبة متأخرين العصريين ومتقدميهم ما يعسر الوقوف على أكثره في أماكنه, واستخراجه من مكامنه, لتبدده وتفريقه, وانبهام محله وطريقه, رغبة في عموم النفع به, ومضاعفة الأجر بسببه, ورتبته على الأبواب الفقهية ليسهل الأمر فيه على الناظر, وصرحت بأسماء المفتين إلا في اليسير النادر, ورجوت من الله سبحانه أن يجعله سببا من أسباب السعادة, وسننا موصلا إلى الحسنى والزيادة, وهو المسؤول عز وجل في أجزل الثواب, وإصابة صوب الصواب.
[2/1] صفحة فارغة
[3/1] نوازل الطهارة
[الصلاة في ثوب الملف الذي نسجه النصارى]
سئل الفقيه الحافظ سيدي أبو العباس أحمد القباب عن حكم الصلاة بالملف الذي نسجه النصارى قبل غسله, وذلك أنه قيل أنهم يجعلون فيه شحم الخنزير, وبعد الغسل لما يبقى فيه من الرطوبة الناشئة عن الشحم, والماء لا يزيلها.
مخ ۱
فأجاب بما نصه: الحمد لله إنه لا يخفى عليكم ما اشتهر من قول مالك. قال الأشياخ رحمة الله تعالى عليهم: والقياس يقتضي التسوية بين ما نسجوه وما لبسوه, وإنه لا يصلى في شيء من ذلك لأن شيئا من ذلك لا يخلو من النجاسة غالبا. وقيل لمالك في العتبية فيما نسجوه أنهم يبلون الغزل بأيديهم وهم أهل نجاسة, فقال: لا بأس به, لم يزل الناس على ذلك فسلم أن القياس كان الحكم بالنجاسة لغلبتها, وإنما لم يقل به لأجل أن عمل الناس مضى على خلاف ذلك. وقد اشتهر أتباعه للسلف الصالح رضوان الله عليه وعليهم. وحكى القاضي أبو الوليد ابن رشد رحمه الله تعالى عن ابن عبد الحكم أنه أجاز الصلاة فيما لبسه النصارى بناء على استصحاب أصل الطهارة, وتأوله القاضي بأن ذلك فيما لم يطل لبسه له. ورأيت كلاما منسوبا لأبي الحسن الأبياني يكون توجيها لهذا الخلاف, فإنه قال في الكتاب الذي ألفه في الورع: إذا كان الحل معلوما ولكن غلب على الظن طريان محرم بسبب معتبر في غلبة الظن, فيرتفع حكم الاستصحاب لضعفه ويقضى بالتحريم لغلبته. كما إذا غلب على الظن نجاسة إناء لعلامة معينة فلا يجوز
مخ ۲
[ 4/1] التوضؤ به ولا شربه. هذا إذا غلب على الظن بعلامة متعلقة بعين الشيء, فإن كانت الغلبة ناشئة عن كثرة متعلقة بالجنس فهل ينتقل من الأصل؟ فيه خلاف. فمن الناس من يقدم الأصل لضعف الغلبة الناشئة عن الكثرة, وقال آخرون الغالب مقدم, ثم طول في توجيه القولين, ثم قال: والصحيح عندنا التمسك بالغالب إلا في كل موضع يلزم منه حرج أو إضاعة مال محترم. فإذا انقضت الضرورة أودعت الحاجة إلى التمسك بالأصل فعلناه وأعرضنا عن الغالب. والدليل عليه كتاب الله تعالى وعمل الماضين, قال الله سبحانه: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم. ولا يخفى أن أهل الكتاب لا يتوقون النجاسات ولا يعتبرون في التطهير الماء المطلق, فأطعمتهم لا تنفك عن ذلك, ولا يلزم من اجتنابها ضرر وحرج, فتمسك بالأصل لذلك. وأما العمل فقد نقل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهم القدوة والأسوة, أنهم كانوا يخوضون طين المطر ويصلون ولا يغسلونه, وكذلك نقل عن مالك عن السلف لقلة الحاجة إلى ذلك. وكان مالك يكره سؤرة النصراني في الماء دون الطعام, واعتل بخفة القاء الماء ويسارة أمره. ولولا أنه التفت إلى الحاجة لما أباح سؤرة من الطعام. وكذلك قال في الدجاج والأوز المخلات, وهي جلالة(¬1) بغلب إصابة النجاسة, وإن شربت من ماء أريق, وإن شربت من لبن أو أكلت من طعام شرب اللبن وأكل الطعام. انتهى موضع الحاجة من هذا الكلام, وفيه فوائد ما نقل من الفقه معروف من غيره, وقد اختصرت بعضه لطوله .
مخ ۳
فإن قلتك: إن كلام الإمام فيما يتقى من نجاسة أيديهم, والنجاسة فيها غير محققة, والمتقى ها هنا نجاسة محققة وهي شحم الخنزير, فاعلم حفظك الله تعالى أن الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه أجاب في اتقاء ما ذكر أنه جعل فيه شحم الخنزير بأنه يتقي ولا يحرم استعماله, وذلك أنه سئل في العتيبة عن جبن الروم الذي يوجد في بيوتهم, فقال: ما أحب أن أحرم
[5/1] حلالا, وأما ان يكرهه رجل في خاصة نفسه فلا أرى بذلك بأسا. وأما أن أحرمه على الناس فإني لا أدري ما حقيقته, قد قيل إنهم يجعلون فيه إنفحة(¬1) الخنازير وهم نصارى, وما أحب ان أحرم حلالا. وأما أن يتقيه رجل في خاصة نفسه فلا أرى بذلك بأسا. انتهت الرواية بنصها. فجعل مالك رحمه الله تعالى ما ذكر عنه أنه يجعل فيه شيء من الخنزير يكره ولا يحرم, وهي مسألة السؤال.
مخ ۴
قال القاضي أبو الوليد ابن رشد رحمه الله تعالى في شرحه المسألة: كرهه للرجل في خاصة نفسه من أجل ما قيل إنهم يجعلون فيه إنفحة الخنزير, ولو لم يسمح بذلك لم يكن عليه أن يبحث عنه, لأن الله سبحانه قد أياح لنا أكل طعامهم بقوله تعالى: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم. فأكل طعامهم جائز مالم يوقن بنجاسة, فغن خشي ذلك رجل لشيء سمعه يستحب له أن يتركه. ويبين هذا ما حكي عن عمر بن الخطاب وعبد الله ابن عباس وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم, وهو أنه روي أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر يذكر أن المجوس لما راوا المسلمين لا يشترون جبنهم وإنما يشترون جبن أهل الكتاب عمدوا إلى أن جبنهم فصلبوا عليه كما يصلب أهل الكتاب ليشترى منهم. فكتب إليه عمر: ما تبين لكم انه من صنععهم فلا تأكلوه, وما لم يتبين فكلوه, ولا تحرموا على انفسكم ما أحل الله لكم. قال ابن حبيب: وقد تورع عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس في خاصة أنفسهم عن اكل الجبن إلا ما تيقنوا أنه من جبن المسلمين أو جبن أهل الكتاب خيفة أن يكون من جبن المجوس, ولم يفتنوا الناس ولا منعوهم من أكله. فمن أخذ بذلك في البلد الذي فيه المجوس مع أهل الكتاب فحسن, انتهى كلام القاضي. وقد تبين من هذا الكلام ومما قبله أن ما كان أصله الحلية, غما أن يتحقق فيه موجب تحريم, أو يغلب على الظن, أو يشك فيه لموجب أوجب ذلك, أو يجوز التحريم لغير موجب. فإن تحقق المانع فلا خفاء في التحريم, وذلك قول عمر رضي الله عنه: فإن تحقق لكم أنه من صنعهم
مخ ۵
[ 6/1] فلا تأكلوه. وإن غلب الظن المانع فقد تقدم التفصيل والخلاف الذي فيه من كلام الأبياني وغيره. وإن شك فيه لموجب فهو موضع الورع كفعل الصحابة في الجبن. وغن جوز المانع لغير موجب فلا يلتفت إليه كما قال القاضي, فلو لم يسمع بذلك لم يسأل عنه. قال غيره: والتوقف للتجويز من غير موجب ورع الموسوسين فلا عبرة به. فافهم هذا التقسيم, فإن عليه ينبغي أن يكون المعول, وإليه ترجع مسائل الورع. إلا أن المشكوك فيه الذي قلنا بكراهته من غير تحريم, تختلف قوة الكراهة فيه وضعفها بحسب قوة الموجب للشك وضعفه.
مخ ۶
فإن علم وتحقق في ملف خاص أنه صنع بشحم الخنزير أو علم من اهل افقليم أو جميع من يصنع الملف أنه يصنعه بذلك عادة مطردة وأمرا متقررا, واشتهر ذلك وثبت ثبوتا لا شك فيه, لم يصل فيه إلا بعد تطهيره. والتطهير كما وصفه أهل المذهب بالماء خاصة لا يلزم غيره, لكن حتى تذهب النجاسة كلها ولا يبقى شيء منها, وذلك بان يخرج الماء صافيا. فإذا خرج الماء صافيا ليس فيه شيء من النجاسة فقد تمت طهارة المغسول. قالوا ولا يضر بقاء الرائحة ولا اللون إن عسر قلعه بالماء. وقد أباح العلماء لبس ما صبغ بالبول, وكان ابن شهاب يلبسه, ولا أثر أكثر من هذا. وقال عياض في الاكمال, في شرح حديث عائشة رضي الله عنها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى الصلاة في الثوب فيه أثر غسل المني, يحتمل أن يريد أثر المني بعد غسله, وفيه حجة أن النجاسة إذا غسلت حتى ذهب عينها لا يضر أثرها ولونها, وكذلك ترجم البخاري على هذا الحديث. وقد جاء في دم الاستحاضة: لا يضرك أثره. قال ابن بطال ولا نعلم خلافا في هذا إلا ما روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا وجد دما في ثوبه فغسله فبقي أثره دعا بجلمين(¬1) فقطعه. وروي عن عائشة أنها صلت في ثوب كان فيه دم فغسل وبقي أثره. وروي مثله عن عثمان رضي الله عنه. وقد انتهى القول عندي فيما سألت عنه والله سبحانه أعلم.
[7/1] وسئل سحنون عمن اشترى ثوبا فوجده لنصراني.
فأجاب بأن قال: إن كان جيدا ينقصه الغسل رده, وإن كان رديا لا ينقصه الغسل فليس بعيب.
وسئل ابن مريم عمن اشترى ثوبا لبيسا من نصراني, فقيل له لا تحل لك الصلاة فيه حتى تغسله.
فأجاب إن لم يعلم أنه لبس نصراني رده, وإن علم وجهل أنه لا يصلي به إلا بعد الغسل فلا رد له.
مخ ۷
[موت الخنزير في مطمورة الزرع] وسئل سيدي أبو القاسم المشدالي عما وقع في نوازل الشعبي من قوله: سئل بعضهم عمن ترك مطمورة مفتوحة فوقع فيها خنزير فوجد ميتا. هل يجوز بيع هذا الطعام من نصراني؟ قال: لا, ولا يزرعه صاحبه ولا ينتفع به, ويغيبه على النصارى حتى لا ينتفعوا به. انتهى. هل هذا الحكم متفق عليه أم لا؟
فأجاب: مثل هذا وقع لابن أبي زيد في مطمورة وقع فيها فأرة وأنتنت, فقيل له كيف الحكم في زكاتها وبيعها وشرائها وصدقتها وتسلفها؟ وكيف إن وقعت في درسة وتفسخت؟ فأجاب: إن أتاهم من الفأر ما لا يقدر على دفعه والاحتراز منه لكثرته, فعن سحنون هذه ضرورة, وإذا درسوا فليلقواما رأوا من من جسد الفأرة, وما رأوا من دم على الحب عزلوه وحرثوه وأكلوا ما سواه, ولهم بيع ما لم ير فيه دم بالبراءة أنه درس وفيه فأرة ويخرجون زكاته منه, ولا يخرجون منه لغيره, ويتصدقون به تطوعا. وما فيه الدم ظاهرا لا يباع ولا يسلف, ولكن يحرث, ولهم سلفه إذا لم يظهر فيه الدم واحتاجه المتسلف, ولو باعه منه كان أحب إلي. وما مات في رأس المطمر ألقي وما حوله وأكل ما بقي, وإن شربت المطمورة وطالت مدتها حتى يظن أنها تسقى من صديدها إلى آخرها زرع ذلك ولم يوكل. ولو كان مطمرا عظيما لا يكاد يبلغ إلى جوانبها وأسفلها زرعوا من ذلك ما شكوا فيه وأكلوا ما سواه مما لا يكاد يبلغ إليه من صديدها, ولهم غسل ما ظهر فيه الدم وأكله,
[8/1] وليس كالقمح إذا شرب الماء النجس. انتهى. فيحتمل أن يكون هذا خلافا لما في نوازل الشعبي اغراق من الفتوى, ولا يتخرج إلا على القول بأن المتنجس لا ينتفع به مطلقا, وهو خلافا المشهور.
[وقوع الفأرة في صابون]
ومثل هذا ما سئل عنه أبو جعفر في فأرة وقعت في صابون لا سائل ولا جامد, هل يغسل بذلك الصابون؟ فقال: إن كان يميل إلى الجمود طرحت وما حولها, وإلى الانحلال غسل به ثم يطهر الثوب.
مخ ۸
وسئل عما يفعله الصاغة من إحماء الذهب والفضة بالنار ثم تطفى بالماء النجس, هل تطهر إذا غسلت بعد ذلك بماء طاهر؟
فأجاب سئل أبو عمران عن مثل ما سألت عنه فأجاب بأنه يطهر إذا غسل بماء طاهر. وخالفه ابن أبي زيد فقال في الآجر يعجم بماء نجس ثم يطبخ, أو الخاتم تطفى بماء نجس, وقال: النجاسة فيه قائمة, ولابس الخاتم حامل النجاسة. وقال البرزلي: أما مسألة الآجر فهي مخالفة لمسألة ما طبخ بمتنجس أو بول, والصحيح طهارته, وقيل مكروه وموافق للقول بأن النار والشمس والهواء لا تطهر النجاسة, وهو المشهور في رماد الميتة ونحوها. والصحيح فيها الطهارة بهما, وتطهر بعد ذلك بالماء, ويجري على مسألة الجاف إذا بل بماء نجس. وأما مسألة الخاتم فقال شيخنا الإمام ابن عرفة في نحوها, وهو السكين إذا طفي في الماء النجس: الصواب أنها لا تقبل الماء ولا يدخل فيها, لأن الماء يهيج الحرارة التي حصلت بالنار في داخل الحديد فإذا انفصلت فلا يقبل الحديد بعد ذلك شيئا يداخله, لكونه جمادا متراص الأجزاء, فلا يكون حينئذ فيه ماء نجس. وهذا على مذهب الطبائعيين ومن يقول بالكمون والظهور. وأما على مذهب الأشاعرة فليس هناك إلا أن الله تعالى أزال حرارة النار بالماء عادة أجراها الله تعالى لا طبيعة فيها, فهي على هذا ليس هناك قدر زائد على الواقع من انفصال الحرارة عن الحديد بمداخلة الماء إياه.
[9/1] قال: ونزلت مسألة سألت عنها شيوخنا, وهي إذا بلع الشمع وفيه ذهب ثم إنه ألقاه من المخرج, فكان الشيخ أبو القاسم الغبريني يقول بغسلها وتكون طاهرة كالنواة والحصاة إذا ألقاها بعد أن ابتلعها صحيحة, وخالفه الإمام ابن عرفة وقال: الصواب نجاسة الشمع لأنه يتميع بالحرارة وبداخله بعض أجزاء ما في البطن فيتنجس باطنه بظاهره والله أعلم.
مخ ۹
قال وعلى هذا تأتي مسألة ذكرها شيخنا الإمام ابن عرفة عن بعض شيوخه أنه سئل عمن أراد أن يكفن في ثوب غسل بماء زمزم قبل غسله, فأفتى بأنه لا يكفن به حتى يغسله بغيره. وكان شيخنا يستشكله بوجهين: الأول منهما أن هذا لا يجري إل على مذهب ابن شعبان بمنع غسل النجاسة به. والثاني أن أجزاء الماء قد ذهبت حسا ومعنى, ولم يبق لها ذات ولا صفة. وكان يتقدم لنا فيها نظر, لأن صفة الماء من ملوحة وحلاوة وغير ذلك يوجد في ذلك الثوب, فهي دليل على أن بعض أجزائه باقية ببقاء تلك الصفة والله أعلم.
[سقوط النجاسة في الصلاة]
وسئل ابن عرفة عمن سقطت عليه نجاسة وهو في الصلاة وبانت عليه في الحال, هل يقطع أو يتمادى؟ وكيف إن لم يستشعر بها حتى سلم؟
فأجاب: يقطع صلاته ولا يتمادى, ويعيد إذا لم يستشعر بها ما دام في الوقت, بدليل قوله في المدونة: إذا علم وهو في الصلاة أنه شرق أو غرب قطع. ظاهره ولو كان الآن مستقبل القبلة.
وأجاب سيدي أبو القاسم الغبريني بأنه يتمادى ولا يقطع, ويعيد في الوقت, لأن غسل النجاسة واجب مع الذكر, وهو ما تذكرها حتى انفصل عنها, ويعيد في الوقت لأنه فعل جزءا من أجزاء الصلاة وهو متلبس بها. قيل وهو عندي يتخرج على مسألة وهي هل كل جزء من أجزاء الصلاة مستقل بذاته عن يقية صلاته؟ أو كلها كالشيء الواحد ؟ وهي مسألة إذا نسى السجود من الأولى, والركوع من الثانية, هل يضيف سجود الثانية للأولى أو لا؟ وكيف إذا بطلت ركعة هل تنتقل الأخرى أم لا؟
[10/1] [الرقاد في فراش نجس بثوب مبلل]
وسئل سيدي قاسم العقباني عمن أصاب ثوبه وقد رقد في فراش نجس لم يجد غيره, وكذلك استار بيت الشعر النجس يبتل ويصيب بلله الثوب.
مخ ۱۰
فأجاب إن علم أو ظن أن بلة الثوب لاقت المحل النجس من الفراش حكم بتنجيس ثوبه, وكذلك يحكم بتنجيس ما أصاب من أستار بيت الشعر إن عرف بنجاسة ما أصاب الثوب منه, والستر أو الثوب مبتل. وما يصيب الثوب من انتفاض الكلب أو من ذيل الفرس لا يوجب حكما لأن الحيوانات محمولة على الطهارة.
[من أيقن بالوضوء وشك في الحدث]
وسئل سيدي أحمد ابن زاغ عن اشكال أورده الوانوغي وزعم أنه لم يجد عنه جوابا. وذلك أنه قال في قولهم من أيقن بالوضوء وشك في الحدث نظر, لما تقرر من ان الشك في أحد المتقابلين يوجب الشك في الآخر, كما قرره ابن الحاجب وغيره. قال صاحب الأنوار, إن الشك في أحد النقيضين يوجب الشك في النقيض الآخر بالضرورة. فمن شك في وجود زيد في الدار فقد شك في عدمه فيها. فمن شك في وجود الحذث فقد شك في وجود الطهرة على هذه القاعدة. وتقابل الطهارة والحدث تقابل أمر مع مساو لنقيضه, لأن نقيض الطهارة لا طهارة, وهو مساو للحدث. ولا تجد جوابا حقيقيا عن هذا الإشكال أبدا. وقد طال بحثي فيه مع الفضلاء من المشارقة وغيرهم فصوبوه وعجزوا عن الجواب.
فأجاب الجواب الحقيقي إن شاء الله عن السؤال أن شرط التناقض مفقود من هذه القضية, وهو اتحاد الزمان. فوقت تيقن الطهارة سابق, ووقت الشك في الحدث لاحق. والمعنى من تقن أنه حصل له الطهارة أولا ثم طرأ عليه بعد ذلك شك في حدوث الحدث الذي ينقضها, هل وقع ذلك منه في زمان ثان أم لا؟ كمن تيقن أنه تطهر لصلاة الصبح مثلا ولم يشك في ذلك, ثم خدث له شك هل ورد على طهارته ما ينقضها أم لا؟ فوقت التيقن
[11/1] غير وقت الشك. وأيضا فمتعلق الشك إنما هو طريان الحدث وعد طريانه, ومتعلق اليقين ايجاد الطهارة أولا. فما هو متيقن لا شك في حصوله في الوجود, وما هو مشكوك في حصوله لا تيقن فيه والله أعلم.
مخ ۱۱
وأجاب سيدي محمد بن بلقاسم المشدالي: جوابه أن معنى قوله أيقن بالطهارة, أي علم أنه اوقعها كاملة على وجه يرفع الحدث شرعا, ثم شكه بعد ذلك في الحدث لا يرفع الايقان السابق, وهذا المعنى لا ينافي القاعدة العقلية التي أشار إليها, لكن شكه في الحدث يوجب الشك في بقاء ارتفاع الحدث عنه بالطهارة التي تيقن صدورها منه. وهذا هو مقتضى القاعد العقلية التي لا يصح انخرامها بحكم الشرع, بتغليب جانب الطهارة اعتبارا لاستصحاب أثر المبدأ المتيقن وقوعه. وهذا الاعتبار لا يرفع معقول القاعدة المشار إليها ففرض المسألة صحيح لا نظر فيه ولا اشكال, وبالله التوفيق.
[شواء الرأس قبل غسله]
وسئل سيدي محمد بن مرزوق عن مذبح الشاة لا يغسل ويشوى الرأس بدمه دون غسل, هل هو نجس ويحرم أم لا ؟
فأجاب: أما الرأس الذي شوي ولم يغسل فيغسل بعد الشي ويؤكل, ويضعف أجزاء الخلاف فيه من الخلاف في طهارة الفخار وشبهه من نجس غواص كالخمر وشبهه وتحجر الخمر, والطهرة في الرأس أقوى لوجوه يطول ذكرها. وأكل ما اختلط به يجري على هذا, وأكله أظهر وأقوى. وفتوى ابن رشد في القملة تقرب من هذا.
[وقوع الخنفساء في الطعام]
وسئل ابن لبابة عن الخنفساء تقع في الطعام.
فأجاب: لا بأس بأكله, فقيل له : فالعقرب ؟ قال: ليس العقرب كالخنفساء, العقرب أشد نتنا.
[من نظر النجاسة في ثوب الإمام]
وسئل عن الذي ينظر إلى النجاسة في ثوب الإمام.
[12/1] فأجاب: أن يعرضها عليه, وإلا فليكلمه ويقطع صلاته. وإن نظر إلى نجاسة في غير ثوب الإمام فلا يكلمه ولا يسبح به, وليقبل على شانه. وكذلك في الخطبة.
[وقوع الفأرة في الرحا]
وسئل ابن صالح عن فأرة وقعت في عين رحا الماء فطحنها؛ أيجوز أكل ذلك الدقيق؟
فأجاب: إن كان كثيرا فلؤكل, وغن كان قليلا فلا يؤكل.
[الخروف يغذى بلبن بهيمة لا تؤكل]
وسئل عن الخروف يغذى بلبن بهيمة لا يؤكل لخمها, مثل الحمارة والكلبة والخننزيرة ونحوها, أيحل أكله؟
مخ ۱۲
فأجاب: نعم يحل أكله هو في بدنه وما تناسل منه, وإن كبر من ذلك اللبن فأكله حلال. قيل له أرأيت عن كبر بلبن امرأة, أيحل لها أكله ولولدها؟ فقال: نعم ذلك حلال لها ولولدها ولغيرهم من جميع الناس.
[غسل الثوب بالنجاسة]
وسئل ابن لبابة عن الثياب التي تغسل بالبول وخرو الكلاب.
فأجاب : قال ابن القاسم إذا طهرت بعد ذلك فلا بأس بذلك.
[الصلاة بالحذاء]
وسئل عن الرجل هل يصلي بحذائه أم لا؟
فأجاب: نعم يصلي ولا بأس به, إلا أن يعلم أن بها نجاسة, أو أن تكون من جلد الميتة.
وسئل عن الرجل يصلي بالهراكس(¬1).
[13/1] فأجاب: إذا أدخل رجليه فيهما على وضوء صلى بالهراكس, إلا أن تكون من ميتة. والمسح على الهراكس جائز كما في الخفين, والصلاة بالأخفاف جائزة إذا لم يكن بها نجس. والمسح على الهراكس بالسيقان والامنغات إذا كان طويلا تحت قدمه حتى يكسو قدمه من اوله إلى آخره. والسيقان إذا كانت مخرورة.
مخ ۱۳
[المسح على البلغة قياسا على الخف] وسئل الحفار فقيل له: سمعت فقيها من عندكم قال: حضرت في دولة الأستاذ أبي سعيد بن لب رحمه الله, وتكلم في المسح على الخفين وقال يمسح على البلغات(¬1) إذا كانت الرقعة تستر محل الوضوء, وحبال البلغة مشدودة عليها. فلبست أنا أمنوقا(¬2) من صوف حتى ستر المحل وقلت له : هذا ؟ قال: وهذا. ثم خرجت معه فب بعض الطريق فلقينا راجلا ببلغات في رجليه فقال له: هذه البلغات عندنا, قال نعم نعرفها يمسح عليها, فأنكرت ذلك لضعف فهمي وقلت على علمي فأجاب: وأما المسح فقد نص الفقيه البلنسي في شرح الرسالة على المسح على الهراكسة بالأمنق كما يمسح على الخفين. وهذا ينبني على القياس على الرخص, وينبغي أن يباح ذلك للرعاء, فإنه إن لم يبح لهم أخرجوا الصلاة عن وقتها. فارتكاب هذا القول هو الأحسن في حقهم لئلا يضيعوا الصلاة.
[المسح على السباط]
وسئل عن المسح على السباط الشفاري مع نعله وكثرة عروته لا يعمه المسح, هل يجوز أم لا؟ وهل يكون لبسه لضرورة أو لغير ضرورة؟ وهل يلبسهما عقب الوضوء على الفور أم لا؟
فأجاب: المسح على السباط الموصوف جائز إذا كان ساترا لمحل
[14/1] الوضوء. ومبنى المسح على التخفيف. ألا ترى أنه لا يشترط أن يتتبع غضون الخف بالمسح, ولا يشترط أن يلبس الخفين عقب الوضوء, بل لبسهما على وضوء خاصة, وأن تأخر لبسهما عن الوضوء فلا حرج. ويكون لبسهما لعادة أو للتوقي, ولا تشترط الضرورة.
[الوضوء من آنية فيها أثر إدام]
وسئل أبو عمران عن الآنية يكون فيها زيت أو ودك فيصب, ثم يصب فيها الماء فتعلوه شبابة, هل يتوضأ به أم لا؟
مخ ۱۴
فأجاب: أما اليسيرة فلا تضر.
[ما يتطاير على الثوب عند الاستنجاء]
فأجاب: إن كان أول شروعه فهو نجش, وإن كان مما بعده فهو طاهر.
[بناء الدور بماء نجس]
وسئل سحنون عن دور بنيت بماء نجس, هل يصلى على سقوفها؟ ويتوضأ بماء يجتمع منها؟
فأجاب بأن قال نعم يجوز.
وسئل عمن حمل ماء على دابة وديعة عنده تعديا, هل يتوضأ به أم لا؟
فأجاب: لا, ويتيمم, ولو توضأ به لم يعد, ولبئس ما صنع.
[بناء المسجد بماء نجس]
وسئل ابن رشد عن المسجد المبني بطين معجون بماء نجس, هل يهدم ولا يصلى فيه؟ أو تلبس حيطانه ويصلى فيه ولا يهدم؟
فأجاب: هذا هو الذي لا يصح خلافه, وجدت بذلك رواية أم لا. وقد أجاز في المدونة الصلاة وأمامه جدار مرحاض, وللمريض بسط ثوب على
[15/1] فراش نجس. فإذا لبس الحائط النجس بالطين الطاهر لم يكن لما في داخله حكم. انتهى.
[ثريد وقعت فيه قملة ولم توجد]
وسئل سحنون عن ثريد وقعت فيه قملة فلم توجد.
فأجاب: بأنه يوكل. ابن رشد: وفتوى سعيد بن نصير بطرح قصرية فقع لسقوط فأرة بها اخرجت مكانها حية, وحكاية غيره ذلك عن رواية ابن وهب شذوذ. ابن رشد: والصواب تخطئة سعيد بن نصير قول فقهاء البيرة في دقيق طحنت فيه فأرة يغربل ويؤكل. وطرح سليمان بن سالم الكندي صاحب سحنون عجين دقيق اختلطت به قملة, والحق بها غيره البرغوث, وأباه غيره وفرق بأنها كالذباب يتناول الدم, والقملة من الإنسان كدمه. ابن رشد: طرح كثير العجين اغراق, لأنها لا تنماع فيه, فلا يحرم كثيره كاختلاط محرمه بكثير نسوة, فإن خففنا بعضه لاحتمال كونها في باقيه, خففنا باقيه لاحتمال كونها فيما أكل.
[ما يخرج من الجسد من الماء بالحك]
وسئل سيدي أبو القاسم التازغندري عما يخرج من الجسد من الماء بالحك, هل حكمه حكم ما سال بنفسه أو حكم ما ينكأ؟
فأجاب بأن حكمه حكم ما سال من الجسد بنفسه, ويعفى عن قليله, ويستحب غسل كثيره. انتهى.
مخ ۱۵
قلت: وقع كلام ابن عبد السلام من نظيره ما يشهد لصحة هذا الجواب, فانظره عند قول ابن الحاجب فخلاف ما ينكأ فغنه يغسل.
وسئل سيدي عيسى بن علال عن ماء الصؤاب(¬1) الذي بالجسد إذا أخرج.
[16/1] فأجاب بان قال: لا نص فيه, والظاهر طهارته. قال ولا يغسل ما زال جلده من النفافط.
وسئل عن العضو إذا دهن بدهن ثم أراد الوضوء: هل يضيف ذلك الماء أم لا؟
فأجاب بأنه لا يضيفه ذلك. ورأيت في جواب الأستاذ أبي سعيد بن لب ما نصه: وأما مسألة الرجانة(¬2) في أعضاء الوضوء حائلة فتجب إزالتها أولا حتى تتخلص الأعضاء منها, ثم يتوضأ إن وجد ماء ولا يتيمم. وترد هنا المسألة السابقة أن على الرجل الذي تلك حرفته أن يحمل من الماء ما يكفيه للازالة والوضوء بماء واحد لقلة الماء, فقد قيل بذلك في إزالة النجاسة انتهى.
[حك الجرب في المسجد]
وسئل سيدي أحمد القباب عن رجل به جرب كثير, فإذا أتى المسجد للصلاة حك فيها فتقع قشور الجرب في المسج وهو لا يقدر على التحفظ من ذلك, هل يجوز له يجوز له دخول المسجد أم لا؟
فأجاب فلم أجد فيها نصا. ولو صلى خارج المسجد بصلاتهم إن قدر كان أحوط له.
[إصلاح النعلين في الصلاة]
وسئل ابن علال عمن أصلح نعليه وهو في الصلاة
فأجاب بأن قال: أخبرني الشيخ أبو حفص عمر الرجراجي أنه حضر عند الشيخين المفتيين أبي عبد الله محمد عبد الكريم الأغصاوي وأبي الربيع ابن عبدون السريفي وقد سئلا عن هذه المسألة, فأمر السائل بإعادة صلاته. قال وحملاه على النجاسة لأن الغالب عليه الدخول به في مواضع النجاسة, بخلاف القبقاب فإنه يغسل ولم يوجد فيه نص.
مخ ۱۶
[17/1] [هل صحن المدرسة من المسجد] وسئل هو والفقيه القصار عن صحن المدارس هل هو من المسجد أم لا؟
فأجاب أحدهما بأنه من المسجد, واجاب الآخر بأنه ليس من المسجد. وأفتى سيدي عيسى بن علال بأن جامع الجنائز ليس من المسجد.
وسئل القباب عمن ينام في المسجد ويتغطى بحصيره ويكسر حلابة المسجد خطئا.
فأجاب: أما تغطية حصير المسجد لغير ضرورة إليه فما اظنه يجوز, وأما المضطر إليه فما أدرري ما أقول فيه. وكذا من يستعمل آنية المسجد على الوجه الجائز فتكسر في يده خطأ فلا أدري ما أقول فيه. والغالب والله اعلم عدم الضمان, لكني لا اعرف فيها نصا. فإن استعملها في غير ما حسبت عليه أو اشتهزأ في تناولها وأخذها وكان ذلك سببا في انكسارها غرمها والله أعلم.
وسئل سيدي عبد الله العبدوسي عن رجل به حكة في الصلاة, فحك كثيرا من أجل ذلك ولا يخل بشيء من أقوال الصلاة وأفعالها الظاهرة, فهل يعيد لذلك صلاته أم لا؟
فأجاب أما الحك في الصلاة , فإن كان لضرورة دعته إليه بحيث لا يقدر أن يصبر, وكان يشغله الألم إن لم يحتك, فإنه يجوز له ذلك ولا يقدح في صلاته, إلا أن يطول جدا أو يشغله حتى لا يدري ما صلى, فحينئذ تبطل صلاته. وإن لم تدع إليه ضرورة وإنما استلذاذا فهذا مكروه. وفي الأثر ست من الشيطان أي من سببه, فذكر الحك. ثم إنه عن طال جدا أو شغله حتى لا يدري ما صلى أعاد, وإلا فلا.
قلت: ولم يتكلم الشيخ رحمه الله على ما يتساقط من قشور الجرب من هذا الحكاك لأنه لم يسأل عنه. وقد تقدم فيه جواب سيدي أحمد القباب في أول هذا الصفح.
[موت وزغة في طعام يابس]
وسئل اللخمي عمن وجد في زير تمر وزغة ميتة يابسة.
[18/1] فاجاب: تستعمل, للحديث: تلقى وما حولها. ويحمل على موتها في موضعها حتى يعلم غير ذلك, فإن غسل التمر فلا بأس.
[موت فأرة في مخزن زيتون]
وسئل ابن عرفة عن هري زيتون وجدت فيه فأرة ميتة.
فأجاب بأنه نجس كله لا يقبل التطهير.
مخ ۱۷
قلت: هذه مثل ما تقدم عن أحكام الشعبي فيمن ترك مطمورة مفتوحة فوقع فيها خنزير فمات فيها أنه لا يجوز بيع طعامها من مسلم ولا نصراني ولا يزرع ولا ينتفع به, ويغيب عن النصارى حتى لا ينتفع به. قيل وهو إغراق من الفتوى ومخالفة لفتوى ابن أبي زيد. وقد مر ذلك كله فراجعه قريبا.
[موت فأرة في ماء العجين]
وسئل عمن عجن دقيقا كثيرا للخبز فظهر أن الماء الذي عجن به وقعت فيه فأرة, وكان الزمان زمان مسغبة.
فأجاب: بأنه يشتري بثمن بخس ويصرف لأهل السجن. ووكل رجلا على أن يدفع له من زكاته وقال بما يظهر لك في حق أهل السجن, وإن رأيت شراء هذا فافعل. فاشتراه وجعلوه ثريدا ولم يدخل بيت النار خشية عرقه فينجس قآعته, والنار لا تطهره على الصحيح. قال بعضهم ولم يحجر عليه أنه يشتريه بما دفعه إليه. قال وهذه الفتوى قريبة المأخذ حسنة جدا.
وقال ابن عرفة رحمه الله: رأيت في النوم شيخنا ابن عبد السلام وكأن سائلا سألني عن كعك عجن بماء تغير أحد أوصافه بنجاسة, فأفتيت بانه يطرح. فقال لي الشيخ: كان الشيوخ يفتون بالتساهل. فقلت له: إذا رأيت ظاهر الرويات خالف فتوى الشيوخ تميل نفسي إلى الأخذ بظاهر الروايات وترك فتوى الشيوخ, فسكت عني ولم ينكر.
وسئل عما يجعله سطح المسجد من الرماد الذي أصله مما يجتمع من الأزبال والأرواث وغير ذلك ويحرق ويجعل على البيوت كالجير يمنع من القطر.
[19/1] وسئل عن بيت الشعر أو الخباء إذا كانت في أطرافه نجاسة أو بول حيوان لا يؤكل لحمه, هل تصح فيه الصلاة أم لا؟
فأجاب إذا كان سطح رأس المصلي يماس الحباء فهي مسألة العلاقة, وإلا فهي كالبيت المبني ولا تضره والله أعلم.
[الصلاة على سقف أو حصير تحتها نجاسة]
وسئل عن السقف إذا كانت فيه كوة تقابل مرحاضا أو غيره من النجاسات أو حصير فيه ثقب لا تصل ثياب المصلي إلى ما تحته من النجس, لكنه يستقر على الأعلى.
مخ ۱۸
فأجاب تصح الصلاة على السقف أو السرير, ويعيد الثاني لشدة الاتصال.
وأجاب الشيخ أبو القاسم الغبريني بصحة صلاة الجميع. ولما نقل الشيخ أبو القاسم البرزلي رحمه الله عن عز الدين أن من صلى إلى جنب من يتحقق نجاسة ثيابه ويلاصقه لا تجوز, قال: لا يخلو عندنا أن يعتمده أو يلاصقه خاصة, فإن كان يعتمد عليه بحيث يجلس على ثيابه أو يسجد ببعض أعضائه فكما قال, وإن لاصقه خاصة فاحفظ في الأكمال أن ثياب المصلي إذا كانت تماس النجاسة ولا يجلس عليها فلا تضره. وأما إذا استند إليه, ففي المدونة: لا يستند إلى حائض ولا جنب, فقيل إن المستند شريك المستند إليه في العبادة, وقيل بنجاسة ثيابهما, ويعيد من فعل ذلك في الوقت.
ومن هذا المعنى المسألة المنقولة عن ابن قداح: من حرك نعاله وهو في وعاء صلاته فإنه يعيد أو يقطع الشك مني, فإن كان دفع ذلك بيده مع تحقق نجاسة النعل فكما تقدم في الاستناد. وأما إن لم يتحقق نجاسة فهي من المسألة التي يغلب فيها الأصل على الغالب للضرورة فلا يضره. وأما إن
[20/1] اعتمد عليه بصدره فهي مسألة من فرش طاهرا على نجس أو متنجس, فإن كان مريضا جاز وإن كان صحيحا فقولان. وظاهر المدونة الصحة مطلقا. قال بعض حذاق التونسيين: يؤخذ منه جواز جلوس الرجل على خالص الحرير إذا جعل عليه كثيفا غيره, ويشبهه ما غشي من آنية الذهب برصاص.
قال القاضيس أبو عبد الله المقري رحمه الله: تكلم الفقيه أبو زيد بن الإمام يوما في مجلس تدريسه في الجلوس على الحرير, فاحتج إبراهيم السلوي للمنع بقول أنس, فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس, فمنع أبو زيد أن يكون إنما أراد باللباس الافتراش فحسب, لاحتمال أن يكون أراد التغطية معه أو وحدها. وذكر حديثا فيه تغطية الحصير, فقلت كلا الأمرين يسمى باسا. قال الله تعالى: هن لباس لكم وأنتم لباس لهن. وفيه بحث انتهى.
مخ ۱۹
وحكى هذا التونسي المذكور عن القرافي عن الأبياني أن من نزع نعله لنجاسة أسفله ووقف عليه جاز, كظهر حصير, يريد في صلاة الجنازة خارج المسجد. قال ومثله في النوادر عن المجموعة من رواية علي.
ثم قال فإن قلت: النظر يقتضي اعتبار نجاسة أسفل النعل والحصير بقياس منطقي وقياس فقهي. أما الأول فنقول في النعل والحصير هذا نجس, وكل نجس لا يصلى عليه, فهذا لا يصلى عليه. بيان الصغرى بصدق سلب الطهارة عنه, وإلا لجاز للمصلي حمله. وأما الثاني فنقول هذا نجس لا يصلى عليه قياسا على امتناع الصلاة به, وبيان الوصف الجامع يصدق بسلب الطهارة عنه كما مره.
فالجواب أن الصغرى في القياس الأول كاذبة, إذ لا يصدق أنه نجس كله, بل بعضه. وإذا تم القياس على هذا الوسط كانت الكبرى مصادرة لأنها محل النزاع. والاستبدال على نجاسته بصحة سلب الطهارة عنه مردود بكذب هذا السلب بما بين به كذب الصغرى. وغنما لا يحمله المصلي لأن بعضه نجس حقيقة كما حقق به الباجي قول ابن القاسم في مسألة المتوضىء
[21/1] بماء حلته نجاسة ولم تغيره. وكذا الحملية في القياس الفقهي هي أيضا كاذبة بما بين به كذب الصغرى في القياس المنطقي.
[المشي بالنعل في المسجد]
وسئل أبو زرعة أحمد بن أبي الفضل زين الدين عبد الرحيم العراقي عن المشي في المسجد بالنعل التي يمشي بها في الطرقات إذا لم تكن بها نجاسة, هل هو مكروه أو لا؟ وهل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في نعليه كانت في المسجد أم لا؟
مخ ۲۰