PARATEXT|
بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وءاله
1 حكاية مائة ليلة وليلة
[1.1]
قال الشيخ فهراس الفيلسوفي:
سمع بكتابي هذا ملك من الملوك اسمه دارم.
قال فهراس: فبعث الى ان ناتيه فاتيته فلما دخلت قصره بقيت في ضيافته شهرا
~~كاملا فلما كمل الشهر امر باحضاري فحضرت بين يديه وقال لي: اريد ان اسئلك.
فقلت له: اسئل عما شئت.
فقال: اخبرني عن مائة ليلة وليلة واحضر لي كتابا تجمع فيه الحديث من اوله
~~الى ءاخره.
قلت له: نعم.
[1.2]
بلغني ايها الملك والله اعلم بغيبه واحكم انه كان في ارض الهند ملكا
~~عادلا في رعيته وكان له في كل عام مهرجان عظيم يجتمع فيه هو واصحابه وارباب
~~دولته ويامرهم ان يلبسوا ثياب الحسان وياتيهم بالطعام والشراب فاذا اكلوا
~~وشربوا يدخل الملك الى قصره ويغيب عنهم ساعة ثم يخرج اليهم في احسن زينة
~~فيجلس على سرير ملكه فيامر بمراية عظيمة من الهند وضعت على عجلة من حديد
~~فينظر فيها وجهه ثم يقول لاصحابه وارباب دولته: هل تعلمون احدا في الدنيا
~~احسن مني صورة؟
فيقولون: لا ايها الملك.
قال: فيتباشر لذلك.
[1.3]
فلما كان في بعض السنين فعل كما يفعل في كل عام فقام اليه شيخ كبير من
~~كبراء اهل دولته فقال له: ايها الملك اياك والاعجاب بنفسك فاني دخلت
~~الامصار وجلت البلاد رايت بارض بابل بمدينة خرسان شابا من ابناء التجار
~~اجمل منك وله جمال بارع وحسن رايع.
فقال له الملك: كيف السبب في حصوله بين يدي؟ فاذا كان كما ذكرت فلامدنك
~~بالمال وان كان غير ذالك فوالله لانتقمن منك اشد الانتقام.
فقال له الشيخ: لا يصل اليك الا بالمال والهدايا.
فقال له الملك: لك ذلك.
[1.4]
قال: فاخذ الشيخ كلما يصلح له في الامتعة والهدايا وصنع سفينة عظيمة وركب
~~الشيخ ومن معه فيها واقلعوا وسافروا بريح طيب مدة من شهرين كاملين حتى
~~قربوا من مدينة خرسان ودخلوا المرصى فنزل الشيخ من السفينة وهبط ما معه من
~~الدخاير والاموال واوصى بالمركب احدا من اصحابه واشترى دوابا وحمل عليهم
~~جميع ما اتى به من بلاد الهند وسار نحو مدينة خراسان فلما دخلها قصد الى
~~احسن فنادقها فاكترى فيها مصرية مليحة حسنة ووضع جميع متاعه ودخايره فيها
~~واراح نفسه.
[1.5]
فلما كان بعد ثلاثة ايام خرج وسار نحو حانوت الخرساني بسوق العطارين فلما
~~وصل اليه سلم عليه وجلس بازايه والفتى ابنه جلس على مضربة من الديباج وعلى
~~راسه عمامة بيضا كما قال الشاعر:
بعمامة من خده او خده منها اشرق ~
فكانه وكانها بدر يغيب بالشفق ~
فاذا دنى واذا رنا واذا تبسم او نطق ~
شغل الجوارح والجوانح والحذق ~
قال: فلما دخل الشيخ الهندي في حانوت الخرساني والد الفتى عرض عليه من
~~بعض ما اتى به من الذخاير.
[1.6]
قال: فتعجب العطار من ذلك لانه ما عهده قط في بلاده.
قال الشيخ الهندي: تعلم يا ابا محمد اني ما قصدت من ارض الهند الا اليك
~~لما سمعت من فضلك وودك وحسن عشرتك؟
فقال له الخرصاني: بارك الله فيك واعاننا على اداء حقك انا اتصرف لك في
~~جميع احوالك واجتهد في بيع ما اجلبته في غاية الاجتهاد ان شاء الله.
وفال له الهندي: جزاك الله عنا خيرا.
ثم ان العطار دعا عبدا من عبيده وكلمه بكلام لم يفهمه الشيخ ثم عطف
~~الخرصاني على الهندي وقال له: يا سيد بفضلك عسى ان تتفضل وتسير الى منزلي
~~وتاكل من طعامي ويكون بيني وبينك دمام وعهد كريم مؤبد.
فاجابه الهندي الى ذالك وسار معه والفتا معهما.
[1.7]
فلما وصل الى باب الدار قرع الفتا الباب واذا بجارية خلف الباب كانها غصن
~~بان او قضيب خزران فلما راتهم قبلت الارض بين ايديهم فقال لها مولاها:
~~اصنعي لنا الطريق.
فغابت عنهم ساعة ثم رجعت واذنت لهم الدخول.
فدخلوا فراوا دارا حسنة البناء واسعة الفنا فقصدوا الى مجلس قد فضى فيه
~~الهوى ختامه ونشر اعلامه قد فرش بالديباج المدثر وحصر السادات ولبود
~~الطلقان ونمارق الخسروان وعلى يمين المجلس سرير وعلى يسره سرير كذلك قد قام
~~على قوايم الذهب فجلس كل واحد على مرتبة.
[1.8]
وعطف العطار على ولده واومى اليه بكسر اجفانه لا بعبارة لسانه فاحضر من
~~حينه الجوار وقدمت الجفون بانواع لذيذ الطعام واكلوا بعد الاعدام مثل طعام
~~الخبز وغيره واللحم من البهايم والطيور من غذاء اهل خراسان من الاطعمة فبقى
~~الشيخ عند الخرساني في بر وكرامة مدة من ثلاثة ايام ثم نزله بازاء داره
~~وجعل له فيها ما يصلح به من الفراش والاواني واتخذه صاحبا وقسم الا ياكل
~~ولا يشرب الا معه في كل يوم حتى صاروا كروحين في جسد واحد ثم ان الشيخ
~~الهندي عطف على الخرصاني وقال له: اني اريد ان اعرض عليك جميع ما ءاتيت به
~~من بلاد الهند وغيرها.
[1.9]
فلما وقف الخرصاني على جميع ذلك ورءا ما لم يرا قط قال له الهندي: يا ابا
~~محمد الم ترسل ولدك معنا الى بلاد الهند حتى اعرفه بالملوك والراسا والتجار
~~ويكون عندهم معروفا مكروما محفوظا ويتعلم التجارة؟ فانه من اهلها وما اراه
~~الا كيسا لبيبا وحادقا.
[1.10]
قال له الخرصاني: انه قريب العهد بالعرس ولا يمكنه السفر الا بعد تمام
~~العام وايضا فلا احد مثلك في الصحبة اذا كنت تقيم عندنا الى ان يوفي حوله
~~نبعثه معك اكراما لك.
قال: فبقا الشيخ حتى تم الفتا عاما ثم اقبل الخرصاني على ابنه وقال له:
~~يا زهر البساتين خذ على نفسك وتاهب للسفر مع الشيخ الى بلد الهند لتنظر
~~وترى المداين وتعرف الملوك والتجار.
فقال له: يابت السمع والطاعة لله ثم لك.
[1.11]
قال: فنظر ابوه فيما يصلح لابنه من السفر وخرج على باب المدينة ونزل بقرب
~~المنازل منها ثم ان الفتا لما تودع من ابنة عمه نسي في داره بعض حوايجه
~~فقال للشيخ: يا سيدي نسيت في داري حاجة فتربص حتى اعوذ اليك.
[1.12]
ثم انه اتى الى منزله فوجد باب داره مفتوحا فدخل الدار وصاح بابنت عمه
~~فلم تجبه فاتى الى سريره ورفع الستر ونظر فاذا بابنت عمه نايمة والى جانبها
~~اسود نايم معها.
[1.13]
فلما راها على تلك الحالة حيل بينه وبين عقله فرد يده على قايم سيفه
~~ودبحهما وجعل راس الجارية على صدر الاسود وراس الاسود على صدر الجارية
~~وانصرف الى الموضع الذي ترك فيه الشيخ فلما وصل ونظر فيه الشيخ فوجده قد
~~تغير لونه وشكله ثم ان الشيخ سال الفتا عن امره فكتم الفتا عليه امره ولم
~~يطلع احدا على حاله وسار حتى وصل الى السفينة.
[1.14]
فمشوا في البحر اياما والفتا ما يزداد كل يوم الا تغيرا حتى وصلوا الى
~~مدينة الملك قاعدة مداين الهند وفيها تحط السفن الواصلة من جميع البلاد
~~فلما وصلوا الى المرسى عمدت الزوارق وخرجوا الناس في احسن زينة وخرج الملك
~~على فيل عظيم وعن يمينه عشرة علامات من انواع الحرير وفي اطراف الاسنة
~~احجار من الياقوت لها لمعان يكاد يخطف الابصار.
[1.15]
فهبط الشيخ الهندي مع الفتى زهر البساتين في زورق حتى وصلا الى البر فاتى
~~الشيخ الى الملك وسلم عليه فلما نظر الملك الى الفتا قال للشيخ بلسان
~~الهندي: يا مدبر الرياسة.
وكان الشيخ يدعى بهذا الاسم وقال له: اين ما ذكرت لي من جمال هذا الفتى؟
فقال له: موعدك يا مولاي اصابه في الطريق مرض شديد وهو الذي غير لونه
~~وصفاته.
[1.16]
فامر الملك بانزاله في دار الكرامة وان يجري عليه النفقة الى ان يجد
~~الراحة ويزيل عنه تعب السفر وكانت هذه الدار بازاء قصر الملك وكان الشيخ
~~مدبر الرياسة يفتقد الفتا في كل يوم بالمعاجن والادوية والاشربة وكلما يعلم
~~انه يصلح به والفتى ما يزداد كل يوم الا تغيرا وسقما.
[1.17]
فبينما الفتى ذات اليوم متفكرا فيما اتفق عليه من ابنة عمه وكيف وجدها مع
~~الاسود اذ اذهبت عقله وكاد ان يموت غما مما اصابه من الفكرة فقام على قدميه
~~واقبل يدور بالدار من مكان الى مكان فرءا بابا صغيرا فدفعه فانفتح فنظر الى
~~ادراج مصنعة من الرخام المجزع فصعد عليهم الى اعلى الدار فوجد الى اعلاها
~~قبة لها اربعة ابواب يستنشق منهم الارياح الاربعة ابوابها من الصندل الاحمر
~~والعاج والابنوس مسمرة بمسامير الذهب والفضة ففتح تلك الابواب واقبل يجلو
~~بصره اذا اشرف على قصر الملك فرءا في وسطه بستانا فيه ثمار باسقة واطيار
~~ناطقة وامياه تخرج من افواه التماثيل على سهاريج مصنوعة من الرخام المجزع
~~وفي وسط البستان شجرة عالية ملتفة الاغصان متدلية الاقطار فكانها فسطاط
~~مضروب او خباء منصوب.
[1.18]
قال: فبينما هو اقبل يجول ببصره ويستنشق نسيم تلك الازهار ويتسلا بتغريد
~~الاطيار اذا سمع في جيهة البستان حسا فالتفت نحوه فاذا بباب قد انفتح في
~~جيهة تلك البستان فخرج مقدار اربعين جارية عليهن الحلي والحلل كانهن
~~الاقمار وبينهم جارية كانها شمس ضاحية فجسدها من النور او تكون من صفاء
~~البلور للورد منها الخدود والغزلان منها الجبهة والحدق عليها حلة نسجها
~~ذهبا وعلى راسها تاج مكلل بانواع الجواهر منجم باحجار الياقوت وعلى جبينها
~~اكليل وقد تزينت باحسن الزينة والجوار بايديهن الطنابر والعيدان والمعازف
~~والمزامر والشيران واقبلن على الرقص في الشعور والاشارة بالاكمام حتى
~~توسعوا في وسط البستان.
[1.19]
فعندما وصلن منه ارفع المراتب انبع الهوى من كل جانب فلا تسمع الا اصوات
~~المغاني على اصطفاق المثالث والمثاني ولا ترى الا ركض الارض بالاقدام
~~واشارة الجو في الاكمام.
فلم يزلوا على ذلك ساعة من النهار.
قال راوي الحديث: ثم ان الجارية صاحت بالجوار صيحة فلم يبق منهن حولها
~~واحدة الا فرت واختفت واذا بالجارية قد قامت ومشت في البستان حتى وصلت الى
~~الشجرة العالية العظمى الذي تقدم وصفها فدخلت تحتها وضربت برجلها الارض
~~واذا بالدفة قد ارتفعت على فم دهليس وخرج منه اسود مثل النخلة السحوقة ام
~~الفرع اللحوق وقد تهدلت شفتاه وتبرقت عيناه.
[1.20]
قال لها: يا ابنة الزانية تركتني ها هنا اقاصي حياض الموت واشتغلت بطعامك
~~وشرابك.
فقالت له: يا سيدي وحق راسك علي ما كنت الا مشغولة باشغال الملك وما كان
~~غرضي الا نقتله ونهلكه لكي انفرد بك فما قدرت على ذالك ولا وجدت اليه من
~~سبيل وانا عازمة على قتله واعمل الحيلة في هلاكه.
قال: فتبسم الاسود عند ذلك وقهقه في ضحكه وقال لها: لله درك ما خفيت علي محبتك.
ثم ضرب بيده على الجارية واضطجعها على الارض وقعد منها مقعد الرجال من
~~المراة.
[1.21]
فلما رءا الفتى الخرصاني ذالك قال في نفسه: اواه احزن انا على ابنت عمي
~~وهذه امراة الملك لها الجوار وصنوف الحلي والحلل والمال والاكل الهني
~~والشرب الروي وخانت الملك على ما له عليها من النعم كيف انا ولا اصل الى
~~عشر معاشره في الرفعة والهيبة والمال؟ ثم انشد يقول:
ان النسا وان وصفن بعفة
من لا يقاس من الامور ويفهم
لحم يطوف به كلاب جوع
ان لم تصنه فانه يتقسم
اليوم عندك سرها وحديثها
وغدا لغيرك فمها والمعصم
كالبيت تعمره ويصبح خاليا
ويسكن فيه بعدك من لا يعلم
قال: فلما فرغ الفتا من انشاد شعره قال: والله لا امسكت في قلبي مما كنت
~~امسكه ابدا.
وغلق الباب ونزل الدار واقبل على الطعام والشراب فلم تاتي عليه عشرة ايام
~~الا والفتا قد عاد اليه حسنه وجماله.
[1.22]
فسر الشيخ بذلك سرورا عظيما ثم قبله بين عينيه وانصرف راجعا الى الملك
~~واعلمه بالخبرفامر بالمهرجان على عادته وبرح في جميع بلاده ان ياتوا اليه
~~جميع الناس في احسن زينتهم وارفع لباسهم لحضور المهرجان ووعدهم ليوم معلوم.
[1.23]
فلما جاء الوقت المعلوم اجتمعت الناس اليه حاضرة وبادية وتزينوا باحسن
~~الزينة وتزين الملك بالزينة التي كان يتزين بها وامر لاصحابه بالثياب
~~الحسان وتزينوا وجلسوا على الكراسي وامر لفتيانه فتزينوا بثياب الديباج
~~وتمنطقوا بمناطق الارجوان المرصعة بالذر والمرجان وامسكوا بايديهم المذانب
~~والمراويح ثم ان الفتى الخرصاني امر عليه الملك بكسوة حسنة وتزين باحسن
~~زينة خرسان ودخل على الملك.
[1.24]
قال: فلم يبق في المجلس احد الا قام اليه لينظر الى جماله وكماله ثم ان
~~الملك ضرب بيده على يد الخرصاني واجلسه على سريره وامر له بتاج فالقاه على
~~راسه واكليل على جبينه وامر الملك بالمراءة الهندية فسيقت اليه على عجلة
~~حتى مثلت بين يديه ثم ان الملك نظر وجهه في المراية ونظر في وجه الفتى
~~الخرصاني وصورته في المراءة ثم دعى باهل مجلسه فقال لهم: اصدقوا ولا تقولوا
~~الا الحق من اجمل انا والا هذا الفتى؟
[1.25]
فقالوا له: ايها الملك والله ما راينا اجمل منه في زماننا هذا.
فقال لهم الملك: صدقتم وبالحق نطقتم.
ثم امر برد المراءة الى موضعها وامر باطعام الطعام للناس بادية وحاضرة
~~فلما فرغوا من الاكل امرهم بالانصراف وبقى الفتى مع الملك.
[1.26]
فقام الملك على قدميه وضرب يده على قايم سيفه وسله من غمده واوماه على
~~الفتى ليقسمه نصفين فقال له الفتى: ولم هذا ايها الملك وما اذنبت لك ذنبا؟
فقال له: لا بد من قتلك ان لم تخبرني ما الذي غير صورتك ولونك حين وصولك
~~الى بلدي.
[1.27]
فقال: ايها الملك كان من قصتي كذا وكذا وقص عليه قصته مع ابنت عمه وكيف
~~وجدها مع الاسود وكيف قتلهما وان ذلك غير صورتي وافسد مزاجي لما دخل قلبي
~~من الغم والفكرة.
[1.28]
ثم اخبر الملك مما رءا في بستانه وخروج الاسود من الدهليس وما اتفق مع
~~الجارية وتدبيرها في هلاكه فلما رايت ايها الملك ما رايت عزيت نفسي وتركت
~~الفكرة وطرحت الهم من قلبي ورجعت الى النظر في امري من الاكل والشرب حتى
~~اتت الي صحتي وعاد الي حسني وجمالي.
[1.29]
قال: فلما سمع قوله عطف عليه وقال له: من لي بصحة ما ذكرت من امر الجارية
~~والاسود؟
فقال له: تسير معي الى الدار الذي انزلتني فيها فنصعد انا وانت الى القبة
~~حتى ترا ذالك بعينك.
فقام الملك وقال: هذا يوم راحة وفرجة.
ثم اخذ بيد الفتا وقال له: سر امامي.
[1.30]
فمشا معه الى الدار وصعدا الى القبة وفتح له باب الطاقة الذي يشرف منها
~~على البستان واقبل معه في الحديث والاخبار الحسان.
قال: فبينما هما كذلك اذا سمعوا جلبة عظيمة فتامل الملك نحوها واذا
~~بالجوار قد خرجن والجارية معهن على حسب العادة حتى وصلو الى البستان واقبلن
~~على الملاهي والرقص في الشعور.
[1.31]
فادركت الملك الغيرة وقال للفتى: اين ما ذكرت لي؟ وانما اردت الكشف عن
~~حريمي وتعلم ان الملوك لا يصبرون على ثلاثة اشياء: القدح في الملوك والتعرض
~~للحريم وافشاء السر.
فقال له الفتى: لا تعجل ايها الملك واصبر قليلا ترى عجبا.
[1.32]
قال: فبينما هما كذلك واذا بالجارية قد صاحت على الجواري فهربن واختفين
~~واقبلت الجارية الى الشجرة المذكورة فضربت برجلها الارض وارتفعت الدفة عن
~~فم الدهليس وخرج منها الاسود فضرب بيده على يد الجارية وعاتبها على مغيبها
~~عتابا شديدا فاعتذرت له مثل عذرها الاول فقضى حاجته منها والملك ينظر اليه.
[1.33]
فقال له الفتى: كيف رايت ايها الملك؟
فقال له الملك: لا ملام عليك.
[1.34]
ثم ان الملك نزل ودخل الى قصره فاخذ الجارية والجوار التي كنا معها فضرب
~~رقابهن واحضر الاسود فقتله واخذ راسه وراس الجارية وجعلهما في طاسة ووجههما
~~للفتى الخرصاني.
فلما دخل عليه ونظر الى الراسين فقال له: ايها الملك ما هذا؟
قال: هما راس الاسود والجارية.
ثم ان الملك حرم على نفسه زواج النساء.
[1.35]
واقام مع الفتى الى ان اشتاق الفتى الرجوع الى اهله فاعلم الملك بذلك
~~فهيا له مركبا وساق له مما في بلاد الهند من الدخاير النفيسة والسلع وودعه
~~وانصرف الفتى الى ابيه.
[1.36]
قال: وبقى الملك زمانا طويلا لم يتزوج ثم بعد ذالك تزوج ابنة حسنة وبات
~~معها الى الصبح وقتلها وصار كل ليلة يدخل بابنة ويقتلها صباحا حتى اتى على
~~جميع بلده ولم يبق الا جاريتين للوزير فخطب الملك احدهما وكان اسمها
~~دينارزاد فلم يسمعه الا ان قال له: قد اعطيتك.
[1.37]
ودخل الوزير على اهله وهو مهموم.
قال له ابنته الثانية وكان اسمها شهرزاد: ما لي اراك مهموما؟
قال: كيف لا احزن والملك خاطبني في اختك يبيت معها ليلة ويقتلها ويكمل بك
~~انت في غد؟
فقالت له: لا تحزن وامضي له وقل له ان البنات استانسوا ببعضهم بعضا ولاكن
~~اخطبهم الاثنين مني وادخل الليلة بدينارزاد وغدا بشهرزاد وتكون عند اختها
~~ببيت اخرى تستانس بها.
[1.38]
قال الملك: نعم انا اقبلتهما.
قال الوزير: وانا اعطيتهما لك.
فدخل الملك بدينارزاد فلما قرب الاجل الذي يقتل فيه الملك ازواجه قالت
~~دينارزاد: يا ختي يا شهرزاد تعالي حدثي الملك باحاديثك الحسان.
قالت: نعم.
فبدات تحدثه من حديث محمد بن عبدالله القيرواني.
فلما سمع كلامها اعجبه واطلع عليه النهار فقالت شهرزاد: والله ان خليت
~~اختي الى الليلة المقبلة لاحدثنك بحديث اغرب من هاذا.
قال لها: نعم.
ثم انه طبع بطابعه وخرج الى مجلس حكمه لتدبير مملكته.
[1.39]
قال: ثم اتى الليل فنام الملك والجارية الى الوقت المعلوم حتى انتبه الملك.
فلما احست به نادت: يا ختي يا شهرزاد تعالي حدثي مولانا باحاديثك الجياد.
فبدات تحدثه من اين وقفت في الليلة الاولى الى ان اصبح الله بخير الصباح
~~صنع بها مثل اليوم الاول فبقت تحدثه كل ليلة بحديث الى ان وفت ماية ليلة
~~وليلة طلعت دينارزاد حاملا من الملك فاعطاها الامان وبطلت شهرزاد الاجتماع به.
2 حديث الفتا التاجر
2.1
[2.1]
قالت ذكروا والله اعلم بغيبه واحكم انه كان رجل من بني التجار ذو مال جزيل وحال عظيم وكان له ولد املح خلق الله تعلى صورة فعلمه ابوه جميع الاذب والاخبار وما يمكنه ان يعلمه اولاد التجار.
فلما ان حضرت وفات التاجر والد الفتى دعا بابنه وقال له: يا ابني اني ميت لا محالة ولاكن اوصيك بوصية فاقبلها مني ولا تخالفني فتندم.
فقال له الفتى: وما هي يا ابي؟
قال له: يا بني لا تتجر بدين لا لك ولا عليك.
قال: نعم يا ابت.
[2.2]
ثم قام بعد ذلك ابوه اياما يسيرة وتوفي رحمه الله فاخذ ابنه ماله كله حتى اجتمع له الفين من الدنانير فقال الفتا في نفسه: اني ارجع في موضع ابي فالزم فيه البيع والشرا والاخذ والعطا ولا ابيع بدين كما اوصاني ابي ولا اشتري بدين.
فطلع في حنوت ابيه فصار يبيع ويشتري كما امره ابوه مدة من عام كامل فلما تم العام اشتهر الفتى عند جميع التجار انه لا يبيع بدين ولا يشتري بدين.
[2.3]
قال: فبينما هو ذات يوم جالس في حانوته واذا بالدلالين قد اتوا اليه وقالوا له: ايها الفتى انت عندك الفين دينار فان عزمت ان تطلع الى حانوتك سلاع ومتاع باثنى عشر الف دينار مكناك من ذلك.
قال لهم الفتى: بما يمكن ذلك؟
فقالوا له: نبيعوا لك سلعة بعشرين الاف دينار فبع واعط لارباب السلع وتاخذ مثلها فايدة وتعطينا الاجرة لا زايد.
ولم يزالوا يلحون عليه حتى انعم لهم بذلك ونسي وصية ابيه اليه فاتوه الدلالون بالسلع والامتعة من كل جانب فاخذها ودفع لكل واحد من الدلالين اجرته فما اذن العصر الا وقد دفع الالفي دينار وامتلات عليه الخزاين بالامتعة والسلع.
[2.4]
فبقي الفتى بقية يومه الى اليل لم يبع شيئا ولم يشتري شيئا وسار الى منزله فلما اصبح الله بخير الصباح اتى الفتا الى الحانوت وقام فيها يومه الى اليل لم يبع شيئا ولم يشتري شيئا فشق ذلك عليه واهتم لذلك هما عظيما.
ثم سار الى منزله وهو مهموم حزين متفكر في وصية ابيه وقد ندم ندما شديدا على ما عمل وقال في نفسه: كيف تكون الحيلة اذا اتى الي بعض اصحاب الامتعة يطلبون متاعهم؟ ما يكون قولي اليهم؟ نبيع متاع هذا واعطيه لهذا واخسر اموال الناس ومالي بينهم.
[2.5]
قال: فبينما هو كذلك جالس عند باب داره واذا بشيخ كبير من اصحاب ابيه قد خلط عليه فسلم عليه فرد الفتى عليه السلام فقال له الشيخ: ما الذي اصابك ودهاك واعتراك؟
فقال له الفتى: يا سيدي اني قد عصيت ابي ولم اقبل وصيته ولا عملت بها فخسرت الفي دينار في يوم واحد.
[2.6]
فقال له الشيخ: ادخل الى دارك وتمارض فيها ولا يدخل ولا يخرج عليك احد ومن سال عنك قل له مريض.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت على الكلام فقام الملك متعجبا من حديثها وغلق عليها الباب وخاتمه بطابعه وانصرف الى مجلس حكمه.
2.2 الليلة الثانية
[2.7]
قال فهراس الفيلسوفي:
فلما كانت الليلة القابلة اتى الملك على عادته وفك الطابع ونام مع
~~الجارية الى الوقت المعلوم نادت دينار زاد: يا اختي شهرزاد حدثي سيدنا
~~الملك باحاديثك الحسان.
قالت: نعم.
[2.8]
وذلك انه تمارض الفتى وبات الشيخ تلك الليلة فلما اصبح الله بخير الصباح
~~مشا الشيخ الى السوق وجلس في اول حانوت من حوانيت التجار وكانوا يعرفونه
~~بالصلاح والسداد وكان يكثر الجلوس عند الفتى التاجر فسئلوه التجار على
~~الفتا فقال لهم انه مريض فما زال يمشي من حانوت الى حانوت فاذا ساله احد
~~على الفتى يقل له مريض الى ان دار بالسوق كله من اوله الى ءاخره حتى اعلم
~~من في السوق انه مريض.
[2.9]
فلما كان في اليوم الثالث ظم الشيخ الى نفسه عشرة من المشايخ واخذ مناديا
~~واتوا الى السوق وقال لهم: ايها الناس رحمكم الله من به منكم خيرا وسهل
~~عليه فليحضر جنازة الشاب التاجر الزكي جنازة محمد بن عبد الله القيرواني
~~توفي البارحة رحمه الله.
قال: فضجوا الناس ثم تاسفوا عليه فاتى الى الحانوت واخذ شقة وقطع منها
~~كفنا واعطى بعض دراهم لرجل ليشتري حنوطا وما يحتاج اليه من جهاز الميت.
[2.10]
فلما راوا التجار اصحاب الامتعة ذالك اتوا الى الشيخ وقالوا له: ايها
~~الشيخ ان الفتا قد اشترى منا متاعا كثيرا ولم يدفع لنا شيئا من ثمنه.
فقال لهم الشيخ: اني لا اعرف شيئا مما تقولون لانه كان يتجر بماله ولا
~~يشتري بدين ولا يبيع بدين.
فقالوا له: انما اموالنا عنده.
قال: فعند ذلك نادى الشيخ: يا اهل السوق هل تعلمون ان هذا الفتى مند طلع
~~عندكم الى هذا الحانوت كان يتجر بدين ام لا؟
فقالوا له كلهم: ما راينه قط يتجر بدين ولا يبيع بدين.
فبقوا حايرين لا يدرون ما يصنعون.
[2.11]
وكان فيهم تاجرا قد جرب الامور ومارس الدهور فقرب من الشيخ وسره في اذنه
~~وقال له: يا سيد ايذهب مالي كله؟ فدلني على ما اصنع.
فقال له الشيخ: اشتري مالك بما لك اعطني دينارا اجرة ودينار زايد وخذ مالك.
فقال له: نعم.
فاعطاه التاجر دينارين واخذ ماله كله وانصرف التاجر فاتوه جميع التجار
~~الى الشيخ وقالوا له: ما لك تدفع لهذا متاعه؟
قال لهم: نعم ان الفتا ما مات حتى اوصاني.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت على الكلام.
2.3 الليلة الثالثة
[2.12]
قالت وذلك يا مولاي فاتبع الشيخ تاجر ءاخر وساله عن القصة فاعلمه بالخبر
~~فما زال كذلك كل واحد من التجار اصحاب الامتعة يعطي دينارين وياخذ متاعه
~~حتى ظم الشيخ للفتا متاعه وزيادة الف دينار وجعل ذلك كله في حانوت الفتا
~~وغلق الخزاين والحانوت وانصرف الى دار الفتى مع جملة الناس وهو يبكي
~~واصحابه يبكون واشياخ الموضع معهم والكفن والحنوط بايد احدهم.
فلما قربوا من الدار سمعوا ضجة كبيرة وولاول قد قامت في الدار حتى استجاب
~~لها تلك النواحي من شدة الفرح والصياح.
[2.13]
وكان الشيخ قد وصاهم وقال لهم اذا انا اتيت مع الناس والمشايخ الى باب
~~الدار قوموا باجمعكم بالولاول واخرجوا الينا من بعض الطريق وقولوا لنا ان
~~مولانا قد عاش والذي قد اصابه من غم اغمي عليه واليوم زال عنه وقد افاق.
فلما خرجوا الخدام وتلقوا الناس قال الشيخ: ما الخبر؟
قلن له: ان مولانا قد افاق من اغمايه.
فسر الشيخ بذلك سرورا عظيما ورد الشيخ راسه الى الاشياخ وشكرهم على فعلهم
~~الجميل بعدما كان شيع المال الى دار الفتى ثم اخذ الكفن والحنوط وتصدق بهم
~~وانصرف القوم ودخل الشيخ على الفتى وقال له: كيف رايت يا ابني محاولتي اليهم؟
فقال له الفتى: لله درك يا عم.
[2.14]
فقال له الشيخ: اياك ان تعود الى مثلها واحفظ وصية ابيك.
ثم قال له: اقم في دارك ولا تظهر لاحد ثلاثين يوما ولا يدخل عليك احد.
فقال له: نعم
قال: فاقام ما امره به الشيخ فلما تمت له ثلاثون يوما نظر الفتى في
~~الخروج من المدينة والسفر وكان والده ايضا قد وصاه وقال له: يا ابني اذا
~~مشيت مسافرا في رفقة فلا تمش معها بل تقدم بعشرة اميال او تاخر بمثلها.
ثم ان الفتى تودع من اهله ومن الشيخ وسار يقطع الارض بالطول والعرض.
[2.15]
قال فبينما هو يسير يوما من الايام في الطريق وقد تقدم على الرفقة نحو
~~عشرة اميال اذا سمع صوتا يناديه باسمه: يا محمد بن عبد الله القيرواني.
فجال وبصره نحو الصوت اذا نظر الى حجر نابت على حاشية الطريق فقرب منه
~~فاذا خلف الحجر جارية وهي عريانة لا يواريها شيء فقال لها: من انت يا جارية؟
فقالت له: انا ابنت فلان التاجر.
وانتسبت الى تاجر من اصحاب ابيه وكان الفتى يعرفه.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت على الكلام.
2.4 الليلة الرابعة
[2.16]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك لما قال لها ابن التاجر: ما الذي القاك في هذا
~~الموضع يا جارية؟
قالت له: اني سافرت مع ابي فخرج علينا اللصوص وقتلوا اهل القافلة واخذوا
~~ابي اسيرا ففرت انا على وجهي الى هذا الموضع ولاكن يا سيدي قد استجرت بك.
فالقى الفتا عليها ثوبا من ثيابه واردفها خلفه وسار بها الى موضع النزول
~~فانزلها في موضع وضرب لها فسطاط فلم تكن الا ساعة واذا بالرفقة قد لحقت
~~عليهم فامرهم بالنزول فنزلوا ثم دفع الى احد عبيده دراهيم فاشترى له كبشا
~~فذبحه وصنع منه طعاما واطعم اهل الرفقة واخذ من اللحم والخبز وجعله في طبق
~~واتى به الى الجارية فنظر اليها والى وجهها كانه فلقة قمر او سبكة فضا.
[2.17]
فاعجبته وقال في نفسه اذا جن اليل ونامت العيون نسير اليها ونقضي منها وطري.
فلما جن اليل ونامت العيون قام الفتا ومشى الى تلك الجارية فلم يجد لها
~~خبر فتعجب من ذالك وقال: يا ليت شعري ما هذا الامر ومن هي وهل هي من الانس
~~ام من الجن؟
وبات تلك الليلة متفكرا في امرها فلما اصبح الله بخير الصباح رحلت الرفقة
~~وربط ناقته ومشا امام الرفقة.
فبينما هو في بعض الطريق اذا نودي باسمه: يا محمد بن عبد الله القيرواني.
[2.18]
فالتفت ينظر فرءا الجارية خلف الحجر على قرعة الطريق على الصورة التي
~~كانت عليها بالامس فقرب منها وسلم عليها فقالت له: يا غدار اردت بالامس ان
~~تخون العزيز الجبار فهل لا صبرت على نفسك حتى يكون حلالا ما لم يكن حرام
~~ولاكن الذنب مغفورا لك لانك شابا صغير السن لم تجرب الامور.
ثم ان الفتا اعطاها ثوبا فالبسته واردفها خلفه وسارت معه الى الموضع
~~النزول فنزلها عند القافلة وضرب لها الفسطاط على سبيل العادة ولم يبرز منه
~~شيء في يومه كله فلما كان في جوف اليل قام اليها ليفعل بها ما اراد ان
~~يفعله في الليلة الاولى فلما وصل ودخل الفسطاط لم يجد لها خبر ولا وقع لها
~~على اثر.
[2.19]
فصار يطلبها في الرفقة فلم يجدها فبقي الفتى متعجبا في ذلك فبات في قلق
~~فلما اصبح الله بخير الصباح ورحلت القافلة وركب الفتا دابته وسار يقطع
~~الارض بالطول والعرض امام القافلة على عادته فبينما هو يسير في فلات من
~~الارض اذا سمع الندا: يا محمد بن عبد الله القيرواني.
فالتفت فاذا هو بالجارية عريانة فسار نحوها وسلم عليها فردت عليه السلام
~~وقالت له: يا غدار اردت البارحة ان تعصي العزيز الجبار واردت ان تفعل ما
~~اردت تفعله الليلة الاولى ولاكن الذنب مغفورا لك لانا خلقنا للرجال فتنة.
[2.20]
ثم ان الفتا اخذ ثوبا من عليه والقاه عليها واردفها خلفه كما جرت العادة
~~ومشى حتى اشتدت عليهما حر الشمس وكادوا ان يهلكوا من الحر.
فقالت له: يا سيدي والله قد ضرنا الحر فاعدل بنا الى شجرة هنا اعرف تحتها
~~عينا من الماء نستضل تحتها ونشربوا من عين ونريحوا بانفسنا حتى تلحقنا
~~القافلة ويبرد النهار فقال لها: نعم الراي ما رايته.
[2.21]
ثم ان الجارية عمدت به الى ذالك الموضع لا يمكن لاهل الرفقة الوصول اليه
~~والى الجارية فلما وصل تحت الشجرة قال في نفسه: انال من هذه الجارية غرضي
~~ومرغوبي وافوز منها بمطلوبي.
قال: فبقا الفتا متفكرا في امر الجارية واذا بالجارية قد قامت على قدميها
~~واختطفت الفتى ورفعته من الارض وضربت به الارض وشالته بالقيد كتافا وربطته
~~الى الشجرة.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
2.5 الليلة الخامسة
[2.22]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت يا مولاي وذلك لما افاق الفتى من غشيته وجد روحه مربوط الى الشجرة
~~فقال لها: ما هذا؟
فقالت له: هيهات ان لا يخلصك احد من يدي وان لي منذ اعوام انتظر وانك تقع
~~في يدي فلم اجدك ولا قدرت ولا وقعت في يدي الا في هذه الساعة.
ثم ركبت الجواد واخذت الفتى خلفها وسارت به في البرية الى ان وصلت به الى
~~قصر في الصحرا ليس فيه عمارة وقد دارت به الثمار والانهار فانزلته هناك الى
~~شجرة وربطته اليها وتركته وسارت عنه وبقا الفتا هناك يومه.
[2.23]
فلما قرب المساء اذا هو بعشرة فوارس قد خرجوا القصر يقدمهم فارس راكب على
~~فيل عظيم وءاخر راكب على اسد فلما قربوا منه قال الراكب على الاسد: من يكن
~~هذا الفارس المربوط ها هنا وعهدي بهذا الموضع انه لا يدخله احد.
فقالوا له احد اصحابه.
اظنه رجل غريب بعيد الديار قد خرجوا عليه اللصوص وسلبوا ما له وتركوه في
~~هذا الموضع وصنعوا به ما ترون.
قال: فعطف عليه الفارس وقال لهم: هو من اضيافنا في هذه الليلة.
[2.24]
فحلوا وثاقه وادخلوه معهم في القصر فنظر الفتى الى قصر تكل عنه الاوصاف
~~فقصدوا الى مجلس قد فض فيه الهوى ختامه ونشر أعلامه ثم ان البطل صاحب الاسد
~~نزل في مرتبة ونزلوا الابطال اصحابه في مراتبهم ثم دعا عند ذلك بالطعام
~~والشراب وباقوا ياكلون ويشربون باقية يومهم الى اليل فلما جن عليهم اليل
~~اتوا بالشمع فاركزت على حسك من الذهب واقبلوا على طعامهم وشرابهم الى ان
~~سكروا القوم وطارت العمايم عن رءوسهم وانسدلت شعورهم وبانت لهم ذوايب
~~كاذناب الابل.
[2.25]
واذا بهن جوار في زي الابطال والجارية التي كانت راكبة على الاسد هي التي
~~احتالت على الفتى فقالت له عند ذلك: يا محمد بن عبد الله القيرواني والله
~~لا خرجت من هذا القصر ابدا ولك الطعام والشراب ما اشتهيت.
فقام الفتى عشرة ايام في اكل هني وشرب روي.
فلما كان في اليوم الحادي عشر عطفت الجارية عليه وقالت له: يا محمد بن
~~عبد الله قد اردناك لانفسنا ولا يكون ما اردت حتى نرجع من حاجة قد تعرضت لي
~~وانا اغيب عنك سبعة ايام ونرجع ويكون ما تريد واريده الا انه على شرط.
فقال لها: وما شرطك؟
[2.26]
قالت له: انك تتصرف في كل شيء من القصر الا تلك البيت.
واشارت الى بيت في القصر وتودعت منه وسارت مع جواريها تجد في السير وبقا
~~الفتا ياكل ويشرب حتى تمت له خمسة ايام فلما كان في اليوم السادس استوحش
~~وحشة شديدة وانشد وجعل يقول:
غريب تفكر في ما مضا
وفي القلب كحجر الغضا
فان كان ربي قضى غربتي
فصبر جميل على ما قضا
ثم قال: والله ما بعد هذا الا الموت والله حتى افتح هذا البيت حتى ارى ما
~~فيه ولا يكون الا ما اراد الله لقد والله بغظت الحياة في هذه الدنيا.
[2.27]
ثم انه قام وفتح باب البيت ودخل فلم يجد شيئا فقال: ان هذا والله هو العجب.
قال: فبينما هو كذالك يتعجب ويتامل اذا رءا قبران في تلك البيت فقرب
~~منهما واذا عليهما الواح من الرخام منقوش فيها بالخط الهندي كلام لا يفهمه
~~احد فبينما هو كذالك يطيل النظر اذ لاح له بين القبرين دفة من حديد وفيها
~~حلقة من الفضا البيضا فقال الفتى في نفسه: ما هذا الدفة الا على شيء يخرج
~~من القصر ولاجل ذلك منعتني من الدخول الى هذا الموضع ليلا اخرج منه.
[2.28]
ثم مسك الحلقة واقبل يدورها واذا هي تدور والدفة ترتفع الى ان زالت عن فم
~~دهليس فنظر فاذا هو بادراج تحتها.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت على الكلام.
2.6 الليلة السادسة
[2.29]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك ان الفتى اتى الى الادراج ونزل مقدار خمسة ادراج
~~واذا بالدفة قد انطبقت عليه واظلم الموضع عليه فاراد الرجوع فلم يجد اليه
~~سبيل ثم اقبل يرفع الدفة فوجدها مطبوقة فحركها فلم تتحرك فايقن الفتا
~~بالهلاك وقال في نفسه: ها هنا اموت وفي هذا الموضع يكون فيه قبري.
[2.30]
ثم نزل مع الادراج الى ءاخر درجة منها فاذا هي بساحة عظيمة فجعل يمشي في
~~تلك الساحة واذا بالضوء قد لاح له فاقبل نحوه اذا سمع جري الماء فقصده فاذا
~~هو بمغارة يخرج منها الما الى مرج افوح من المسك يشقه واذا من اودية ذوي
~~الخضورة المسك على حافته ينشر ام سحيق العنبر.
قال: فتامل الفتى الى النهر وجعل يتعجب من حسنه وخضورته اذا نظر الى
~~زوارق من العود الهندي وهو في وسط النهر وقد حشيت تلك الزواريق بجوار كانهن
~~الاقمار وبايديهن الطنابر والعيدان والمعازف والشيران وهن يرقصن في الشعور
~~وعليهم مصبغات الثياب من انواع الحرير الاحمر وقبة مضروبة بازاء النهر بيضا
~~وشرايطها من الحرير الاخضر واوتادها من النحاس الاصفر.
[2.31]
وقد رفعت اطناب تلك القبة وفي وسطها مرتبة عظيمة مفروشة بانواع الحرير
~~والديباج وعلى المرتبة العظيمة جارية اجمل من مشا على قدم من عرب ومن عجم
~~وقد دارت بها اربعين جارية عليهن الحلي والحلل وعلى راس الجارية تاج من
~~الذهب مكلل باصناف الذر والياقوت والجواهر يساوي ملك الدنيا كله فلما نظروا
~~الجوار للفتى خرج من باب المغارة وقع الصياح في الارض وهربت الجوار من تلك
~~الزواريق وخرجوا الى الناحية الاخرى الى جهة القبة.
[2.32]
وكان بالقرب من ذلك الواد قبة عظيمة قد بنيت بالكذان المنجور والرخام
~~المنشور.
قال: فبينما الفتى يتامل في تلك القبة اذا هو بنحو اربعين عبدا قد لبسوا
~~القفاطي وفي ايديهم الدبابيس من الحديد فاحاطوا عند ذلك بالفتى وقالوا له:
~~من الانس انت ام من الجن؟
فقال لهم: انا من الانس
فقالوا له: فكيف وصلت الى هذا الموضع وخرجت من تلك المغارة وهي مغارة
~~العفاريت؟
ثم سمع فيهم الصياح والعويل وكلام لم يفهم فقال لهم: انا من الانس ولا
~~اعلم شيئا مما تقولون.
[2.33]
فاخذوه عند ذلك وحملوه الى المدينة وادخلوه على الملك فقال لهم الملك: ما هذا؟
قالوا له: ايها الملك هذا قد وجدناه خرج من مغارات العفاريت وسقناه اليك.
فلما سمع الملك بذلك سر به سرورا عظيما وساله عن حاله فاخبره الفتا بقصته
~~وما جرا له مع الجارية الجنية فقال له الملك: يا فتى انت الذي رايت في
~~النوم وهممت بك ولا يكون تمام ملكي الا بك.
فقال له الفتى: ايها الملك اصنع بي ما اراد الله تعلى.
[2.34]
قال: فعند ذالك دعى الملك براساء قومه وارباب دولته ووزرايه وزوجه من
~~ابنته وصنع له مهرجانا عظيما لم يرا الراءون مثله واقام الفتى مع الملك
~~كذلك مدة يسيرة وتوفي الملك وتولى الفتى الملك وبعث الى اهله وقرابته وجميع
~~من كان معه من الاحباب في هذه فوصلوا اليه في احسن حال واقام الفتى في ملكه
~~في اكل هني وشرب روي حتى اتاهم اليقين والحمد لله رب العالمين.
3 حديث نجم الضيا بن مدير الملك
3.1
[3.1]
ثم قالت: زعموا ايها الملك انه كان ملكا من ملوك الارض قد ملك بالطول والعرض وكان اسمه مدير الملك بن تاج العز وكان له ولدا اسمه نجم الضيا وكان جميل الوجه وكان قد تعلم ركوب الخيل وخوضان الليل والطعن بالسنان والضرب بالحسام ومبارزة الابطال والفرسان فراد ابوه ان يزوجه بجارية من بنات الملوك فجمعوا رءوساء قومه وعشيرته.
هنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
3.2 الليلة السابعة
[3.2]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك ان الملك لما جمع اهله وعشيرته قال لهم: اني اريد ان
~~ازوج لابني فدلوني على جارية من بنات الملوك تكون احسن خلق الله صورة
~~ازوجها لابني نجم الضيا.
فقام اليه رجل من بين الناس شيخ كبير السن قد دخل البلاد والاقطار صاحب
~~اهل الدهر والامصار فقال: ايها الملك السعيد اعرفك بجارية ما مثلها ولا
~~اجمل منها واسمها نايرة الاشراق بنت جدار العز وابوها صاحب ارض النوار
~~وقصور الازاهر.
[3.3]
قال: فنظر الملك في هدية عجيبة لم يرا الراءون مثلها وبعث بها الى الملك
~~ابو الجارية مع وزيرا من وزرايه ومعها جملة من رجاله وساروا به الى ان
~~وصلوا الى ارض جدار العز والد الجارية وقد كان كتب له الملك في امر ابنته
~~الى والدها واخبره انه احب مصاهرته.
فلما وصلت الهدية الى جدار العز خرج اليهم الملك وتلقاهم وانزل الوزير
~~واصحابه في قصره في موضع حسن وبلغ في اكرامهم واقبل الهدية واقاموا في
~~الضيافة شهرا كاملا فلما تم الشهر امر الملك بعقد النكاح وصنع مهرجانا
~~عظيما ونظر في ارسال ابنته بهدية عظيمة وصرفها مع الوزير الواصل اليه.
[3.4]
فلما وصلت الجارية ابنت الملك مع الهدية انزلها في مرج مليح يفوح المسك
~~من حافته ورنقت نظرته وتغريد اطياره وفاحت ازهاره يشقه واد عجيب من اودية
~~الحماد والخضورة له حسن عجيب يحن الى نظرته كل عاقل لبيب وكان هذا المرج
~~يعرف بمرج النواوير ويكنا بمرج الازهار فضربت فيه قبة من الديباج المدثر
~~شرايطها من الحرير الاحمر واوتادها من النحاس الاصفر قد وقفوا في اعلاها
~~حجرا من الياقوت يكاد يخطف الابصار من ضيايه ويحتوي على اعين الناظرين.
[3.5]
ثم ان الملك امر جواريه ان يتزينوا باحسن الزينة وان يخرجوا الى ذلك
~~المكان بالطنابير والعيدان والمعازف والشيران وقد لبسوا افخر الثياب من
~~الديباج وضرب الاخبية والفساطيط من كل جانب ومكان ووضع الملك لابنه تاج
~~وعمل وليمة عظيمة واطعم الناس حاضرة وبادية.
قال راوي الحديث: ثم ان الملك مدير الملك صاحب ارض النواوير امر الابطال
~~ان يدوروا بذلك المرج من كل جانب ومكان يحرسونه من كل طارق ثم دخل الفتى
~~ابن الملك بالجارية نايرة الاشراق في القبة العظما.
[3.6]
وجلس ابن الملك ياكل مع الجارية ويشرب الى ان غلب عليهما السكر وناموا
~~ولم يصل الجارية غرضه فما استيقض الا والضوء قد لاح فطلب الجارية فلم يجدها
~~فخرج إلى باب القبة فوجد العشرين جارية مذبوحين فلما رءا ذالك صاح صيحة
~~عظيمة فاجتمعت إليه الأبطال الدين يحرسون المرج وقالوا له: ما الذي دهاك يا سيدنا؟
فأعلمهم بالامر وسالهم: هل رايتم احدا؟
فقالوا له: والله ما راينا احد وما نزل احد منا عن سرجه.
فوصل الخبر الى ابيه فخرج بجيشه وبعث الخيل الى جميع الجهات واطراف الارض
~~فلم يجدوا خبرا ولا وقعوا لها على اثر فرجعوا بعد أيام ولم يجدوا أحدا.
[3.7]
قال الراوي: فلما فقد ابن الملك الجارية وجد لفراقها الما شديدا وقلقا
~~عظيما فما وسعه شيء الى ان حاول نفسه حتى وجد غفلة واشتغل ابوه في بعض
~~الليالي.
اخذ جوادا من عتاق الخيل واخذ من الزاد ما كفاه وخرج من مدينة ابيه وجد
~~السير مدة من ايام وليالي حتى اشرف على نهر كثير الثمار والاشجار فنظر
~~وتامل واذا بازاء النهر ربوة عالية وفي اعلاها قبة مضروبة فصعد نحو لقبة
~~وقال: السلام عليكم يا اهل القبة ارتفعت اطنابها وخرج منها شاب حسن الوجه
~~مليح الثياب من احسن الناس صورة فقال له: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته
~~واثنى التحية والاكرام.
وهو باكي.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
3.3 الليلة الثامنة
[3.8]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك ان قال له ابن الملك: يا شاب مالي اراك باكي العين
~~طايش العقل؟
فقال له: يا فتى انا من ابناء العرب خرجت مع ابنت عمي للنزاهة لهذا النهر
~~فنمت ثم استيقظت فلم اجدها وما عرفت هل الى السماء رفعت او تحت الارض غوصت.
فقال ابن الملك: ان هذا لعجب عجاب ما من مصيبة الا وفوقها اعظم منها
~~اواكبر.
[3.9]
ثم ان ابن الملك ترجل عن جواده ودخل مع الشاب الى القبة وبات تلك الليلة
~~فلما اصبح الله بخير الصباح عطف عليه ابن الملك: هل تعرف هنا بناء جديدا او
~~قصر مشيد او تتوهم ان بازايك احدا ممن يفعل هذا الفعل؟
فقال له الشاب: نعم نعرف هنا موضعا فيه قصرا مشيدا وبناؤه جديد قد بنته
~~العمالقة والعبيد والبطارقة وكل بطل صنديد وفيه بطل لا يصطلى له بنار ولا
~~يسكن له بجوار.
فقال له ابن الملك: اقصد بنا اليه.
فركبا وسرا جميعا حتى وصلا الى القصر فرءا قصرا عجيبا تكل عنه الاوصاف
~~فلما نزلوا قريبا منه اذا بالباب قد فتح فخرج منه خادم سودا فقالت لهما: من انتما؟
[3.10]
قالوا لها: نحن اقواما غربا قصدنا الى هذا القصر لنكون من ضيافة صاحبه.
فقالت لهما: انزلا على الراحة والسعة.
ثم ذهبت واخرجت لهما خباء وضربتها لها بازاء القصر في وسط مرج واخرجت
~~لهما طعاما وشرابا وما يحتاجون اليه من النفقة في تلك الليلة.
فلما اصبح الله بخير الصباح طلب ابن الملك الشاب فوجده عند الباب مذبوحا
~~فلما رءاه قال: لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
[3.11]
ثم قام وتدرع وركب جواده وخرج من باب القبة واذا بالباب قد انفتح وفارس
~~خرج منه وهو راكب على جواد من عتاق الخيل فسار الفارس حتى قرب من ابن الملك
~~وصاح به صيحة عظيمة وانقض عليه ورماه بحربة كانت عنده وهي بيده فخرج ابن
~~الملك عن طريقها وصاح ابن الملك ايضا على الفارس صيحة منكرة وتحاربا ساعة
~~طويلة واذا بابن الملك قد صاح بالفارس وهجم عليه هجمة الاسد واختطفه من
~~سرجه وعلقه في كفه وجبده اليه حتى طارت العمامة على راس الفارس وظهرت له
~~ثمانية عشر ذوايبة من الشعر الاسود واذا بها جارية فاطلقها من يده وقال
~~لها: من انت يا جارية؟
[3.12]
فقالت له: انا صاحبة هذا القصر وانا الذي قتلت الشاب الذي كان معك
~~واختطفت ابنت عمه وانا سيدة هذا القصر ولا رايت بطلا غلبني الا انت فمن تكن
~~ايها البطل الصنديد؟
فقال لها: انا رجل صعلوك من صعاليك العرب خرجت اطلب المعاش والمكسب.
فقالت له: لا والله ما انت الا امير من الامرا وما تفعل الصعاليك مثلك.
ثم اخذت بيده وادخلته الى القصر فلما توسط من القصر نظر الى قصر لم يرا
~~الراءون مثله فاجلسته الجارية على مرتبة عظيمة وامرت باحضار الطعام فاكل
~~الفتى مع الجارية وشرب ثم اقام معها في قصرها مدة طويلة في اكل هني وشرب روي.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت على الكلام.
3.4 الليلة التاسعة
[3.13]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك فلما كان في بعض الايام سالها عن خبر الجارية فلم
~~يجد لها خبر ثم اصابته فكرة منها والشوق اليها فقال لها: يا جارية اني اريد
~~ان اتفرج في ارضك.
فقالت له: ان شئت فافعل.
قال: فركب جواده ولبس لامة واخذ بيده حربه وخرج على باب القصر فمشا يومه
~~ذلك الى ان استحرت عليه الشمس فقصد الى شجرة وجلس تحتها متفكرا في غربته
~~وفراقه للجارية ولم ينل منها مرغوبه.
[3.14]
فانشد وجعل يقول:
غريب تفكر ما قد مضا
وفي القلب نار كجمر الغضا
فان كان ربي قضى غربتي
فصبر جميل على ما مضى
قال: فسمع هاتفا يقول
وللنجم من بعد الزوال استقامة
وللشمس من بعد الغروب طلوع
وان نعمة زلت على العبد وانقضت
فان لها من بعد الزوال رجوع
فكن واثقا بالله واصبر لحكم
فان زوال الهم عنك سريع
[3.15]
فلما سمع ابن الملك قول الهاتف وجد في نفسه راحة وسره مما سمع منه ثم قام
~~من حينه وسار يريد قصر الجارية التي خرج من عندها فاختلفت عليه الطريق ولم
~~يعلم حيث يتوجه في الارض وقد قيل: ان الارض تقتل الجاهل بها.
فسار يهيم كما يهيم النعام في البرية مدة من ثلاثة ايام.
قال: فبينما هو يمشي في اليوم الرابع اذا اشرف على واد مليح كثير الثمار
~~والازهار والاطيار قد كمل فيه من كل شيء زوجان من الطير مثل البلبل
~~والكروان والقمري والورشان وام الحسن تغرد على الاغصان وتحاكي بجميع الطير
~~ساير الالحان وكان هذا الواد من بعض اودية الجنة ولا تمثيل باوديتها.
[3.16]
فلما ابصر ابن الملك ذلك الواد تعجب من حسنه ونظارته وجعل يتامل الى حسنه
~~البديع وزهره الرفيع اذا كانت منه التفاتة فنظر الى قبة على حاشية الواد قد
~~قامت على اعمدة الرخام المجزع قد علقت في الجو من علاها قد اخذت في الطول
~~والعرض كانها مدينة من المدن وقد دارت بها رياضة والبساتين والانهار.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
3.5 الليلة العاشرة
[3.17]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي فقرب ابن الملك من القبة بعد ان ترك جواده يرعى من نبات
~~الارض وتامل فيها فنظر بدايرها مكتوب هذه الابيات:
اكوكب بالارض ام نوار
ام نظم در تحمل الازهار
صفرت بلابله فكانها
ضربت على اغصانها أوتار
باشرت لايام الربيع فانها
غرر كايام الربيع قصار
قال: فلما قرا الابيات دخل الى القبة فاذا في وسطها قبر صنع من الرخام
~~المجزع وعلى القبر مكتوب هذا الابيات:
الموت اخرجني من دار مملكتي
والموت اصرعني من بعد تشريف
لله عبد رءا قبري فاعتبره
وخاف من دهر جاري التصاريف
[3.18]
قال: فلما قرا ابن الملك الابيات تناثرت من اجفانه العبرات وقال: ادل
~~الله الزمان السوء ما اغراه وبالسادات ما امكره.
ثم تامل الى راس القبر فاذا عليه مكتوب هذه الابيات:
احسنت ظنك بالايام اذا حسنت
ولم تخف سوء ما ياتي به القدر
وسعدتك الليالي فاغتررت بها
وعند صفو الليالي يحدث الكدر
قال: فلما قرا ابن الملك الابيات بكا بكاء شديدا وانشد يقول:
متى وعسى يثني الزمان عنانه
بغيرة دهر والزمان عثور
فتدرك امال وتقضا مارب
وتحدث وبعد الامور أمور
وتجري الليالي باجتماع وفرقة
وتطلع فيها نجم وتغور
فمن ظن ان الدهر باقي سروره
فذاك محال لا يدوم سرور
[3.19]
قال: فلما فرغ ابن الملك من انشاد شعره خرج من القبة يريد جواده فلم يجد
~~له خبر ولا وقع له على اثر فقال: لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
~~هذا امر الله اراده لا مرد و {لا معقب لحكمه} ثم جعل ينشد هذا
~~الابيات:
واني كباز حين سلت رياشه يرا
يرى حسرات كلما طار طاير
خارقات الطير تخفق في الهوى
فينتف ريشا من جناحه وافر
وقد كان دهر في الرياض منعما
على كل ما يهوى الطير قادر
الى ان رمته الحادثات بنبلها
فاصبح مقصوص الجناح حاير
[3.20]
قال: ثم ان ابن الملك تغير حاله وصعد مع الواد يطلب شيئا فنظر الى اسد
~~يهرس عظم جواده.
قال: فضرب الاسد بسيفه فقتله وسار مع مهبط الواد.
فبينما هو كذلك اذا رءا اغناما كثيرا وراعيا يرعاها فقرب منه وسلم عليه
~~فرد الراعي عليه السلام وقال له: من انت ايها الفتى؟
قال له: انا رجل غريب انقطعت بي الاسباب فصرت كما ترا ابتغي المعيشة .
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت على الكلام.
3.6 الليلة الحادية عشر
[3.21]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك قال له الراعي: اما نهاك ناهي عن دخول هذا الواد؟
~~اما زجرك زاجر؟ اليس هذا الواد واد الجن ويعمره عفريت من السحرة وقد اتى
~~بجارية اخذها من قصرها وانه ما حل عيناه قط على ادمي وعاش فقال له الفتى:
~~وما اسم الجارية؟
قال له الراعي: اسمها نايرة الاشراق.
[3.22]
فقال له ابن الملك: ما لي اراك ترعى هذا الاغنام في هذا الواد وانت من
~~الانس؟ وكيف امنت من شره؟
قال له الراعي: وذلك اني قد تربيت في قصره وانا راعيا لغنمه.
فقال له ابن الملك: ان رايت احسن عونك على رعاية الغنم حتى تعطني شيئا؟
قال له الراعي: جزاك الله عني خيرا وانا قد اوصيتك وحدرتك بكل حدر ودبر
~~في عواقب الامور وخذ من الطعام ما يقوتك وسر بسلام قبل ان يجي العفريت
~~ويجدك فقد نزل بك الويل والانتقام.
[3.23]
فقال ابن الملك: جزاك الله خيرا ولاكن اعلمني ان لهذا العفريت وكرا ياوي اليه؟
قال له: نعم هنا خلف هذا الربوة قصرا عجيب عالي البنا واسع الفنا.
قال: فسلم على الراعي وسار قاصدا نحو القصر وقد اخذ من الراعي قرصة من
~~الشعير وسار وهو يدبر في امره وما تامل في تذلله الى لراعي وكيف اراد ان
~~يرافقه في رعاية الغنم.
[3.24]
ثم انشد يقول:
وكم من يد قبلتها من ضرورة
وكان يوجب قطعها لو امكنا
ولاكن على ريب الزمان وجوه
اذا رءا الناس ياتي هي احسنا
قال: فبينما الفتى يسير قاصدا نحو القصر واذا بالراعي قد لحق عليه وقال
~~له: قف مكانك حتى تاتيك سيدة القصر واذكر لها حالك.
قال له: سر ولا تمهل.
[3.25]
قال: فسار الراعي الى القصر ودخل في غير عادة جرت لها ان ياتي فيها الى
~~القصر فلما راته سيدته ارتعبت منه وخافت وقالت له: ما الذي اقدمك علي في
~~هذا الوقت؟
قال لها: ايها السيدة ورد علي ادمي وهو حسن الصورة فصيح اللسان طيب
~~الرايحة وذكر انه راعيا للاغنام عارفا بسياستها.
قالت له: علي به حتى اراه.
فانصرف الراعي الى الفتى واتا به اليها فلما نظرت اليه وتاملته عرفته
~~فصرفت الراعي الى غنمه وترامت الجارية على ابن الملك وهو يبكي وتبكي معه
~~وقالت له: الحمد لله الذي وقع بصري عليك ومن اعلمك يا سيدي انا في هذا القصر؟
[3.26]
قال لها: الله تعلى هو الذي دللني واوصلني اليك ولاكن اخبرني بخبرك كيف
~~وصلت الى هذا القصر؟
قالت له: يا سيدي لا علم لي بذلك واني كنت نايمة معك فما استيقضت الا حتى
~~وجدت نفسي في هذا القصر.
قال: فبينما هو يخاطبها وتخاطبه واذا بالعفريت قد اقبل ياكل الارض اكلا
~~ويخرج من فمه لهيب النار.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت على الكلام.
3.7 الليلة الثانية عشر
[3.27]
قال الشيخ فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك ان الجارية لما رات العفريت قد اقبل اخذت بيد ابن
~~الملك واخفته في بعض مخادع القصر واحضرت له طعاما وشرابا ثم خرجت من عنده
~~وتركته وهي تريد الحيلة في قتل العفريت.
[3.28]
فلما وصل العفريت وقرب منها راته مخضبا بالدما فقالت له: نفسي لك الفدا
~~ما الذي اصابك؟
قال لها: اني تحاربت اليوم مع ساحر من الجن فما رايت اسحر منه فشجني هذه
~~الشجة وقد اهلكني والله بها واني خفت على نفسي لانها في موضع القتل وما اظن
~~اني ناج منها.
فقالت له الجارية: ما يصلح بك من الادوية؟ فاعلمني بها لعلي اصلح لك شييء
~~ليلا يشتد عليك الالم فاخاف عليك من الموت.
فقال لها العفريت: لا باس عليك ولا تخافي علي من القتل فاني لا اموت الا
~~بسكين من القصب ولم يكن هذا القصب الا في ارضي ولا يقدر احد على الدخول الى
~~ارضي هذه.
[3.29]
فقالت له الجارية: الحمد لله يا سيدي على ما ذكرت.
ثم بات تلك الليلة.
فلما اصبح الله بخير الصباح خرج العفريت وقد ركب على اسد عظيم وتقلد
~~بسيفين وتعمم بجلد ثعبان وسار في البرية فقامت الجارية ثم عطفت على ابن
~~الملك وقالت له: خذ هذا السيف بيدك واخرج الى الراعي واسئله على القصب
~~الفلاني وكان هذا العفريت لا يقتله ولا يموت الا بسكين من تلك القصب والقصب
~~لا يعرفه احد الا هو والراعي فاخرج الى الراعي واساله عن القصب اين هو فاذا
~~اخبرك فاقتله وخوذ من ذلك القصب ما تحتاج وعد الي سريعا.
[3.30]
قال: ثم ان الفتى خرج الى الراعي وسئله على القصب فاخبره اين هي ثم قتله
~~وسار نحو الموضع القصب واخذ منها ما يحتاج اليه ورجع الى القصر فصنع من ذلك
~~القصب سكاكين واخفاها واخذ في الحيلة مع الجارية في قتل العفريت.
فلم يزالوا كذلك ينتظرونه حتى اقبل اليل ولم ياتي اليهم فقال ابن الملك
~~للجارية: ان هذا العفريت قد ابطا وما اظن ان ذلك عادته.
قالت له الجارية: والله وحق راسك العزيز علي ما غاب عني ليلة واحدة قط
~~وما اظنه اختبس الا لامر نزل به.
فبات ابن الملك مع الجارية في ارغد عيش واكمل فرح.
[3.31]
فلما اصبح الله بخير الصباح انتظرا العفريت فلم ياتي ذلك اليوم الى اليل
~~كذلك من مدة ايام سبعة.
فلمل كان في اليوم الثامن اذا رات الجارية غبارا على اطراف الارض فعلمت
~~انه العفريت الملعون قد اقبل فقالت لابن الملك: خوذ في تدبير الحيلة في
~~قتله واحذر نفسك وانظر كيف تصنع معه ولاكن ادخل هنا في هذه المخبا حتى
~~نامرك بالخروج اليه.
ثم اخفته في مخدع من القصر هناك واغلقت عليه الباب وكان ذلك المخدع لا
~~يزال مغلوقا.
[3.32]
قال: فلم تكن غير ساعة واذا بالعفريت قد وصل ودخل الى القصر فتلقته
~~الجارية باحسن ملقا وسلمت عليه وهشت في وجهه وقالت له : يا سيدي ما الذي
~~ابطاك عني؟
قال لها: اعلم اني كنت في هذه الايام اخترق الارض البعيدة حتى وصلت ءاخر
~~عمارة الانس في طلب جارية من بنات الملوك نختطفها وناتي بها اليك لكي
~~تستانسي بها فاني كثير الاسفار والغيبات عنك واخاف عليك من الوحش لاجلي
~~غيبتي عنك .
قال: فشكرته على ذلك وقبلت يده ودعت له بطول العمر والبقا ثم ان العفريت
~~جعل ينظر اليها ويلتفت يمينا وشمالا ساعة بعد ساعة وينظر في الارض تارة وفي
~~وجهها تارة فقالت له: يا سيدي ما لي اراك تلتفت احيانا؟
[3.33]
فقال لها: طرق طارق الى هنا؟
فقالت له: لا والله.
قال لها: اني اشم في قصري ءادمي واشمه عليك وما كنت اعتادها في قصري.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت على الكلام.
3.8 الليلة الثالثة عشر
[3.34]
قال الشيخ فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم قالت الجارية للعفريت المذكور: ومن يطق من الارنب ان
~~يدخل غابة الاسود؟ وكيف ينجو احد ان يدخل الى ارضك او يطاها ويصل اليها
~~فكيف يدخل قصرك وانا في كل يوم من الايام ارتقب عسى ان احدا من الادميين
~~يدخل ارضك لعلي اسئله عن ارضنا كيف هي وعن بلادنا واهلينا فما رايت احدا.
[3.35]
فقال لها العفريت: والله ان هذا الامر قد اثر في خاطري وسرني.
فقالت له الجارية: والله ما دخل احد غير الراعي الذي يرعى غنمك لانه لا
~~يزال يطرق القصر طول الليلة يونسني ويحدثني بالحديث العجيب والاخبار الغريب
~~وانه والله نعم المؤنس.
قال: فلما سمع العفريت كلامها صمت عنها وامرها باحضار الطعام والشراب
~~فاكلوا جميعا فمن كثرة ما اصاب العفريت من التعب العظيم في سفره نام بعد اكله.
فقامت الجارية مسرعة الى ابن الملك وفتحت عليه الباب واخرجته من البيت
~~فقال لها: ما كان بينكما وما جرا بينكما من الكلام؟
[3.36]
فاخبرته بما ذكر لها وانه اشغلته حتى نام: فسر اليه والله تعلى يعينك على
~~قتله وهو المستعان ولعلك تريح الارض من شره.
قال: فقام اليه ابن الملك وذكر الله تعلى وسار حتى اشرف على العفريت وهو
~~يقضقض في نومه فاخذ سكين من تلك القصب وقصد تابوت صدره وشجه شجة عظيمة واذا
~~بالعفريت قد صاح صيحة منكرة عظيمة واذا به قد مات.
فاخذ ابن الملك الجارية وجميع ما كان في القصر من الدخاير المثمنة
~~النفيسة وسار بالجارية الى بلاده وبقا مع الجارية في ارغد عيش واكل هني
~~وشرب روي حتى اتاهم اليقين والحمد لله رب العالمين.
4 حديث جزيرة الكافور
4.1
[4.1]
ثم قالت: زعموا ايها الملك ان ملكا من الفرس اسمه كسرى بن شروان جلس ذات يوم مع وزرايه وارباب دولته في اعلى قصره فكانت منه التفاتة فنظر الى غبار طالع وعجاج لامع واذا بالغبار قد انقطع والعجج قد انقشع وخرج من تحت اذيال الغبار فارس كانه الطود العابس او الاسد الكابس او فيل هايل او بحر سايل وهو يمشي بسرعة وانزعاج الى ان وصل الى باب القصر فنادى بارفع صوته وقال: السلام على اهل دار المملكة والرياسة ومعدن الجود والفراسة انا قد اتيت ناصحا للملك.
[4.2]
قال: فامر الملك باحضاره بين يديه فلما دخل عليه نظر اليه الملك فاذا هو بشيخ كبير السن قال له الملك: ما نصحك ايها الشيخ؟
فقال له الشيخ: اني جلت البلدان ودخلت القفار والعمران وبلاد الهند والسند واليمن وارض الصين واسمي سعادة بن عامر بن عملاق الاصغر ولي من العمر ثلاثمائة سنة فما تركت فيها جزيرة من جزاير البحر الا ودخلتها ولا بلد من البلدان الا وصلتها وذلك اني ركبت البحر من سراب الى ارض الهند ولم نزل نتجول من مركب الى مركب ومن بلاد الى بلاد حتى انتهيت الى بلاد اليمن فقصدتها الى ان وصلت الى مدينة كبيرة عالية البنا واسعة الفنى قد بنتها صناع العمالقة وجملة الروم والبطارقة وهي كثيرة المخادع وهي ايها الملك في ارض اليمن.
[4.3]
فلما شرفنا عليها خرجوا الينا اهلها بالدبابيس والرماح وسمعت في داخل المدينة ضجة عظيمة فبينما نحن باهتين ولاكن ليس لنا ملجا الى المدينة وكان اسم مالكها حمدان وكان جبارا من الجبابرة وقيصر من القياصرة شديد القوة والتجبر عظيم النجدة والتكبر.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت على الكلام.
4.2 الليلة الرابعة عشر
[4.4]
قال الشيخ فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك قال الشيخ للملك: اسمع قولي.
قال له: ان ذهني مصروف اليك فتكلم فاني مشتاق لسمع كلامك وحديثك.
قال له الشيخ: فلما قربنا من المدينة ونزلنا بازايها حملنا الى الملك
~~صاحبها فدخلنا عليه الى قصر تكل عنه الاوصاف.
[4.5]
فما زلنا ايها الملك نمشوا انا وصاحبي حتى اتينا الى باب عظيم فدخلنا منه
~~الى مستديرة قصر قد علت حيطانه وشيدت اركانه وفي وسط القصر ايها الملك
~~انهار واشجار وثمار مثل القرنفل والفلفل والسنبل والزعفران وثمار الخيزران
~~تخرقها قنوات من الذهب والفضة وتاملنا الى مجلس فيه قبة عظيمة من الرخام
~~ولها شرافات من الذهب الاحمر على كل شرافة منها طلسم مصنوع من خالص الذهب
~~وفي اذناب هذه الطلاسم اخراص لو نزل عليها الذباب لتكلمت وعلى اعلى القبة
~~طاوس مصنوع من الذهب وعيناه من الياقوت الاحمر وساقه من الزمرد الاخضر
~~وجناحه مكلل بالجوهر.
[4.6]
قال الشيخ: ثم ان الحاجب تركنا وسار مسرعا الى المجلس واستاذن علينا
~~الملك فامر بدخولي عليه فلما دخلت عليه رايت ملكا باهرا على سرير ملكه وعن
~~يمينه مقدار عشرين جارية بايديهم المراويح من السندس وعن يساره كذلك وعلى
~~راسه تاج من الذهب مكلل بالذر والجوهر والياقوت الاحمر وعليه حلة نسجها ذهب
~~وامامه وصايف كلهم كانهم الغزلان فسلم الحاجب على الملك وسلمنا نحن عليه
~~فرد علينا السلام بكلام لا افهمه.
[4.7]
قال: فعند ذلك عطف علينا الحاجب وقال لي: كيف كان وصولك الى هذا المكان؟
فقلت له: وذالك اني سمعت بعدلك واستقامة ملكك في رعيتك فقصدنا اليك لاسال
~~فضلك وجودك فاتيت الى هذا المملكة لمشاهدتها وانا راجع الى بلادي.
فقال لي الحاجب: يقول لك الملك اتعرف ملوك الدنيا؟
[4.8]
فقلت له: نعم اما ملوك الدنيا فاوسعهم ملكا الذي يلي العراق لانه في وسط
~~الدنيا والملوك محدقة به.
فقال لي الحاجب: كذالك نجده عندنا في كتابنا.
وبعد ملككم هذا المدعو بملك الناس ويليه ملك الترك المدعو بملك السباع
~~وهم سباع الانس وبعده ملك الفيلة وهو الذي ملك بلاد الهند وبعده ملك الحبشة
~~ويلقب بملك الحكمة لان اصله منهم وبعده ملك الروم وهو عندنا يسمى ملك
~~الرجال لان ليس في الارض اتم خلقة من رجاله ولا احسن وجوها منه فهولاء هم
~~الاعيان من الملوك والباقون كلهم دونه.
[4.9]
قال لي: صدقت وبالحق نطقت.
ثم ان الملك امر بضيافة حسنة فخرجت مع الحاجب حتى اتا بي الى قصر تكل عنه
~~الاوصاف وانزلني فيه واقمت عنده في الضيافة شهرا كاملا ثم اني اردت
~~الانصراف الى بلادي فاعطاني الملك صنوفا من الذخاير ودفع لي سفينة وملاها
~~لي من كل شيء عجيب وودعته وودعت الحاجب وركبنا وسرنا بريح طيب في اكباد
~~البحار حتى انتهينا الى حجر في وسط البحر فقصدناه فاذا هي جزيرة بيضا اشد
~~بياظا من الثلج والكافور عملها عملاق الاكبر وجميع امواله فيها وفي وسطها
~~حجر مكتوب عليه:
[4.10]
هذه جزيرة الكافور عملها عملاق الاكبر وجميع امواله ودخايره تحت هذه
~~الحجرة وطلسم عليها ولا يدخل موضع هذه الدخاير الا رجل من اولاد عملاق
~~الاصغر فعولت نقلع الحجر فلم اقدر على قلعه.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت على الكلام.
4.3 الليلة الخامسة عشر
[4.11]
قال الشيخ فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك قال الشيخ: فسرت في لجج البحر حتى اتيتك ايها الملك
~~فاريد منك حسن المعونة على اخراج تلك الدخاير والكنوز النفيسة.
فقال الملك: نعم لك ما تريد.
[4.12]
وامر له بجميع ما يحتاج اليه مثل الفيسان والمسح والشرايط والحبال
~~والشماع والزاد واختار له ماية رجل من جياد اهل مملكته واعظم رجاله ووجههم
~~مع الشيخ فقصدوا السفينة وطلعوا فيها وسافروا في اكباد البحر بريح طيبة وهم
~~يريدون الجزيرة.
وقد ذكروا ان اقواما كانوا يجاورون تلك الجزيرة وكانوا ياكلون بني ءادم
~~ويجعلون في ادمغتهم الطيب والكافور ويعلقونها في بيوتهم ويعبدونها من دون
~~الله تعلى ويسجدون لتلك الرءوس ويسالونها عما يريدون فيتكلم على فم كل راس
~~شيطان ويجاوبهم عما سالوه فما لهم عيش الا من لحوم بني ءادم.
قال: ثم ان الشيخ سعادة سار بهم نحو من عشرة ايام وقصد بهم الى جزيرة
~~الكافور.
[4.13]
فبينما هم قاصدين نحو الجزيرة اذا قامت لهم جزيرة اخرى فيها ماء عذب
~~فنزلوا فيها يستسقون الماء فبينما هم كذلك اذا سمعوا دويا عظيما فرفعوا
~~رءوسهم فاذا هم بطير عظيم قد انقض عليهم واخذ منهم رجلا في مخالبه وطار به
~~في الهوى فضجوا الناس لذلك وقالوا للشيخ: انما اردت هلاكنا.
[4.14]
فقال لهم: من مات مات باجله.
فبقوا لذالك النهار كله حتى جن عليهم اليل فسمعوا دويا عظيما من ناحية
~~البحر فخافوا على انفسهم وبقوا باهتين فاذا هم بجوار قد خرجن من البحر
~~كانهن الغزلان الراتعة ام البدور الطالعة قد اطلقوا الشعور الى نصف الخصر
~~فلما نظروا اهل السفينة قصدوا نحوهم فلم يهربوا منهم واستانسوا بهم وتسلين
~~معهم وبات كل واحد منا مع جارية فلما طلع الفجر واظهر ضوء النهار صاح بعضهن
~~على بعض ودخلوا في لجج البحر وغطسوا ولم نقدروا على امساك احداهن.
[4.15]
فسافروا في اكباد البحار ومشوا اياما حتى وصلوا الى جزيرة الكافور فنظروا
~~الى بياضها كانها كوكب دري فلما قربوا منها ارموا المراصي وانزلوا من
~~السفينة كل ما يحتاجون اليه من الالة والشرايط والفيسان والمساحي والشماع
~~والحبال.
فحفروا حول الحجر وتعاونوا عليها حتى قلعها من موضعها فوجدوا تحتها لوح
~~من الرخام الابيض فنزعوه فظهر لهم تحت اللوح فم مغارة فاوقدوا الشماع
~~ودخلوا المغارة حتى انتهوا الى باب من حديد مفتوح والى الناحية الاخرى اسد.
[4.16]
فقال لهم الشيخ: من يتقدم منكم الى هذا الاسد؟
فتقارعوا بينهم فجاءت القرعة على احدهم فدخل عليه فلما قرب من الاسد هجم
~~عليه وهشمه ورجع الى موضعه بعد ان القاه في دهليس عظيم.
فقالوا للشيخ: انما اردت اهلاكنا والسلام.
[4.17]
ثم ان الشيخ التمس الحيلة حتى عطل احراكه ومد لوح على فم الدهليس وجازوا
~~القوم على تلك الالواح على ءاخرهم وساروا حتى انتهوا الى رخامة سودا وفيها
~~لولب من النحاس الاصفر فاداروه فارتفعت الرخامة وظهر لهم الضيا على باب
~~صغير يدخل عليهم فقصدوا نحوه واخرجوا منه الى رحبة عظيمة في وسطها عين من
~~الماء وقد دارت بتلك العين اشجار واثمار وعليها صنوف من الاطيار كل ذالك
~~مصنوع من الذهب والفضة وامام العين باب تكل عنه الاوصاف وامام الباب طلسم
~~في صورة انسان وبيده سيف مسلول وهو يدور بحركة كدور الرحا.
[4.18]
فبهتوا القوم عند ذلك وقالوا للشيخ: كيف الحيلة لذلك ليلا تهلكنا؟
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت على الكلام.
4.4 الليلة السادسة عشر
[4.19]
قال الشيخ فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك تقدم الشيخ حتى يرا موضع الحيلة فتقدم رجل امامه
~~فلما رءا الطلسم ودنا منه دهش واراد الرجوع الى وراءه فلحقه الطلسم فقصمه
~~على شطرين فبهتوا القوم عند دلك مما راوا ثم ان الشيخ تحيل عليه حتى عطل
~~حركاته ودخل مع اصحابه الى القصر فراوا قصرا عظيما وفيه اكواس من الذهب
~~الاحمر واكواس من الياقوت والجوهر وفي وسط القصر باب من الصندل مسمر ومصفح
~~بصفايح الذهب وهو منجم باحجار الياقوت وفي وسطه من الجانب الايمن مجلس عظيم
~~وفي وسط المجلس سرير من الذهب وعلى السرير شخص يخيل الناظر انه نايم وعليه
~~ثوب نسجه ذهب وعند راسه لوح من الذهب الاحمر مكتوب فيه:
[4.20]
انا عملاق الاصغر ملكت وقهرت واعطيت وامنعت وعشت في عيشة هنية وزمن رشيد
~~وعتقت الجوار والعبيد واقتضيت الابكار حتى اتتني الاقدار وحكم علي العزيز
~~الجبار فصرت كما ترا فيا من رءاني فاليعتبر بي ولا تغرنك الدنيا فانها
~~مكارة خداعة.
[4.21]
وتحت الاسطار مكتوب هذه الابيات:
ولما رايت الشمس اشرق لونها
تناولت منها حاجتي بيميني
فالموت خير من مذلة جاهل
يعيش حقيرا بغير يقيني
قال: فلما قرا الشيخ تلك الابيات هم ان ياخذ اللوح واذا بصيحة عظيمة قد
~~استجاب لها القصر فجثا الشيخ على ركبتيه وفر القوم يمينا وشمالا ثم افاق
~~الشيخ وهو فازعا مرعوبا واخذ من القصر ما امكنه من الدخاير والاموال ورجعوا
~~الى سفينتهم وحملوا فيها ما يقدرون عليه من الجوهر والياقوت وغيره ولم يقدر
~~منهم احد ان ياخذ ذلك اللوح وردوا الحجارة الى مكانها كما كانت اول مرة.
[4.22]
فبينما هم يريدون الانصراف اذا سمعوا من ورايهم دكدكة عظيمة فرفعوا
~~رءوسهم فراوا اناسا خلفهم ولباسهم شعورهم ذو اذناب فلما راوهم هربوا الى
~~السفينة ورفعوا المراصي وساروا في البحر ينتظرون الى الجزيرة قد امتلات
~~خلقا كثيرا فغطسوا وراءهم في البحر يطلبونهم فامر الشيخ اهل السفينة ان
~~يضربوا الابواق والنفير والطبول فلما سمعوا ذلك ولوا مدبرين عنهم هاربين
~~الى الجزيرة وسار الشيخ مع اصحابه في اكباد البحر مدة عشرة ايام.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
4.5 الليلة السابعة عشر
[4.23]
قال الشيخ فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك لما كان في اليوم العاشر اشرفوا على مدينة الملك
~~كسرى فبعث الشيخ الى الملك رسولا وهو يعلمه بقدومه مع اصحابه فلما دخل
~~الرسول على الملك واعلمه بقدومه ففرح بذالك فرحا شديدا وبعث له جواد من
~~عتاق الخيل وعبيد ودخل الشيخ على الملك وسلم عليه وهناه الملك بالسلامة
~~ودفع الشيخ للملك جميع ما اتى به من الدخاير النفيسة فتعجب منها واستغنى
~~بها وقرب الشيخ من نفسه وجعله حاجبا للمملكة وبقا في اطيب عيش حتى اتاهم
~~اليقين والحمد لله رب العالمين.
5 حديث ضافر بن لاحق
5.1
[5.1]
ثم قالت: زعموا ايها الملك انه كان ملكا من الملوك وكان بارض الهند و كان له ولد اسمه ظافر بن لاحق وكان ابن امة لان امه كانت جارية وكان له ولد ءاخر من ابنة عمه وكانت ابنت عمه تشهي في حتف ربيبها ضافر حتى اعطى الخلافة لولدها فسمع ضافر بذلك وكلما جرا في جانبه من امر اخيه وما يراد به من الاهانة فقال: ما بعد هذا الا الموت.
[5.2]
فعطف ظافر على اخيه وقال له: والله يا اخي لا رايتني بعد هذه الليلة ابدا.
فقال له: ولم ذلك؟
قال له: لامر قد اصابني وبلغ مني الجهد.
ثم رجع ظافر الى منزله وركب جواده ولبس لامة واخذ بيده حربة وسار من المدينة في ظلام اليل ثم جعل يهيم في البرية مثل النعايم يمينا وشمالا فلم يصبح الصباح عليه الا وهو على بعد من المدينة.
[5.3]
فما زال يقطع الارض بالطول والعرض والاكام والاجام والتلال والرمال والاودية والجبال في ارض سودا جردا كثيرة الوهج وهي مسودة التراب خفية الاجناب يحير فيها ذوي الالباب ليس فيها انس ولا انيس ولا حس ولا حسيس الا المردة من اولاد ابليس لو دخلها ذيب الا وعطش ولا اسد الا ودهش كما قال فيها الشاعر:
ارض سراب عمرت بالسودا
عساكرها الجن اناخوا بها
نباتها الصلصال من حرمل
واعشب القندول في غابتها
[5.4]
قال راوي الحديث: فمشا ظافر في هذه الارض مدة من خمسة ايام فلما كان في اليوم السادس اذا اشرف على ارض بيضا كانها سبايك الفضة يفوح نسيمها ويشقها واد من اودية الحماد الخضرة واللواء اخضر نظير سريس زهي يزهر المسك من حافته ينتشر قد كثرت حمراته وظهرت بركاته فاشجاره باسقة واطياره ناطقة واغصانه متدلية وغدرانه ممتلية وفيه اطيار مثل البلبل والكروان والقمري والورشان والحمام وام الحسن تغرد على الاغصان من كل ناحية ومكان.
فلما نظر ظافر الى ذلك الواد وحسن انحداره كانه ثعبان انسلخ من جلده ام حسام تجرد من غمده فلما قرب من الواد ترجل عن جواده وشرب من الماء وسقا جواده وبسط جحفته وترك جواده يرعى كلا من الارض.
[5.5]
فاراد ان ينام اذا كانت منه التفاته فنظر على شاطي الواد من الناحية الاخرى قبة من الشقيقة الأبيض وامامها قناة مركوزة وجواد مربوط وصارم معلق.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
5.2 الليلة الثامنة عشر
[5.6]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك لما رءا ضافر القبة تحيل الى ان جاز الواد ووصل الى
~~القبة ونادى بارفع صوته: السلام عليكم يا اهل هذه القبة.
[5.7]
فلم يتم كلامه الا واطناب القبة قد ارتفعت وبرزوا من تحتها ثلاث جوار
~~نواهد ابكار كانهن الاقمار باعناق كالبلار ومباسم كالجلنار عليهن من الحلي
~~والحلل ما لا يوصف فقالوا: يا هذا الفارس اما صبت ناهي ينهاك عن دخول هذا
~~الواد؟ اما زجرك زاجر؟ فكان والله تندبك النوادب وتبكي عليك الاحبة
~~والاقارب.
فقال ابن الملك: ومن يفعل ذلك؟
قلن له: صاحب هذه القبة بطل من الابطال لا يصطلى له بنار ولا يسكن له بجوار
فقال لهن: ما اسمه فيعرف وما كنيته فيوصف ؟
فقلن له: اسمه فهو موصوف وخبره معروف وهو والله الطامة الكبرى والداهية
~~العظمى هو والله مفرق الكتايب ومظهر العجايب وهو فلاق الجماجم صاحب وادي
~~الاعاجم.
[5.8]
قال: فبينما الفتى يخاطب الجوار اذ لاح له غبار فقالوا له: يا هذا الفارس
~~هذا هو البطل الذي ذكرن لك فانج بنفسك سالما وبروحك غانما قبل ان يصل اليك.
فلم يعبا بكلامهن الا والفارس اقبل فلما رءا ظافر يخاطب الجوار غضب غضبا
~~شديدا وصاح به صيحة وقام عليه بحربة فخرج ابن الملك عن طريقها فصدفت حجرا
~~فشقته وغابت في الارض الى نصف العصا فعند ذلك تحاربا وتحاملا وتضاربا
~~بالسيوف حتى تفللت وبالرماح حتى تكسرت واشتد الحرب بينهما حتى ازبدت الخيل
~~عرقا وطارت قلقا ساعة من النهار واذا بابن الملك صاح بالفارس صيحة الغضب
~~ادهشه وارعبه وقام عليه بضربة براه بها كبري القلم.
[5.9]
فخرجن اليه النسوة عند ذلك مسرعات وقلن له: من انت ايها البطل الذي ارحت
~~البلاد من هذا العدو والطاغي الجبار الباغي؟
فقال لهن ظافر: وما كانت حرفته؟
قلن: اذا سمع بجارية ذات حسن وجمال اختطفها من قصر ابيها وقد ضاق الارض شرا.
قال: فعند ذلك ترجل ظافر عن جواده وقد استحرت عليه القايلة فدفع الجواد
~~الى احداهن فربطته ودخل القبة فوجدها مفروشة بالحرير والديباج المدثر فاخذه
~~النوم من شدة التعب فدعا باحد تلك الجوار وقال لها: ابسطي فخذك لكي انام عليها.
ففعلت ونام الفتا.
[5.10]
فلم يستيقض الا بحرارة الشمس من صبيحة غدا ففتح عينه فلم يجد للجوار خبر
~~ولا للقبة اثر فقام الى الجواد وشال عليه سرجه وتقلد بسيفه وركب وقال: لا
~~حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
ثم سار مع مهبط الواد ينظر يمينا وشمالا فلم يرا احد.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
5.3 الليلة التاسعة عشر
[5.11]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك لما هبط الفتا مع الواد اذا اشرف على قصر عظيم مشيد
~~بناءه جديد واساسه حديد قد بنته والعمالقة والعبيد والبطارقة فتامل الى
~~القصر فرءا الى جانبه سبع قباب من الديباج المدثر فعبر الواد وسار نحو
~~القبة الاولى فرءا امام كل قبة جواد من عتاق الخيل مربوط وصارم معلق.
[5.12]
فنادى: السلام عليكم يا اهل هذه القبة انا رجل غريب بعيد الديار ناوي
~~المزار.
فما تم كلامه ولا فرغ من خطابه الا وابواب القبة قد فتحت وخرج اليه شاب
~~كانه غصن بان ام قضيب خزران فقال له: من انت يا هذا الذي اقتحمت بنفسك لجج
~~البحار وغمرات المنايا؟ اما سمعت بصاحب هذا القصر والواد؟
فقال له ابن الملك: وما اسمه فيعرف وما كنيته فيوصف؟
قال له: كيف يخفى عليك اسمه وهو بطل مشهور وسيد مذكور وهو السويدان بن
~~عامر ابن بدر السماء صاحب واد الدما وهو بطل شجاع.
[5.13]
قال: فعطف عليه ابن الملك وقال له: يا شاب انتم من رجاله؟
قال له: لا بل لنا قبله اثار وذلك انه اختطف لنا اختا من قصر ابينا ونحن
~~سبعة اخوة وابينا ملكا من الملوك صاحب قصر واموال وخرجنا لعلنا نظفر به
~~فقال لهم ابن الملك: يا اخوتي اني نريد ان ننزل معكم فاني رايت شيئا وركبت
~~جوادي وهربت كاني صعلوك من صعاليك العرب اصبح بارض وامسا باخرى.
قالوا له: انزل معنا تاكل مما ناكلوه وتشرب مما نشربوه حتى يفعل الله ما
~~يشاء و {يقضى الله أمرا كان مفعولا} .
[5.14]
قال: فعند ذلك نزل ظافر على جواده وعقله ودخل القبة وجلس مع الاخوة يتحدث معهم.
فبينما هم كذلك اذا سمعوا صيحة عظيمة استجاب لها القصر والواد فخرجوا
~~ينظرون واذا بباب القصر قد انفتح وخرج منه بطل كانه الطود الهايل ام اللجج
~~السايل وهو متكفن في الحديد الاشهب والزرد كما قال الشاعر:
ومن خرج يلقا الممات وحوله
سمر الاسنة كالكواكب تلمع
لبس الحديد على الحديد فخلته
قمرا بابواب الدجا يتطلع
فاذا انثنى وحسامه في كفه
ليل لسان الصبح فيه يطلع
[5.15]
قال: ثم ان الفارس جال في وسط الميدان وقال: يا معشر الفرسان هل من مبارز
~~يبارزني؟
فبرز اليه احد الاخوة فقتله ثم برز اليه الثاني فقتله ثم برز اليه الثالث
~~فقتله ثم الرابع اعدمه الرجوع ثم الخامس عجل حتفه ثم السادس فجندله فبقا
~~السابع وهو اصغرهم فاراد الخروج اليه فمنعه ظافر وقال له: مهلا عليك يا
~~ابني فانك صغيرا لا تعرف الحروب.
ثم انه تدرع والتثم وخرج واستوى على ظهر جواده وصاح بالفارس صيحة اهتزت
~~له الارض والجبال ثم تحاملا وتضاربا وتحاربا وحمل كل واحد منهما على صاحبه
~~وصار عليهما الغبار كالخباء المنصوب الى ان جن عليهم اليل وحال بينهما
~~الظلام فافترقا على سلامة.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت على الكلام.
5.4 الليلة الموفي عشرون
[5.16]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك رجع ابن الملك الى القبة التي ترك فيها الفتى الصغير
~~فوجده باكيا حزينا على اخوته فقال له: لا باس عليك فاني اقسم عليك بفالق
~~الاصباح ومجري الرياح لاخذن لكم بالثار ولاكشفن عنكم العار ولاجعلنك تسير
~~بهذا البطل الذي قتل اخوتك وتحمله اسير الى بلاد ابيك.
فباتا تلك الليلة يتحدثان فلما اصبح الله بخير الصباح لم يستيقض ابن
~~الملك الا لدوي الحافر فقام مرعوبا فازعا وخرج على باب القبة فوجد الصبي
~~مدبوحا وهو يتخبط في دمه فبهت ظافر بن لاحق طويلا وقال: لا حول ولا قوة الا
~~بالله العلي العظيم.
ثم قام من ساعته وتدرع وركب جواده وضرب يده على قايم سيفه وخرج مسرعا
~~فوجد البطل صاحب القصر واقفا بازاء القبة.
[5.17]
فلما ابصره البطل قال له: امن يطلب الثار ينام ويطمئن في القفار واقسم
~~برب الارباب لولا ان أخاف لن اعاير ما عشت ولا ساعة ولاكن افتح معي ميدان
~~الحرب فنقسم بما تقسم به الاشراف لاعرض عليك حربا يشيب منه الوليد ويتعجب
~~منه كل بطل صنديد.
ثم حمل كل واحد منهما على صاحبه فتحاملا ميلا واعترك طويلا فلا تسمع
~~منهما الا الضرب على البيضات كانها المطارق على الزبرات ولا ترى للخيل الا
~~تحمحما ولا للجم الا تقمقما ساعة زمنية وقد اشتد الحرب بينهما الى ان وقفت
~~الشمس ثم ان ابن الملك صاح بالبطل صيحة عظيمة وانقض عليه انقضاض العقاب من
~~جو السحاب ورما بيده في خاسرة البطل واقلعه من سرجه كانه عصفور في مخالب
~~عقاب ونقله من اليمين الى الشمال ومن الشمال الى اليمين وهزه هزة عظيمة حتى
~~طارت العمامة عن راسه وانطلقت له ثمانية عشر دوايبة من الشعر الاسود واذا
~~بها جارية من اجمل خلق الله تعلى صورة كانها القمر المنير.
[5.18]
فردها الى سرجها وقال لها: جارية ذات نهد وفرج وظلع اعوج تحارب الابطال؟
فعطفت عليه وقالت له: من انت ايها البطل؟
قال لها: انا ظافر بن لاحق صاحب مداين الازهار وقصور النوار خرجت اجول في الارض.
فقالت له: ابشر لقد اعطاك الله من الخير والمال والجوار ما لا يوصف.
ثم اخذت بيده وقالت له: والله لقد علمت انك بطل شجاع ولا في الارض من
~~غلبني الا انت.
فقال لها: وكيف تفردت بنفسك في هذا القصر؟
قالت له: كان ابي بطل من الابطال ولم يكن له ولد ذكر فسماني السويدي بن
~~عامر على اسم رجل وعلمني ركوب الخيل وخوضان الليل والضرب بالحسام والطعن
~~بالسنان ومبارزة الاقران والفرسان فصرت كما ترى.
[5.19]
ثم اخذت بيده وادخلته الى القصر فرءا من الاموال والدخاير وغير ذلك
~~واحتجب ابن الملك بتلك الجارية وزوجها ودخل بها فوجدها بكرا عذرا فبقا معها
~~زمانا في قصرها ثم بعد ذلك قال لها: اني اريد الانصراف الى مدينة ابي.
فقالت له الجارية: وانا معك ان شاء الله تعلى.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت على الكلام.
5.5 الليلة الحادية والعشرون
[5.20]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك ان الجارية اخذت من الدخاير ما خف حمله وغلا ثمنه
~~وولت على القصر من يقوم مقامها ثم ركب الفتا ابن الملك وركبت الجارية وسارا
~~يقطعان الارض بالطول والعرض مدة من ايام عديدة اذا اشرفوا على واد الاعاجم
~~الذي تحارب فيه ابن الملك مع فلاق الجماجم ونزلا فيه وسارحا خيولهما بشاطئ
~~الواد الى ان جن عليهما اليل فنام هو والجارية.
[5.21]
فلما يستيقض الا بحرارة الشمس في وجهه فنظر الى الجارية فلم يجد لها خبر
~~ولا وقع لها على اثر ووجد جواده معقولا فقام مدعورا وصار يهيم كما يهيم
~~النعايم في البرية وطلب الاثر فلم يجد شيئا فقال: ما شاء الله كان ما من
~~طامة الا وفوقها اكبر منها.
ثم صعد مع الواد مقدار ميلا فوجد راعيا يرعا اغناما فسلم عليه وقال له:
~~ايها الراعي هل تعرف في هذا الارض عمارة؟
قال له: لا الا نحن.
قال له: ومن انتم؟
قال له: انا ووالدي شيخ كبير نعمر هذا الواد وقد كان قبل اليوم يعمره بطل
~~من الابطال يقال له فلاق الجماجم فبعث الله له عفريتا من الجن فقتله واراح
~~الارض منه.
[5.22]
قال له: وهل تعرف هنا موضعا يكون فيه عمارة؟
قال له: هنا قصر بعيد يعرف بقصر الشعاع ومن هنا اليه خمسون ميلا وهو
~~مطلسم على اربعين ميلا بحيث ما طلعت الشمس على احد داخل الاربعين الا
~~احرقته ولا يعرف له احد مدخله وهو يعمره بطل من الابطال وما في الارض اشجع
~~منه واسمه سيف الاعلام ابن خضاب الذما صاحب قصر الشعاع.
فقال ابن الملك في نفسه: فنقسم بما تقسم به الاشراف لو صعد مصعد الشمس او
~~غاب مغيب الرمس لابد لي منه.
ثم سلم على الراعي وانحذر مع مهبط الواد وسار يجد في السير الى ان جن
~~عليه الظلام فقصد الى دوحة من دوحات الواد وبسط جحفته ونام عليها فلم
~~يستيقض الا لهمهمة ودوي ففتح عينه فابصر اسد هايل مهول عظيم المنظر زعيق
~~الخلقة فلما نظر اليه الفتى حمل عليه واذا بالاسد قد وثب عليه وارادالهجمة
~~عليه فراغ له عن الطريق.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
5.6 الليلة الثانية والعشرون
[5.23]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك ان ابن الملك لما ابصر الاسد هجم عليه راغ له عن
~~الطريق وخرج عنه فلما رءاه قد خاب امله انقض عليه وضربه بحسامه على هامته
~~الى ان اوقف السيف في سلسلة ظهره ووقع الاسد ميتا وهو يتخبط في دمه.
ثم رجع الى جواده فركبه واذا بصيحة عظيمة استجاب لها الواد فتامل نحو
~~الصوت واذا بسنان رمح قد لاح كانه مصباح وفارس قد صاح به صيحة عظيمة وقام
~~عليه بطعنة فراغ ابن الملك عن طريقها فغابت الحربة في الارض الى النصف وابن
~~الملك قد دهش ورد يده على قايم سيفه وحمل على الفارس وتحاربا الى نصف
~~النهار ثم ان ضافر ابن الملك احتك معه الركاب بالركاب ورما بيده في مخانق
~~ذراعيه ارجله عن جواده وجلد به الارض حتى طارت العمامة من راسه وظهر له
~~دوايب من الشعر الاسود كانه ظلام اليل واذا بجارية.
[5.24]
فقال لها: من انت لا ام لك.
فقالت له: انا التي دخلت عليك في القبة وانا التي اخذت لك الجارية
~~السويدية ابنت عامر وهي الان عندي وفي قصري وانا الذي تسميت بسيف الاعلام
~~فخلي عني فقد اعطاك الله مالا عظيما.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
5.7 الليلة الثالثة والعشرون
[5.25]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك قام ظافر وترك سبيل الجارية وقد كان اراد قتلها
~~فعمدت الى جوادها وركبت وركب ابن الملك وسار معها حتى انتهت به الى جبل
~~عظيم شاهق قد ارتفع في الجو وفي وسط الجبل مغارة فدخلت الجارية وابن الملك
~~معها وغابوا في زاوية تحت الارض ثم خرجوا الى بركة ماء وفيها زواريق فطلع
~~ابن الملك والجارية تقدف به الى ان وصل الى باب قصر عظيم.
[5.26]
ثم عطف عليها وقال لها: ما اسمك؟
قالت له: اسمي شمس الضيا ابنت خضاب الدما ويعرف هذا القصر بقصر الشعاع
~~وهو مطلسم على اربعين ميلا من كل ناحية ومكان وهو مصنوع من حجارة المها
~~فيضل عليه الجاهل بحيث ما طلعت عليه الشمس الا واحترق من شدة لمعان المها
~~وهو مما بنته الجن لصخر ابن ابليس الاكبر.
ثم ان الجارية اخذت بيد ابن الملك وادخلته الى القصر واتت به الى مجلس
~~عظيم قد قام على ثمانين عمودا من الرخام قد فرش بانواع الفرش من الديباج
~~والحرير وانزلته في مرتبة عظيمة ثم دعت بجارية لها وقالت لها: ايتني
~~بالسويدية والجوار الذي اخذنا من وادي الاعاجم.
فبعد حين واذا بهن قد اتوا وهن في احسن زي واكمل حال فسلموا على ابن
~~الملك وهنوه بالسلامة وبقا معهم اياما ثم تزوج الجارية ابنت خضاب الدما
~~وبقا معها في طعام وشراب مدة من شهر ثم دخلت على ابيها وقتلته.
[5.27]
وولت ابن الملك على البلاد وطاعت له القبايل واخذ العساكر و جيش عظيم
~~وصنع جرارا لم يرا الراءون مثله وعمل مهرجانا وذبح فيه الابقار والاغنام
~~ونحر الابل وسكبت فيه الخمور وضربت القباب في الارض وتصالح مع اخيه ولامه
~~بسبب خروجه عنه واعلمه ان امه التي كانت دخلت بينهم قد ماتت فبقا مع اخيه
~~اياما بعد قدومه اليه ثم انصرف عنه الى قصره وجيشه وبقا مع جواريه وبعث الى
~~قصر السويدية واتا بجميع ما كان فيه من الدخائر وغير ذلك وولا على تلك
~~البلاد احد من جيشه وبقا الفتا في اكل هني وشرب روي حتى اتاهم اليقين
~~والحمد لله رب العالمين.
6 حديث الوزير وولده
6.1
[6.1]
قالت: زعموا ايها الملك انه لما قبض الملك هارون الرشيد على البرامكة هرب من جملتهم شيخ كبير السن وكان من الوزرا الكبار وكان له ولد اسمه عبد الله واسم الشيخ محمد.
قال: فسار الوزير وابنه الى ان وصلوا الى ارض البصرة فطلعوا في سفينة الى ارض الهند.
فبينما هم سايرين في البحر والريح تجري بهم بريح طيبة اذ لاح لهم جبل عظيم في وسط البحر فقد اسود وكان قد نفذهم الماء فنزلوا في ذلك الجبل يطلبون الماء فاقاموا يمشون يومهم الى اليل ثم ارادوا الرجوع الى السفينة.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
6.2 الليلة الرابعة والعشرون
[6.2]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك لما جن عليهم اليل ارادوا الرجوع الى السفينة فبينما
~~هم يمشون اذا سمعوا في البحر دوكة عظيمة فهربوا ورفعوا رءوسهم ينظرون واذا
~~بدابة قد اخرجت راسها من البحر والتقطت جملة من اهل السفينة فضجوا الناس
~~بالصياح وقاموا بالتسبيح والتهليل الى قرب الصباح واقلعوا من الجبل واذا
~~بالبحر قد هال وهاج اليهم وتعاظم وانكسرت السفينة فنجا ابن الوزير على لوحة
~~وصارت الامواج ترفعه تارة وتضعه تارة اليل كله الى قرب الصباح فلما اصبح
~~الله بالصباح فاذا بالامواج قد رمته في ساحل البحر في جزيرة في اكباد البحر
~~فخرج الفتا اليها يريد شيئا ياكله.
[6.3]
فلما دخل الجزيرة اذا نظر فيها اشجار وثمار كثيرة فاكل من تلك الثمار
~~وشرب من مايها فاذا في وسطها بير عامق فقصد نحوه فوجد ثوبا فالقاه على نفسه
~~واقام في تلك الجزيرة ذالك اليوم.
فلما اصبح الله بالصباح وطلعت الشمس فتامل الى البحر فرءا زورقا قد انقض
~~من اكباد البحر فيه مقدار عشرة من الرجال فقصدوا الى الجزيرة.
فلما رءا ابن الوزير ذالك اخفى نفسه عنهم في موضع يراهم ولا يرونه فراهم
~~قد اخرجوا من الزورق رجل مغلول اليدين والرجلين بالحديد فاخرجوه القوم
~~والقوه على لوح وحملوه على رءوسهم واتوا به الى ذلك البير ورموه فيه ثم
~~انهم رجعوا الى زورقهم وسافروا حتى غابوا عن الجزيرة.
[6.4]
فقام الفتى واخذ من اغصان تلك الشجرة قضبانا رقاق وصنع حبلا جيدا وهبط
~~الى اسفل البير فوجد شيخ كبير وهو يستغيث الى الله تعلى فقال له الفتى: احي
~~انت يا هذا؟
قال له: نعم.
ثم قال له الشيخ: من انت الذي من الله علي بك؟
قال له: انا فتى غريق وعطبت وخرجت الى هذه الجزيرة فرايت ما صنعوا بك
~~فاتيت اليك.
[6.5]
فقال له الشيخ: اخرجني يا ابني وانا اغنيك واخرجك من هذه الجزيرة.
قال: فعمد الفتى الى الشيخ وحله من وثاقه وتحيل عليه الى ان طلعه من
~~البير وصار على وجه الارض ثم اتاه بما اكل من ثمار الجزيرة وبقا معه اياما.
فلما كان ذات يوم الا والجزيرة قد امتلات بالطيور بيض فعطف الشيخ على
~~الفتى وقال له: ابشر فات صبيحة غد ان شاء الله تكون هنا مراكب كثيرة وهي
~~تخرجنا من هذه الجزيرة ان شاء الله تعلى بحوله وقوته .
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
6.3 الليلة الخامسة والعشرون
[6.6]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك ان الفتا قال للشيخ: من اعلمك بهذا؟
قال له الشيخ: الا واني اعلم به وبما هو اكبر منه وعند كتاب كنت اقرا فيه
~~زجر الطيور فلما رايت الجزيرة قد امتلات طيورا علمت انها ستملا رجالا.
فلما اصبح الله بخير الصباح اذا بالجزيرة قد امتلات رجالا واحاط بها
~~مراكب وزوارق.
[6.7]
قال: فنزلوا في الجزيرة ومشوا فيها فالتقوا بالشيخ والفتى ابن الوزير
~~فسئلوهم عن حالهم فاعلمهم بما اتفق لهم فعطفوا عليهم ورفعوهم الى مراكبهم
~~ثم بقوا بالجزيرة اياما حتى طاب لهم الريح فاقلعوا وسافروا في اكبد البحر
~~اياما وليالي عديدة فاذا بهم قد اشرفوا على مدينة عظيمة تموج بالساكن.
فنزل الشيخ والفتا على ساحل البحر ثم عطف الشيخ على الفتا ابن الوزير
~~واتى به الى بعض الفنادق فاكترا فيه بيتا ونزلوا فيه ثم اخذ الشيخ دواية
~~وقرطاس وكتبه ودفعه الى الفتا وقال له: سر بهذا الكتاب الى الموضع الفلاني
~~واسال عن فلان فاذا لقيته اعطه الكتاب فاذا سالك عني فاعلمه واخبره اني
~~بهذا الموضع.
[6.8]
قال: فسار الفتى من حينه حيث امره الشيخ حتى وصل الى ذالك الرجل فاعطاه
~~ذلك الكتاب فلما قراه قال له: يا فتى واين هو صاحب هذا الكتاب؟
قال: هو في المدينة لاكن ان شئت سرت معي اليه.
قال له الرجل: نعم.
قال: فسار الفتى والرجل معه حتى دخل به على الشيخ فلما رءاه الرجل تراما
~~عليه وسلم كل واحد على صاحبه فقال له الرجل: يا مولاي والله ما اظنك
~~بالحياة والحمد لله على ذلك.
[6.9]
ثم انصرف عنهما واتاهما بالطعام والشراب فاكلوا جميعا وتحدث الشيخ مع
~~الراجل ساعة فقال له الشيخ: نريد منك ان تشتري لي سفينة.
قال له الرجل: نعم.
ثم انصرف الرجل وبقا الفتى ابن الوزير مع الشيخ فقال له: يا فتى امضي الى
~~السوق واشتري لي رطلان من نحاس احمر واتني به والفحم.
[6.10]
فقال له: نعم.
فاحضرهما بين يديه واوقد الفحم على النحاس حتى صار ابيض ثم اخذ غبارا
~~والقاه عليه فصار كله ذهبا ابريزا ثم ان الرجل دخل عليه وقال له: يا سيدي
~~انقضت الحاجة فيما قلت من امر السفينة.
فاعطاه الشيخ ذلك الذهب وسار به الى السوق فلم يكن الا ساعة واذا بالرجل
~~قد اقبل ومعه دراهيم كثيرة فقال له: اشتري لنا زاد وما يحتاج اليه.
فجهز له من كل شيء واشترا له عبدا وخادما وتودع الرجل منهما وانصرف.
وقال الشيخ لابن الوزير: ان صبرت اعطاك الله مالا جزيلا.
[6.11]
ثم سافروا في اكبد البحر فلما غابوا على المدينة عطف الشيخ على الفتا
~~وقال: يا بني اتعرف قصتي؟
قال: لا يا عم.
قال له: اني كنت ملك تلك المدينة واتفق لي ما رايت وكان ذالك الرجل اقرب
~~الناس الي ولاكن انا شيخ كبير كما ترا قد كبرت وضعفت واريد ان افيدك بفايدة
~~لما صنعت معي من الخير.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت على الكلام.
6.4 الليلة السادسة والعشرون
[6.12]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذالك انهم ساروا في اكباد البحر مدة من عشرين يوما فاذا
~~بهم قد اشرفوا على صنم قد قام في الهوى فعطف الشيخ على الفتى وقال له: يا
~~بني هذا الصنم الاول من السبعة اصنام الذي صنع ذو القرنين عليه السلام لما
~~دخل بحر الظلمة.
فلم يزالوا سافرين على صنم بعد صنم حتى جاوزوا على السبعة اصنام قد قامت
~~معهم جزيرة عظيمة متصلة منه فنزلوا في الجزيرة واتى الشيخ مع الفتى الى
~~الصنم السابع فلما قربوا منه وقف الصنم وهم ان يرميهم بحربة كانت بيده حتى
~~اهتزت الارض تحت اقدامهم وسمعوا صياحا عظيما ورجع الشيخ الى ورايه والفتا
~~معه ثم اتوا الى الصنم من ناحية اخرى فوجدوا بابا صغيرا ففتحه الشيخ واخرج
~~منه ثلاثة مفاتيح.
[6.13]
ثم اخذ بيد الفتى وساروا الى السفينة ووصوا اصحابهم الا يبرحوا من
~~السفينة حتى يرجعوا اليهم ثم مشوا في الجزيرة الى نصف النهار اذا اشرفوا
~~على قصر مشيد قد بنته ملوك الاكاسرة في الازمنة الغابرة فلما قربوا من
~~القصر راوا بدايرته نهر من الماء وهو يدور كدوران الرحا وفي وسطه ستة رماح
~~مركوزة.
فعطف الشيخ على الفتى وقال له: كيف الوصول الى هذا القصر؟ لا يوصل اليه
~~احدا الا بحيلة.
فلما قربوا من النهر سمعوا صياحا عظيما وضجيجا فقال الفتى: ما هذا الصياح
~~يا شيخ؟ وهو يشبه صياح العقاب.
[6.14]
فقال له الشيخ: يا بني ان على باب هذا القصر طير على صفة عقاب مطلسم فاذا
~~قرب احد من هذا القصر يصيح ذلك العقاب كما ترا ولذلك سمي قصر العقاب.
ثم ان الشيخ اتى الى عرض الباب وحفر مقدار قامة فظهرت له رخامة وفيها
~~لولب كبير فاداره واذا به قد دار دورانا عظيما والشيخ يقول للفتى: انظر الى
~~الواد فاذا رايت شيئا فاعلمني.
فمازال الشيخ يدور اللولب حتى هدى الماء عن دورانه واذا بقنطرة من نحاس
~~ظهرت وارتفعت من تحت الماء حتى استوت فوقه فلما رءا الفتا ذلك اعلم الشيخ
~~بالحال فخلا على اللولب التحريك واتى القنطرة وعبرها مع الفتا واتا الى باب
~~القصر فوجدوا فيه سطرين منقوشين في رخامة وهي هذه الابيات:
[6.15]
لا يدخل القصر الا ذو مخاطرة
وكل داخل اليوم فيه مغرور
ان الذي عنده الاجال حاضرة
موكل بالذي تخشاه مامور
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت على الكلام.
6.5 الليلة السابعة والعشرون
[6.16]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك قرب الشيخ من الباب وفتحه ودخل هو والفتى من ورايه
~~الى ان توسطا القصر فنظرا الى قصر بناؤه رفيع وامره شنيع قد اسس بحجار
~~الصلد وفي داخله حمامات وبيوت باموال ومجامع وقباب واقواس ودهاليس وبساتين
~~ورياضات وسهاريج وعليها طلاسم وحراكات واسود ينصب الماء من افواهها انصبابا
~~ومجالس مرتفعات ابوابها من الصندل الاحمر مصفحة بصفايح الذهب فراشها
~~الديباج واسرة وعلى تلك الاسرة وسايد ومخايد ملونات يحير فيها البصر وفيها
~~عبرة لمن يعتبر وموعظة لمن يزدجر وهي قد درست لما مضى عليها من الدهور
~~والازمنة.
[6.17]
فقصد الشيخ الى مجلس من تلك المجالس وفتحه فاذا هو مملوا بالجوهر وياقوت
~~وفي ذلك المجلس اسرة عليها اشخاص يخيل الناظر انهم احياء ثم اتى الى مجلس
~~ثاني فوجد فيه سرير من الذهب منجم باحجار الياقوت وعن يمين المجلس اسد وعن
~~يساره ثعبان وعلى السرير شخص نايم وما هو بنايم وعند راسه لوح من الزمرد
~~الاخضر فيه مكتوب بالذهب:
انا ثعلبة ابن عبد ليل ابن جرهم ابن عبد شمس بن وائل ابن حمير بن يعمر بن
~~قحطان بن هود عليه السلام عمري خمسمائة سنة وغرست الاشجار وفجرت الانهار
~~واغررت بهذه الدار الى ان تم المقدار وحكم علي العزيز الجبار فاعتبروا في
~~يا اولي الابصار فيا من رءاني فلا تغتر بهذه الدار.
[6.18]
ثم اتوا الى مجلس ءاخر فاذا في وسطه سرير قد حفت به قناديل من الذهب
~~والفضة وهي معلقة وعليها صنوف من الاحجار وعلى السرير شخص نايم وما هو
~~بنايم وامامه محمل عليه كتاب والشيخ ينظر فيه يخيل الناظر كانه حي وهو شاخص
~~في الكتاب وعلى راسه تاج مكلل بالجوهر والياقوت والزبرجد وبين عينيه حجر من
~~الياقوت وقد اضا المجلس من صفايه وضيايه وكبره.
قال: فعطف الشيخ على الفتى وقال له: قف مكانك حتى اخذ هذا التاج
~~والياقوتة التي على راس الشيخ.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت على الكلام.
6.6 الليلة الثامنة والعشرون
[6.19]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك ان الشيخ اتى الى السرير لياخذ التاج والحجر فوجد
~~امامه قدر خمسة ادراج فصعد الى اول درجة منها فاذا بالشيخ الذي على السرير
~~استوى جالسا فلما صعد درجة الثانية طبق الشيخ الكتاب فلما صعد الثالثة درجة
~~مد الشيخ يده واخذ قوسا والقاه في شماله فلما صعد الدرجة الرابعة فاذا
~~بالشيخ قد اخذ سهما والقاه في القوس فلما هم بالدرجة الخامسة فاذا بالشيخ
~~قد اهتز ولعبت رجلاه ورجع الى ورايه والحركة تثقل فصعد مرة ثانية فنزلت
~~قدماه وقام الشيخ الذي على السرير وجبد عليه بسهم الذي بين يديه فاقعده
~~وسقط الشيخ على الادراج ميتا.
[6.20]
فلما رءا الفتا ابن الوزير ذالك خاف على نفسه واتا ليخرج الشيخ صاحبه من
~~الموضع الذي هو فيه فخرج اليه من تحت السرير اسد فالتقمه وهز الفتى هزة حتى
~~جث على ركبته وسقط مغشيا عليه.
فلما افاق من غشيته قام واستوى على قدمه واقبل على تلاوة القرءان
~~والتسبيح والتهليل والتقديس فبينما هو كذلك اذا سمع صوتا وهو ينشد هذه
~~الابيات حيث يقول:
لولا تلاوتك القران ما ثبتت
في الارض رجل لك ايها الرجل
في بلدة لملوك الجن ماردة
في كل حين لها من سهمها وجل
لك النصيحة عندي وهي واجبة
على ذوي الراي ان لم يسبق الاجل
واستوف اليوم من رزق خصصت به
ولا تعد راجعا يناديك الامل
[6.21]
قال: فلما سمع الصوت اطمانت نفسه واخذ من الياقوت ما خف وزنه وغلا ثمنه
~~وسار الى السفينة واوقرها من تلك الدخاير واخذ المفاتيح وفتح ابواب
~~المجاليس فوجد فيها دخايرا لا ترام ولا توصف فلما تم له ذلك واخذ منها ما
~~اراد رجع الى القنطرة وجاز عليها وخرج واتى الى اللوح الذي فيه اللولب
~~ودوره بعدما غلق الابواب فرجعت القنطرة على حالها الاول وغابت في الماء ورد
~~المفاتيح الى الصنم وركب السفينة وسار راجعا في اكباد البحر اياما عديدة
~~حتى وصل الى البصرة فانزل فيها ما له ودخايره واشترا ديارا وعقارا وبساتين
~~وجوار وخيول وامر العبيد الذي كانوا معه يتجرون له ويسافرون في البحر.
وبقا الفتى في ارغد عيش حتى اتاه اليقين والحمد لله رب العالمين.
7 حديث الملك سليمان بن عبد الملك بن مروان
7.1
[7.1]
ثم قالت: زعموا ايها الملك ان سليمان لما اتى عليه من العمر سبعة اعوام نطق بالحكمة والشعر وجاء بكل معرفة وتعلم ركوب الخيل وخوضان اليل والطعن بالسنان والضرب بالحسام ومبارزة الابطال والفرسان الى ان خرج الى صيد الاسد فخرج ءاية من ءايات الله وعبرة من العبرات فلما بلغ من العمر ستة عشر سنة اتساع الباع واشتد الذراع ومع ذلك انه اجمل خلق الله صورة واكرمهم بنانا.
فلما نظر اليه ابوه سر به سرورا عظيما وقال له : يا ابني تمنى علي ما شئت.
قال له: يا ابت نريد ان تبن لي قصرا وتجري فيه الانهار.
قال له: نعم لك ذلك.
[7.2]
قال: فارسل الى امين البنايين فاجتمعوا اليه من الاقطار والامصار فبنوا له قصرا ما رات العيون مثله فلما تم له القصر من البنا صنع فيه مهرجانا عظيما واطعم فيه الناس حاضرة وبادية.
قال: فبينما سليمان ذات يوم من الايام جالسا في قصره في كوكب رفيع ينظر الى صحن القصر ويتامل في بياض الرخام ويتعجب من ذالك واذا بغرابين يتضاربان حتى سقطا في وسط القصر وسالت منهما الدماء على بياض الرخام.
فقال في نفسه: يا ليت شعري هل خلق الله تعلى جارية يكون بياض جسمها مثل هذا الرخام وسواد شعرها كسواد هذا الغراب وحمرة خديها مثل هذا الدم على الرخام؟
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
7.2 الليلة التاسعة والعشرون
[7.3]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك ان سليمان بن عبد الملك دعا باصحابه ووزرايه واعلمهم
~~بامره وما جرا في سره فقالوا له: ليس تجد مثل هذه الجارية الا عند ابي حزم.
قال: فبعث سليمان اليه فلما اتاه اعلمه بالخبر.
فقال له: ايها الملك انا اعرف جارية على هذه الصفة التي ذكرت وهي ابنت
~~ملك من الملوك وهي قد خفت عن الابصار وهي اجمل جوار الدنيا والسما اقرب
~~اليك من وصالها.
قال له سليمان: ولم ذالك؟
[7.4]
قال: لانها غليظة الحجاب ولابيها ملك شامخ يركب له من صيحة واحدة مائة
~~الف ضارب بالسيف ووالدها قد ولاها امرها بنفسها فلا تتزوج الا من تريده او
~~من يغلبها في ميدان الحرب وهي اكره خلق الله تعلى في الرجال في الحرب.
قال: فعطف سليمان عليه وقال: يا ابي الحزم كيف الوصول اليها والاجتماع معها؟
فقال له ابو الحزم: ارا لك من الراي ان تبعث لها هدية فان قبلتها فترجوا خيرا.
قال له سليمان: ومن نبعث لها رسولا؟
فقال له: ابعث لها ابي عبد الله بن بطال فهو اشجع الناس واحسنهم وجها
~~وكمالا وافصحهم لسانا.
[7.5]
قال: وقد وقع في قلب سليمان من حب الجارية نارا لا يطفيها بسبعة البحر
~~فاحضر عبد الله بن بطال وقال له: السمع والطاعة لله ثم لك ايها الامير.
قال: فامر له بجواد من عتاق الخيل وكتب الى ابيها كتابا يرغبه في مصاهرته
~~ثم بعث اليه هدية من الجوهر والياقوت والزمرد وحشيش الارض من الهند والف
~~نجيب والف عبد من اولاد النصرانية قد لبسوا الديباج وبايديهم الحروب الزرق
~~ودروق اللمط فلما اتم الهدية خرج سليمان مع اصحابه واوصا عبد الله وتودع
~~منه وسار يقطع الارض بالطول والعرض الى ان وصل الى مدينة نمارق خرج اليه
~~وصنع له بروزا عظيما وسلم عليه وقال له: من اين اقبلت والى اين تريد؟
[7.6]
قال له: جئتك رسولا من عند امير المومنين عبد الملك بن مروان ومن عند
~~ابنه سليمان.
قال له نمارق: اتهددني بعبد الملك وبابنه؟
فقال له: ايها الملك انما جئتك في امر المصاهرة لتزوج ابنتك من ابنه.
فقال له الملك: تكن من جنس ابنه؟ فاقسم بما تقسم به الاشراف لولا ان
~~الملوك لا ترضى بقتل الارسال لقتلتك ولاكن سر الى مولاك وقل له اني قادم
~~عليه في هذا العام المقبل بعشرة ءالاف بطل على عشرة ءالاف اشقر وعشرة ءالاف
~~بطل على عشرة ءالاف ابلق وعشرة ءالاف بطل على عشرة ءالاف خضر وعشرة ءالاف
~~بطل على عشرة ءالاف كميت ولاقتلن اباه عبد الملك ولاخذن ارضه ولاهدمن مدينة
~~دمشق حتى تقرب القوافل وتقول كان في هذا الموضع مدينة تقال لها دمشق.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت على الكلام.
7.3 الليلة الموفي ثلاثون
[7.7]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك اعطاه جواب الكتاب بعد اخذ الهدية وانصرف ابي عبد
~~الله بن بطال على حال سبيله.
واتصل الخبر بالجارية فبعثت اليه الف فارس خلف عبد الله ان ياتوا به
~~اسيرا والا براسه قتيلا.
قال: فلما نظر عبد الله الى الخيل في اثره لم يشك انه تنقض عليه فخرج عن
~~الطريق فلم يجدوا له خبر ولا وقفوا له على اثر فما زال يدور في تلك الارض
~~حتى وصل الى مدينة دمشق وكان سليمان في ذالك اليوم قد صعد من قصره في كوكب
~~فنظر الى عبد الله بن بطال وهو في سرعة عظيمة يسير حتى اتى الى القصر وصاح:
~~الغيث الغيث ايها الملك.
[7.8]
فامر بدخوله فسلم عليه واعلمه بما اتفق عليه.
فعند ذلك اعلم سليمان اباه بالخبر فقال له ابوه عبد الملك: ما الذي تريد نصنع؟
فقال له: نسير اليه ولو كان في عدد مضر.
قال: فامر له ابوه باربعين الف فارس مدرعة ممن يقطع الفيافي والقفار
~~واعطاهم السلاح وفرق عليهم الاموال ثم قدم عليهم سليمان والوليد ومسلمة
~~وتودع منهم وانصرف وسار يقطعون الارض بالطول والعرض والاجام والاكام والتلل
~~والرمال والاودية والاقطار مدة من ثلاثة ايام.
[7.9]
فبينما هم في اليوم الرابع يمشون اذ قامت بين ايديهم ضبية فاراد سليمان
~~اقتناصها وسار في اثرها فلم يلحقها ورجع الى موضع جيشه فلم يجد لهم خبر ولا
~~وقع لهم على اثر.
فبينما هو يلتفت يمينا وشمالا اذ رءا بالبعد شيئا يلمع كانه برق فقصد
~~نحوه فاذا بنهر خضير نظير المسك من حافته ينتشر ام سحيق العنبر قد مطر فلما
~~نظر سليمان الى الواد ونظر الى حسنه وجماله وقد اشتدت عليه القايلة والواد
~~في انحداره كانه تعبان انسلخ من جلده ام حسام تجرد من غمده فلما قرب من
~~النهر رءا اشجار ملتفة بالواد وثمار باسقات واطيار ناطقات وامياه رايقات.
[7.10]
فاشتهت نفسه النزول على ذلك الواد فنزل عن جواده وانغمس في الواد وصب
~~الماء على جسده فسمع حسا فلبس ثيابه في الحين واستوى على متن جواده اذا نظر
~~الى اسد هايل مهول بسواعد شداد وانياب حداد قد خرج اليه من تلك الاشجار
~~فلما نظر اليه سليمان لم يتمالك نفسه الى ان صاح به صيحة عظيمة وحمل الاسد
~~على سليمان وقد اغضبه غضبا شديدا واراد الفرسة فيه فاحترف عنه سليمان
~~واقامه بضربة ابره كبري القلم.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت على الكلام.
7.4 الليلة الحادية والثلاثون
[7.11]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك لما قتل سليمان الاسد تركه وصعد مع الواد اذا تامل
~~الى قصر وامامه قبة مضروبة من الحرير الاحمر وامامها قانات مركوزة وصارم
~~معلق فقصد نحو القبة ونادى برفيع صوته: السلام عليكم يا اهل هذه القبة.
فلم يجبه احد فبينما هو كذالك اذا سمع انين فترجل عن جواده ورد يده على
~~قايم سيفه ورفع اطناب القبة ودخل واذا في وسطها جارية كانها البرق الخاطف
~~او البدر الطالع او الغزال الراتع فنظر الى الجارية واذا هي معلقة من دوايب
~~شعرها فقال: السلام عليك يا جارية مالي اراك معلاقة من شعر راسك؟ ومن فعل
~~بك هذا الفعلة؟
[7.12]
قالت له: يا مسكين اما صبت ناهيا ينهيك عن دخولك هذا الواد؟ اما زجرك
~~زاجر؟ فكاني والله قد ندبتك النوادب وتبكي عليك الاحبة والاقاريب انج بنفسك
~~سالما وبوجهك غانما قبل ان تاتيك الطامة الكبرى والداهية العظمى.
قال لها: ومن يكن هذا؟
قالت له: بطل من الابطال لا ياصطلى له بنار ولا يسكن له بجوار يقال له
~~مدل الاقران وله عبد اسود واسمه دواس وهو قد خرج للصيد.
قال لها: وما اسمك يا جارية؟
[7.13]
قالت له: اسمي ليلا ابنة باسط اللواى وصاحب حصن النجم وواد الركبان خرجت
~~مع الجواري فاختلسني هذا البطل واتى بي الى هذا الموضع واراد ان يقتضني
~~فابيت فشدني كتافا كما ترى.
قال: فعطف سليمان عليها وحل وثاقها وقال لها: لا يقطع الحديد الا
~~بالحديد.
قال: فبينما هو كذالك اذا سمع صيحة عظيمة فتامال نحوها فاذا هو بعمود
~~غبار طالع و خرج من تحت اذيال الغبار عبدا اسود كانه النخلة السحوق ام
~~الفرع اللحوق وقد تحولت شفتاه وبرقت عيناه وهو يقود من خلفه بعير قد اثقله
~~الصيد مثل ما تقول ارنب وذيب وحمار وحش وغزلان وغير ذالك والعبد يهرول في
~~مشيته فنظر الى سليمان واقف على باب القبة والجارية الى جانبه فخل العبد
~~زمام البعير وضرب يده على قايم سيفه وصاح به صيحة اهتزت الارض منها وقام
~~عليه بمقمع كان بيده فخرج سليمان فاتت الضربة غير صائبة فتحاربا ساعة
~~زمانية.
[7.14]
فبينما العبد يحارب ابن الملك اذا بفارس قد خرج من بين تلك الاشجار كانه
~~الطود الهايل ام اللجج السايل فلما نظر اليه سليمان لم يتمالك نفسه ان قام
~~على العبد بضربة براه كبري القلم.
فلما رءا الفارس ان العبد قد قتل صاح بابن الملك صيحة فاحشة وقام عليه
~~بطعنة فصار سليمان حزاما للجواد ثم صاح ابن الملك صيحة وزعق به زعقة وجال
~~يمينا وشمالا واعتركا طويلا ساعة زمانية وابن الملك حك معه الركاب وقام
~~عليه بحربة ابراه كبري القلم.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت على الكلام.
7.5 الليلة الثانية والثلاثون
[7.15]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك ان ابن الملك ترجل عن جواده وجمع ما كان في القبة
~~والقاه على ظهر البعير وركب جواده وركبت الجارية وسار يقطع الارض بالطول
~~والعرض حتى اشرفوا على حصن في اعلى الجبل قد انقطع من التراب وتعلق بعنان
~~السماء قد بنته العمالقة والروم والبطارقة قد بني بالحجر الصلد وقد مدت
~~عليه قضبان النحاس لم تفني بنيانه الدهور ولا غيرته الشهور وقد دارت بهم
~~الدواير واحاطت بهم العساكر.
فقصدت الجارية والامير خلفها على طريق كانها شراك النعل او مدراج النمل
~~فلما قربوا من الحصن خرج باسط اللوا ابو الجارية وعليه ثياب الحزن فسلم
~~عليه سليمان.
فقال له سليمان: اراك لابس ثياب الحزن؟
[7.16]
قال له: كانت لي بنت وكانت مرادي من الدنيا فاختلست لي منذ ليالى.
قال له: وهل تعرفها اذا رايتها؟
قال: نعم يا هذا الفارس المبارك.
فاشار سليمان الى الجارية فحطت النقاب عن وجهها وترامت على ابيها واعلمته
~~بما جرا لها وكيف انقدها الامير فعطف ابوها على سليمان وقال له: من تكن
~~ايها الفارس؟
قال له سليمان: اليس تعرفني؟
قال: لا ولا انكرك.
[7.17]
قال له: انا سليمان بن عبد الملك بن مروان.
قال له الملك: اسكت واياك ان تبوح باسمك ليلا تموت.
ثم قال الشيخ لسليمان:
فيماذا اتيت؟
قال له: في كذا وكذا والله لو صعدت مصعد الشمس وغيص بها مغيب الرمس لا بد
~~لي منها.
قال له الشيخ: اصبر على نفسك وانا احتال عليك وتجتمع بها ان شاء الله.
قال له: كيف يكون الوصول اليها وقد بلغ لابيها اني قادم عليه باربعين الف فارس؟
[7.18]
قال له الشيخ: تسير معي اليه واذا سالك ما اسمك فقل له: اسد بن عامر
قال: نعم.
قال: فاضافه تلك الليلة.
فلما كان عند الصباح ركب الشيخ وركب سليمان معه فوصل الى ارض الازارقة
~~والقضا يحكم والفلك يدور نظر سليمان الى ارض ما رات العيون مثلها ارض بيضا
~~مليحة يفوح نسيمها طولا وعرضا نباتها الزهر الباسق تقصر عن السنة الواصفون
~~وفي وسط الارض مدينة قد اخذت السهل والوعر وامام المدينة قصر منيع بناءه
~~رفيع قد دار به جيش كانه البحر الزاخر فما ترا الا الدروع تلمع والبيضات
~~تشعشع والجيش يموج بعضه في بعض كانه البحر اذا تلاطم امواجه ولا في الجيش
~~من يقول: ان الله واحد في ملكه.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
7.6 الليلة الثالثة والثلاثون
[7.19]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك لما وصل سليمان والشيخ معه الى باب المدينة واذا
~~بالباب قد انفتح وخرجوا منه مقدار خمس مائة عبد كانهم الجبال الشوامخ
~~بالعيون مغورات وانياب ظاهرات ووجوه مسودة عبس كبس بافواه كالابار واسنان
~~كالشفار وسواعد كالسواري وانامل كالمداري باكتاف عاليات واذان خاليات
~~واشداق كالازقاق ومناخر كالابواق ومن نظر اليهم دهش ومن عاينهم رعش تزهق
~~الارواح من نظرتهم وتزهق القلوب من صيحتهم يقدمهم عبدا اسود كانه عفريت من
~~الجن بيده درقة نحاس وعلى عاتقه مقمعة وانياب واضراس له راس كالمجن ووجه
~~كالمسن له صيحة كالرعد القاصف وعينه كالبرق الخاطف وخلف العبد مائتين مطية
~~وعلى كل مطية جارية وبين المطايا فيل عظيم قد مدت عليه قظبان النحاس وعليه
~~سرير وعلى السرير جارية قمر الازهار والجواري قد حففن بها من كل جانب
~~بالطنابر والعيدان والمزامر والشيران.
[7.20]
فتعجب سليمان من ذلك والجارية بينهم كالبدر فلما قربت من القصر انفتح لها
~~الباب ودخلت قمر الازهار ودخلن الجواري خلفها.
فلما دخلت بعث نمارق ابوها الى الشيخ باسط اللوى صاحب حصن النجم فضرب
~~بيده على يد سليمان ودخلا على الملك وسلما عليه.
فقال له: ما عندكم من اخبار سليمان بن عبد الملك؟
قال له: ايها الملك هذا الفتى اعرف باخباره مني.
قال له: ومن هذا الفتى؟
قال له: اين عمي في النسب وقربي في الحسب.
قال له: ما اسمه؟
قال له: اسد بن عامر.
قال له: يا اسد هل عندك من اخبار عبد الملك بن مروان وابنه سليمان؟
قال له: ابقاك الله ايها الملك ما عندنا الا سليمان تركناه بواد الزرع
~~بجيش عرمرم يريد الهجم على ارضك.
[7.21]
قال: فامر نمارق بنزول الشيخ والفتا وامر لهما بطعام وشراب فلما خرج
~~سليمان والشيخ من عند الملك اذا ببطل امسكه وقال له: هل ترض الملوك بالكذب
~~اليس انت سليمان بن عبد الملك بن مروان؟
فلما سمع سليمان ذلك دهش.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
7.7 الليلة الرابعة والثلاثون
[7.22]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك حط النقاب عن وجهه فاذا به عبد الله بن بطال قال له:
~~كيف رايت؟ ولاكن سر مع الشيخ حتى ترا ما يصنع هذا الملك ثم انصرف سليمان مع
~~الشيخ الى قبة من الحرير فلما دخلوا في القبة وفاه رسول الجارية قمر
~~الازهار وقال للشيخ باسط اللوى: اين بن عمك؟
قال: هذا هو معي.
قال له: انا السيدة تدعيه ليعلمها بعض الاخبار.
قال له: نعم.
ثم ان الشيخ عطف على سليمان وقال له: سر مع هذا الرسول.
[7.23]
فسار سليمان معه فلما دخل على الجارية فسلم عليها وهي لا تعلم انه سليمان
~~قالت له: يا فتى ما اسمك؟
قال لها: اسمي اسد بن عامر.
قالت له: يا اسد هل رايت سليمان؟
قال لها: نعم.
قالت: يا اسد صف لي صفاته حتى كاني انظر اليه.
قال لها: من صفاته كذا وكذا وهو اشبه بي.
قال: فامرت له الجارية بطعام وشراب فلما اكل قالت له: سر تستريح من تعبك
~~وعد الي غدا ان شاء الله.
[7.24]
قال: فمشا سليمان الى قبة الشيخ وبات فيها.
فلما اصبح الله بخير الصباح بعتت اليه الجارية فلما دخل عليها قالت له:
~~اخبرني بخبر سليمان.
قال لها: من صفاته كذا وكذا وهو فارس اهل زمانه.
قالت: يا اسد اتهددني بسليمان فنقسم بما تقسم به الاشراف لاعرض عليه حربا
~~يشيب منه الوليد ويتعجب منه كل بطل صنديد ثم امرت له بطعام وشراب فاكل وشرب
~~والجارية خلف الحجاب.
[7.25]
قال: فبينما هم كذلك اذا سمعوا صياحا قد عم الارض فقالت الجارية: ما الخبر؟
فدخلت عليها جارية وهي تنادي: الغيث الغيث ايها السيدة ان جيوش سليمان قد
~~احاطت بنا من كل جانب ومكان.
قال: فعطفت الجارية على سليمان وقالت له: يا اسد اصبر على نفسك حتى ترا
~~ما ولدت النساء.
ثم انصرف سليمان.
فلما اصبح الله بالصباح صعدت الجارية على كوكب في قصرها اذا رات رايات
~~خافقات وعلامات مشرقات وعمايم وتيجان مختلفات الالوان ونواصي الخيال قد
~~طلعت من كل جانب ومكان من كل اشهب بالصباح مجلل ومن كل ادهم بالظلام مسربل
~~ومن كل اشقر كقميص احرق بناره ومن كل اشعل خارج عليه شمس ومن كل ابلق خلط
~~ليله بنهاره ومن كل كميت مزج ماؤه بناره يخيل الناظر ان الارض تميد بهم.
[7.26]
قال: فلما قرب من الارض ضربت القباب والفساطيط والاخبية فرات الجارية
~~عسكر جرار كانه البحر الزخار فتعجبت مما رات وبات الناس في تلك اليلة
~~يحرسون.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
7.8 الليلة الخامسة والثلاثون
[7.27]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك ان سليمان خرج من قبة الشيخ وسار الى جيشه فلما قرب
~~منهم وثب اليه الحراص فتكلم معهم فعرفوه.
قال: فعند ذلك قبلوا الارض بين يديه ثم اجتمعت اخوته واصحابه ووصا جابر
~~بن عامر وولاه على الجيش مكانه ووصاه ان يبرز الى الجارية ورجع وبات في قبة
~~الشيخ باسط اللوا.
[7.28]
فلما اصبح الله بخير الصباح تصففت الصفوف وعمرت المجانق والرعادة
~~والاقواس معلقة والاسهام مفرقة وقد لبس الرجال الدروع وعلى رءوسهم البيضات
~~وتقلدوا بالسيوف الهندية والدروق اللمطية والدروع الدوادية وركبوا الخيول
~~العربية في ارض تموج بالساكن وترتج بالقاطن وقد رتب الملك نمارق جيشه
~~واصحابه وتهيا للحرب.
قال: فبينما هم كذلك اذا بباب القصر قد انفتح وخرجت الجارية شاكية في
~~سلاحها وهي راكبة على رمكة بلقا عنقا تهشم كل ما تلقى ان ارسلتها مشت رفقا
~~وان اطلقتها طارت برقا تسبق ولا تسبق وعلى الجارية درع داودي وعلى راسها
~~بيضة عادية مكوكبة باهية بالذهب محلية وتعممت بثلاثة عمايم وتقلدت بسيف
~~هندية وبيدها قنات عشارية ثم برزت في وسط الميدان ثم نادت وقالت: يا معشار
~~الفرسان اين فيكم سليمان بن عبد الملك بن مروان؟
[7.29]
فما استتمت من كلامها ولا فرغت من خطابها الا وجابر ابن عامر قد برز
~~اليها فعرضت عليه حربا يشيب له سواد الذوايب ثم ولا امامها منهزما فاقبلت
~~تقرع راسه بالقنا حتى خرج من وسط الميدان ثم سارت الى قصرها وقد ادركها العيا.
فلما دخل عليها سليمان فقالت له: كيف رايت يا اسد؟ اين ما وصفت لي من
~~شجاعة سليمان؟ فلقد عرضت عليه يشيب منه سواد الدوايب.
فقال لها سليمان: هيهات هيهات والله ما هو سليمان وانما هو رجل من رجاله
~~ولو برز اليك سليمان لرايت الطامة الكبرى والداهية العظمى.
[7.30]
قال: فقامت وقعدت وقالت له: اتهددني بسليمان؟ فاقسم بما تقسم به الاشراف
~~لولا انك ضيف ابن عمنا باسط اللوا لبدات الا بك.
ثم صرفته وبقت في قصرها وقد غضبت غضبا شديدا وهي لا تعلم انه سليمان.
فباتوا تلك الليلة فلما اصبح الله بالصباح
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
7.9 الليلة السادسة والثلاثون
[7.31]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك ان سليمان انصرف الى قبة الشيخ وقال له: اني اريد ان
~~احاربها غدا ان شاء الله.
قال له الشيخ: ان اردت فافعل.
فسار سليمان الى جيشه وبات مع اخوته فلما اصبح الله بالصباح قام وتدرع
~~وتلثم واشتمل السلاح وركب جواده وبرز في وسط الميدان وقد تزي بزي جابر ودخل
~~بين الصفين وجال بين الفريقين حتى انفتح باب القصر وخرجت الجارية المذكورة
~~شاكية في سلاحها وهي راكبة على رمكة دهما لا يفوتها الطير ولا يسبقها
~~النعايم في البرية تخرج مع الوحش بالسوية فاقبلت وبرزت في وسط الميدان ثم
~~نادت وقالت: يا معشار الفرسان اين سليمان بن عبد الملك؟
[7.32]
فما استتمت من كلامها ولا فرغت من خطابها الا وسليمان قد برز اليها واعرض
~~عليها حربا ما رات العيون مثله قط فلما رات الجارية مالا طاقة لها به ولت
~~امامه منهزمة فاقبل يقرع راسها بالقنا حتى سقطت البيضا عن راسها وشجها في
~~راسها شجة وارتفع الغبار وصاح الناس بعضهم على بعض وهم خيل ابيها بالحملة
~~وهي تشير عليهم وتقول لهم: قفوا مكانكم.
فرجع سليمان الى جيشه ورجعت الجارية الى قصرها ثم تزي بزيه الاول وقصد
~~الى قبة الشيخ ثم وفاه رسول الجارية فقال للشيخ: اين اسد ابن عمك؟ السيدة تدعيه.
[7.33]
فسار سليمان مع الرسول حتى دخل القصر فسلم على الجارية فردت عليه السلام
~~فقالت له: يا اسد لقد علمت انك عارف باخبار سليمان لقد صنع معي اليوم شيئا
~~عظيما ولقد كاد ان يقتلني لولا ما فررت منه.
فقال لها: الم اقل لك ان الذي حربك بالامس لم يكن سليمان وانما هو رجل من رجاله؟
قال: فعند ذلك خرجت الجارية من وراء الستر وقالت له: يا سليمان اتزدري
~~علي وتتسما باسم اسد؟
واراد ان يقوم فصاحت الجارية صيحة فخرج مقدار اربعين رجلا بايديهم السيوف
~~وارادوا ان يبطشوا براسه فصاحت عليهم الجارية صيحة ثانية فسقطت السيوف من
~~ايديهم وحطوا النقاب عن وجوههم فاذا هم كلهم جوار كانهن الاقمار.
[7.34]
قال: فعطفت الجارية على سليمان وقالت له: كيف رايت؟ والله لقد علمت انك
~~سليمان من يوم الاول الذي رايتك ولاكن الغدر ليس من سيمة الملوك فابشر بحرب
~~في صبيحة غدا يدوب منه الحديد ويتعجب منه كل بطل صنديد.
ثم ان الجارية دعت بالطعام والشراب فمثل بين ايديهم فاكلوا وشربوا ثم
~~عطفت عليه الين من الزبد وقالت له: يا سليمان امدد يمينك لا اكفر بعد اليوم
~~انا اشهد ان لا اله الا الله محمد رسول الله.
قال: فاسلمت الجارية وحسن اسلامها.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
7.10 الليلة السابعة والثلاثون
[7.35]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم ان الجارية قالت له: يا امير المومنين سالتك بالذي
~~يحول بين المرء وقلبه الا ما انشدتني شعر واسمعت لي صوتا.
قال لها: نعم يا جارية.
فانشد هذه الابيات حيث يقول:
دنيف بحبك ما يذوق هجوع
يبكي لشوقك دما ودموع
شهد النفس والانين بانه
اضحى ذل العاشقين جميع
فارحم تضرعه اليك وكن له
قبل الممات الى لقايك شافع
ثم ان الجارية اخذت العود وسوته وجعلت تقول من قلب قريح بلسان فصيح
الله يعلم والكواكب يشهد
اني بحبك ساهرة لا راقد
يا من يفوق بحسنه بدر الدجا
وبنات نعش كلهم والفرقد
[7.36]
ثم ان الجارية امرته بالانصراف الى صبيحة غدا فسار سليمان الى قبة الشيخ
~~وهو ريان من الخمر فقال له الشيخ: ما هذا يا سليمان؟
فاخبره بجميع ما جرا بينه وبين الجارية ثم ان سليمان بات بقية ليلته.
فلما اصبح الله بخير الصباح قام وتدرع والتثم وركب جواده وسار الى جيشه
~~وبرز في وسط الميدان فلم يكن الا ساعة واذا بباب القصر قد انفتح والجارية
~~ركبت على جواد من عتاق الخيل وقد تعممت بثلاثة عمايم مختلفة الالوان وتحزمت
~~بجلد ثعبان وبيدها قنات من الزان ثم برزت في وسط الميدان وقالت: اين الزعيم
~~سليمان بن عبد الملك؟
[7.37]
فلم تتم كلامها الا وسليمان برز اليها وصاح بها وحمل كل واحد منهما على
~~صاحبه ساعة زمانية واذا بسليمان حك ركابه بركابها ورما يده في مخنق دراعها
~~واقتلعها من سرجها وردها اليه مرة اخرى.
فبينما هما كذلك اذا بصيحة قد عمت الارض بالطول والعرض حتى ظنوا القوم ان
~~الارض تزلزلت والجبال قد سالت والاشجار قد تعلقت واذا بسنن رمح كانه مصباح
~~او فرخ تمساح استعد لقبض الارواح وفارس قد انقض على الجارية واختطفها من
~~سرجها وسار بها في البرية.
[7.38]
فلما رءا القوم ذلك قاموا بالصياح والضجيج فسار سليمان في اثر الفارس وحط
~~النقاب عن وجهه فاذا به ابوه عبد الملك بن مروان ففرح به فرحا شديدا وسر به
~~سرورا عظيما وفرح كل واحد منهما بصاحبه ثم انهم قربوا من الجيش ودفع
~~للجارية جوادها وبعثها الى قصرها ثم اقبلت جيوش عبد الملك بن مروان قد سدت
~~الارض بالطول والعرض.
قال صاحب الحديث: فبعثت الجارية الى قصر ابيها وقالت له: يا ابت اتحارب
~~البحر الزخار؟
[7.39]
قال لها: فما ترى من الراي؟
قالت: نبعث اليه بالصلح ان تزوجني الى سليمان فانه ملك مطاع وفارس شجاع.
قال لها ابوها: عزمت على ذالك؟
قالت له: نعم فاني ءاليت على نفسي الا اتزوج الا من يغلبني في ميدان
~~الحرب وقد غلبني سليمان.
قال لها ابوها: سافعل ما تقولي.
فباتوا تلك الليلة فلما اصبح الله بالصباح خرجت الهدية من كل مكان الى
~~عسكر عبد الملك بن مروان.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
7.11 الليلة الثامنة والثلاثون
[7.40]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم بعد ذلك خرج نمارق ابو الجارية في زي عظيم وامامه عبيد
~~قد لبسوا القفاطي المحكمة وفي اوسطهم المناطق المذهبة وبايديهم الحروب
~~الزرق ودروق اللمط فبعثت الجارية الى سليمان والى ابيه عبد الملك بن مروان
~~والتقا مع ابيها وسلم عليهم واسلم نمارق ابو الجارية وصنع في الارض مهرجانا
~~عظيما وذبحت فيه البقر والغنم واسكبت فيه الخمور وضربت فيه الطنابر
~~والعيدان والمعازف والشيران وقام اللهو من كل جانب ومكان ودخل سليمان
~~بالجارية فرءا منها حسنا عظيما وهي تشبه القطن الناعم والغنج يلعب باحداقها
~~والبدر يهيم بين اطواقها.
[7.41]
فبقيت معه في طعام وشراب من ثلاثين يوما ثم اخذ في الانصراف الى مدينة
~~دمشق وصنع لهم بروازا عظيما وساروا حتى وصلوا الى مدينتهم فبقا سليمان مع
~~الجارية في عيش هني وشرب روي حتى اتهم اليقين والحمد لله رب العالمين.
قالت دينار زاد : يا اختي شهرزاد حدثي سيدنا الملك بحديثك الحسان.
قالت: نعم.
8 حديث مسلمة بن عبد الملك بن مروان رحمهم الله تعلى
8.1
[8.1]
قالت: زعموا ايها الملك ان مسلمة خرج ذات يوم للصيد مع جماعة من اصحابه فلما كان في بعض المواضع بخارج مدينة دمشق اذا بضباء قد قام بين ايديهم فانطلق مسلمة خلف ضبية من تلك الضباء فاقتنصها بعد تعب كبير فاراد الرجوع الى اصحابه فلم يلحق بهم الا واليل قد قام معه فبات تلك الليلة في فلات من الارض.
[8.2]
فلما اصبح الله بالصباح ركب جواده وصار يهيم كما تهيم النعايم في البرية حتى اشرف على ربوة فصعد عليها وتامل من خلفها واذا بواد كثير الثمار والاشجار فقصد نحوه وقد اشتد عليه حر الشمس فقرب من الواد ونزل عن جواده ليستضل بالاشجار.
فبينما هو كذلك اذا كانت منه التفاتة فنظر الى جارية احسن خلق الله تعلى عليها اقبية الديباج وفي يديها طبق من الخزران وهي تقطف الازهار من اغصان الاشجار فلما رءاها عقل جواده وانسل اليها انسلال الظل وقبض عليها والقا سيفه في نحرها وقال لها: تكلمي من انت يا جارية؟
[8.3]
واذا بها رومية فقالت له: يا هذا اتركني وخلني سبيلي وانا ادلك على جارية في بلاد النصارى اجمل منها اسمها مارية بنت عبد المسيح صاحب مدينة رومية وذالك ان ابن عمها اراد الدخول بها فبعثها ابوها الى راهب من الرهبان اسمه صنعان.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
8.2 الليلة التاسعة والثلاثون
[8.4]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذالك لما سمع مسلمة بذلك ركب جواده وسار معها حتى وجد
~~اصحابه فهنوه بالسلامة فقال لهم: لا تقيموا وسيروا مع هذه الجارية.
قال: فانطلقوا معهما حتى قربوا من الدير فهجموا عليه ودخلوه عنوة فوجدوا
~~فيه عشرين جارية والجارية مارية معهم فقتلوا الرهبان واخدوا الجارية
~~وانصرفوا الى منازلهم.
[8.5]
فاخذ مسلمة الجارية وانصرف بها الى قصره فدفعها الى امه فبقيت عندها مدة
~~ثلاثة اشهر فاراد الدخول بها فزفت اليه في احسن زينة وداروا بها الجواري
~~بالطنابير والعيدان والمعازف والشيران واتوا بها الى مسلمة.
فلما توسطوا القصر اذا سمعوا صيحة ورجل مذرع قد انقض عليهم شاكي في سلاحه
~~وسيفه مسلول في يده ورما يده في الجارية فهربوا الجواري وتركوها في يده.
فلما سمع مسلمة بذلك ضرب بيده على قايم سيفه وخرج الى صحن الدار فوجد فتا
~~من ابناء النصرانية وقد امسك بيد الجارية والجارية يدها فيه فلما رءاه
~~الفتا النصراني رما السيف من يديه فقال له مسلمة: من انت يا هذا؟
[8.6]
فقال له: يا مولاي هذه الجارية ابنت عمي وانا قد زوجتها فلما وصل الخبر
~~الى ابيها بعث الي وقال لي ان ابنت عمك قد اخذها المسلمون وهي عند مسلمة
~~فاما ان تاتيني بها والا فمت دونها فاحتلت حتى دخلت القصر فان شئت قتلت وان
~~شئت عفوت فها انا اسير بين يديك.
فقال لها مسلمة: يا جارية هذا ابن عمك؟
قالت له: نعم يا مولاي.
قال: فوهبها له ودفع له جواد من عتاق الخيل وللجارية جواد ورد عليها
~~جواريها وخدامها بعد ان كساهم ودفع لهم جملة مال وبعث معهم من يوصلهم الى بلدهم.
[8.7]
فدخل الفتا الرومي بالجارية فالت على نفسها ان ولدت ولدا تبعثه الى مسلمة
~~وان ولدت جارية كذالك.
فلما كان بعد ذلك نحو سبعة اعوام خرج مسلمة ذات يوم مع اصحابه فمشوا الى
~~وقت النزول فنزلوا فخرج مسلمة الى قضاء حاجة فلم يتم الا واصحابه ساروا فلم
~~يجد لهم خبرا ولا وقع لهم على اثر فجعل يمشي ولا يدري اين يتوجه اذا وصل
~~الى جبل عظيم امامه مرج مليح وثمار وعيون من الماء فنظر نحوها فلم يرا احدا
~~فنزل عن جواده وشرب من الماء ونام.
[8.8]
فلم يستيقض الا والسنة الرماح في صدره ومقدار الف مدرع من اولاد
~~النصرانية قد انقضوا عليه فقالوا له: من اي البلاد انت؟
قال لهم: من مدينة دمشق.
قالوا له: ما عندك خبر مسلمة بن عبد الملك؟
قال لهم: تركته عازما على الخروج من ارض الشام الى ارض النصرانية.
[8.9]
فاخذوه وشدوه كتافا واتوا به الى ارض رومة ودخلوا به على ملكتهم واذا بها
~~الجارية مات ابوها وولت الخلافة من بعده وكانت قد وصت جميع رجالها وابطالها
~~اذا اخذوا مسلمة اسيرا ان ياتوا به اليها.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
8.3 الليلة الموفي اربعون
[8.10]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذالك لما رات الجارية مسلمة عرفته فصرفت رجالها وغبت
~~ساعة واتت بعجوز وقالت لها: هذا هو مسلمة الذي فعل معي كذا وكذا؟
[8.11]
ثم حلته من وثاقه والقت عليه ثوبا وقبلته بين عينيه ووجهته الى دار
~~ضيافتها وكان ابن عمها قد خرج الى الصيد فبقا مسلمة في دار كرامتها الى ان
~~اتا ابن عمها فاعلمته بالخبر فدخل عليه وقبله بين عينيه وبقا معه ياكل
~~ويشرب مدة من شهر كامل.
فلما كان ذات يوم من الايام اتته بجارية من احسن خلق الله تعلى وقالت له:
~~هذه خادمك ايها الملك وهي ابنتي وقد كنت ءاليت على نفسي من يوم فعلت معي من
~~الخير ما فعلت وقلت ان ولدت غلاما كان لك وان ولدت جارية كذلك وانا قد من
~~الله علي بهذه الجارية فخذها هدية مني اليك.
[8.12]
قال: فقبلها منها مسلمة ودفعت له معها مائتي جارية من بنات النصرانية
~~وهدايا وتحف واثواب رفيعة ودفعت اليه جوادا من عتاق الخيل وبعتت معه
~~ابطالها يوصلونه الى بلاده فساروا به حتى وصلوه الى مدينة دمشق ودخل
~~بالجارية فبقا معها في اكل هني وشرب روي حتى اتاهم اليقين والحمد لله رب
~~العالمين.
9 حديث غريبة الحسن مع الفتا المصري
9.1
[9.1]
زعموا ايها الملك انه كان فتا جميل الوجه حسن الصورة وكان من سكان مدينة مصر وكان مولعا بالقراءة.
فلما كان ذات يوم من الايام وهو جالس عند باب داره يقرا كتابا اذا مرت به جارية كانها البدر الطالع ام الغزال الراتع فلما قربت منه كشفت عن وجهها وقالت له: يا فتى انت الذي حرمت النساء على نفسك؟
[9.2]
فرفع راسه اليها فلما رءاها خر مغشيا عليه فسارت الجارية في حال سبيلها فقام من حينه وسار على اثرها حتى وصلت الى دار فدخلت وغلقت الباب وبقا الفتا باهتا وفي قلبه منها نار لا تطفيها سبعة ابحر ثم انصرف الى منزله وهو ينشد هذه الابيات:
خطرت كمثل البدر بين كواكب
وتوشحت من شعرها بذوائب
وسقى الصبا اعطافها فتمايلت
مثل الغصن في درجات متراكب
وتبسمت عن اقحوان ابيض
في اصفر في احمر متناسب
لاعبت بقلبي في الهوى فكانه
عصفورة بيد الصبي اللاعب
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
9.2 الليلة الواحدة والاربعون
[9.3]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك لما فرغ الفتا من انشاد شعره خر عند بابه مغشيا عليه
~~فخرج خادمه وادخله الدار وكان ابوه في السوق فسمع الصياح فقال: ما هذا
~~الصياح؟
قيل له: ان ابنك قد جن.
[9.4]
وكان التاجر احب خلق الله اليه ابنه وكان كثير المال واسع الحال فخرج من
~~ساعته فاتاه بمعاجين واشربة وكان الفتا اسمه عبد الله بن محمد المصري فقال
~~له ابوه: يا بني ما الذي تشكوه؟ جمع الله قلبي بك.
قال له الفتى: اني هالك لا محالة.
فما زال ابوه يطوف به ويلاطفه حتى فتح عينيه ومرت عليه ايام كثيرة لا
~~ياكل ولا يشرب فلما كان ذات يوم اتاه بطبيب حكيم عارف بالادوية والعلل
~~الحادثة.
[9.5]
فلما نظر في امره عطف على ابيه وقال له: يا ابو عبد الله ان ابنك عاشق
~~وفي بحر الهوى غارق وقد ضعف كبده وظهر لي ذلك في مايه ولاكن انظر لابنك قبل
~~ان يهلك.
قال: فلما خرج الطبيب عطف الشيخ على ابنه وقال له: يا ابني اخبرني بمن
~~ولعت فاقسم بالرب {فالق الحب} لو سار امري في انفاق مالي كله عليك
~~وفي مرضاتك لفعلت ذلك.
قال له: يا ابت جرا لي كذا وكذا.
ووصف له ما اتفق له مع الجارية.
ثم ان ابوه سال عنها وبحث عليها حتى علم بها فارسل الى والدها وخطبها منه
~~وكان ابوها ليس له مال الا يسيرا.
قال: فانعم عليه وقال له: يا فلان الا اني حلفت لا عملت لها وليمة ولاكن
~~اذا كان هذه الليلة ابعث الي مطية وخادما.
قال له: نعم.
ثم ان والد الجارية اخذ في حال ابنته ودفع والد الفتا الى والد الجارية
~~حقها وما يقوم بها وانصرف الى ابنه واعلمه بالخبر فقام من سكرته.
[9.6]
فلما كان وقت الوعد الذي تواعدوا فيه بعث اليه بالمطية والخادم ومنديلا
~~بالثياب وسار ذلك كله الى والد الجارية وكان اسمها غريبة الحسن وذلك ان
~~الخادم خرجت من الدار اذا تعرضت لها حاجة فرجعت وتوقفت الجارية عند باب
~~الدار وصاحب الغيب يدبر كيف شاء وقدر وذالك ان صاحب مصر والاسكندرية كان
~~بعث الى المعتصم بمائة جارية على مائة مطية فمروا بالجارية وهي واقفة عند
~~باب الدار على مطيتها فدخلت في جملتهم ومشت معهم وهي لا تعلم اين تسير
~~فخرجت الخادم من الدار فلم تجد احدا ولا وجدت لها خبر ولا وقعت لها على اثر
~~ففرت الخادم حيث لا يدري احدا اين توجهت.
[9.7]
فلما ابطات الخادم خرج الفتا في طلبها فلم يجد لها خبر فوقع مغشيا عليه
~~ثم قام ومزق اثوابه وحزن عليها وكادت روحه ان تزهق.
فلما وصلن الجوار الى بغداد دخلن على المعتصم فعددهن فوجد واحدة زايدة
~~فسال عنها فاخبرته بخبرها فشفق عليها وامر ان تحمل الى قصر اخته وقال لها:
~~امسكي عندك هذه الجارية فان اتا طالبها ارددتها عليه ان شاء الله تعلى.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
9.3 الليلة الثانية والاربعون
[9.8]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم ان اخت المعتصم انزلت الجارية عندها في بعض بيوتها وان
~~الفتا زوجها بقا اياما لا ياكل ولا يشرب الى ان وصلوا التجار فسالهم عنها
~~فاعلموه بخبرها فرجع الى ابيه واعلمه بالخبر وقال له: يا ابتي يطول علي الحزن.
[9.9]
قال: فقام ابوه وجهزه وخرج الفتا مسافرا يقطع الارض بالطول والعرض والرفع
~~والخفض الى ان وصل الى بغداد ودخل المدينة ونزل في احسن الفنادق حتى استراح
~~من التعب ثم خرج يتجسس الاخبار من موضع الى موضع حتى وصل الى السوق
~~العطارين فسال بعض الناس فقيل له ان صبيان القصر يشترون من هنا الكافور
~~والطيب.
[9.10]
ففتح الفتا حانوت وجعل فيه عطرا كثيرا وجلس يبيع ويشتري فصار الناس
~~يقصدونه ويقبلون اليه لطيب معاشرته ومسامحته فسمع به فتيان القصر فكانوا
~~ياتون اليه ويرخس عليهم السلع ويهب بهم ما يريدون من غير ثمن حتى عرف
~~كبيرهم وكان يهدي له ما يحب وكان يقول له: ايها الفتى ان كان لك حاجة عندي
~~فاقضيها لك.
فلما كان ذات يوم قال له: وقعت لي اليك حاجة وهي عندي كبيرة وعليك قليلة.
قال له: وما حاجتك يا محمد؟
فوصف اليه امره كله قال له الصاحب: انا اجمع بينك وبين الجارية.
[9.11]
فبقا كذلك اياما فلما كان ذات يوم بات ليلته متفكرا فلما كان في الصباح
~~اتاه الصاحب وقال له: قم واعول على نفسك.
ودفع له من لباس النسا من الثياب وغيرها واخذ اطباق من الخزران وجعل فيه
~~من جميع السلاع ورفعه على راسه واتا الى باب القصر وادخله على صفة جارية
~~فلما دخل به في اصطوان القصر قال له صاحبه: يا ابا عبد الله اقصد القبة
~~الوسطى فان فيها جاريتك.
[9.12]
قال له الفتى: جزيت عني خير.
ثم خرج عنه وتركه فنسي القبة ولم يدري اين يتوجه فبينما هو كذلك واقف اذا
~~سمع صوتا وهو ينشد هذه الابيات حيث يقول:
شهيدي على ما في الفؤاد دموع
سجام تبل المستهام من القطر
واسهرني من كان بالامس مؤنس
فصار الهوى عونا علي مع الدهري
قال صاحب الحديث: فسار الفتى نحو الصوت ودخل قبة غير الذي وصف له صاحبه
~~فنظر الى جوار كالغزلان ومعهم جارية وهي اخت المعتصم.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
9.4 الليلة الثالثة والاربعون
[9.13]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي فلما دخل الفتى القبة نظرته اخت المعتصم فقالت للجوار: من
~~ذا الذي يكشف علينا؟
[9.14]
فبهت الفتا ولم يدري ما يصنع فنظرت الجارية حسنه وجماله فوقع في قلبها
~~مثل الماء البارد في جوف عطشان فامرت الجارية جواريها ان ياتوا به فلما قرب
~~منها قالت له: من انت يا فتى وما قصتك؟
قال لها: قصتي كذا وكذا.
وعند ذلك امرت الجارية ريم القصور اخت المعتصم باحضار الجارية غريبة
~~الحسن فلما دخلت القبة ورات محمد المصري ثم ترامت عليه وقبلته بين عينيه
~~ودعت اخت الملك بالطعام والشراب فدارت بينهم الخمور حتى طابت انفسهم واحمرت
~~وجناتهم وسكنت روعاتهم.
[9.15]
فاندفعت الجارية وانشدت تقول:
هذا الربيع وهذا انواره
طاب الزمان واورقت اشجاره
فاشرب على ذكر الحبيب وغني
غاب الحبيب وهذه اثاره
فلما فرغت الجارية من شعرها اخذ الفتا المصري العود وسواه وانشد يقول:
نظري الى وجه الحبيب نعيم
وفراق من اهوى علي عظيم
لا استطيع بان اقول ظلمتي
والله يعلم انني المظلوم
قد كنت ارحم من يعذب بالهوى
حتى بليت فصرت انا المرحوم
فلما فرغ من شعره اقبل على الشراب مع الجارية الى ان جن عليهم اليل وغلب
~~عليهم السكر فصعد الفتا المصري على السرير ومعه ومعه الجارية غريبة الحسن
~~وريم القصور اخت المعتصم وهم ريانين من الخمور.
وكان بامر المقدر ذالك يوم جاء ببال الامير المعتصم زيارة اخته كان له
~~مدة ما رءاها فلما جن اليل ضرب يده على قايم سيفه واخذ شمعة في يده ولم
~~يعلم به احد من اهل القصر وسار حتى اتى الى القبة فوجدها مفتوحة على خلاف
~~العادة.
[9.16]
فقال في نفسه: ما اظنها الا نايمة.
فدخل القبة فوجد الجوار نيام والشموع مركوزة وكان المعتصم قد اصابه شيء
~~من الشرب فعمد الى السرير ورفع الستر فرءا ثلاثة اشخاص نيام عليهم رداء
~~واحد والعرق ينحذر على وجوههم كانه الدر على الجلنار كما قال في حقهم
~~الشاعر:
ويا عاشقين فما لهدا رزقا
يزداد حسنهما فيما اتفقا
اما النهار فشرب نقله
قيل ما بين ذلك حيث يمسك رمقا
حتى اذا التقيا واليل معتكر
تعظيما بورد الحبيب واعتنقا
قال: فلما رءاهم المعتصم ظن انهم جوار فكشف الردا عنهم فوجد الفتا المصري
~~بينهما فضرب بيده على قايم سيفه وهم بقتلهم ثم ترك العجلة عليهم واتى الى
~~قبة امه فايقضها من نومها وارما يده في مخانقها وقال لها: لولا ان الله امر
~~ببر الوالدين لما لبدات القتل الا بك.
[9.17]
قالت له: يا بني ما الخبر؟
فقال لها: قومي تري ما حل بنا.
فاعلمها بالقصة فقامت من نومها واتت الى المجلس وهو معها ودخلت على
~~الجاريتين فرات الفتا بينهم فايقضتهم وقالت للفتى: ما حملك على ما صنعت؟
قال لها: حديثي عجيب وامري غريب
فقال له المعتصم: دعني عن هذا والله لا عشت بعد هذا اليوم ولاكن صف لي
~~قصتك وخبرك.
فوصف الفتا قصته.
فلما سمعت ام المعتصم ذلك شفقت عليه وقالت لابنها: يا بني لا تعجل ان
~~الله لا يعجل.
قال لها: فما ترى من الراي؟
قالت: ارى ان تدفع لكل واحد منهم ما يقوم به وتخرجهم من ارضك والسلام.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
9.5 الليلة الرابعة والاربعون
[9.18]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذالك ان المعتصم امر لهم بما يقوم بهم ودفع لكل واحد
~~منهم مطية وبعث من يخرجهم عن اخر ارضه.
قال: فساروا حتى انتهوا الى مصر فلما دخل المدينة سلم على ابيه وتزوج
~~ايضا الجارية اخت المعتصم وصنع وليمة عظيمة وبقا مع الجاريتين في الذ عيش
~~وارغد حتى اتاهم اليقين والحمد لله رب العالمين.
10 حديث الفتا المصري مع ابنت عمه
10.1
[10.1]
قالت: زعموا ايها الملك انه كان فتى من بني الاعيان قد جمع النهاية في المال والغاية في الحسن والجمال وكان مولوعا بالادبا والمساكين ولا يخلوا مجلسه من الانعام وكان ابوه قد ترك له مالا فتزوج ابنت عمه وكان من مدينة مصر وكان قد بنا دارا على شاطى النيل فما كان على شاطى النيل اعلا منه يشرف على جميع ارضه وكان محبا في ابنة عمه فرزقه الله تعلى منها ولدا.
[10.2]
وكان للفتا صاحبا له شريف فلما اتى على ابنه اربعة اعواما وكان الفتى جالسا ذات يوم في دكانه مع صاحبه الشريف اذا دفع له تفاحة عراقية فابا ان ياخذها الفتى وقال له: ما يحبس هذه التفاحة الا العشاق.
واشتغل بالبيع والشرا وكان ابن التاجر قد اتى به الخادم الى ابيه فدفع الرجل الشريف التفاحة الى الولد وابوه لا يعلم بذلك فاخذ الصبي التفاحة وجعلها في جيبه وانصرف به الخادم الى الدار فلعب الصبي بالتفاحة ساعة ثم دفعها الى امه فاخذتها والقتها تحت الوسادة.
[10.3]
فلما كان في الليل اتا الرجل التاجر فدخل فراشه لينام فحس تحت راسه ارتفاع فرفع الوسادة فوجد التفاحة فرفعها فقال في نفسه: هذه التفاحة التي دفع الي الشاب ولم اخدها منه.
ثم قال: اواه انه مع امراتي كما قال الشاعر:
وتفاحة لما هممت باكلها
وقدمت سكينا لاقسمها شطرا
فشبهتها خد الحبيب وحسنه
فناولتها برا وقبلتها عشرا
ثم قال: والله لا عشت بعد هذا ابدا.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
10.2 الليلة الخامسة والاربعون
[10.4]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك لما كانت الليلة لما رءا التفاحة اخذها واخفاها ودعا
~~بابنة عميه وقال لها: اني اريد ان تفرش لي في الكوكب فاني اجد في نفسي غم
~~لعلي اتفرج في النيل.
ففرشت له والجارية ليس لها علم بما اتفق وصاحب الغيب يدبر كيف شاء فطلعوا
~~الى الكوكب فطلع الفتى وفتح الطاقة وقال للجارية: اخرجي راسك وانظري.
فخرجت راسها فرماها من رجلها في النيل.
[10.5]
فكان من قضاء الله ان صيادا يصطاد تحت الكوكب فلما نزلت في الماء وذلك في
~~ظلمة اليل فرءا الصياد شيئا يتخبط في الماء فاخذ الجارية ورفعها في القارب
~~وسار بها الى موضعه وكان الصياد ساكنا على شاطى النيل بينه وبين المدينة
~~اثنى عشر ميلا وكان يواضب ذلك المكان لكثرة ما فيه من السمك.
قال: فلما اصبح الصباح نزل الفتا عن الكوكب الى صحن الدار فوجد ابنه يبكي
~~فقال له: وما يبكيك؟
فقال له: اني دفعت الى امي تفاحة الذي ءاعطاها الي عمي فلان في الحانوت
~~ولا علمت اين خبتها امي.
[10.6]
فندم الفتى حيث لا ينفعه الندم وكتم الحال عن ولده وعن اهلها فبينما هو
~~ذات يوم جالس في السوق وهو مفكر فيما اتفق له اذا رءا حلة ابنت عميه في يد
~~الدلال فاخذها وقال للدلال: ايتني بصاحب هذه الحلة.
فاتاه بالرجل الصياد فقال له: من اين لك هذه الحلة؟
قال له: هي متاعي.
قال له: اصدقني بالحق والخبر الصحيح وانا اعطيك الحلة وثمنها.
[10.7]
فوصف له الخبر من اوله الى ءاخره فاضافه ثلاثة ايام ثم اخذ ثيابا ومطيته
~~وسار مع الصياد حتى وصلوا القرية فادخله الصياد الدار فرءا الجارية فتراما
~~عليها ووصف لها كيف اتفق له وقال لها: انما فعلت ذلك من الغيرة.
قالت له: يا ابن العم عفا الله عما سلف.
وبقا الفتا في ضيافة الصياد وبات تلك الليلة.
[10.8]
فلما قرب الصباح عطف الفتا على الصياد وقال له: اني اريد الانصراف.
فقال له الصياد: ان كنت عزمت على الانصراف فهذا الوقت خير لك لان العرب
~~يقطعون الطريق بالنهار.
قال له: جزاك الله خيرا.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
10.3 الليلة السادسة والاربعون
[10.9]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم ان الفتا ركب جواده واردف الجارية خلفه وسار حتى بعد
~~من القرية نحو الميلين ايضا واذا باللصوص خرجوا عليه واخدوا منه الجارية
~~وبقا الفتا في الارض مغشيا عليه وكانت على راسه فوطة عراقية فاخذها احدهم
~~فتركوه وانصرفوا بالسلب والجارية وبقى الفتى مغشيا عليه حتى افاق فقام ينفض
~~التراب على راسه واتى الى منزله ولم يعلم احدا بحاله.
[10.10]
فرجع الى حانوته يبيع ويشتري ويتفكر في حال ابنت عمه فبينما هو ذات يوم
~~في حانوته اذا رءا الفوطه في يد الدلال فقال له: من اين لك هذا الفوطة ومن
~~دفعها اليك؟
قال له: دفعها لي احد العرب.
قال له: علي به الساعة.
[10.11]
فلما جاء الاعرابي سلم عليه ثم عطف عليه وقال له: ياخى العرب اتعرفني؟
قال: لا ولا انكرك.
قال له: انا فلان.
قال له: وما فلان؟
قال: الذي ودعت عندي ثلاثة ءالاف دينار والفتا يريد الحيلة قال له
~~الاعرابي : نعم.
[10.12]
ثم قال له: يا اخى العرب من اين اتتك هذه الفوطة.
قال له: والله ما حصل في سهمي غيرها.
قال له الفتا: وكيف ذلك؟
قال له: خرجت ذات يوم مع اخواني نقطع الطريق والصيد فوجدنا حضريا وجارية
~~معه فقتلنه واخذنا الجارية وضربنا القرعة على الجارية والثياب فوقعت قرعتي
~~في الفوطة.
فعطف الفتا على الاعرابي وقال له: تسير معي الى منزلي ادفع لك مالك
قال له الاعرابي: جزاك الله عني خيرا.
[10.13]
ثم قام وانطلق مع الاعرابي الى منزل الفتى فاتا به الى بيت في قعر الدار
~~وقال له: ادخل
فدخل الاعرابي وادار عليه الحيلة حتى جعله في دهليس ووتب الفتا عليه
~~بحربة وقال له: اقسم بالرب {فالق الإصباح} ان لم تكتب لاخوتك ياتوا
~~بالجارية...
ثم هم بقتله.
[10.14]
فقال له الاعرابي: مهلا عليك يا فتى ايتني بدواية وقرطاس.
فاتاه بهما وكتب كتابا الى اخوته واعلمهم انه اسير في الجارية واذا وصلكم
~~الكتاب فابعثوا الجارية الى مصر الى دار فلان والسلام.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
10.4 الليلة السابعة والاربعون
[10.15]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم انه لما كتب الكتاب دفعه الى الفتى وقال له: ابعثه مع
~~من شئت انت بعد ان وصف له الحي.
[10.16]
فاخذ الفتى الكتاب وارسله مع احد عبيده فلما وصل الغلام الى الحي سال عن
~~اخوة الاعربي حتى عرفهم فدفع لهم الكتاب فلما عرفوا القصة اخذوا الجارية
~~وافرغوا عليها اثيابها كلها وركبوها على مطية واتوا بها مع الغلام الى
~~بلدها فلما وصلت دخلت على ابن عمها فحدثته وحدثها فسالها عن الاعرب ما
~~صنعوا لها قالت: ما صنعوا بي الا خيرا.
فعند ذلك اخرج الاعربي من الدهليس ودفع له الفوطة وجملة من الدنانير
~~واصرفه الى ارضه وبقا الفتا مع ابنة عمه في اطيب والذ عيش حتى اتاهم اليقن
~~ثم قال الملك: بحقي عليك الا ما زدتني من حديثك العجيب.
قالت الجارية شهرزاد: نعم.
11 حديث الملك واولاده الثلاثة
11.1
[11.1]
ثم قالت: زعموا ايها الملك انه كان ملكا من الملوك قد ملك الارض بالطول والعرض وكانت له جيوش وقبايل وكان له ثلاثة اولاد.
فلما كبر سنه وانحنى ظهره دعا بوزرايه وارباب دولته وقال لهم: ان اولادي قد كبروا فدلوني على ملك يكون له ثلاث بنات ازوجهن من اولادي.
فقام اليه رجل منهم كبير السن ثم قال له: ايها الملك ان بارض الفرس ملكا له ثلاثة بنات اجمل نساء الدنيا.
[11.2]
قال: فلما سمع الملك كلام الشيخ دعا باولاده فولا احدهم على المملكة وخرج للخطبة يقطع الارض بالطول والعرض حتى اشرف على ربوة عالية وفي وسطها مغارة وقد جن عليه اليل فقصد الى المغارة لينام فيها فلما قرب منها ترجل عن جواده وبسط حجفته ونام عليها فلم يستيقض الا واسد قد برك عليه فافترسه واكل جواده.
فانتظروه اولاده الميعاد الذي وعدهم فلم يرجع فلما يئسوا منه اقبل بعضهم على بعض وتشاوروا في امره فقال الكبير: يا اخواتي ان ابانا قد انقطع خبره لاكن تولوا على المدينة من يقوم بها ونخرج في طلب ابينا لبلاد الفرس.
فقالوا له: نعم الراي ما رايت.
[11.3]
فلوا على البلاد من يحفظها وخرجوا الثلاثة على خيولهم وساروا يقطعون الارض بالطول والعرض.
فلما جن اليل وقد قربوا المغارة التي اكل الاسد فيها والدهم فنزلوا عن خيلهم وقالوا: من يحرسنا في هذه الليلة؟
فتقارعوا فخرجت القرعة على اكبرهم.
فلما ناموا اخوته ضرب يده على قايم سيفه وصار يدور بالمغارة يحرسهم فبينما هو كذلك واذا بالاسد اقبل كالطود الهايل فلما رءاه ابن الملك قد قصد نحوه واراد افتراسه فراغ الفتا عنه الى الناحية الاخرى واقام عليه بضربة براه بها كبري القلم واخذ راس الاسد القاه في وعاية وبقا الاسد في الناحية الاخرى واحرص اخوته الى الصبح.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
11.2 الليلة الثامنة والاربعون
[11.4]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي فلما اصبح الله بخير الصباح ركب خيولهم وصاروا يقطعون
~~الارض بالطول والعرض ولم يعلموا ما فعل اخيهم من قتل الاسد حتى جن عليهم
~~اليل فناما الاثنين وبقا الاخ الاوسط يحرسهم.
فبينما هو يحرصهم اذ لاح له بالبعد نار فقصد اليها فاذا هو بمغارة عظيمة
~~وفي وسطها شمعة مركوزة تتقد وامام الشمعة جارية كانها البدر المنير ام
~~القمر المستدير واسود نايم كانه النخلة السحوقة وراسه على فخذ الجارية وهي
~~باكية العين.
[11.5]
فاقبل الفتى ينسل انسلال الضل وقام على الاسود بضربة ابراه بها كبري القلم.
فقالت الجارية: من انت الذي نجاني الله على يديك من هذا العدو الطاغي؟ من
~~الجن انت ام من الانس؟
فقال لها: بل انا من الانس فمن انت يا جارية؟
قالت له: اسمي ضبية القصور ابنت الملك صاحب ارض النواوير.
قال لها: واين سكناه؟
قالت له: خلف هذه الربوة الذي ترا امامك وذلك اني خرجت مع جملة من الجوار
~~فاختلسني هذا البطل واتا بي الى هذا الموضع.
فاخذ الفتى بيدها وسار بها حتى اتا الى قصر ابيها فقرع الباب فخرج
~~البوابين وقالوا له: من انت الذي تقرع باب الملك في ظلام اليل؟
[11.6]
فقال لهم: اني ناصح للملك.
فاستادنوا عليه فاذن بالدخول فدخل على الملك وسلم عليه واعلمه بقصته مع
~~ابنته فشكره على فعله وقال له: يا فتى اني اريد ان ازوجك منها.
فقال له: افعل ايها الملك لاكن حتى اقضي حاجتي وارجع اليك.
قال له: نعم.
ثم دفع اليه الملك خاتمه وانصرف الى اخواته فاحترسهما بقية اليل ولم يعلم
~~احدهما بما اتفق له.
[11.7]
فلما اصبح الله بخير الصباح وركبوا خيولهم وساروا يقطعون الارض بالطول
~~والعرض الى ان جن عليهم اليل فنام الكبير والاوسط وبقا الصغير يحرسهم فلما
~~انسدل الظلام جرد سيفه واخذ حجفته بيده الاخرى وجعل يدور عليهم.
فبينما هو كذلك اذ لاح له ضياء بالبعد فقصد نحوه فاذا هو بمغارة تتقد
~~فيها نار وقد داروا بالنار تسعة وتسعون رجلا.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
11.3 الليلة التاسعة والاربعون
[11.8]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك دخل الشاب في جملتهم واذا بهم لصوص فقدموا امامهم
~~طعاما وجعلوه اسهما على عددهم فاخذ كل واحد منهم سهما واخذ الفتى بينهم
~~سهما فبقا المقدم بلا سهم فقال : يا اصحابي فيكم واحد زايد.
[11.9]
قال: فعدوا الاسهم فاذا هي تسعة وتسعون فقال لهم المقدم: ارفعوا.
فرفعوا فبقا المقدم ايضا بلا سهم فقال لهم: الم اقل لكم فيكم رجل زايد؟
فردوا ايديهم على سيوفهم وقاموا يفتشون الرجل الزائد فناداهم ابن الملك
~~وقال لهم: مكانكم اني رجل قد قصدتكم وانا من اكبر اللصوص.
[11.10]
ففرحوا به واقعدوه ياكل معهم ثم قالوا له: يا فتى نحن نريد في هذه الليلة
~~ان نسرقوا قصر الملك فلان وكان ذلك الملك الذي يريد اولاد الملك ان
~~يصاهرهم.
فقال لهم الفتى: انا اعلم الناس بالدخول.
ثم انهم ساروا حتى انتهوا الى القصر ونقبوا حيطانه فلما تم النقب تقدم
~~ابن الملك ودخل في القصر ثم انهم رجع اليهم وقال لهم: ادخلوا.
فما زالوا يدخلون واحد بعد واحد والفتا يضرب اعناقهم حتى اتا عن اخرهم
~~وخرج من النقب وسده وانصرف الى اخواته وبات يحرسهم باقية اليل.
[11.11]
فلما اصبح الله بخير الصباح ركبوا خيولهم ومشوا الى المدينة فوجدوها
~~مغلوقة الابواب والناس يموجون بعضهم في بعض فسالوا عن الخبر فاخبر ان الملك
~~اتفق له في قصره البارحة امرا فنادى بالندا: ايها الناس من يخبر الملك بما
~~اتفق له في قصره فله نصف مملكته.
قال: فعند ذلك استادنوا على الملك فاذن لهم بالدخول فلما دخلوا عليه سلموا
فقال لهم: من انتم؟
قالوا: نحن اولاد الملك فلان.
[11.12]
ثم تقدم الكبير وقال له: اتفق لي كذا وكذا.
واخرج له راس الاسد والقاه امامه ثم تقدم الاوسط وقال له: اتفق لي كذا
~~وكذا واخرجت الجارية على ابيها وهذا خاتمها.
ثم تقدم الصغير وقال له: يا مولاي اتفق لي البارحه في قصرك كذا وكذا وانا
~~فعلت ما رايت من قتل اللصوص.
قال: فتعجب الملك من ذلك وقال له: صدقت.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
11.4 الليلة الموفي الخمسون
[11.13]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم ان الملك امر بنزولهم وضيافتهم فبحثوا عن ابيهم وسالوا
~~عليه فلم يجدوا له خبر ولا وقعوا له على اثر.
قال : فمكثوا في ضيافة الملك اياما ثم ان الملك زوج ابنته للفتا الصغير
~~وصنع وليمة عظيمة ودفع له مالا كثيرا وانصرف الاوسط الى والد الجارية
~~وتزوجها وبقا الكبير عند الملك والصغير انصرف الى ملك ابيه واتصل ملكهم
~~فمكثوا على ذلك وبقوا في الذ عيش واطيب وقت حتى اتاهم اليقين والحمد لله رب
~~العالمين.
12 حديث الفتى صاحب السلوك
12.1
[12.1]
ثم قالت المحدثة: زعموا ايها الملك والله اعلم انه كان ببغداد فتا من ابناء التجار فمات والده وترك له مالا كثيرا فما زال ياكل ويشرب حتى لم يبق له شيئا لا دينار ولا درهم.
فلما بقا اصفر اليدين قصد اصحابه الذي كان ينادمهم فطردوه وانكروه فرجع الفتا الى امه فاعلمها بالخبر فقالت له: والله يا بني لقد خشيت عليك هذا ولاكن ما بقا لي دينار ولا درهم الا هذا البساط الذي نناموا عليه.
[12.2]
فدفعته له وسار به الى السوق فباعه بدينار فقبضه وسار يريد منزله واذا بسمسار ينادي وهو يقول: من يشتري مني ما يغنيه من ليلته؟
فلما سمع الفتا ذلك قرب منه وقال: وما ذلك؟
فاخرج له سكينا كبيرا وكان اسم الفتا علي بن عبد الرحمان البزاري فاخذ السكين ودفع له الدينار وانصرف الى منزله فقالت له امه: ما الذي صنعت بثمن البساط؟
فاعلمها انه اشترا به سكينا فقالت له: ما الذي تصنع به؟
قال لها: سمعت السمسار وهو يقول: من يشتري ما يغنيه من ليلته فاشتريته منه.
[12.3]
فبقا الفتى حتى جن اليل اخذ السكين بيده وخرج في ظلام اليل واليل قد ارخا استاره فما زال يمشى في ازقة المدينة حتى وصل الى قصر المامون فقصد الى الباب فوجده مفتوحا والحراس نيام فقال في نفسه: في هذه الليلة اما استغنى واما نموت.
ثم انه دخل على باب القصر وبقي يسير من فصيل الى فصيل حتى انفتح له الضيا عن مجالس مرتفعات وبين المجالس بستان مليح قد غرست فيه جميع الاثمار وفي وسط البستان ناعورة فلكية قد صنعت من العود الرطب مصفحة بالذهب الوهاج ترفع الماء على اعلاها وتصبه في اسفلها كما قال الشاعر:
ومدارة بكأت فمثلي تبكي
مثل مدامع العشاق
تبح الانين كانها مفجوعة
بحبيبها او رايع الفراق
قال: والبستان قد دارت به قباب الصندل وعلى اعلى البستان شبايك من حديد والطير يتسرح بين الاشجار.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
12.2 الليلة الواحدة والخمسون
[12.4]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم ان الفتى اخفا نفسه بين الاشجار حتى نام كل من كان في
~~القصر فاخترق المقاصير حتى وصل الى مقصورة فشم فيها رايحة الطعام وكان قد
~~اصابه الجوع فقصد اليها فوجد فيها طعاما وخبز درمك فاكل من ذلك الطعام.
فبينما هو ياكل اذا سمع حسا خلفه فالتفت فرءا اسود وبيده سيف مسلول وبيده
~~الاخرى في شعر جارية كانها البدر الطالع ام الغزال الراتع والعبد يقودها من
~~ورايه حتى ادخلها المقصورة وضربها الى الارض وجلس على تابوت صدرها وقال
~~لها: ان لم تمكنني من نفسك لا عشت بعد هذه الليلة ابدا.
فقالت له: والله لا كان ذلك ابدا ولو قرضتني بالمقاريض يا عبد السوء لا
~~قربت لي موضعا يقربه امير المومنين.
[12.5]
فهم العبد بقتلها فوثب عليه الفتى وضربه بالسكين الذي كان بيده بين
~~الكتفين حتى اخرجه من صدره فسقط في الارض ميتا.
فلما رات الجارية ذلك قامت وترامت عليه وقالت له: من انت الذي من الله
~~علي بك؟ انس ام جن؟
قال لها: بل انا من الانس دخلت هذا القصر متلصص وما انا بلص بعثني الله
~~اليك رحمة وخبري كيت وكيت.
فقالت له: ما اسمك؟
قال لها : اسمي علي بن عبد الرحمان البزاري.
قالت له: واين سكناك؟
قال لها: بموضع كذا.
قالت له: مكانك حتى اعوذ اليك.
[12.6]
ثم ان الجارية غابت عليه ساعة واقبلت كانها الشمس اذا خرجت من تحت السحاب
~~فسلمت عليه ودفعت له الف دينار وقالت له: يا فتى هذا بعض البعض من جزايك
~~وانا كل يوم نتفقدك بما نقدر عليه من الهدايا والتحف والمال.
ثم اخرجت الفتى من باب الغدر واخفت الغلام في احد المخادع فانصرف الفتى
~~الى امه فوجدها باكية عليه فلما راته عنقته فدفع لها الخريطة بالمال فقالت
~~له: يا ابني من اين لك هذا؟
قال لها: هو رزق {الله يرزق من يشآء بغر حساب} .
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
12.3 الليلة الثانية والخمسون
[12.7]
قال فهراس الفيلسوفي:
يا مولاي ثم ان الفتى بات تلك الليلة فلما اصبح الله بخير الصباح واذا
~~بناقر ينقر بالباب فخرج وفتح الباب واذا بجارية سودا قالت له: يا سيدي انت
~~علي بن عبد الرحمان البزاري؟
قال: نعم.
فاعطته الف دينار.
قال: فما زالت تنقد له كل يوم العطية.
[12.8]
فلما كان ذات يوم من الايام صنعت خروفا مشويا ورغايف درمك وجعلت في جوف
~~الخروف اربعة سلوك كل سلك منها يساوي بيت مال والقت الخروف تحت الرغايف
~~وجعلته في طبق خيزران والقت عليه منديلا من الحرير ودفعته الى الخادم وقالت
~~لها: سر الي منزل علي.
قال: فسارت الخادم الى منزل الفتا فلقيها في الطريق بعض اصحابه وندمايه
~~فشموا رايحة الخروف فاتبعوا الخادم فلما راوها اتت الى منزل الفتا علي
~~فقرعت الباب فخرج اليها فقالت له: يا سيدي خذ هذه الهدية.
فاخذ الطبق منها وانصرفت الخادم الى قصرها واذا باصحابه قد استوفوا عليه
~~وقالوا له: يا ابن عبد الرحمان ان الذي اتت به الخادم فطعام ذكي فعسى
~~تعطينا منه.
ثم قال لهم: والله لا يدخل منكم احد الى داري.
[12.9]
قالوا: عسى هنا في الاصطوان.
ثم ادخلهم الى الاسطوان وحط الطبق بين ايديهم ودخل الفتا الى الدار ليخرج
~~لهم الماء ولم يعلم ما في جوف الخروف فلما دخل الدار رفعوا اصحابه المنديل
~~فراوا بطن الخروف مملوة ففتحوه فاذا في جوفه السلوك فلما راوا ذلك قال
~~بعضهم لبعض: الا تروا هذا الفتى يغازل جارية الملك فوالله ان هذا السلوك
~~الا من قصر الملك لاكن تعالوا نكشف امره الى امير المومنين.
ثم اخدوا السلوك وانصرفوا الى قصر الملك فنادوا: نحن ناصحون امير
~~المومنين.
[12.10]
فخرج اليهم الحاجب وقال لهم : ما نصيحتكم عليه؟
فاعلموه بالخبر فاستاذن لهم الملك فاذن لهم فدخلوا عليه وسلموا عليه
~~سلاما بالغا وقالوا له: ايها الملك ان علي بن عبد الرحمان البزاري دخلنا
~~عليها لناكلوا من طعامه فوجدنا عنده هذه السلوك في جوف خروف اهدي اليه من قصرك.
ثم دفعوا اليه السلوك والفتا لم يعلم بذلك وذلك ان الفتا خرج بالماء فلم
~~يجد لهم خبر فاخذ الطبق وادخله الى الدار وجعله بين يدي امه وجعل ياكل
~~ويطعم امه واصحابه مشوا بخبره وغدره الى الملك.
[12.11]
فلما رءا الملك السلوك تغير لونه وعلم ان ذلك من خلطة تقدمت مع الجارية
~~فامر الملك ان ياتوا بالفتى فانطلقوا اليه جملة من عبيد وساروا الى الفتى.
قال: فبينما الفتى ياكل مع امه اذا بالعبيد قد احاطت به فكتفوه واخرجوه
~~من الدار فحملوه الى الملك واجلسوه بين يديه قال له: من بعث اليك هذه
~~الهدية وهذه السلوك؟
فقال له الفتى: اصلح الله الامير روي في الحديث الماثور ان الهدية مقبولة
~~وانا اهديت الي هدية فقبلتها.
فقال له: من اهداها اليك؟
[12.12]
قال: فبينما انا في منزلي اذا بالباب ينقر فخرجت فاذا انا بخادم قد اتتني
~~بطبق على راسها فيه خروف مشويا ورغايف درمك فاتوا هؤلاء القوم وسالوني ان
~~ياكلوا منه شيئا فادخلتهم الاسطوان ودخلت لاتهم بالماء فلما خرجت بالماء لم
~~اجد منهم احد وكنت فعلت معهم كذا وكذا وندمتهم واكلوا طعامي فما كان جزاء
~~منهم الا ما ترا.
فلما سمع كلامه قام مسرعا ودخل على الجارية صاحبة السلوك قال لها: اتعرفي
~~هذه السلوك؟
قالت: نعم.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
12.4 الليلة الثالثة والخمسون
[12.13]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم ان الملك قال لها: من القاها في جوف الخروف المشوي
~~واهداها الى فتا من ابناء التجار؟
قالت له: انا.
قال لها: ولم ذلك؟
قالت: اصلح الله الامير جرا لي كيت وكيت.
ووصفت له القصة وكيف قتل الاسود واتت به الى الموضع الذي اخفت فيه الاسود
~~فرءاه مقتولا ثم كشفت عن ظهرها فاذا به اسود مما جلدها بالسيف فقالت له:
~~فما كان الا ان اجازيه بما رايت.
قال: فخرج من عندها وسئل الفتى فاخبره بما اخبرته به الجارية.
[12.14]
قال: فعند ذلك امر له الملك بالجارية واحكمه في اصحابه فامرهم بالخروج
~~والنفي من المدينة ونفاهم من الارض واخذ اموالهم ومتاعهم الذي اكتسبوه منه
~~واعطاه الجارية.
وبقا ممن يحضر مجلس الملك حتى اتاه اليقين والحمد لله رب العالمين.
13 حديث الاربعة اصحاب
13.1
[13.1]
ثم قالت: زعموا ايها الملك انه كان في زمن هارون الرشيد اربعة اصحاب احدهم سارق والثاني يقص الاثر والثالث نجار والرابع راميا.
قال فدخلوا الى مدينة بغداد ونزلوا في دار واحدة غير ان ديار بغداد عليها شبايك الحديد فلما دخلوا الدار وجن عليهم اليل وبين ايديهم طعام وشراب اذا سقط عليهم الشبايك فقاموا من حينهم ونظروا ما الخبر فنظروا الى جارية كانها البدر الطالع.
[13.2]
فقالوا لها: من انت يا جارية؟
فلم تجبهم فعطف بعضهم على بعض وقال كل واحد: انا اخذها.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
13.2 الليلة الرابعة والخمسون
[13.3]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك انه لما قال كل واحد: انا اخذها.
فقال كبيرهم: اسمعوا مني.
قالوا: نعم.
فقال لهم: اتركوا الجارية في بيت من البيوت واغلقوا عليها بالقفل الى
~~صبيحة غدا ان شاء الله فمن كان منكم اصنع من صاحبه واعرف هي له.
قالوا: نعم الراي هذا.
[13.4]
فاخذوا الجارية والقوها في بيت وغلقوه بقفل وباتوا تلك الليلة فلما اصبح
~~الصباح فتحوا الباب وطلبوا الجارية فلم يجدوا لها خبر فقال لهم القصاص: انا
~~انظر من اي موضع خرجت.
فنظر ساعة ثم قال: هذه الجارية اختطفها عفريتا من الجن ولو اختطفها انس
~~لرايت اثره ولاكن اتبعوني حتى اريكم فوالله لو صعدت مصعد الشمس او غابت
~~مغيب الرمس لابد لي منها ثم سار القصاص يقص الاثر بهم حتى انتهى بهم الى
~~شاطى البحر.
فقال لهم: على هذا البحر سارت.
[13.5]
قال: فعند ذلك عطفوا على النجار وقالوا له: اين ما كنت تدعي من صناعتك؟
قال لهم: نعم.
فصنع لهم زورقا فلما تم المركب دخلوا فيه وساروا في البحر حتى انتهوا الى
~~جبل شامخ كانه نشر بمنشار او نقر بمنقار صنعة العزيز الجبار فلما قربوا من
~~الجبل ارموا المراصي وارصوا زورقهم ثم قالوا للقصاص: اين ما كنت تدعيه؟
قال لهم: نعم.
[13.6]
فسار يقص الاثر حتى انتهى بهم الى مغارة فاذا بالجارية وراس العفريت على
~~فخذها وهو نايم فرجع الى اصحابه واعلمهم فقالوا للسارق: اين ما كنت تدعيه
~~من صناعتك؟
قال لهم: نعم.
فاتى الى الغار فوجد الجارية على حالها فتحيل حتى نزل راس العفريت عن
~~فخذيها وهو نايم واتا بها الى الزورق وطلعت الجارية وساروا بها واذا
~~بالعفريت استيقظ من نومه فلم يجدها فصاح صيحة اهتزت منها الجبال وارتفع في
~~الهوى فرءا الجارية في المركب فانقض عليهم ليغرقهم.
[13.7]
فقالوا للرامي: اين ما كنت تدعي من صناعتك.
قال: نعم.
قالوا له: اقتل لنا هذا العفريت.
ثم اخذ سهما ولقاه في قوسه ورما به فقتله فاسقط في البحر ميتا.
فقال كل واحد منهم: انا اخذها.
فتنازعوا عليها فيما فعلوا من صناعتهم.
فقال لهم اللص: اترضوا بحكم امير المومنين هارون الرشيد؟
[13.8]
فقالوا: ومن لنا بذلك؟
فقال لهم: انا ادخلكم عليه فلمن يحكم بالجارية تسمح له فياخذها.
قالوا: نعم.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
13.3 الليلة الخامسة والخمسون
[13.9]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم انتهوا في البحر الى ان وصلوا الى مدينة بغداد فدخلوا
~~المدينة ونزلوا في دار والقوا الجارية في بيت وقفلوا عليها بقفل من حديد
~~فلما جن اليل ساروا الى قصر الملك واليل قد ارخا ستوره.
[13.10]
قال: فاحتال اللص حتى ادخلهم الى القصر واتى بهم الى مجلس الملك واذا
~~بهارون الرشيد راقد على سريره وسهل المحدث يحدثه فنام الملك ونام سهل
~~المحدث فاخذ اللص المحدث واخرجه خلف الباب بسياسة وجلس اللص مكانه فقام
~~الملك من نومه فقال: حدثني يا سهل والملك يظن انه سهل.
قال: نعم وذلك يا مولاي انهم كانو اربعة اصحاب ندماء احدهم سارق والثاني
~~نجار والثالث رامي والرابع يقص الاثر واتفق لهم كيت وكيت وحكا له القصة كما جرت.
[13.11]
واتى السارق باصحابه الى مجلسك وتركهم مع باب المجلس ودخل وسرقني من
~~موضعي وجلس مكاني يحدثك فلمن تحكم بالجارية يا امير المومنين؟
قال له: ما كنت احكم بها الا للسارق.
فنام الملك فقام اللص ورد سهل الى موضعه وخرج الى اصحابه فقالوا له: لا
~~تاخذها حتى يحكم بيننا مرة اخرى.
[13.12]
فاستيقض الملك من نومه فقال: يا سهل حدثني بحديث السارق مع اصحابه
~~والجارية.
قال له سهل: واي سارق يا مولاي؟
قال له: الذي حدثتني به الساعة.
قال: والله يا مولاي ما حدثتك بحديث سارق قط وما اظن الا رايت ذلك في النوم.
فقال له الامير: يمكن ذالك.
[13.13]
قال فحدث ببعض الاحاديث فنام الملك ونام سهل ايضا فدخل السارق واخرج سهل
~~وجلس مكانه فانتبه الملك من نومه وقال: حدثني يا سهل.
قال: نعم يا امير المومنين وذلك الذي سالتني عن خبر السارق واصحابه
~~والجارية قد التهمت اليه وذلك انهم كانوا اربعة اصحاب ندماء واتفق لهم كيت
~~وكيت وذكر له القصة من اولها الى ءاخرها.
[13.14]
ودخل السارق الى مجلسك وسرقني من موضعي واخرجني وسرق القلنسوة من على
~~راسي والقا مكانها قلنسوة عزف واخذ الخاتم من يدك والقا مكانها خاتم كلخ
~~وجلس في موضعي يحدثك فلمن تحكم بالجارية؟
فقال له: للسارق الذي سرقك من موضعك.
[13.15]
فما زال يحدثه حتى نام واخذ السارق سهل ورده الى موضعه ونزع القلنسوة من
~~على راسه والقا مكانها قلنسوة عزف ونزع الخاتم من يد الملك والقا مكانها
~~خاتم كلخ وخرج الى اصحابه وقال لهم: ارضيتم؟
قالوا: نعم حبا وكرامة ولو اخذها احدنا لسرقتها منه.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
13.4 الليلة السادسة والخمسون
[13.16]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك ان السارق لما انصرف مع اصحابه انتبه الملك من نومه
~~وقال: يا سهل حدثني بحديث السارق.
قال له سهل: واي سارق يا مولاي؟
قال له: الذي اعلمتني به انه سرقك من موضعك وسرق الشاشية من على راسك
~~والقا مكانها شاشية عزف وسرق الخاتم من يدي وجعل مكانها خاتم كلخ.
قال له: لا والله يا مولاي ما حدثتك بهذا الحديث قط.
[13.17]
قال: فافتقد سهل راسه فاذا عليها شاشية عزف قال له: سرقت يا امير
~~المومنين ورب الكعبة.
قال: فافتقد الملك يده فاذا فيه خاتم كلخ فرماه من يده واخذ سيفه وصاح
~~صيحة عظيمة استجاب لها القصر فاجتمع له العبيد بالدبابيس والسيوف وفتشوا
~~القصر من اوله الى اخره فلم يجد احد فتعجب الملك من ذلك.
[13.18]
فلما اصبح الله الصباح امر المنادي ينادي في ازقة بغداد: ايها الناس من
~~يحدث الملك بما اتفق له البارحة في قصره فله الامان وله من المال خمسمائة دينار.
فما زال المناد ينادي في ازقة بغداد حتى وصل الى موضع السارق واصحابه
~~فلما سمع السارق المنادي خرج اليه وقال له: انا احدث الملك بما جرا له
~~البارحة في قصره.
[13.19]
فاحضره بين يدي الملك فقال له: يا مولاي اتفق لك البارحة في قصرك كيت
~~وكيت حتى اتا على اخر الحديث ورد الخاتم الى الملك والقلنسوة الى سهل فتعجب
~~الملك من حديثه وحيلته واستقداره وامنه وتاب على يديه واعطاه المال وكتبه
~~في زمام المحدثين واعطاه الجارية وبقا ياكل ويشرب في ارغد عيش حتى اتاهم
~~اليقين والحمد لله رب العالمين.
14 حديث ابن الملك والوزراء السبعة
14.1
[14.1]
ثم قالت: زعموا ايها الملك انه كان ملكا من الملوك يقال له سيف الاعلام وكان مطاع وبطل شجاع تهابه الملوك الاكابر وتخضع اليه الملوك الاصاغر وكان الملك سيف الاعلام لا يزداد عنده ولد ذكر ابدا فحزن لذلك وجمع الاطباء والمنجمين والحكما فحسبوا له القرعة وخط الرمل ونظروا في النجوم وقالوا له: ايها الملك سيكون لك مولود ذكر تسر به عن قريب ياتيك ان شاء الله.
[14.2]
قال: فبقا الملك يتغدا باحسن الغدا حتى ازداد له ولد ذكر لم يكن في زمانه اجمل منه فصنع مهرجانا عظيما اكل الناس فيه حاضرة وبادية ثم دعى بالمنجمين وقال لهم : انظروا في طالع ابني هذا وما يوافقه من الازمنة.
فنظر كل واحد منهم في علمه وقالوا له: ايها الملك ان ابنك هذا يكون طويل العمر غير انه يصيبه عند كمال عشرين سنة امر هايل ويخاف عليه القتل.
فتعجب الملك مما اخبروه.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
14.2 الليلة السابعة والخمسون
[14.3]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم ان الملك ادخله المكتب حتى ادخل الغلام اثنا عشر سنة
~~ثم اسلمه الى طالب العلم فمكث عنده ما شاء الله وهو لم يعلم شيئا.
فلما رءا الملك حال ابنه كبر عليه امره وبعث الى علماء كل بلدة فاتوا
~~باجمعهم فقال لهم: انظروا ماذا ترون في حال ابني هل فيكم من يستطيع ان
~~يعلمه واعطيه من المال والدخاير ما يحب.
وكان عدد العلماء الف عالم فقام منهم اربعة وقال كل واحد: انا اعلمه ايها الملك.
[14.4]
ثم قام سندباد وهو معلمه الاول قال: انا اعلمه ايها الملك ما لا يقدروا
~~هولاء تعليمه.
ثم انه عطف على العلماء وقال لهم: كيف اردتم ان تعلموه؟
فاخبره كل واحد منهم بالذي اراد ان يعلمه فقال لهم سندباد: غير هذا؟ فاني
~~قد علمته هذا فلم يتعلم شيئا وقد كنت اظن ان لا يكون احدا اعلم مني منكم
~~فاعلمه انا.
قال لهم: وان ملك الجوارح واليدين والرجلين واللسان والسمع والبصر هو
~~القلب فاذا لم يتعلم القلب شيئا لم يتعلم ساير الجسد.
[14.5]
وقد اخبرت ايها الملك ان ملكا كان يحب الفيلة فصيد له فيلا صغيرا فدفعه
~~الى صاحب الفيلة وقال له: علمه واحسن ادبه.
فقال له: نعم.
فلما كبر الفيل سال عنه صاحب الفيلة قال له: هو كما تحب ايها الملك.
فقال له: هل استطيع ان اركب عليه؟
[14.6]
فقال له السايس: نعم ان شئت.
فقال له الملك: ايتني به.
فاتاه به السايس.
فلما ركب الملك على الفيل واستوى على ظهره جمح الفيل به فلم يستطيع الملك
~~امساكه فلم يزل كذالك حتى غشي عليه من شدة التعب فلما تذكر الفيل مربطه
~~واتاه الوقت رجع اليه وهو قد رهش اعظامه فلما افاق من غشيته امر بقتل
~~السايس فقال له السايس: مهلا عليك ايها الملك لا تعجل.
[14.7]
ثم ان السايس اخد حديدة وحمها بالنار حتى ابيضت ثم قدمها الى الفيل وقال
~~له: خذها.
فاخذها ثم قال له: القها.
فالقاها فقال له السايس: ايها الملك اما ما كان يصنع بيده فقد علمته واما
~~قلبه فلا سبيل اليه.
قال: فعفا عنه الملك وخلا سبيله وابقا في خدمته.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
14.3 الليلة الثامنة والخمسون
[14.8]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك انه لما فرغ سندباد من ضرب مثله فقام المعلم الثاني
~~وقال: هذا الولد انا اعلمه في سنة ما لم يتعلم في اثنى عشر سنة.
فلما سمع الملك ذلك دعا بسندباد وقال له: فيما تعلمه انت؟
قال: في نصف سنة حتى لا يكون احدا اعلم منه في زمانه وان لم افعل ذلك فقد
~~حال مالي ودمي.
[14.9]
ثم قال سندباد للملك: ان الارض اذا لم يكن فيها ملك ولا عالم ولا تاجر
~~ولا طبيب فلا ينبغي لاحد ان يسكنها وكلما ذكرت بارضك والحمد لله وقد اخبرت
~~ايها الملك ان الملوك كالنار اذا تباعدت منها سلمت واذا اقربت منها احرقتك
~~كذلك الملك اذا دنا منه الرجل لم يزل خايفا على نفسه واذا تباعد عنه عاش
~~عيشة هنيئة ولاكنه بقا الي شرط.
قال له الملك: وما هو الشرط؟
[14.10]
قال: لا تفعل بغيرك ما تكرهه لنفسك.
قال له: ومن يستطع ذالك؟
قال له: انت ايها الملك.
ثم كتب له كتابا واشهد عليه شهود ودفع له الولد بعد ان شرط عليه في اي
~~شهر وفي اي يوم وفي اي ساعة يكون تعليمه.
[14.11]
ثم ان سندباد اخذ الولد وانصرف الى منزله وامر ان يبنى له قصرا تحت الارض
~~من الرخام المجزع ويتجصص به وجعل فيه تماثيل من كل شيء من العلوم من نحو
~~واذب وشعر وفقه وغير ذلك وقال للولد: هنا مقعدك حتى تعلم كل شيء جعلته لك
~~في هذا الموضع.
ثم جلس معه يعلمه ويؤذبه ويوتي لهما بطعامهما وشرابهما وما يحتاج اليه.
فلما تم الامد تعلم الغلام كلما علمه سندباد فاعلم الملك بذلك فسر سرورا
~~عظيما وامر سندباد ان يحضره بين يديه.
فلما حضر سندباد بين يديه قال له: ان ابنك قد تعلم وانه ياتيك غدا ان شاء
~~الله تعلى اذا مضى من النهار ساعتين.
[14.12]
فلما سمع الملك ذلك فرح فرحا شديدا ثم رجع سندباد الى الولد وقال له: اني
~~اريد ان اخرجك الى ابيك غدا ان شاء الله تعلى ولا بد ان انظر في نجمك في
~~هذه الليلة.
فلما جن عليه اليل نظر في نجمه فرءا شيئا فقال له: ارا في نجمك الا تتكلم
~~سبعة ايام فان تكلمت فيهم يخشا عليك القتل.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
14.4 الليلة التاسعة والخمسون
[14.13]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم ان الولد لما سمع كلام معلمه سقط ما كان بيده وقال
~~لمعلمه: فما ترا ان اصنع فامرني بما شئت.
قال له: قد وعدت ابيك ان ءاتيك اليه غدا وليس لي مخالفة.
فلما كان في الغدا ومضا من النهار ساعتين قال له: ادهب الى ابيك وحدك ولا
~~تتكلم سبعة ايام حتى اتيك.
فقال له الصبي: نعم.
[14.14]
فذهب وحده ودخل على ابيه وليس معه معلم فاجلسه والده الى جانبه وكلمه فلم
~~يتكلم وطلب منه العلم فلم يرد جوابا فطلب سندباد فلم يجبه فقال الملك لمن
~~حوله: ما ترون في حال الغلام؟ كلموه انتم لعله منعه من الكلام الي.
فاستنطقوه فلم يتكلم فقالوا له: ايها الملك نروا ان سندباد طلب له ليتعلم
~~فلم يتعلم فلما تم الاجل خاف من الفضيحة فاخرس لسانه بالدوا.
فكبر على الملك ذلك وشق عليه.
فلما رات جارية من جواريه ذلك وكان يحبها الملك وكانت ذات حسن وجمال قالت
~~للملك: دعني ايها الملك اخلوا به لعله يخبرني بشانه فانه كان مستانسا بي.
[14.15]
فقال لها: افعلي.
فانطلقت به الجارية الى منزلها فكلمته فلم يتكلم قالت له: انك جاهل ولاكن
~~ساعرض عليك امرا لست بتاركه.
ثم قالت له: ان اباك قد كبر سنه ورق عظمه فهل لك ان تقتله بحيلة اتحيل لك
~~بها عليه فتكون انت الملك ونكون انا زوجتك؟
قال: فلما سمع ابن الملك ذالك غضب غضبا شديدا انساه وصية معلمه فقال لها:
~~والله لو عرضت علي هذا وانا جاهل ما نفعله ولا اطعتك فيه فكيف وقد رزقني
~~الله من العلم ما لم اكن اعلمه ولاكن ليس ينبغي لي ان اتكلم حتى تنقضي سبعة
~~ايام فاذا انقضت تكلمت وعرفتك جواب كلامك.
[14.16]
قال: فلما سمعت الجارية كلامه علمت انها وقعت في الهلاك فاخذت في الكيد
~~والمكر والحيلة وصاحت في الحين وخبشت وجهها ومزقت ثيابها فلما سمع الملك
~~الصياح قام على قدميه ودخل عليها وقال لها: ما شانك يا جارية؟
فقالت: زعمت انه لا يتكلم وقد راودني عن نفسي فامتنعت منه فخدش وجهي ومزق
~~ثيابي واراد قتلي.
فلما سمع الملك ذلك اغتاظ غيظا شديدا انساه محبة ابنه وكان كثير الغيرة
~~على نسايه فامر بابنه ان يقتل.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
14.5 الليلة الموفي ستون
[14.17]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك لما امر بابنه ان يقتل كان له سبعة وزراء كلهم من
~~اهل العلم والاذب والراي والسياسة وتجريبة الامور فعطف بعضهم على بعض
~~وقالوا: ان تركنا حتى الملك يقتل ابنه فانه يندم عليه بعد ذلك ويرجع علينا
~~بالملامة ويقول تركتموني حتى قتلت ابني فنسقط من عينيه وتسقط منزلتنا عنده.
فقال احد الوزراء: انا اكفيكم اليوم قتله ولاكن امسكوا الغلام عندكم حتى
~~اخرج اليكم من عند الملك.
[14.18]
قال: فانطلق الوزير ودخل على الملك وقال: ايها الملك ان الملوك لا ينبغي
~~لهم ان يفعلوا شيئا حتى يستشروا فيه فان الملك يكون حليما ولا يكون عاجولا
~~وانشا يقول:
كن حليما ولا تكن عجولا
والزم العفو بكرة واصيلا
لاتعجل بقتل ابنك حتى
ياتي بالحال شاهدا ودليلا
ثم قال له بعد شعره:
[14.19]
بلغني ايها الملك انه كان ملكا لا يعرض عليه شيئا الا اعجبه فبينما هو
~~ذات يوم جالس في منظر له اذا مرت به جارية حسنة جميلة فاعجبته فارسل الى
~~زوجها فبعثه في بعض حوايجه واتا الملك الى المراة وطلبها في نفسها.
فقالت له: يا سيدي انا امتك وكلما اردت مني فهو المفعول.
[14.20]
ثم جاءت اليه بكتاب كان لزوجها وكان فيه النهي عن المحارم والكباير وجميع
~~الاحكام وقالت له: انظر في هذا الكتاب حتى ارجع اليك.
قال: ففتح الملك الكتاب ونظر ما فيه من الذنوب والدخول على محارم الرجال
~~فندم على ما اراد ثم ترك المراة ورجع خارخا الى قصره ونسا خفه في دار
~~الجارية.
فلما جاء زوج المراة دخل الدار فابصر خف الملك في بيته فعرفه وعلم ان
~~ذالك الخف لم يصل الى داره الا لخلطة تقدمت بينها وبينه فخرج من داره ولم
~~يحدث شيئا مخافة من الملك ولم يقرب زوجته واعتزلها اياما عديدة.
[14.21]
فارسلت المراة الى اهلها وقالت لهم: ان زوجي قد تركني.
فجاءو اهل المراة وادعوه الى الملك فقالوا: اصلح الله الامير انه كانت
~~لنا ارضا فدفعناها لهذا الرجل يعمرها ويصلحها فعمرها زمانا طويلا ثم تركها
~~اياما لا يقربها فاما ان يعمرها كما كان اول مرة واما ان يردها الينا.
فقال الملك لزوج المراة: ما تقول فيما قالوا؟
[14.22]
قال: نعم ايها الملك دفعوا الي الارض فلم ازل اعمرها واصلح شانها فانصرفت
~~يوما اليها فوجدت اثر الاسد فلم ارجع اليها خوفا من الاسد.
فقال له الملك: صدقت لعمري دخلها الاسد ولم يحدث فيها شيئا تكرهه لانه
~~وجد في الارض حفيرا دله على هلاكه ان اعمر تلك الارض فتركها فعليك بارضك
~~فعمرها ولا تخف وعند ذلك طابت نفس الرجل ورجع زوجته كما كان.
وقد سمعت من مكر النساء وكيدهن سوف اخبرك به.
[14.23]
زعموا ايها الملك انه كان رجلا غيورا جدا وكانت له امراة ذات حسن وجمال
~~فامتنع من السفر غيرة عليها فطال عليه الحال فاشترا طايرا يسما الببغا
~~فعلمه الكلام وجعله في قفص من حديد وامره الا يتكلم عليه شيئا عما يكون في
~~داره على كل حال الا اخبره به.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
14.6 الليلة الحادية والستون
[14.24]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم ان ذلك الرجل سافر واتخذت امراته بعده خليلا وكان
~~الطاير ينظر اليهما ما يصنعان فلما قدم الرجل من سفره دعا الطير وساله عن
~~الخبر فاعلمه بما رءا فاعتزل الرجل امراته ولم يقربها فظنت المراة ان
~~الخادم اعلمته فاخذتها وضربتها وقالت لها: مالي ارا زوجي معرضا علي؟ ما
~~اظنك الا انت اخبرتيه بخبري.
[14.25]
فقالت الخادم: والله ما قلت له شيئا وما اظن الا الطير اخبره.
قال: فعمدت المراة في اليل الى الببغا وجعلت تنظح عليها بالماء بغربال
~~وتلوح بمراءة الهند والخادم تطحن الرحا حتى اصبح الله بخير الصباح ثم اتى
~~الرجل الى الطير وقال له: اخبرني بما رايت البارحة.
فقال له الطير: وهل قدرت ان افتح عيناي البارحة من شدة البرق والرعد
~~والمطر؟
[14.26]
فلما سمع ذلك من الطير قال في نفسه: هذا الطير كذاب فيما قال على امراتي
~~واي مطر كان البارحة؟ فكلما حدثني به باطل.
قال: ثم اطلق الطير وكسر القفص وصلح امراته ورضا عنها وانما حدثتك بهذا
~~الحديث لتعلم ان كيد النساء عظيم.
قال فلما سمع الملك ذلك امر بابنه الا يقتل.
قال: فجاءت المراة في اليوم الثاني الى للملك وبكت وقالت له: ان الملك لا
~~ينبغي له ان يعفو عن ابنه اذا وجب عليه القتل.
[14.27]
وقد سمعت ان رجلا قصارا كان اذا انطلق الى النهر دهب معه ابنه فلكان
~~الولد يلعب في الماء ولا ينهاه اباه فتباعد ذات يوم فغرق فانطلق ابوه
~~ليخرجه فتعلق الولد به فماتا جميعا وانت ايها الملك ان لم تنصفني من ابنك
~~يجرا لك كما جرا للقصار وابنه فيوشك ان تهلك لهلاكه.
فلما سمع الملك بذالك امر بابنه ان يقتل.
فجاءه الوزير الثاني وامر بامساك الولد ودخل على الملك وقال له:
[14.28]
ايها الملك لو كان لك مائة ولد لم ينبغي لك ان تقتل واحدا منهم فكيف وليس
~~لك الا ولدا واحدا فانه من عمل عملا بالجهل ندم حيث لم ينفعه الندم كما
~~زعموا ان تاجرا في الزمان المتقدم متعففا في اكله وشربه فخرج مرة في تجارته
~~فدخل مدينة من المدن فارسل غلامه الى السوق ليشتري له طعاما يغدايه.
فبينما الغلام يطوف السوق اذا مرت به جارية معها رغيفين درمك فاشتراهما
~~الغلام منها وءاتا بهما الى مولاه فاعجباه الرغيفين فاكلهما وقال للغلام:
~~اشتري من هده الرغيفين كل يوم.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
14.7 الليلة الثانية والستون
[14.29]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم ان الغلام كان يختلف الى السوق ليشتري لمولاه تلك
~~الرغيفين من عند الجارية.
فلما كان ذات يوم جاء الى الجارية فلم يجدها فمكث بعد ذلك اياما ثم وجدها
~~وقال لها: ما منعك ان تعمل الرغيفين؟
فقالت له: يا سيدي استراح الذي كنا نعمل الرغيفين له.
فرجع الغلام الى مولاه فاخبره بالخبر فقال: عليا بها.
[14.30]
فدخلت عليه فقال لها: كيف كنت تصنعي الرغيفين؟
قالت له الجارية: خرج لسيدي خراج في ظهره فقال لنا الطبيب: تاخذ الدرمك
~~الطيب وتعجنوه بالسمن والعسل وتضعوه على الخراج فانه يبرا فصنعنا له ذالك
~~فاذا نزعناه منه اخذناه وخبزناه رغيفين كما ترا وكان غلامك هذا يشتريهما
~~مني وان سيدي قد جرا جرحه وفاق فليس نصنع له شيئا.
فلما سمع التاجر دعا بالويل والثبور وقال لغلامه: اغسل فمي وبدني فكيف
~~اغسل جوفي؟
[14.31]
وانما حدثتك بهذا الحديث ليلا تعجل بقتل ابنك فتفسد عليك الجارية حياتك
~~كما فسد على التاجر عيشه وانشد هذه الابيات:
تانا ولا تعجل لامر تريده
وكن راحم بالناس تبلى براحم
من زرع المعروف يجني بنانه
ومن عند الايام فليس بسالم
وما من يد الا يد الله فوقها
ومن ظلم الناس يبلى بظالم
[14.32]
وقد بلغني عن كيد النسا ومكرهن العظيم وامر لا يوصف فمن ذالك ان امراة
~~كان لها زوج وكان عندها خليل وكان خليلها ممن يوقف على راس الملك.
[14.33]
فارسل ذات يوم غلامه لينظر هل ذهب زوج المراة ام لا فلما دخل عليها
~~الغلام اعجبها فدعته الى نفسها فاجابها الى ذلك فبينما هو كذلك استبطاه
~~مولاه فمشا في اثره فلما علمت المراة ان خليلها قد اتى اخفت الغلام في مخدع
~~فادخلت خليلها فسالها على الغلام فقالت له: جاء وسالني عن زوجي هل هو حاضر
~~ام لا ثم خرج مسرعا.
[14.34]
فمكث خليلها حتى قضا حاجته منها.
فبينما هو كذلك اذ اقبل زوجها فكرهت ان يدخل عليها وخافت ان تدخل خليلها
~~على غلامه فقالت لخليلها: قم فخذ سيفك في يدك وقف على باب المجلس وسبني
~~وهددني ثم انطلق ولا تكلم زوجي.
ففعل ذالك وخرج وسيفه في يده فساله زوج المراة فلم يجبه حتى خرج على
~~الباب فدخل الرجل على المراة فقال لها: ويلك ما شان هذا الرجل؟
[14.35]
قالت له: هرب غلامه فاستجار بي ودخل الدار فاتى مولاه على اثره ليضربه
~~بالسيف فمنعته ليدخل عليه في بيتي.
فقال لها زوجها: واين الغلام؟
فقالت له: هو في المخدع.
فخرج زوج المراة ينظر هل ذهب مولاه فلم يجد احد فرجع الى منزله واتا الى
~~المخدع وقال للغلام: اخرج فقد ذهب مولاك.
[14.36]
وانما حدثتك بهذا الحديث ليلا تغتر بقول النسا وتسمع كلامهن فلما سمع
~~الملك كلامه امر بابنه الا يقتل.
فجاءت الجارية في اليوم الثالث ومعها سكين وقالت له: ان وزراءك السوء
~~مهلوك وارادوا اثمي وهلاكي وانا اقتل نفسي بهذا السكين ويصير اثمي في عنقك
~~وهذا احب الي من ان اقيم الذي فعل ابنك ولا يجب لك ان تسمع من قول وزرايك السوء.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
14.8 الليلة الثالثة والستون
[14.37]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك انها قالت الجارية:
[14.38]
قد اخبرتك ايها الملك انه كان وزيرا لبعض الملوك وكان للملك ابن يحب
~~الصيد والقنص وكان ابوه يمنعه من ذلك فشق ذلك عليه.
فقال الولد للوزير: استاذن لي ابي في الخروج الى الصيد معك وتتخذ بذلك
~~عندي يدا.
قال: فاستاذن الوزير عليه فاذن له بالخروج.
فخرج مع الوزير فمر بهما حمار وحشي فقال الوزير للولد: اطلبه حتى تاخذه.
[14.39]
ووقف الوزير مكانه فكان ابن الملك اذا قرب من الحمار تباعد عنه فبقا
~~كذالك حتى امعن في طلبه وتباعد عن الوزير ولم يدري اين يتوجه وايقن
~~بالهلاك.
فبينما هو كذالك اذا نظر الى جارية على قارعة الطريق وهي تبكي فقال لها
~~ابن الملك: من انت يا جارية؟ وما الذي اوصلك هاهنا؟
قالت له: اني ابنت ملك ارض كذا واني كنت مع اهلي ركبت على بغلة وخرجنا
~~نريد موظع كذا فنمت فوقعت من الدابة ولم يشعر بي احد فلما انتبهت وجدت
~~القوم مضوا عني ولم ادري اين اتوجه فمشيت حتى تقطعت رجلاي ولم ندري اين انا
~~من ارض الله.
[14.40]
قال لها ابن الملك: وانا ايضا مثلك ابن الملك فان شئت احملك معي واتزوجك.
قالت: نعم.
فاخذ بيدها واردفها خلفه وجعل يلتفت اليها احيانا فبينما هو كذلك اذ
~~قالت: يا هذا ان لي بالارض حاجة فانزلني.
فنزلها فدخلت بخربة هناك فنظر اليها فاذا هي سعلاة ومعها غول وهي تقول
~~له: قد اتيتك بادمي.
فقال لها: ادخليه في الخربة الثانية حتى اتيه.
[14.41]
فخرجت اليه وركبت خلفه وبقا الولد يرتعد مما رءا فاذكرت شانه فاقبلت
~~تسئله عن كثرة خوفه فقال لها: قد خشيت من الغدر.
قالت له: ما الغدر؟
قال لها: الذي اجد خوفه في قلبي.
قالت له: فاستعذ بالله.
قال: نعم.
[14.42]
فرفع يده الى السماء وقال: اللهم انصرني على هذه السعلاة وعافني من شرها.
فسقطت من اعلى الدابة في الارض وهرب الفتى حتى اتى الى اهله وقد طاش عقله
~~مما لقا من المحن.
وانما حدثتك بهذه الحديث لتعلم ان وزراءك قوم سوء وليلا تقبل قول وزرايك
~~فان لم تنصرني قتلت نفسي.
فامر الملك بابنه ان يقتل.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
14.9 الليلة الرابعة والستون
[14.43]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك انه لما امر الملك بقتل ابنه جاءه الوزير الثالث
~~وامر بامساك الولد ودخل على الملك وقال له: اتقتل ابنك من اجل جارية لا
~~تدري اصادقة ام كاذبة.
[14.44]
وقد بلغني ان اهل القرية اقتتلوا من اجل قطرة عسل وذالك ان رجلا اخذ
~~ءانية وجعل فيها شيئا من العسل واقبل الى السوق ليبيعها ومعه كلب فاتى الى
~~رجل في حانوته وعرض عليه العسل فاخذ صاحب الحانوت لعقة ليذوقها فقطر منه قطرة.
[14.45]
فجاء زنبور وسقط عليها وكان لصاحب الحانوت هرة فلما رءا الزنبور على قطرة
~~العسل وتب عليه فوتب عليه الكلب صاحب العسل وعضه فقتله فرفع صاحب الهر عصاه
~~فضرب بها الكلب فقتله فاقتتلا صاحب الكلب وصاحب الهرة فبينما هم كذلك اذا
~~اقبل قرية هذا واهل قرية هذا فاقتتلوا حتى ماتوا جميعا.
وانما حدثتك بهذا الحديث ليلا تقتل ابنك لاجل جارية لا تذري اصادقة ام
~~كاذبة فلرب امر هين يكون منه شر كثير.
[14.46]
وقد بلغني عن مكر النساء وكيدهن ان رجلا بعث امراته الى السوق واعطاها
~~درهما لتشتري به روزا فاتت به الى صاحب الروز واعطته الدرهم فاكتال لها
~~الروز وقال لها: لا يصلح الروز الا بالسكر فهل عندك سكر؟
[14.47]
قالت له: لا والله لا عندي سكر.
فقال لها: هل لك ان تدخلي معي الى الدار واقضي منك وطري وانا اعطيك بدرهم سكرا؟
قالت له: نعم.
فوزن لها بدرهم سكر وربطته في ثوبها مع الروز ودخلت معه الى البيت والقت
~~الثوب في الحانوت بالروز والسكر فاتى غلام صاحب الحانوت فعمد الى ما كان في
~~الثوب وجعل مكانه ترابا وربطه كما كان.
[14.48]
فلما خرجت المراة اخذت ثوبها وهي تظن انه روز وسكر وانطلقت الى زوجها
~~فوضعت الثوب امامه ودخلت الى المخدع لكي تخرج البرمة لكي تطبخه.
ففتح الزوج ثوبها فوجد فيه التراب فقال لها: ويلك ما هذا التراب الذي جئت به؟
فعرفت في حينها انه عمل بها فاخرجت الحيلة في الحين والوقت ولم تخجل
~~واخرجت المنخلة عوضا من البرمة وقالت له: يا سيدي بينما انا امشي اذا دحتني
~~دابة وسقط الدرهم من يدي فالتمسته فلم اجده فجمعت ما كان حوله من التراب
~~فاريد ان انخله لعل الله يرده علي.
قال: فصدقها زوجها وعمد الى التراب ينخله.
[14.49]
وانما حدثتك بهذا الحديث ليلا تعمل بقول امراة لتعلم ان كيد النسا عظيم
~~ومكرهن لم يلحقه احد.
فلما سمع الملك ذلك امر بابنه الا يقتل.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
14.10 الليلة الخامسة والستون
[14.50]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك لما كان في اليوم الرابع جاءت الجارية ومعها سكينا
~~وقالت له: ايها الملك ان لم تنصفني من ابنك قتلت نفسي وارجوا ان ينصرني
~~الله على وزرايك السوء كما نصر ابن الملك على الوزير.
[14.51]
قال لها: وكيف ذلك؟
قالت:
[14.52]
زعموا ايها الملك انه كان ملكا من الملوك وكان له ولد وكان قد زوجه لابنة
~~من ملك ءاخر فبعث اليه الملك ابو الجارية ان ترسل ابنك ليكون عندي مع اهله
~~اياما ثم نحمله اليك ان شاء الله فامر الملك لابنه المشي ءاليه وبعث معه
~~وزيرا من وزرايه فانطلق الولد والوزير حتى انتهوا الى عين من الماء وقد
~~اشتد عليهم العطش وكانت هذه العين اذا شرب منها الرجل تحول امراة واذا شربت
~~منها المراة تتحول وتصير رجلا وكان الوزير قد علم ذلك ولم يعلم ابن الملك
~~بها ثم قال الوزير للفتا: قف مكانك حتى اعوذ اليك.
[14.53]
وذهب الوزير وترك ابن الملك فاشتد به العطش فشرب من العين المذكورة. فصار
~~جارية فاهتم لذلك هما شديدا وحزن.
فبينما هو كذلك حايرا اذا اتاه جني على صفة انس فقال له: من انت يا هذا؟
~~ومن اين اقبلت؟ والى اين تريد؟
فقال له ابن الملك: امري كيت وكيت.
وذكر له القصة كيف اراد ارض الملك صهره.
فخرجت مع الوزير الى هذا العين فعطشت وشربت فتحولت امراة.
[14.54]
فرق له الجني وقال له: انا اتحول مكانك جارية واعطك الذكورية حتى تذهب
~~وتدخل بزوجتك ثم تاتي وتتحول امراة كما كنت.
قال له: نعم.
فعاهده على ذلك وجعل له اجل ثم دله على الطريق فانطلق حتى اتا المدينة
~~ودخل بزوجته.
فلما مضا العهد الذي بينه وبين الجني فاقبل حتى اتاه فوجد الجني قد حمل
~~فقال له ابن الملك: كيف اتحول مكانك وانت قد حملت وكنت قد تركتك بكرا عذرا؟
واختصما على ذلك وغلبه ابن الملك.
[14.55]
ثم رجع الى منزله وزوجته واتى بها الى والده واعلمه بالخبر فامر بقتل ذلك
~~الوزير.
وكذلك انا ارجو الله ان ينصرني على وزرايك السوء فاني ان قتلت نفسي من
~~اجل من ظلمني يكون اثمي في عنقك.
فامر بابنه ان يقتله.
فجاء الوزير الرابع فامر بامساك الولد ودخل على الملك وقال له: ايها
~~الملك لا ينبغي لك ان تفعل شيئا بعجلة قبل ان تستشير فيه ليلا تندم كما ندم
~~صاحب الحمام.
قال له: وكيف ذلك؟
قال:
[14.56]
ايها الملك انه كان ملكا وكان له ابن فانطلق يوما الى الحمام ليتطهر وكان
~~غلاما سمينا لا يكاد ان يرا ذكره من سمانته فلما تجرد نظره صاحب الحمام
~~فبكا وتاسف عليه فقال له ابن الملك: ما بكاؤك؟
قال له: نظرت اليك وما ارا لك ذكر وما اظنك تستطيع اتيان النسا.
فقال له الفتا: والله ان ابي يريد ان يزوجني ولا ادري اقدر ام لا ولاكن
~~خذ هذا الدينار وانظرني امراة جميلة اجرب فيها نفسي.
[14.57]
قال: فاخذ الدينار صاحب الحمام وكانت له زوجة حسنة جميلة الصورة فقال في
~~نفسه: انا ناخذ الدينار وءاتيه بامراتي فانه لا يستطيع ان يفعل معها شيء.
قال: فاتى بها وادخلها على ابن الملك في الحمام واقبل ينظر من كوة فرءاه
~~قد وقعها وفعل معها وقضى وطره منها فلما رءا ما صنع ابن الملك بامراته دعا
~~بالويل والثبور وسار الى منزله واخذ حبلا والقاه في عنقه وشده حتى مات حسرة.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
14.11 الليلة السادسة والستون
[14.58]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم قال له الوزير: وانا نحدثك عن مكر النساء وكيدهن ما
~~سوف اخبرك به.
[14.59]
وذلك ان امراة كان لها زوج فخرج الى السفر بعد ان تعاهد معها ان لا يخون
~~احد منهما صاحبه واخبرها انه يرجع الى اجل معلوم.
فلما مضى الاجل ولم ياتي زوجها خرجت الى باب الدار لتنظر الطريق فابصرها
~~رجل فراودها عن نفسها فابت عليه.
فاتى الى عجوزة كانت جارة لها وقال لها: اني قد عشقت جارتك فلانة فهل لك
~~ان تجبري نفسي وتجمعي بيني وبينها واعطيك دينار.
[14.60]
فقالت العجوز: وانا افعل ذلك.
ثم قامت من فورها واخدت عجينا وكثرت فيه من الفلفل والشحم وخبزت منها
~~قرصة واتت الى دار المراة التي عشقها الرجل وكانت للعجوز كلبة فمشت معها
~~وتبعتها الى دار المراة وجعلت العجوز تعطيها من تلك القرصة فعجب الكلبة طعم
~~الشحم وعيناها تدمع من حرارة الفلفل فدخلت العجوز على المراة والكلبة
~~وراءها تبكي وتبصبص بذنبها فلما راتها المراة تبكي قالت للعجوز: يا محل
~~والدتي ما لي ارا هذه الكلبة تبكي؟
[14.61]
فقالت العجوز: يا ابنتي هذه الكلبة كانت جارة لنا وكانت جميلة الصورة
~~فعشقها رجلا فراودها عن نفسها فابت فدعا عليها فتحولت كلبة كما رايت فلما
~~راتني اتت تبكي وتبصبص بذنبها.
فقالت المراة: يا عجوز وانا ايضا هنا عشقني رجل راودني عن نفسي فابيت
~~عليه ولا ءامن ان يدعو علي دعوة فنتحول كلبة فان رايت ان تاتيني به ولك
~~عندي دينارا.
قالت لها العجوز كانها ما عندها علم ولا خبر: وما هو؟
قالت لها: فلان.
[14.62]
قالت لها: انا اتيك به.
فخرجت العجوز وهي تقول: هاكذا بغيتي ومرادي.
فقامت الجارية تطيبت وتعطرت وصنعت طعاما.
ثم ان العجوز طافت على الفتا فلم تجده فقالت العجوز في نفسها: انا اتيها
~~بفتا غيره ما يكون اجمل منه.
فبينما هي في طلب رجل غيره اذا اقبل زوج المراة من السفر والعجوز لم
~~تعرفه قالت: هذا والله احسن واجمل منه وهو عوض من ذلك.
[14.63]
ثم قالت له: يا فتى هل لك في طعام وشراب ووجه مليح؟
قال لها: نعم.
قالت له: انطلق معي.
فانطلقت العجوز والفتا في اثرها.
فلما رءاها توجهت نحو داره وقع في نفسه ان ذلك فعل زوجته من ورايه فلما
~~دخلت العجوز الدار دخل من ورايها فلما دخل البيت قالت له العجوز: اجلس على
~~الفراش.
[14.64]
فجلس فلما راته زوجته عرفته فاتت اليه مسرعة واخذت بلحيته وقالت له: يا
~~فاسق هذا هو العهد الذي كنت عاهدتني عليه؟ تتبع القوادات؟
فقال لها: ويلك مالي اراك على هذه الحالة؟
فقالت له: لما سمعت انك قادم استعدت لك واصلحت بيتي ثم بعثت اليك هذه
~~العجوز لتعرض عليك الفسق وانتظر هل تتبعها ام لا فرايتك اسرع ما تبعتها
~~فوالله لا اجتمعت معك ابدا.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
14.12 الليلة السابعة والستون
[14.65]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك ان المراة لما فرغت من كلامها قال لها الرجل: والله
~~لو ذهبت بي الى غير داري ما تبعتها وخشيت ان يكون ذلك فعلك طول سفري.
فلما قيل لها ذلك لطمت وجهها وشقت جيبها وقالت له: اتظن في السوء؟
ولم ترض عنه حتى اتحفها وارضاها.
وانما حدثتك بهذا الحديث لتعلم ان كيدهن عظيم.
فلما سمع بذلك امر بابنه الا يقتل.
[14.66]
فلما كان في اليوم الخامس اتت الجارية ودخلت على الملك وقالت له:
ان لم تنصفني ممن ظلمني وتاخذ لي حقا منه نقتل نفسي في هذه النار وكان
~~امام الملك نارا تتاجج ويكون اثمي في عنقك ولا ينفعوك وزراؤك السوء كما
~~انهم زعموا ايها الملك ان خنزيرا كان ياتي الى شجرة من التين فيلتقط من
~~تحتها ما يسقط من ثمرها فاتى يوما الى الشجرة كعادته فوجد في اعلا الشجرة
~~قردا فرما القرد للخنزير حبه من التين فاكلها فوجدها طيبة.
فرفع راسه ثانية فرمى له باخرى ولم يزل كذلك يرفع راسه الى ان تقطعت عروق
~~راسه ورقبته وهلك واخاف ان يقع لك ما وقع للخنزير الذي استحلى الطعام حتى
~~انكسرت رقبته.
[14.67]
فلما قالت له الجارية ذلك خاف ان تقتحم بنفسها في النار فامر بابنه ان يقتل.
فجاءه الوزير الخامس وامر بامساك الولد ودخل على الملك وقال له: ايها
~~الامير انت والحمد لله عالم وعاقل وقد تعلم انه لا ينبغي لاحد ان يعمل عملا
~~بعجلة قبل ان يتبين فيه الحق من غيره.
[14.68]
وقد سمعت ايها الملك ان رجلا كان من السلطان بمنزلة عظيمة وكان له كلب
~~بتصيد به الوحش وكان قد علمه الا يامره بشيء الا صنعه ولم يكن شيء اعز عليه
~~من كلبه فلما كان ذات يوم انطلقت امراته لتزور اهلها وكان لها ولد ثم قالت
~~لزوجها: اجلس مع ابنك حتى اعود فاني لا البث الا يسيرا.
[14.69]
فبينما الرجل جالس عند ابنه اذا اتاه رسول الملك وقال له: الملك يدعوك
~~الساعة.
فقال الرجل للكلب: احفظي ابني حتى اعوذ اليك وانظر الى الباب ليلا يدخل احد.
فبينما الكلب قاعد الى جانب الصبي اذا دخلت عليه حية سودا فاتت الى الصبي
~~لتلسعه فوثب الكلب عليها وقطع راسها فرجع الرجل الى الدار فلقيه الكلب وفمه
~~ملطخ بالدم فلما رءاه على تلك الحالة ظن انه قد اكل ابنه فضربه ضربة فقتله.
[14.70]
فلما دخل الى البيت وجد ابنه قايما ووجد الحية عند راسه مقطوعة الراس
~~فلطم وجهه وندم حيث لم ينفعه الندم.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
14.13 الليلة الثامنة والستون
[14.71]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم ان الوزير قال له:
[14.72]
وقد نحدثك ايها الملك عن مكر النساء وكيدهن ما لا يدركه.
وقد زعموا ايها الملك انه كان رجل اذا سمع بامراة جميلة الا كلمها فما
~~زال كذلك فبينما هو ذات يوم من الايام جالس اذا رءا جارية ذات جمال بارع
~~ونور ساطع فاتى الى عجوزة كانت تقضي له جميع حوايجه فاعلمها بعد ان تبع
~~الجارية وراها في اي دار دخلت فقالت له العجوز: هي امراة فلان وليس لاحد
~~فيها مطمع فلا تشغل نفسك بها.
[14.73]
قال لها: فلا بد لي منها فاعمل الحيلة ولك عندي ما تحب وترضا.
فقالت له العجوز: ان كان ولا بد فقم الى السوق واشتري من زوجها ثوب وقد
~~وصفته له.
قال: فانطلق الرجل الى زوج المراة فساومه في ردايه الذي عليه فاشتراه منه
~~واتا به الى العجوز فاخذته عنه واحرقت فيه ثلاثة حرقات وقالت للرجل: اجلس
~~في هذا البيت ولا يراك احد حتى اتي اليك.
ثم اخذت الردا وطوته ومرت به الى دار المراة زوج التاجر فنقرت الباب
~~فقالت المراة: من؟
[14.74]
قالت لها العجوز: افتحي.
ففتحت لها الباب فدخلت فسلمت على الجارية وقالت لها: يا ابنتي ان وقت
~~الصلاة قد حن واريد ان نتوضا عندك فاتيني بالماء.
فقامت الجارية لتاتيها بالماء للوضوء فاخذت الردا من فورها والقته تحت
~~مسند المراة في فراش التاجر والمراة لا تعلم بذلك ثم توضات وانصرفت.
[14.75]
قال: فاتى الرجل من السوق واوى الى فراشه فتحسس شيء تحت الوسادة فرفعها
~~لينظر ما تحتها فاذا هو رداءه الذي اشتراه الرجل فظن انه خليل زوجته وانه
~~نساه عندها فضربها ضربا شديدا ولم يخبرها بشيئ.
ثم خرج الى حانوته وخرجت المراة الى اهلها غضبانة لا تدري على ماذا ضربها
~~زوجها فجلست عند اهلها الى اليل ثم رجعت الى منزلها فسمعت بذلك العجوز فلما
~~كان في اليوم الثاني اتتها العجوز المذكورة الى منزلها وتوضات عندها وقالت
~~لها: يا ابنتي ما خبرك واراك مغيرة؟
فقصت عليها القصة وقالت: والله لا اعلم لنفسي جنيت ولا اذنبت.
[14.76]
فقالت لها العجوز: ما هو الا عمل بينكما فهل لك في امر اعرضه عليك؟
قالت لها: وما هو يا سيدتي؟
قالت لها: عندي رجل ما رايت اعلم منه فهل لك ان تسيري معي اليه وتسئله
~~لعله ينفعك بشيء من علمه ويكتب لك ما يصلح بينكما ذالك الغضب؟
قالت الجارية: نعم.
[14.77]
فقامت الجارية ولبست افخر ثيابها وخرجت مع العجوز حتى ادخلتها على الرجل
~~الذي اشترا الردا من زوجها.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
14.14 الليلة التاسعة والستين
[14.78]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك انها لما دخلت عليه قام اليها وعنقها ووقع عليها
~~فاستحت ان تصيح فسكتت حتى قضى حاجته ثم قال لها: انا اصلح بينكما ونكتب لك
~~حرز محبة.
ثم كتب لها حرزا ودفعه اليها فشكرته وقامت وخرجت الى منزلها ثم قال الرجل
~~للعجوز: قد احسنت فيما فعلت الي غير انك افسدت على المراة زوجها.
[14.79]
فقالت له العجوز: لا يهم لك ذلك فاني اصلح بينهما كما فسدت.
فقالت له: انطلق انت من حينك وتعرض لزوجها في الطريق فانه يسئلك عن الثوب
~~الذي اشتريته منه فقل له: جلست قرب نار فاحترق في ثلاثة حرقات فاعطيته
~~لعجوزة اعرفها جارة لنا لتحمله الى الرفاي وليس ادري ما فعلت به ولا رايتها
~~فاذا انا حائظرة عليكما فاذا رايتني فارم يدك في وقل هذه العجوزة الذي
~~اعطيتها الردا واسئلني عنه فسوف اكفيك ذالك.
ثم انطلق الرجل كما امرته العجوز حتى اتا التاجر زوج المراة فتعرض اليه
~~وسئله عن الثوب فقال له بالذي اوصته العجوز.
[14.80]
فبينما هما يتحدثان واذا بالعجوز قد حضرت فصاحها وقال له: هذه العجوز.
فسالها التاجر عن الثوب فقالت له: ان هذا الرجل دفع الي ثوبا لاعطيه الى
~~الرفاي وانا مررت على دار ما كنت اعرفها فدخلت برسم الوضوء ووضعت الثوب تحت
~~المسند فلما توضيت نسيت الثوب وخرجت فلما تدكرت انتلفت علي الدار ولا ادري
~~اين هي.
فقال التاجر: لقد لقينا من ثوبكما تعب ونكد يا عجوز داري الذي نسيت فيها الثوب.
[14.81]
ثم دفع اليها الثوب وانطلق الرجل الى امراته فصالحها وارضا عنها بعد ان
~~وصف لها الخبر فقالت له: كذلك كان.
وانما حدثتك بهذا الحديث لتعلم ان كيد النساء عظيم.
فلما سمع الملك ذلك امر بابنه الا يقتل.
فجاءت الجارية في اليوم السادس وبيدها سم وقالت: ايها الملك ان وزرايك
~~السوء امهلوك وارجوا ان ينصرني الله عليهم كما نصر اللص.
فقال لها: وكيف ذلك؟
قالت:
[14.82]
زعموا ايها الملك ان رفقة عظيمة مرت بقرية فنزلوا بها وكان بالقرية لصوص
~~فهاجت عليهم ريح ومطر فقالوا اهل القرية لاهل الرفقة: ظموا حوايجكم ودوابكم
~~واحرسوا انفسكم ليلا تسرقوا.
فلما جن اليل اتا اسد ودخل بين الدواب من شدة البرد والمطر فاتى بعض
~~اللصوص الى الدواب ليسرق دابة فجعل يجس مثوا الدواب فلم يجد دابة اغلظ من
~~الاسد ولا احسن وهو لا يشعر به من شدة الظلام فاخذ اللص الاسد وركب عليه
~~وشد في ركوبه.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
14.15 الليلة الموفي سبعون
[14.83]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم ان اللص لما ركب الاسد قال الاسد في نفسه: هذا هو
~~الحرس الذي كانوا يذكرون اهل القرية فهرب الاسد اللص وكل واحد يفزع من
~~صاحبه حتى اصبح الله بالصباح فجاء به الاسد الى شجرة عظيمة فتعلق اللص ببعض
~~اغصانها ومر الاسد هاربا.
فلقيه قردا فقال: ما لك يابا الحارث مدعورا؟
فقال له: اخذني في هذه الليلة الحرس وجراني حتى اصبح الله بالصباح.
فقال له القرد: واين هو الحرس يا ابا الحارث؟
[14.84]
قال له: في تلك الشجرة.
فقام الاسد مكانه ينتظر ما يصنع القرد فذهب القرد حتى اتا الشجرة فلما
~~رءا الرجل اعلاها صعد اليه وطلع فوق راسه واشار الى الاسد فاقبل الاسد يمشي
~~حتى قرب من الشجرة وكان للقرد خصيتان طويلتان قد نزلتا على راس اللص
~~فاخذهما وشد عليهما بيده فصاح القرد وغشي عليه حتى مات فاخذه اللص ورماه
~~للاسد فلما رءا الاسد القرد ميتا هرب الاسد بنفسه وهو يقول: والله لقد لقيت
~~الحرس وقد قتل القرد.
فنزل اللص ونجا من الاسد.
[14.85]
وانا ارجوا الله ان ينصرني على وزرايك السوء كما نصر اللص على القرد الذي
~~اراد هلاكه.
ثم اخرجت سما وقالت له: انا اشرب هذا السم ويكون اثمي في عنقك ان لم
~~تنصفني من ابنك الذي ظلمني. فامر بابنه ان يقتل.
ثم جاءه الوزير السادس وامر بامساك الغلام ودخل على الملك وقال له: ايها
~~الملك لو لم يكن لك ولد كان ينبغي لك ان تسئل الله ان يرزقك ولدا فكيف تامر
~~بقتله وليس لك غيره من قول امراة وقد علمت ان قول النساء بهتان ولا تدري
~~صادقة هي ام كاذبة.
[14.86]
كما زعموا ان صيادا اتا بسمكة الى بعض الملوك فاعجبته فامر له فيها
~~باربعة ءالاف درهم في سمكة واحدة فقالت له زوجته: ما فعلت شيئا امرت لصياد
~~باربعة ءالاف درهم في سمكة واحدة؟
قال لها: ما اصنع وانا قد امرت له بذالك ولا يستقيم لمثلي ان يرجع فيما
~~امر به.
فقالت له: اذا جاء في غدا فقل له السمكة التي اتيتني بها ذكر هي ام انثى؟
~~فان قال انثى قل له لا يقع بصري عليك حتى تاتيني بالذكر وان قال لك ذكر قل
~~له ايتني بالانثى.
فلما كان في اليوم الثاني جاء الصياد الى الملك فساله كما قالت له
~~الجارية قال الصياد: اصلح الله الامير انها كانت خنثا لا هي ذكر ولا هي انثى.
[14.87]
قال: فضحك الملك وامر له باربعة ءالاف درهم.
فلما خرج الصياد بالدراهيم سقط له درهم منه في القصر فابا ان يتركه فرفده
~~من الارض فنظرت اليه امراة الملك فقالت: ما رايت اقل حياء من هذا الصياد
~~سقط له درهم واحد من عدد كثيرة فابا ان يتركه لاحد اعواننا.
فاخبرت الملك بذالك ورغبته في رد الدراهيم من الصياد فاحضره بين يديه
~~وقال له: ما الاحسان فيك سقط لك درهم واحد من عدد كثيرة في قصرنا ولم تتركه.
قال له الصياد: اعز الله الملك رايت في الدرهم مكتوب اسمك الكريم فرفعته
~~من الارض اجلالا لك ليلا تطاه الاقدام.
[14.88]
فامر له باربعة ءالاف درهم اخرى وكتب على باب المدينة:
قلوا من مطاوعة النساء فانها من العدم.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
14.16 الليلة الواحدة والسبعون
[14.89]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم قال الوزير: اعز الله الملك وقد بلغني عن مكر النساء
~~وكيدهن ما سوف اخبرك به.
[14.90]
كما زعموا ايها الملك ان رجلا كان له زرع فبينما الرجل في زرعه اذا صنعت
~~له امراته طعاما من حمص ودجاج وجعلته في سلة وحملته الى زوجها.
[14.91]
فلما كانت في بعض الطريق عرضوا لها اللصوص فاخذوها وحملوها الى موضعهم
~~ووقعواها واحد بعد واحد ثم اخذ بعضهم ما كان في السلة من الحمص وصنع منه
~~مثل الفيل ورده الى السلة كما كان ولم يزالوا ياتونها حتى اتوا عن ءاخرهم
~~ثم تركوها فاخذت السلة وهي لا تعلم ما صنعوا فيها فانطلقت الى زوجها فقال
~~لها: ما جاء بك؟
فوضعت بين يديه السلة فلما كشفها وجد فيها مثل فيل من الحمص فاخرجه من
~~السلة وقال لها: ويحك ما هذا؟
[14.92]
فلما راته علمت انه صنع اللصوص فقالت من مكرها وكيدها: رايت في المنام ان
~~فيلا يطاك فسئلت عنه بعض المعبرين فامرني ان اصنع لك فيلا من الحمص واطعمه لك.
فشكرها زوجها على ذلك وظن انها صادقة في قولها واقبل ياكل.
وانما حدثتك بهذا الحديث ايها الملك لتعلم ان كيد النساء عظيم.
فلما سمع الملك ذالك امر بابنه الا يقتل.
[14.93]
فلما كان اليوم السابع قالت الجارية في نفسها: ان لم يقتل في هذا اليوم
~~فيتكلم في غدا ويصير الي القتل فانا اقتل نفسي قبل ان يتكلم.
فعمدت الى ما كان عندها من المال فتصدقت به على المساكين وامرت بحطب كثير
~~فجمع لها فقعدت عليه وامرت ان يشعلوا النار في الحطب فلما سمع الملك بذلك
~~قال: ادركوها قبل فوت الامر.
فامر بابنه ان يقتل.
فجاء الوزير السابع وامر بامساك الولد ودخل على الملك فقال: ايها الملك
~~اتقتل ابنك بقول امراة لا تدري اصادقة ام كاذبة؟ وليس لعاقل ان يعمل بعمل
~~النساء.
[14.94]
وقد زعموا ايها الملك ان رجلا كان له تابعا من الجن فكان اذا اراد شيئا
~~اخبره فلما كان يوما من الايام قال له تابعه: اني منطلق عليك ولاكن اعلمك
~~ثلاثة دعوات لا تسئل به شيئا الا اعطاك ثم علمه الدعوات.
ثم انطلق الى امراته وهو مغموم حزين فقالت له: ما الخبر؟
قال لها: اتفق لي كيت وكيت وعلمني ثلاثة دعوات.
[14.95]
فقالت له المراة: فيهن البركة.
ثم قال لها:
فما تريد ان اسئل الله تعلى؟
قالت له: ان الرجال ليس لهم هم الا النساء ولاكن اسئل الله تعلى ان يملا
~~جسدك ايور.
قال: فسئل فاستجيب له.
فلما رءا ذلك ندم فقالت له امراته: لا تحزن فقد بقا لك دعوتين فسئل الله
~~بالدعوة الثانية ان يذهبوا عنك جميعا.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام .
14.17 الليلة الثانية والسبعون
[14.96]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم قالت له زوجته: اسئل الله تعلى بالدعوة الثانية ان
~~يذهبوا عنك جميعا.
قال: فسئل الله فيذهبوا كلهم ولم يبقا له ذكر فندم فقالت له: بقيت لك
~~دعوة واحدة فاسئل الله تعلى ان يرجع لك الاول ولو معوجا.
قال: فسئل فرجع معوجا محنيا وذهبت دعواه باطلة وهذا كله من طاعة النساء.
وقد بلغني ايها الملك عن مكر النساء وكيدهن ما سوف اخبرك به:
[14.97]
وذلك ان رجلا كان يبحث عن مكر النساء وكيدهن فخرج في طلب ذلك حتى انتهى
~~الى قرية فقيل له: انك لن تصل الى ذالك حتى ترقد على الرماد اربعين صباحا
~~وتاكل خبز الشعير بلا ملح.
ففعل ذلك.
وكان يكتب جميع ما يسئله من كيد النساء حتى جمع كتابا من ذالك.
فلما رجع الى بلاده صدف قرية في الطريق فوجد رجلا من اهل القرية قد صنع
~~طعاما لوليمة فدعا اهل القرية فدخل الرجل في جملة الناس فلما رءاه صاحب
~~الدار قال له: من انت يا هذا؟
[14.98]
قال له: عابر سبيل اتيت من ارض الفلانية في طلب كذا وكذا ورقدت على
~~الرماد اربعين صباحا واكلت خبز الشعير بلا ملح.
فلما سمع ذلك صاحب المنزل شفق عليه واخذه بيده وادخله على امراته واعلمها
~~بخبره وامرها ان تطعمه من صفو المرق وما يلين دماغه ويرطب اعضاؤه وعروقه.
ثم ان المراة سالته ما عنده من العلم فاخبرها انه قد عرف مكر النساء
~~وكيدهن وقد جمع من ذلك كتابا فعرفت المراة انه احمق من نفسه فاجلسته وجعلت
~~تطعمه وتسقيه ثم قالت له: لا ينبغي لامراة ان تكتم خبرها عنك لما تعرفه من
~~كيدهن ومكرهن واني اعلمك ان زوجي لم يدخل علي مند سنين ولا اطاءني فان رايت
~~ان تتقدم وتقضي حاجتك مني ونقضي حاجتي منك فافعل.
[14.99]
فقال: نعم.
ثم قام اليها فلما استوى على صدرها وهم بها صاحت صيحة عظيمة ونفضته
~~برجلها فاستوى جالسا وهو على سياق الموت وقد ذهب عقله واختلف ذهنه وارتعدت
~~فرايصه.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
14.18 الليلة الثالثة والسبعون
[14.100]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم ان الرجل لما صاحت عليه المراة اجتمعوا عليها اهل
~~القرية وقالوا لها: ما شانك؟
[14.101]
قالت لهم: ان هذا الرجل قدمت له طعاما فاخذ لقمة لياكلها فاختنق بها
~~وبرزت عيناه فخشيت ان يموت بين يدي فصحت عليكم.
فنظروا اليه فراوه باهتا فقالوا له: تداركوه بالماء.
وانصرفوا عنها وتركوه عندها.
فقالت له: كيف رايت؟ اين كتبت هذا في كتابك؟
قال لها: لا والله.
[14.102]
قال: فخرج الرجل من عندها واخذ كتابه واحرقه وعلم ان مكر النساء امرا لا
~~يبلغه احدا وانما حدثتك بهذا الحديث ايها الملك ليلا تغتر بقول امراة فتقتل ابنك.
فلما سمع الملك ذلك امر بابنه الا يقتل.
قال: فلما كان في اليوم الثامن عند طلوع الشمس قال الغلام: هذا يوم
~~المعاد الذي ياتي فيه معلمي وقد تكلموا الوزراء في هذه الايام فينبغي ان
~~اشكرهم على ما فعلوا قبل ان تاتي هذه العدوة الى ابي فيامر بقتلي.
[14.103]
قال: فدعا بجارية التي كانت تخدمه في تلك الايام السبعة وقال لها: سيري
~~الى الوزير الاكبر وادعيه الي.
فلما سمعت الجارية كلام ابن الملك فرحت وخرجت من ساعتها حتى اتت الى
~~الوزير الاكبر ودخلت عليه وهو في قصره واخبرته ان ابن الملك قد تكلم وهو
~~يدعوه فانطلق الوزير حافيا حتى دخل على ابن الملك وسلم عليه ثم انه اخبره
~~بالذي منعه من الكلام وقال له: الحمد لله الذي نجاني على ايديكم من القتل
~~فلا ازال لكم شاكر ولنعمة ربي ذاكر وان بلغني الله املي سوف ترون ما اصنع
~~معكم من الخير ونريد منك ان تسير الى ابي وتخبره باني تكلمت قبل ان تقدم
~~عليه عدوة الله فيامر بقتلي.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
14.19 الليلة الرابعة والسبعون
[14.104]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم ان الوزير الاكبر انطلق حتى دخل على الملك واعلمه ان
~~ابنه قد تكلم فقال له: علي به الساعة.
فخرج الوزير وخادم الملك ثم اتوا به الى ابيه فلما دخل على الملك عانقه
~~وصفحه ثم قبله بين عينيه وبكيا جميعا ثم قال له: يا ابني ما الذي منعك من
~~الكلام في هذه السبعة ايام الذي اردت فيها قتلك؟
[14.105]
فقال له: اصلح الله الملك وصيت معلمي ان لا نتكلم في هذه الايام فكلمتني
~~هذه الجارية بكلام غاظني وانساني وصية معلمي فقلت لها: منعت من الكلام في
~~هذه السبعة ايام فلما علمت ذلك لم يكن لها هم الا قتلي قبل ان نتكلم
~~فافضحها ولاكن ان اراد الملك ان يجمع الفقهاء ويكون كلامنا على رءوسهم.
فلما سمع الملك ذالك الكلام من ابنه فرح فرحا شديدا وقال: الحمد لله الذي
~~من علي بك ولم اقتلك.
ثم جاء المعلم سندباد بين يدي الملك وسلم عليه فقال له الملك: اين كنت في
~~هذا الايام الذي اردت فيها قتل ابني من اجل وصيتك؟
[14.106]
قال له المعلم: انت والحمد لله عاقل ولا ينبغي لعاقل ان يعمل عملا بعجلة.
فقال الملك: الحمد لله الذي رحمني ولم اقتل ابني ظلما ولاكن اخبروني على
~~من يكن الذنب لو قتلته؟ هل من قبل المعلم؟ او من قبل الجارية؟ او من قبلي؟
~~او من قبل المنجم الذي رءا في نجمه انه لا يتكلم سبعة ايام فلم يعلمني بذلك؟
قال له احد العلماء: ايها الملك ليس قبل المعلم ذنب لان الملك شرط له
~~بذالك فلم يمكنه ان يوخر ساعة بعد شرطه لاكن الذنب على الملك الذي امر بقتل
~~ابنه كل يوم لاجل امراة لا يدري اصادقة ام كاذبة.
[14.107]
ثم قام عالم ءاخر وقال: ليس للملك ذنب ولاكن الذنب للمعلم الذي لم يات مع
~~الولد ويخبر الملك بالذي رءا في نجمه فيترك الولد حتى تتم السبعة ايام.
ثم قام عالم ءاخر وقال: ليس للمعلم ذنب وانما الذنب للجارية التي رمت
~~الولد بالبهتان وارادت قتله دون سبب.
[14.108]
فقال العالم الثاني: ليس قبل الملك ذنب فاني اخبرت ليس في الارض فتنة الا
~~وسببها النساء وليس في الارض عود ابرد من الصندل والكافور وهما اذا حك
~~احدهما على الاخر خرجت منهما نار.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
14.20 الليلة الخامسة والسبعون
[14.109]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي لما فرغ العالم من كلامه ثم قال سندباد: اعلم ايها الملك
~~ما خبيتت على ابنك شيئ من العلم الا علمته اياه ولا اعلم في الارض احدا
~~اعلم منه فاحمد الله ايها الملك.
فقال الملك لابنه: ما تقول انت؟
قال: ان شر الناس اقلهم شكرا وليس ينبغي لاحد ان يعمل الا خيرا واعوذ
~~بالله ان اقول ان معلمي لم يجتهد في تعليمي فانا لله حامد ولمعلمي شاكر.
[14.110]
فلما سمع الملك ذلك حمد الله واثنى عليه ثم امر بالجارية التي كذبت عليه
~~فاحضرت بين يديه فقال لها: ما اردت وما الذي حملك على ما صنعت؟
قالت: اصلح الله الامير قد علمت ان ليس للانسان اعز من نفسه وانما قلت
~~للغلام لانطقه بذالك فلما رايت انه غضب غضبا شديدا خفت على نفسي من القتل
~~وتمكن الشيطن من قلبي واني مقرة بذنبي.
فامر الملك باطلاقها وعفا عنها ثم امر للمعلم سندباد بمال كثير وتحف
~~للوزرا كذالك وبقا في الذ عيش حتى اتاهم اليقين والحمد لله رب العالمين.
15 حديث الملك والثعبان
15.1
[15.1]
ثم قالت: زعموا ايها الملك انه كان في الزمان الاول ملكا وكانت له ابل وغنم وبقر وكانت له رمكة لم يكن في ذالك الزمان املح منها وكان لها فصيل مليح وكان ذالك الفصيل يدور بتلك الاغنام والابقار فكان الملك يحبه حبا شديدا وكان اذا اراد النزاهة يخرج راكبا على رمكته وينظر الى الفصيل وحسنه ولا يقدر احدا ان يتجرا على تلك الاغنام والابقار مخافة من الفصيل.
[15.2]
فلما كان يوم من الايام هاج الفصيل وهرب الى البرية فتبعته تلك الاغنام والابقار والابل. فلما رءا الملك ذلك ركب في بني عمه وجيشه وكانوا نحو من اربعين الف فارس فلم يلحقوا من الفصيل الا الغبار.
فرجع الملك الى الحي وهو مهموم فنادى في قبايل العرب: من ياتيني بخبر الفصيل اعطيته الف وقية من الذهب الاحمر والف ناقة.
فبقا كذلك مدة لم يوجد له خبر ولا وقع له على اثر.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
15.2 الليلة السادسة والسبعون
[15.3]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذالك انه لما كان يوم من الايام اذا رجلين قد اقبلا الى
~~الملك فسلم سلاما بالغا فقال لهما الملك: ما جاء بكما؟
فقالا له: ءاتيناك بخبر فصيلك وانعامك.
قال لهما: واين رايتهم؟
قالا: في جبل الثعبان وهو جبل كثير الاشجار والثمار وجميع بهايمك معه وهو
~~يدور بهم ويحرسهم وقد هلك الحرث والنسل.
[15.4]
فقال لهما: ان كان ما تقولان حقا فلكما عندي ما شرطت على نفسي.
قالا له: نسير معك على شرط.
قال لهما: وما هو الشرط؟
قالا له: اذا قربنا من الجبل اريناك فصيلك ورجعنا عنك.
فقال لهما: نعم.
[15.5]
ثم ان الملك دفع لهما ما شرط على نفسه وركب رمكته واخذ قناته بيده وسار
~~معهما حتى وصل الى الجبل المذكور فقالا له: ان فصيلك خلف هذا الجبل.
ثم انصرفا عنه فلما قرب منه الملك ابصر فصيله والماشية حوله فصاح الملك
~~وصهلت رمكته من تحته فلما سمع الفصيل صياحهما اقبل الى الملك فاتح فاه
~~وعيناه تبرقا فلما قرب من الملك حمل عليه واراد ان يهلكه فهرب الملك منه
~~والفصيل في اثره فما زال كذلك الى نصف النهار وقد ايقن الملك بالهلاك.
فوقعت به الرمكة في قعر مطمورة فسقط الملك الى ناحية مغشيا عليه فلما
~~افاق نظر نفسه في المطمورة وامام الرمكة ثعبان عظيم والفصيل على فم
~~المطمورة وهو يصيح واللعاب ينحدر من فمه فرفع الثعبان راسه ونظر الى الفصيل
~~ونظر الى الملك فشق ذلك عليه ولسع الفصيل بين عينيه فاذا بالفصيل قد سقط
~~ميتا ورجع الى مكانه ورما بالرمكة على حاشية المطمورة.
[15.6]
ثم مد ذنبه الى الملك ورماه كذلك فوقع الملك مغشيا عليه.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
15.3 الليلة السابعة والسبعون
[15.7]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذالك انه لما افاق من غشيته حمد الله تعلى واثنى عليه
~~وركب رمكته واخذ ماشيته وسار يريد بلده وجماعته.
فلما مشا مقدار ثلاثة اميال اذا نظر الى غبار طالع وعجاج لامع والغبار
~~كلما قرب يزداد ترادف الى ان ضربته الرياح فانقشع عن عشرة فوارس كالليوث
~~العوابس قد ارخوا الاعنة وفرقوا الاسنة ومن خلفهم عشرة نجايب وعليها اقفاص
~~الحديد فاقبلوا على الملك وسلموا عليه.
[15.8]
وقالوا له: يا اخ العرب من اين اقبلت والى اين تريد؟
قال لهم: اقبلت من هذه البرية هربت لي هذه الماشية فخرجت في طلبها.
فقالوا له: انك تعرف بهذه الارض اكثر منا فعسى تعرفنا بموضع الصيد.
فقال لهم الملك: وما صيدكم؟
قالوا له: التعابين والحيات العظام.
قال لهم الملك: كم تعطوني وانا ادلكم على ثعبان ما رايت مثله قط ولا اعظم منه.
قالوا له: نعطوك الف دينار.
قال : لست ارضا بها.
[15.9]
فما زالوا يزيدونه الى ان وصلوه خمسة ءالاف دينار ثم قبضها منهم وانصرف
~~معهم حتى وصل الى المطمورة فقال لهم: شانكم واياه.
فقالوا له: احضر معنا تتنزه في صيدنا.
ثم اقبل احدهم ونظر الى الثعبان فقال لهم: هذا هو المرغوب.
قال: فاناخوا الاباعر ونزلوا الاقفاص ونصبوا الكلاليب واخرجوا ازقة مملوة
~~بدهن وتدهنوا به من اولهم الى ءاخرهم ثم نزل احدهم الى الثعبان واذا
~~بالثعبان قد نظر اليه ولحسه بلسانه فلم يجد فيه لمعة يلسعه فيها فربطوه
~~بالسلاسل وهو يلسع فيهم فلم يجد فيهم موضعا دون دهن فلما استوثق منه صعد
~~الى اصحابه ثم نصب الاقفاص وتعاونوا عليه حتى حطوه في القفص واطبقوا عليه.
فنظر الثعبان الى الملك الذي خلصه من الفصيل فاطال النظر فيه فعند ذلك
~~ندم الملك على ما صنع.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
15.4 الليلة الثامنة والسبعون
[15.10]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم انهم باتوا تلك الليلة والملك لم ينام.
فلما اصبح الله بخير الصباح رحلوا القوم والملك معهم ومشوا الى نصف
~~النهار وقد اشتد عليهم حر الشمس وحان وقت المقيل فاووا الى شجرة ونزلوا
~~تحتها للظل بعدما نزلوا القفص والثعبان ينظر الى الملك فلما استقر بهم
~~النزول ناموا القوم عن ءاخرهم وبقا الملك لم ينم من شدة الندم على الثعبان
~~ثم تفكر في نفسه ودبر برايه على ان يسرح الثعبان من القفص فعزم على ذلك
~~الراي فقام الى القفص ورفع المطبق فلما رءا الثعبان المطبق قد ارتفع زج زجة
~~كانها السهم من كبد القوس ثم رجع الى القوم فقتلهم عن ءاخرهم ثم رجع الى
~~الملك كانه شعلة نار فنظر في وجهه نظرة وحمل عليه حملة منكرة ونفخ في وجهه
~~نخفة فغشي عليه ثم سار الثعبان في البرية.
[15.11]
فقام الملك من غشيته وقد اسود وجهه فجمع ما كان من ءاتات القوم وجعله على
~~الابل وجمع مواشيه ثم ركب رمكته وسار الى حال سبيله.
فلما اشرف على الحي بتلك الاغنام والابقار والابل والدواب خرجوا اليه من
~~الحي مقدار ستة الاف فارس مدرعون وهم ظنوا انه عدو قد اتاهم فلما قربوا منه
~~قالوا له: ايها العبد من اين لك هذه المواشي؟ واين صاحب هذه الرمكة؟ وما
~~اظنك الا قتلته وهم لم يعرفوه لما تغير وجهه بالسواد.
قال لهم: والله ما انا عبد وما انا الا فلان بن فلان الملك.
قالوا: تتحيل علينا وتكذب وقد كان فلان احسن الناس صورة
فقال لهم: والله انا فلان الملك واولادي فلان وفلان.
فلما سمعوا القوم ذلك منه صدقوه فاجتمعوا اليه نحو من اربعين الف فارس ما
~~بين مدرع ولابس ووقعت الصيحة بوصوله فاقبلت اليه العرب من كل جانب ومكان
~~وتقدموا اليه بنوه وسلموا عليه وسالوه عن امره فاخبرهم بما جرا له مع
~~الفصيل وما اتفق له مع الثعبان وكيف سرحه وكيف قتل العشرة فرسان وقص عليه
~~القصة من اولها الى ءاخرها.
قال: فتعجبوا من حديثه.
[15.12]
ثم عطف عليهم وقال لهم: ما ترون في هذا الامر الذي اصابني؟
فقام اليه شيخ من العرب وقال له: اليس لك ولدان؟
قال: نعم.
قال له: ابعث واحدا ياخذ لك بالثار ويقتل الثعبان والاخر ياتيك بالدوا.
قال: نعم .
ثم دعا باولاده واعلمهم بالخبر قالا: نعم.
فدفع لهما جوادان وما يصلح لهما من الزاد وتودع منهما وصارا يقطعان الارض
~~بالطول والعرض والرفع والخفض في طلب الدوا حتى وصلوا الى حي من احياء العرب
~~يموج قاطنه ويرتج بساكنه فلا يسمع فيه الا رغى المطايا وكلام العبيد وصهيل
~~الخيل وصواح الديكة ونباح الكلاب والخيل تسرح والبغال تمرح والصوارم معلقة
~~والاقواس مفرقة والاتراس مزوقة اكثر مما يعد واجل ما يحد.
[15.13]
فلما قربوا من الحي خرج اليهما اهله وسالهما عن حالهما.
قالا لهم: نحن اولاد الملك فلان.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
15.5 الليلة التاسعة والسبعون
[15.14]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم ان اهل الحي اتوا الى الملك فاخبروه فامر بنزولهما
~~واكرامهما ثم انه احضرهما بين يديه وقال لهما: ما الذي اخرجكما من ارضكما
~~واوطانكما ومن عند ابيكما؟
فاعلماه بالخبر فقال لهما: ابيكما قد كبر سنه وقل عقله ولاكن اجلسا عندي
~~حتى نبعث اليه في امركما.
فقال الاكبر: هادا راي رشيد.
فقال له الصغير: والله لا ارجع الى ابي حتى اتيه بما طلب علي.
[15.15]
قال: فترك اخاه في الحي مع الملك وركب جواده وسار في البرية وحده حتى
~~اشرف على ارض مليحة كثيرة النبات والاشجار وفي وسطها صمعة من النحاس وفي
~~اعلاها طاوس باجنحة ملونة قد صنعته الفلاسفة المتقدمون.
فلما قرب من الصومعة صاح الطاوس صيحة عظيمة فانفتح باب الصومعة وخرج منها
~~شيخ كبير قد انحنا ظهره مما اتى عليه من السنين فسلم ابن الملك عليه فقال
~~له الشيخ: من انت الذي دخلت موضعا لم يدخله احد قط؟
فقال له: يا سيدي امري غريب وخبري عجيب وذلك اني خرجت في طلب دواء
~~لوالدي.
فقال له: وما دواءه؟
فاعلمه الفتى بالخبر فقال له الشيخ:
[15.16]
يا بني هذا الدواء الذي طلب هو في قصر اليواقيت. وتعمر هذا القصر جارية
~~نصفها جنية ونصفها انسية لان ابيها من الجن وامها من الانس وليس على قرار
~~الارض اجمل منها واسمها شمس التعابين ابنة سريفان ابن شعنا بن ابليس الاكبر
~~تنام سبعة ايام في كل شهر ولا تخرج من قصرها ولا يراها احد وتنام نوما
~~ثقيلا وفي قصرها قبة من الديباج الملون قد قامت على قضبان الذهب وهي بين
~~شجرتين يوخذ من الشجرة التي على اليمين ويهرس ورقها مع اللبن ويطلا به
~~الكلف والنميش الذي في الوجه طليه واحدة فيعود اجمل ما كان اول مرة والشجرة
~~الثانية ورقها ايضا ينفع للجذام والبرص والخراج ويصنع بالورق كما يصنع
~~بالورق الاول ولاكن يا بني كيف الوصول اليها والى قبتها وقد خفا امرها على
~~الفلاسفة والحكما ولا يقدر عليها احد والسما اقرب اليك منها ومن الوصول اليها.
فقال له ابن الملك: وحق من رفع السماء بغير عمد وبسط الارض على ماء جمد
~~ما يردني عنها احد ان شاء الله تعلى ويفعل الله معي ما يشاء.
[15.17]
فقال له الشيخ: يا ابني انا رجل من الرهبان ساكن في هذا المكان ولاكن يا
~~ابني اذا عزمت فتوكل على الله.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
15.6 الليلة الثمانون
[15.18]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذالك انه لما قال الراهب لابن الملك: اذا عزمت فتوكل على الله.
ثم دفع اليه ما يحتاج من الزاد ودله على الطريق وتودع منه وانصرف الفتا
~~من عند الراهب وسار يقطع الارض بالطول والعرض مدة من سبعة ايام فلما كان في
~~اليوم الثامن اذا اشرف على ارض مليحة البيضا يفوح نسيمها طولا وعرضا يشقها
~~واد خضير نظير كان المسك من حافته ينتشر كثير الثمار والاشجار غزير المياه
~~والاطيار حشيشها الورد والزعفران حسن الازهار وبديع الانوار مثل الورد
~~وبنفسج وسوسان وكالشقيق والياسمين الرقيق فاشجاره باسقات واطياره ناطقات
~~مثل البلبل والكروان وام الحسن تغرد من كل جانب ومكان وعلى شاطى الواد قصر
~~مشيد بناؤه جديد واركانه حديد قد ارتفع من التراب وتعلق بعنان السماء
~~شرافاته ساطعة وابوابه مانعة.
[15.19]
فلما رءا ابن الملك ذلك عبر الواد وحاز ومشى حتى قرب من القصر واذا عند
~~بابه قبر هايل كبير قد امتحت اثاره وتغيرت احجاره ولم تبقا الا رسومه وعند
~~راسه لوح من الرخام عليه مكتوب هذه الابيات:
انظر الاطلال كيف تغيرت
من بعد ساكنها وكيف تنكرت
سحب البلا اذيله برسومها
فتساقطت احجارها وتكسرت
ومضت جميع اهلها بسبيلهم
فتغيرت ءاثارهم وتسترت
لما نظرت مفكرا الى ديارهم
طلقت جفوني دمعها وتحدرت
لو كنت تعقل ما لقيت من البكا
حسبي هناك ومقلتي ما ابصرت
قال: فلما قرا الابيات اتى الى باب القصر فوجده مفتوحا فضرب يده على قايم
~~سيفه وجرده من غمده بعدما عقل جواده ودخل القصر من فصيل الى فصيل حتى لاح
~~له الضيا عن سحن قصر ما رات العيون مثله فتامله فاذا في وسطه قبة من
~~الديباج مرصع بالذهب الوهاج وفي اعلاها هلال من الذهب فيه حجر ياقوتة تكاد
~~تخطف الابصار وعن يمين القبة شجرة وعن يسارها شجرة ايضا كما وصف له الشيخ
~~الراهب.
[15.20]
قال: فاتى الى القبة ودخل فيها فوجد قبرا من الزمرد الاخضر وعند راس
~~القبر لوح من الذهب الاحمر فيه مكتوب هذا البيت:
ليس ملك الذي يموت ملكا
انما الملك ملك من لا يموت
قال: فلما قرا البيت خرج من القبة ومشا في القصر فلم يجد احدا فبقا
~~متعجبا فنظر الى مجلس عظيم قد علت حيطانه وشيدت اركانه وعليه ستور من
~~الحرير فدخل لذلك المجلس فوجد عاليه منقوش وسافله مفروش وفي صدره سرير عليه
~~قبة من الشقيق الابيض وعليها شبكة حرير مجوهر.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
15.7 الليلة الحادية والثمانون
[15.21]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم ان الفتا رفع اطناب القبة فوجد فيها سرير قد قام على
~~اعمدة الذهب منجم باحجار الياقوت وعليه شخص نايم وعليه رداء نسجها ذهب فرفع
~~ابن الملك الردا فرءا جارية كانها البدر المنير كاملة الاوصاف والدلال على
~~خديها كما قال فيها الشاعر:
تنزه بعينك في وجهها
ترا صنع ربك ما اتقنه
كان الدلال على خدها
جناح غراب على سوسنه
[15.22]
قال: فلما نظر الفتى الى الجارية افتتن من حسنها وجمالها فرما اثوابه وهم
~~الى الصعود الى السرير فسمع خلف السرير حستا فتامله فاذا هو ثعبان عظيم
~~كالنخلة السحوقة قد خرج من السرير قد فتح فاه ليلتقمه واراد الفتى ان يدخل
~~معها في السرير فلم يقدر من الثعبان فخلع رجله من السرير فرجع الثعبان الى
~~مكانه فلما رءا الفتا ذلك علم انه مصنوع مطلسم فاراد الحيلة عليه حتى عطله
~~ثم طلع الى السرير ودخل مع الجارية وظمها اليه وهي لا تشعر لثقل نومها
~~فوجدها بكرة ومهرة لم تركب ودرة لم تثقب فافتضاها ونال اربه ومرغوبه منها
~~وهي مع ذلك كله نايمة.
فلما فرغ منها نزل من السرير ولبس اثوابه وكتب في حايط المجلس: هذا ما
~~عمل فلان بن فلان صاحب الارض الفلانية.
[15.23]
ثم خرج وتركها في نومها وقصد الشجرة التي وصف له الشيخ الراهب ثم اخذ
~~منها ما يحتاج وسار حتى وصل الى الراهب صاحب الصومعة فنزل عنده واخبره بما
~~اتفق له مع الجارية وبات عنده.
فلما كان من الغدا وادع الشيخ وانصرف ماشيا الى ارضه فارحا بقضاء حاجته
~~حتى وصل الى الحي الذي ترك فيه اخاه ثم سال عن اخيه فخرجوا اليه اهل الحي
~~واخيه معهم فهنوه بالسلامة وضيفوه ثلاثة ايام فلما كان في اليوم الرابع ركب
~~جواده وركب اخاه وانصرفا الى حيهما.
فلما قربوا من الحي نزلا ليريحا انفسهما و كان اخر النهار فحطوا بين
~~ايديهما طعاما فاكلا وشربا.
وكان الولد الصغير قد عرفه قصته وما جرا له واوراه الورق الذي اتا بها
~~الى ابيه وقصته مع الجارية ومع الشجرة.
[15.24]
فلما سمع اخيه ذالك منه قال في نفسه: ان وصلت انا بلا شيء واخي بهذا
~~الورق ما يكون عند والدي منزلة ولا حرمة وتكون الحرمة لاخي فدبر الحيلة في
~~نفسه والمكر على اخيه.
قال: فلما فرغا من طعامهما نام الصغير فقام الاخ الكبير واخذ الورق ثم
~~اخذ اخاه وهو نايم وكتفه الى شجرة كانت بازايهم وقال: نتركه هنا حتى تاكله
~~الذياب و وحوش الارض.
ثم انصرف عنه على تلك الحالة وقصد الى ابيه فارسل اليه رسولا فخرج ابوه
~~فتلقاه هو واهل مملكته واصحابه وبنوا عمه فلمل وصل ونزل وخلا مع ابيه ثم
~~اخبره بما سمع من اخيه ودفع اليه الورق فاخذها ومرسها كيف وصف له ابنه ثم
~~طلا وجهه فانجلا ذالك السواد ورجع لونه كما كان اول مرة فصنع مهرجانا عظيما
~~ونحر الابل وذبح البقر ثم ساله عن اخيه فقال:
تركته في حي بني فلان اعني الذي كان هو فيه.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
15.8 الليلة الثانية والثمانون
[15.25]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذالك لما سمع الملك كان ابنه ءال على نفسه وحلف انه متى
~~وصل اليه ابنه الصغير ياخذه ويصلبه ولم يعلم ما يظهر له في الغيب و صاحب
~~الغيب يدبر في غيبه ما يشا وقدر.
ثم نرجع الى خبر الصغير المكتف الى الشجرة فلما ولى اليل وبرد الهوى
~~استيقض من نومه فوجد نفسه مربوطا فلم يشك ان اخاه فعل به ذلك.
فلما اصبح الصباح دنت منه الطيور فصاح به فتكاثرت عليه حتى ايقن بالهلاك
~~وطمعوا فيه لياكلوه فبقا كذلك الى قرب نصف النهار.
واذا بقافلة قد مرت عليه ارسلها الله اليه فصاح الفتى بالقافلة فلما
~~سمعوه نظروا اليه وقالوا له: من انت ومن صنع بك هذا؟
[15.26]
قال: اني رجل غريب خرجوا علي اللصوص فاخذوا مالي ثم كتفوني كما تروا.
فحلوه من كتافه وحملوه معهم متى اتوا به الى الحي الذي كان لابيه فنزلوا
~~الى جانبه ونزل ابن الملك معهم فعرف الحي ثم تركهم ومضا الى قصر ابيه فلما
~~دخل عليه ونظر اليه فلم يسلم عليه ثم امر بوثاقه فثقف في حديد ثم امر عبدا
~~من عباده ان ينادي في حي العرب ان يحضروا لصلب ابن الملك فجعل ينادي نحو من
~~عشرة ايام فلما كان في اليوم الحادي عشر اجتمعت العرب كلها في عدد كثير
~~وجمهور غزير فامر الملك بصلب ابنه على جذع عالى فربط فيه ثم دعا بابنه
~~الكبير وقال له: تناول انت قتله.
[15.27]
ثم قام اليه واخذ بيده الحربة ليقتل بها اخيه ظلما وعدوانا.
واذا بصيحة قد عمت الارض وتزلزلت الجبال ومن عليها فرفعت العرب رءوسها
~~نحو الصيحة واذا بفارس قد اقبل كانه الريح المرسل ام القضا المنبرم كانه
~~الطود الهايل ومن ورايه رايات خافقات وعلامات شاهقات وخيول قد طلعت من كل
~~جانب ومكان واذا بالفارس عليه درعان وبيده رمحان على راسه بيضة عادية
~~مكوكبة باهية وبيده قانات عشارية.
قال: نطر الفارس والعسكر خلفه الى المصلوب في الجذع والناس خلفه ثم ان
~~الفارس صاح لمن حوله من العرب صيحة واحدة اوجلهم وفرقه ثم نظر الى ابن
~~الملك الكبير الذي اخدع اخاه وقام عليه بضربة ادراه في الارض قتيلا ثم صاح
~~بالعرب صيحة كانها الرعد القاصف ام البرق الخاطف وحط النقاب عن وجهه ثم رفع
~~راسه الى ابن الملك المصلوب وقال له: لا تخف يا زين الاقران وواحد الزمان.
[15.28]
واذا بها الجارية شمس الثعابين صاحبة قصر اليواقيت فضربت الجذع فحطته في
~~الارض وحلت خليلها من الكتاف ثم ضمته الى صدرها.
ثم انها كسته وركبته وتركته مع قومها ولم ينج من قوم ابيه الا القليل
~~واخذت ابيه اسيرا وافترق من منع منهم على رءوس الجبال وبطون الاودية ثم
~~انها سلطنته وجمعت من هرب من جيش ابيه واجلستهم بين يديه وقالت له : افعل
~~بهم ما تريد.
فقال: فعفا عنهم.
وفك وثاق ابيه لانه لا يعلم ما فعل به اخاه من الغدر والخيانة وحرس
~~الدنيا وغرورها الذي حمل اخوه على الحسد ثم اعلم اباه بخبره مع الجارية
~~فقال له: يا بني لقد دلس علي اخيك في امرك والحمد لله الذي عقبه بفعله.
ثم اقامت الجارية بتلك الارض مع زوجها حتى رجع الناس الى حيهم واعطتهم
~~الامان.
ثم تركت الملك في حيه على سبيل اختياره وارتحلت مع ابن الملك حتى وصلت
~~الى القصر فزوجته وولته ارضها وبقا معها في الذ عيش واطيب وارغد حتى اتاهم
~~اليقين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
16 حديث فرس الابنوس
16.1
[16.1]
قالت الجارية: زعموا ايها الملك انه كان ملكا من الملوك قد ملك الارض بالطول والعرض وكان حسن السيرة في رعيته وكانت العرب والعجم تخافوه وتهابوه وتهاديه فمهدت له البلاد وذلت له العباد وكان ذا ادب وبلاغة محبا لاهل العلم مقربا لاهل الفهم فاجتمعت عنده العلماء والحكما ما لم يجتمع عند الملوك قبله.
[16.2]
وكان له عيدين في العام عيد السرور وعيد المهرجان فاذا كان في اخر العيد جلس الى الناس كافة ويفتح باب قصره ويدخل اليه الخاصة والعامة وترفع اليه الحوايج فاذا دخلوا عليه يحيونه بتحية الملوك ويهدي كل واحد منهم على قدر حاله فيقبلها منهم وترفع الى خزانته ويعطي لكل واحد منهم مجازاته وكان احب ما يهدي اليه شيء تكون فيه حكمة.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
16.2 الليلة الثالثة والثمانون
[16.3]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي فلما كان عيد من الاعياد دخلوا عليه ثلاثة من الحكما
~~احدهم هندي والثاني رومي والثالث فارسي وكان لكل واحد منهم من المال ما
~~يحمله ظهور الجمال.
[16.4]
قال: فاقبل كل واحد منهم بهدية عظيمة وحكمة صنعها وكان من سيرة هذا الملك
~~اذا اهدي اليه شيء ويعجبه يعطي لصاحبه امنيته ويقضي حاجته في جميع مطلبه.
قال: فامر الملك بدخول هؤلاء الحكماء واول من تقدم اليه الهندي الذي اهدى
~~له طلسما من النحاس في سورة رجل وفي فمه بوق يمسكه بيده وينفخ فيه فلما
~~رءاه الملك اعجبه فقال له: ايها الحكيم الفاضل ما يصنع هذا الطلسم بهذا
~~البوق الذي في فيه؟
وكان قد صنعه بحكمة ضريفة فقال له: ايها الملك هذا الطلسم تجعله على باب
~~المدينة لا يدخلوها جاسوسا ولا عدو ولا طالب شر الا بوق في ذلك البوق فعند
~~ذلك تعلم به فتصنع به ما تريد.
[16.5]
قال: فلما سمع الملك بذلك سر به سرورا عظيما ثم امر برفعه الى يوم
~~الاستخبار وهو يوم الثلاث من عيده وكانت عادته اذا كان يوم الاستخبار ان
~~يخرج كلما يهدى اليه ويستخبره فاذا وجده حقا خلع على صاحبه ويحسن اليه كل
~~الاحسان.
قال: ثم امر بدخول الحكيم الثاني وهو الرومي فدخل ثم وضع بين يدي الملك
~~طسة من الذهب الاحمر وفي وسطها طاوس وحولها اثنى عشر فرخا من الطواويس في
~~احسن صورة واملح خلقة فلما نظر الملك ذلك اعجبه واستحسنه فقال له: ايها
~~الحكيم الفاضل ما حكمة هذه الطواويس؟
[16.6]
قال له: ايها الملك تضعهم بين يديك فاذا مرت ساعة من النهار طار فرخا من
~~تلك الافراخ فما يزالوا يطيرون في انقضاء كل ساعة فرخا بعد فرخ حتى يتم
~~النهار فاذا جاء اليل ومضت منه ساعة ينزل فرخا من تلك الفراخ فما يزال
~~ينزلون في انقضاء كل ساعة حتى يتم اليل فاذا تم النهار يصفر تلك الطاوس
~~وكذلك عند تمام اليل فاذا كان عند انقضاء الشهر صفر تصفيرة كبيرة ويفتح فاه
~~فترا الهلال في فمه فتعلم ان تلك الليلة ليلة الشهر القابل.
فقال له الملك: ان كان ما تقول حقا وظهر ما ذكرت بلغتك افضل الامال.
ثم امر برفعه الى خزانته.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
16.3 الليلة الرابعة والثمانون
[16.7]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي لما رفع الطاوس امر الملك بدخول الحكيم الثالث وهو
~~الفارسي وكان رجلا كبير السن قبيح المنظر فدخل على الملك وسلم عليه ووضع
~~بين يديه فرسا من الابنوس وعليه سرج من الذهب ولجامه من الدر والياقوت لم
~~يرا الراءون مثله.
قال: فتعجب الملك من ذلك وكل من كان معه في المجلس امتلا قلب الملك سرورا
~~وفرحا ثم قال له: ايها الحكيم الفاضل ما معجزة هذا الفرس التي لم ترا عيني مثلها.
فقال له الحكيم: ايد الله الملك السعيد ان لهذا الفرس الذي ترا شانا
~~عظيما وذلك انه يسير براكبه في اليوم والليلة ما يسير فيه الفارس السريع في
~~سنة كاملة.
فلما سمع الملك بذلك قال له: ان كان ما تقول حقا فلك عندي ما تشا.
ثم امر الملك برفع الفرس الى خزانته ليوم الاستخبار ثم خرجوا الحكماء
~~الثلاثة من عند الملك وقد وعدهم بالجزايات الحسان.
[16.8]
فلما كان في اليوم جلس الملك على سرير ملكه ووضع تاجا على راسه وامر
~~باحضار وزرايه وارباب دولته فحضروا بين يديه وجلسوا من حوله ثم امر باحضار
~~الحكماء الثلاثة فاقبلوا اليه ودخلوا عليه ثم امر باخراج الطلسم والطاوس
~~والفرس.
وقال للحكماء: ان كنتم صدقتم فيما قلتم فلكل واحد منكم ما يتمنى.
قال: فعند ذلك امر الملك بابتداء الطلسم صاحب البوق فاستخبره فوجده كما
~~وصف الحكيم فسر بذلك سرورا عظيما ثم قال الملك للحكيم: تمنى علي ما شئت.
فقال له الحكيم: ايها الملك اتمنا عليك ان تزوجني ابنتك الكبيرة حتى اكون
~~لك صهرا.
فقال له الملك: نعم لك ذلك.
[16.9]
قال: وكان للملك ثلاثة بنات وغلام وكن بناته في ذلك الوقت خلف ستر مضروب
~~لهن يرين ما يجري بين يدي ابيهن.
قال: فلما رات الكبيرة ذلك فرحت بتزويجها الى الحكيم لضرفه واذبه وعقله
~~ثم تقدم الحكيم الثاني وهو الرومي واخرج الطاسة واستخبرهم الملك فوجدهم كما
~~وصف الحكيم فقال له الملك: تمنى علي ما شئت.
قال: ايها الملك اتمنى عليك ان تنعم علي كما انعمت على صاحبي وتزوجني
~~ابنتك الوسطى.
قال: فاجابه الى ذلك فلما نظرت ابنت الملك الى ذلك سرت سرورا عظيما لما
~~رات من حسنه وجماله وكماله.
[16.10]
قال: ثم تقدم الحكيم الثالث وهو الفارسي صاحب الفرس وقبل الارض بين يدي
~~الملك فاحضر الفرس وفقال له الملك: ايها الحكيم الفاضل اني اريد انظر كيف
~~تسير هذه الفرس براكبها كما ذكرت.
فقال له: نعم ايها الملك.
ثم انه وثب عليها الحكيم ومد يده وحرك لولب الصعود وكان لهذا لولب في
~~اليسرى للنزول ولولب في اليمين للصعود قال: فلما حرك اللولب تحرك الفرس
~~ودخل الريح في جوفه حتى صعد في الهوى وكان هذا الفرس كلما امتلا جوفه ريحا
~~زاد علوا في الهوى ثم انه حرك اللولب الثاني وهو لولب النزول فلما نزل بين
~~يدي الملك سر بذلك سرورا عظيما وقال له:
[16.11]
لله درك من حكيم لقد احكمت فيما صنعت تمنى علي بحاجتك فانك اتيتني بشيء
~~ما سبقك احدا قبلك.
قال له: اعزك الله اتمنا عليك بان تلحقني باصحابي وتزوجني بابنتك الصغيرة
~~واكون لك صهرا.
فاجابه الى ذلك.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
16.4 الليلة الخامسة والثمانون
[16.12]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذالك انه لما اجابه الملك باعطاء ابنته الصغيرة للحكيم
~~صاحب الفرس نظرت الجارية اليه فاذا هو شيخ كبير قبيح المنظر فبكت واغتمت
~~لذلك غما شديدا وكانت هذه الجارية هي اجمل من اخواتها كانها الشمس في نورها
~~فلطمت عند ذلك وجهها.
[16.13]
قال: فدخل عليها اخوها فرءاها على تلك الحالة وكان محبا لها فقال لها: يا
~~اختي ما بالك وما الذي دهاك حتى تبكي في مثل هذا اليوم وهذا يوم فرح وسرور.
فقالت له: يا اخي كيف لا ابكي وقد زوجني ابي الى الشيخ قبيح المنظر.
فقال لها: لا تبكي ولا تحزني فانا اخلصك من هذا ولا يكون شيء منه وافسد
~~كلما عقد ابي.
قال: ثم خرج الغلام مسرعا الى عند ابيه وقال له: يا ابتي بم استوجب هذا
~~الشيخ القبيح المنظر مصاهرتنا.
فقال له الملك: يابنى بحكمته وحسن صنعته.
فقال له: وما صنعته وما حكمته.
قال له: يا ابني هذا الفرس الذي ترا وانه يطير براكبه كما تطير الطيور في الهوى.
قال فنظر الفتى الى الفرس وقال: انا استخبره بنفسي وارا صدق مقالته.
[16.14]
قال: فتقدم الفتى الى الفرس واستوى على سرجه وحركه فلم يتحرك وركضه برجله
~~فلم يضطرب فلما نظر ابن الملك الى ذلك قال لهم: ليس له حركة ولا نهضة.
قال: فقام الحكيم وتقدم الى الفرس وحرك لولب الصعود فتحرك الفرس فلما نظر
~~ابن الملك الى اللولب ادخله العجب وفلم يسئل الحكيم عن لولب النزول ونسي
~~الحكيم ان يريه اللولب لما كان فيه من الغظب.
قال: فحرك ابن الملك اللولب الصعود فهاج به الفرس واضطرب وامتلا جوفه
~~وجعل يطير والملك ينظر اليه حتى غاب عن عينيه فلما ابطا عليه قال له: يا
~~حكيم اردد علي ابني.
قال له: هيهات لن تراه ابدا.
[16.15]
قال له: وكيف ذلك؟
قال له الحكيم: لان ابنك دخله العجب والعجلة ولم يسلني عن حركة النزول
~~فانه لا يزال صاعدا في الهوا حتى تعصف عليه الرياح وترميه فيهلك او يلهمه
~~الله تعلى الى لولب الانحطاط فيسلم.
قال: فلما سمع الملك كلام الحكيم تغير وجهه ورمى التاج من على راسه وخر
~~مغشيا عليه فنضحوا الماء عليه وعلى وجهه فلما افاق امر بالحكيم الى السجن
~~فسجنه فلما يئس من ابنه حزن ولبس الصوف وامتنع من الطعام والشراب.
[16.16]
واما ابن الملك لما رءا روحه صاعدا في الهوى ندم على ذلك وعلم ان الفرس
~~لا ينزل الا بحركة فجعل يفتش الفرس فنظر الى لولب صغير في جنبه الايسر
~~فحركه فنقص ارتفاعه ثم حرك اللولب الاول فزاد ارتفاعا فعلم ان الايسر
~~للنزول والايمن للصعود ففرح وجعل يحرك لولب النزول والفرس هابطا به النهار
~~كله الى اليل.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
16.5 الليلة السادسة والثمانون
[16.17]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم نظر ابن الملك الى مدينة من الرخام الابيض ذات انهار
~~واشجار واثمار فقال: يا ليت شعري ما هذه المدينة.
ثم ان الفرس نزل به في سطح قصر ما رات العيون اجمل منه ففكر في نفسه وقال:
ياليت شعري لمن يكون هذا القصر.
ثم جعل يطوف يمينا وشمالا وقال في نفسه: لا اجد مكانا احسن من هذا الموضع
~~ابيت فيه هذه الليلة فاذا كان ضوء النهار ركبت فرسي وارجع الى ابي واعلمه
~~بما رايت من الفرس.
وهو يتامله ويقول: ان ردني الله الى ابي سالما لاحسن الى الحكيم الفارسي.
[16.18]
ثم جلس وقد جن الظلام وهجم النوم فلم يستطيع النوم لكثرة الجوع الذي اصابه.
ثم قال في نفسه: ان هذا القصر لا يخل من الطعام يكون فيه.
فترك الفرس في مكانه ونزل الى القصر فلم يزل ماشيا حتى وصل الى قبة عظيمة
~~مفروشة بالديباج المدثر مزخرفة بالذهب الاحمر فبقا باهتا لا يدري اين يتوجه.
[16.19]
فلما طال عليه ذلك اذا سمع غضيض نايم فلما قرب منه رءا شخصا نايما
~~وبجانبه سيف وامامه صحفة من الذهب وفيها طعاما وشمعة مركوزة في حسكة من
~~الذهب قال فدخل واكل من الطعام حتى شبع وشرب حتى روا فاشتدت نفسه وقال:
~~والله لا خرجت من هذا القصر حتى انظر فيه.
فتقدم الى ذلك النايم واخذ سيفه ورءا الضوء في مجلس اخر فقصد الى ذلك
~~الضوء ودخل الى المجلس ورءا فيه شمعات مركوزات في وسطه سرير قد قام على
~~اربعة قوايم من الذهب وعليه شخص نايم فقال في نفسه:
لا شك ان يكون هذا صاحب هذا القصر.
[16.20]
فتقدم اليه فاذا هي بجارية كانها البدر المنير ام القمر المستدير عليها
~~حلة نسجها ذهب احمر فلما رءاها ابن الملك طاش عقله وزال لبه وهانت عليه
~~روحه ثم صعد معها على السرير وجلس عند راسها وجعل يتامل حسنها وجمالها فلم
~~يتمالك نفسه حتى قبلها في جبينها فانتبهت ونظرت اليه فلما راته استوت جالسة
~~فقالت له: من انت ومن اين دخلت؟
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
16.6 الليلة السابعة والثمانون
[16.21]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي فقالت له: انت انسي ام جني.
فقال لها: سيدتي اخفضي صوتك ليلا ينتبه احد من الخدام.
[16.22]
فقالت له: اخبرني بخبرك هل انت الذي خاطبني من ابي وهو الذي وصاك بالدخول
~~الى هنا.
قال لها: نعم.
ففرحت به وسرت الجارية لما رات من حسنه وجماله قال فبينما هم يتحدثان اذا
~~سمعوا الجوار كلامهما فاستوين جالسات والى الفتا باهتات فقالت لهن ابنت
~~الملك: هل رايتن احسن من هذا الفتى الذي اختاره لي ابي زوجا؟
فقلن لها الجوار: وكيف وصل اليك؟
قالت: والله لا ندري غير اني انتبهت فوجدته جالسا عند راسي.
فسالته عن حاله وامره قال: انا بعلك.
[16.23]
فقالت لها احد الجوار: والله يا سيدتي ما هو الذي خطبك بالامس الا غيره
~~وهو لا يصلح ان يكون عبدا لهذا وان عهدي به قد اخرج من عند ابيك ابخس خروج
~~ومثل هذا يليق بك وتليق به.
قال: فبينما هم كذالك اذا بالغلام قد انتبه فطلب سيفه فلم يجده فقصد الى
~~الجوار فنمن اليه واعلمناه بالخبر فاتا اليهما فوجدهما جلوسا على السرير
~~فقال لابن الملك: ان كنت من الجن فقد تحرمت وان كنت من الانس فلا تصلح
~~الجارية الا لك.
فقال له: بل انا انسي مثلك.
فترك الغلام وانصرف الى الملك فاعلمه بالقصة فقال له: ويلك ومن اين دخل.
قال: لا ادري.
فلما سمع الملك ذلك قام مسرعا ودخل على الجوار.
[16.24]
وقال لهن: ويحكن ما هذا.
قلن: لا ادري غير انا وجدنه جالسا عند راسها وبيده سيف مسلول.
ثم ان الملك عمد الى السرير ورفع الستر فوجد الفتا جالسا مع ابنته ووجده
~~كالقمر ليلة البدر فسل سيفه وهم ان يضربه به فلما رءا الفتا قال للجارية: من هذا
قالت: ابي.
فقام وصاح بالملك صيحة عظيمة فدهش الملك واقبل يلاطفه وقال له: انت جني
~~ام انسي.
[16.25]
فقال الفتى: لولا حرمة ابنتك لالحقتك بالماضين كيف تنسبني للجن والشياطين
~~وانا ممن له العز والملك.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
16.7 الليلة الثامنة والثمانون
[16.26]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك انه لما سمع الملك مقالته خاف على نفسه وقال له: ان
~~كنت كما زعمت فكيف دخلت قصري بغير اذن مني وتكشفت عن حريمي والان ءامر
~~عبيدي بقتلك.
فلما سمع بن الملك كلامه ضحك.
[16.27]
فقال له الملك: مما ضحكت؟
فقال له: من قلة عقلك وهل تجد لابنتك زوج افضل مني واكثر مالا ورجالا.
فقال له الملك: وددت ان تكون خاطبها على رءوس الاشهاد حتى ازوجها لك ولا
~~تفضحني بها.
فقال له: نعم ولاكن ارا لك من الراي الرشيد والامر السديد ان تتركني الى
~~غدا فاذا اصبح الله الصباح تخرج بجميع عساكرك وجنودك وتامرهم يحضروا معنا
~~في ميدان الحرب فان غلبوني فذلك المراد وان انا غلبتهم فمن ياخذ ابنتك غيري.
[16.28]
فلما سمع الملك كلامه اعجبه فوضع سيفه من يده وفعل ابن الملك كذلك وجلسا
~~يتحدثان ثم امر الملك عبده ان يخرج الى الوزير ويامر الجيوش بالركوب فخرج
~~الخادم مسرعا وامر الوزير بامر الملك ثم امر الوزير بالجيوش ان يركبوا من
~~ساعتهم ففعلوا ذلك فلما اصبح الله بخير الصباح ركب الملك وقدم للفتى جواد
~~من عتاق الخيل فابا ان يركبه حتى ينظر الجيش وكثرتهم ثم امر الملك مناديا
~~ينادي: يا معشار من حضرانه قد وصل الي غلام لم ارا مثله قط في عقله واذبه
~~وفصاحته وقد طلب مصاهرتي وجعلت له مهرا محاربتكم فاياه فدونكم.
ثم قال للفتى: دونك واياهم.
فقال: ايها الملك فرسي في سطح قصرك.
فاستخف الملك كلامه وقال: الفرس يطلع الى السطح؟
فقال: ابعث معي عبيدك.
قال: فبعت معه جملة من العبيد فساروا معه الى سطح القصر فوجدوا الفرس
~~فحملوه الى الملك فلما رءاه تعجب منه ثم قال في نفسه: ان هذا مجنون.
[16.29]
ثم ان ابن الملك ركب الفرس وحرك لولب الصعود فتطاولت اليه الاعناق واطار
~~الفرس في الهوا بين السماء والارض فلما رءا الملك ذالك قال: خدوه ليلا
~~يفوتكم.
فقالوا: اعز الله الملك كيف ناخذوا الجن الطيار قد نجانا الله منه فاحمد
~~الله تعلى واشكره.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
16.8 الليلة التاسعة والثمانون
[16.30]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك ان الاجناد رجعوا خائبين ورجع الملك الى قصره فوجد
~~ابنته كثيرة الحزن على ابن الملك وقد تزايد امرها ولزمت الفراش فلما رءاها
~~ابوها على تلك الحالة قبلها بين عينيها وقال لها: لقد اراحني الله من ذالك
~~الساحر.
فجعل يحدثها وهي لا تزداد الا حزنا واكدت على نفسها انها لا تكل ولا تشرب
~~حتى تجمع مع ابن الملك.
واما ابن الملك فلما تصاعد في الجو تفكر في حسن الجارية وجمالها فسار في
~~الهوى الى نحو مدينة ابيه ثم نزل على القصر وترجل عن جواده وتركه واتا الى
~~ابيه فوجده حزينا عليه فلما نظر اليه ابوه قام اليه وعنقه وسلم عليه ثم دخل
~~على اخواته وامه فسروا به سرورا عظيما.
[16.31]
فسالهم على الحكيم فقالوا له: هو في السجن.
فامر باطلاقه واخلع عليه واعطاه ولم يزوجه من اخته فغضب الحكيم لذلك غضبا شديدا.
واقبل الفتا يحدثهم على الذي رءا وشاهد وعلى قصر الملك وانه يريد الرجوع
~~فرغبوه الا يفعل فقال: والله لا بد لي من ذالك.
فقام عند ابيه ثلاثة ايام فلما كان في اليوم الرابع اخذ ما يحتاج من
~~الزاد وركب الفرس وسار في الهوى فلما رءاه ابوه ندم على اطلاقه.
[16.32]
ولم يزل الفرس يطير حتى نزل على سطح قصر الجارية وقعد الى اليل فلما علم
~~انهم نيام نزل من السطح ومشا مستخفيا واتى الى المقصورة فوجدها مفتوحة
~~الابواب وفيها شمعة موقودة فاتى الى الجارية وجعل يقبلها حتى انتبهت من
~~نومها فلما راته قامت اليه مسرعة وقبلته فقال لها: اعلمي اني احبك حبا
~~شديدا ولاكن رايت ما صنع ابوك معي وانا تركت اهلي ورجعت اليك فان انت عزمت
~~على المسير معي فهذا وقت الفلاح والا تركتك ورجعت الى اهلي.
فقالت: لا حيات لي بعدك.
فقام ابن الملك وقامت معه وصعد بها الى السطح وركب فرسه وردفها خلفه
~~وشدها اليه وحرك لولب الصعود فطار بها في الهوى.
[16.33]
قال فانتبهن جواريها فلم يجدوا لها خبر فتصايحن فانتبه الملك من نومه
~~فقال: ما دهاكن؟
فاعلمناه بخبر الجارية فلطم وجهه وخرق ثيابه فلما بعد ابن الملك على
~~المدينة قال للجارية: تريد ان اردك الى قصرك.
قالت: لا والله لا فرقتك ابدا.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
16.9 الليلة الموفي تسعون
[16.34]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك لما سمع ابن الملك مقالة الجارية زاد حبها في قلبه
~~وجعل يطير فرسه حتى وصل الى مدينة ابيه فنزل في بستان له وتركها وترك الفرس
~~معها واوصى عليها الجنان واراد ان يريها لها ملك ابيه على ملك ابيها ثم قال
~~لها: اجلسي حتى امضي الى ابي واعلمه بذلك حتى تاتي نساؤنا وخدامنا.
ففرحت بذالك ثم تركها وسار حتى وصل ودخل على ابيه واجتمع معه وسلم عليه
~~وقال له: يا ابني قد جئت بالجارية.
قال له: نعم قد جئت بالجارية ونزلتها في البستان واريد ان اظهر لها ملكك
~~وتامر جيشك بالركوب في احسن زي.
قال له: نعم.
[16.35]
قال: فامر الملك في الحين والوقت اهل المدينة بالركوب وزينة المدينة وركب
~~الملك وابنه في احسن زينة وخرجن الجوار والابكار والخدام بالمجامر بانواع
~~الطيب ولم يبق في المدينة احد الا وخرج ورجع ابن الملك الى البستان فلم يجد
~~للجارية والفرس خبر فصاح صيحة عظيمة حتى غشي عليه فلما افاق قال: يا ليتني
~~لم اتركها.
ثم امر بخدام البستان ان يحضروا بين يديه فحضروا بين يديه فقال لهم:
~~اخبروني من دخل هذا البستان من بعد انصرافي عنكم.
[16.36]
فقالوا: اعز الله الملك ما دخل عندنا احد الا الحكيم الفارسي فانه كان
~~يلتقط الاعشاب.
قال: فلما سمع ابن الملك مقالتهم علم انه هو الذي فعل ذالك وذلك انه لما
~~ترك الجارية والفرس ابن الملك في البستان سمع الحكيم بالفرس في البستان مع
~~الجارية فعمل الحيلة وجعل يلتقط الاعشاب حتى وجد الغفلة من الحراص ثم جعل
~~يطوف حتى وجد الجارية وهي تنظر رجوع ابن الملك اليها فقبل الارض بين يديها
~~فقالت له: من انت؟
فقال لها: انا رسول ابن الملك امرني ان نحملك الى بستان بالقرب المدينة.
[16.37]
فقالت له: يا هذا ما وجد من يرسل اقبح منك وجها لقد قصر فيما عمل.
فضحك الحكيم من كلامها وقال لها: يا سيدتي والله لولا اقبح منظري ما
~~ارسلني اليك من الغيرة.
فلما سمعت الجارية كلامه ظنت انه حقا فقامت الجارية معه وركب الحكيم
~~واردفها خلفه وحرك لولب الصعود فسار بها الفرس في الهوى وغاب على المدينة كثيرا.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
16.10 الليلة الحادية والتسعون
[16.38]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك ان الجارية لما راته قد بعد على الارض قالت: اين ما
~~قلت من سيدك انه ارسلك؟
قال لها: لعن الله ما ذكرت.
قالت له: اظنك قد خدعتني.
قال لها: ليس هو سيدي وانما كانت حيلة مني عليك وحدثها بحديثه كما كان
~~والان قد ظفرت بك وبالفرس.
فلما سمعت الجارية مقالته لطمت وجهها ومزقت ثيابها وقالت: لا مع ابي بقيت
~~ولا مع ابن الملك مشيت.
[16.39]
قال: فلم يزل يمشي بها حتى وصل الى مرج عظيم من قرب مدينة فنزل بالمرج.
قال وان ملك تلك المدينة خرج في ذلك الوقت الى نزاهة فمر بذلك المرج فرءا
~~الجارية والشيخ والفرس والجارية تبكي فقال الملك لبعض غلمانه: انظروا حال
~~هذه الجارية مع هذا الشيخ.
فاتا اليها احد الغلمان وسالها عن حالها فقال الشيخ: هي زوجتي.
فقالت له الجارية: كذبت يا عدو الله انك اخطفتني ظلما وعدوانا.
فلما سمع الغلام كلامها اتى الى الملك واعلمه بالخبر فامر الملك بسجن
~~الشيخ الحكيم وحملت الجارية الى قصره والفرس معها ولم يعلم شان الفرس.
[16.40]
ثم ان الملك سال الجارية على الفرس فكتمت امره فامر الملك باخلاء مقصورة
~~للجارية وفرشها بالديباج الملون وانعم عليها الملك واوقف على راسها الخدام
~~ودعاها لنفسه فابت وتخبطت كانها مجنونة ثم تركها اياما وسار اليها وراودها
~~عن نفسها ففعلت كفعلها الاول فلما رءا الملك حالها امر بتقييدها فقيدت وحزن
~~عليها حزنا شديدا.
[16.41]
قال: واما ابن الملك لما صح عنده ان الحكيم اخذ الجارية والفرس اهتم لذلك
~~هما شديدا ولبس الصوف.
فلما كان في بعض الايام اخذ من المال ما يكفيه وتودع من ابيه وخرج يبحث
~~عن امر الجارية في المداين والحصون.
فلم يزل كذلك يمشي من مدينة الى اخرى الى ان وصل الى اقصا البلاد فلم
~~يسمع لها خبر.
قال: فوصل الى مدينة فدخلها في زي التجار فلم يسمع لها خبر الا ان دخل
~~الى مدينة ابيها فدخل اليها في صفة تاجر فلم يسمع لها خبر الا حزن ابيها.
فخرج منها واقبل يسير الى ان وصل بعض المداين واذا بجماعة من التجار
~~يتحدثون بالمدينة التي فيها الجارية والفرس والحكيم فلما سمع بن الملك
~~خبرها وما هي تصنع فرح فرحا شديدا وصار يقطع الارض بالطول والعرض الى ان
~~وصل الى تلك المدينة التي فيها الجارية.
[16.42]
فلما اراد الدخول وكان عادة الملك اذا وصل احدا الى بلده وكان غريبا حضره
~~بين يديه وسئله عن خبره ومن اي موضع جاء وفي اي شىء اقبل وما صناعته.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
16.11 الليلة الثانية والتسعون
[16.43]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذالك لما ان وصل ابن الملك الى باب المدينة وكانت وقت
~~العشى فرفعوه الى السجن حتى يصبح الصباح يرفعه الى الملك فيسله عن خبره
~~فطرح في السجن تلك الليلة فكان كل من كلن في السجن ياتوا اليه وينظرون الى
~~حسنه وجماله ويتعجبون منه.
فبينما هم كذلك اذا برجل قد اقبل ومعه طعام فجعله بين يديهم فاكلوا واكل
~~الفتى معهم فلما فرغوا من الاكل جعلوا يتحدثون وسالوا الفتى عن امره وحاله
~~فقال: انا من بلاد الاكاسرة من الفرس.
[16.44]
فضحك بعضهم وقالوا له: يا فتى لقد سمعنا بحديث الناس واخبارهم فما سمعنا
~~اكذب من هذا الكسراوي الذي عندنا ولا اوحش منه خلقة.
فقال لهم ابن الملك: وكيف ذلك وما رايتم من كذبه.
فقالوا انه يزعم انه حكيم وان ملك هذه المدينة خرج يوما الى الصيد هو
~~واصحابه فوجده جالسا والى جانبه جارية وفرس من الخشب فذكر انه زوجها وكذبته
~~الجارية وذكرت عنه انه اختطفها فاخذها الملك وحملها الى قصره ودعاها الى
~~نفسه فابت عليه وهي الان مجنونة وقد امر الملك لمن يداويها بنصف ماله
~~والحكيم هنا لم ياكل ولم يشرب اسفا عليها.
[16.45]
قال فلما سمع ابن الملك بدكرها فرح فرحا شديدا وسره ذالك القول فكتم امره
~~في نفسه وجعل يتحدث معهم الى اصبح الله بالصباح فحملوه الى الملك واعلمه
~~بوقت وصوله ثم قال له الملك: من تكن ايها الغلام ومن اي البلاد اتيت وما
~~صناعتك.
فقال الفتى: ايها الملك السعيد اما سؤالك عن اسمي فهو بالفارسي واما
~~بلادي فهي فارس واما صناعتي فاني طبيب عارف بادوية المرضى والمجانين وبهذا
~~اطوف في البلاد لاستفيد الناس بالعلم الذي عندي وبقول الله عز وجل
~~{وفوق كل ذى علم عليم} .
[16.46]
فلما سمع الملك مقالته فرح به فرحا شديدا وقال له: ايها الحكيم لقد وصلت
~~الينا في وقت حاجتنا اليك وهي عندي جارية مخبلة العقل فان انت سرحتها قسمتك
~~في جميع ملكي.
فقال له الفتى: علي الاجتهاد وعلى الله الشفاء.
ثم قال ابن الملك: صف لي خبر الجارية وكيف اخذها هذا الجن.
فوصف خبرها وكيف اخذها من الشيخ الحكيم.
فقال له: وما صنعت بالفرس.
قال: هي في خزانتي لم نعلم نفعها من ضرها.
فقال ابن الملك في نفسه: الراي عندي ان نفتقده وانظر اليه قبل ان اعمل
~~شيئا فان كان تغير عن حاله شيئا تحيلت ونجوت بنفسي.
[16.47]
ثم اقبل على الملك وقال له: اني اريد ان انظر الى الفرس لعله يكون فيه
~~شيء ينفعني ويعينني على دواء الجارية.
فقام الملك مسرعا واخذ بيده وادخله الى خزانته واراه الفرس فطاف به
~~وبحركاته فوجده على حاله فعلم ان حيلته تتم ثم قال للملك: اريد ان انظر الى
~~الجارية.
فادخله عليها فلما رات الجارية ابن الملك تخبطت وندبت وذلك مكر منها حتى
~~لا يقربها الملك فلما نظر اليها ابن الملك كاد ان يخر على وجهه من الفرح ثم
~~تقدم اليها وقال: اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم.
[16.48]
فضربت عند ذلك وجهها وزاد صراخها وعلا صوتها وكان ذلك مكر منها وفرحت
~~بابن الملك لما راته وهو يغمزها ويقول لها: زيدي.
ثم قال: ايها الملك لا يهولك صياحها فعلي شفاؤها ان شاء الله.
فشكره الملك على ذلك.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
16.12 الليلة الثالثة والتسعون
[16.49]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم ان الملك اوعده بالمواعيد الجميلة ثم تقدم اليها ثم
~~قال الفتى: اتني بدجاجة مسلوقة واخرى مشوية وكثر فيها من الابزار
قال: فعند ذلك حضر له ما طلب وجعل ابن الملك يربط يديها ويطعمها وهو ياكل
~~معها الى حين فراغها وهو يوصيها بما يريد خفية من الملك وقام معها كذلك مدة
~~من ثلاثة ايام فلما كان في اليوم الرابع اقبل الملك وقال: اريد ان انظر اليها.
[16.50]
فقام الفتى معه فلما دخل عليها بهتت في وجهه فقال الفتى: اعوذ بالله من
~~الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم اسكني يا مباركة.
فطرقت براسها الى الارض ففرح الملك بذلك وخلع عليه ثيابه ودفع له الف
~~دينار وحل قيودها وامر بدخولها الى الحمام فلما خرجت من الحمام كساها الحلي
~~والحلل فلما اصبح الله بخير الصباح طرحت نفسها كالعادة فمرت احد الجوار الى
~~الملك مسرعة فاعلمته بخبرها وما راته من صراخها واضطرابها فقام الملك
~~مرعوبا يجري على رجليه الى ان وصلها فكلمها فازدادت صياحا ثم قال الملك
~~للطبيب: ويحك ما هذا؟
[16.51]
فقال له: امهل على نفسك يا مولاي اني انظر الى نجمها في هذه الليلة واعرف
~~حالها فخل الامر الى غدا ان شاء الله.
فلما اصبح الله بخير الصباح قال الملك: ما رايت ايها الطبيب في نجمها.
قال له: رايت في نجمها جن تمكن منها عدو الله في المرجة الذي وجدتها فيه
~~مع الفرس والشيخ ولا تبرا غير بالموضع الذي صنع بها هذا الذي ظهر لي في النجم.
فقال له: نعم.
فامر باخراجها بالمرج فضرب لها بالمرج قبة من حرير ابيض والف فارس يدورون
~~بالمرج ويحرسونه باقية ليلتها.
[16.52]
فلما اصبح الله بالصباح قال لهم الطبيب: ايتوني بالفرس الذي وجدتم معها
~~كذلك ظهر لي في نجمها.
قال: فامر الملك باحضار الفرس فحضرت فحين رات الجارية الفرس والطبيب يعزم
~~ويقرا طرحت الجارية نفسها.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
16.13 الليلة الرابعة والتسعون
[16.53]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم ان ابن الملك ركب الفرس واردف الجارية خلفه وشدها اليه
~~بعمامته وهو لا يصدق بذلك من شدة الفرح وكذلك الجارية ثم حرك لولب الصعود
~~فتحرك الفرس وامتلا جوفه بالريح ثم رد راسه الى الملك وقال له: لا عدمت
~~مكانك ولا ضيافتك وعليك السلام.
[16.54]
وطار في الهوى والملك وارباب دولته ينظرون حتى غاب عن اعينهم فلما يئس
~~الملك منهم جعل يبكي ويدعو بالويل والثبور حتى غشي عليه واجتمعوا عليه
~~ونضحوه بالماء حتى افاق فقالوا له: اعزك الله ايها الملك هذا طاير يطير مع
~~الطيور فما تقدر عن امره.
وجعلوا يهونون عليه الامر حتى زال ما به ثم رجع الى قصره وهو مهموم باكي
~~محزون فلم يلبث الا اياما قلايل حتى هلك ومات.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
16.14 الليلة الخامسة والتسعون
[16.55]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي لما استوى ابن الملك على الفرس جعل يطير في الهوى فما زال
~~كذلك حتى وصل الى مدينة ابيه فنزل في سطح القصر فنزل من اعلى الفرس وانزل
~~الجارية واخذ بيدها وادخلها على ابيه فلما رءاه قام اليه وعنقه واتت امه
~~والجوار وعنقوه وكل من كان في القصر سلموا عليه وعلى الجارية ثم اجلسه ابوه
~~الى جانبه وحدثه بكل ما رءا في غيبته ثم قال له: يا ابت هذه الجارية التي
~~قاسيت عليها الاهوال.
قال له والده: الحمد لله الذي خلصك واياها.
[16.56]
ثم ان ابن الملك ارسل الى والد الجارية يعلمه بخبرها وما جرا له معها
~~وساله عن زواجها له فوصل اليه الرسول بالكتاب ففرح الملك بذلك فرحا شديدا
~~وازال الحزن واكرم الرسول واحسن اليه وصنع مهرجانا عظيما وكتب له كتابا
~~واعلمه انه رضي بزواج ابنته من الفتى ابن الملك ووجه الرسول بهدية عظيمة.
قال: فلما وصل الرسول بالهدية فرح ابن الملك بالهدية وفرحت الجارية فرحا شديدا.
فصنع الملك لابنه مهرجانا عظيما واطعم الناس حاضرة وبادية مدة من شهر
~~كامل وزينت الجارية باحسن الزينة ودخل الفتا بها فوجدها بكرة عذرا وبقا
~~معها في اكل هني وشرب روي حتى اتاهم اليقين والحمد لله رب العالمين.
17 حديث الملك والغزالة
17.1
[17.1]
ثم قالت الجارية: زعموا ايها الملك انه كان ملكا من الملوك ركب ذات يوم من الايام الى الصيد والقنص وزراؤه وارباب دولته فبينما هو يسير في البرية اذا قامت امام القوم غزالة حسنة الصورة وفي عناقها قلادة جوهر وفي ايديها اسورة من ذهب وخلاخل من فضة وعليها حلال من الديباج الاخضر فلما نظر الملك الى حسنها وجمالها قال لوزرايه: اني لا اظن هذه الغزالة الا لبعض الملوك واياك ان تفوتنا.
ثم انهم اطلقوا الكلاب والبيزان في اثرها فكانوا اذا وصلوا اليها الكلاب جفوا عنها فلم يقربها فتعجب الملك من ذالك وقال الملك للوزير: خذ لنا عن اثرها فلعلنا نظفر بها.
قال: فاخذوا في اثرها وهي تزداد جريا امامهم.
[17.2]
قال: فلم يزالوا كذلك في اثرها الى اخر النهار حتى اتت بهم الى مرج عظيم كثير الثمار والاشجار وفيه ابل وبقر وغنم ترعى وفي وسط المرج قصر عظيم لم يرا الراءون مثله ولا اعظم منه.
فلما وصلوا الى القصر وقف الملك والوزير ينظر الى حسنه وجماله فبينما هم كذلك اذا بشاب قد خرج من باب القصر على جواد من عتاق الخيل وعليه ثياب خضر.
[17.3]
قال: فلما رات الغزالة الفتى جمعت قوايمها ووثبت معه في السرج فغطها بكمه وادخل بها الى القصر فتعجب الملك من ذلك ثم قال الوزير للملك: ايها الملك ما اظن هذه الغزالة الا لهذا الفتى فان رغبت ان استاذنوه في بيعها منك او بهديها لك.
قال له: نعم.
ثم ان الوزير والملك اقبلا حتى وصلا الى باب القصر واستذنوا في الدخول فساروا العبيد الى مولاهم صاحب القصر وقالوا له: ان في الباب رجلين وما اظنهما الا من ابناء الملوك يريدون الدخول عليك.
قال لهم: ادخلوهم علي.
[17.4]
قال: فادخلوهم الى القصر.
قال: فنظر الملك يمينا وشمالا فلم يرا لها خبر ولا وقع لها على اثر.
قال: فلما استقر بهما الجلوس احضرت بين يديهما موايد الطعام عليها صحايف الذهب ومنها انواع الاطعمة فاكلوا ثم اقبلوا على الشراب فلما اخذ الشراب في الملك قال للفتى صاحب القصر: قد وجب عليك اكرامنا ولي اليك حاجة.
فقال له الفتى: ايها الملك القصر لك بما فيه وكل حاجة لك مقضية عندي.
فقال الملك للفتى: حاجتي عندك ان تهدي لي الغزالة او تبعها مني.
فقال له الفتى: اصلح الله الملك ما هي بغزالة وانما هي زوجتي.
فقال له الملك: هذا عجب العجايب.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام .
17.2 الليلة السادسة والتسعون
[17.5]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي لما تعجب الملك من قول الفتى قام الفتى من ساعته وغاب
~~ساعة ثم رجع والغزالة باثره فقال لها الفتى: بحق الذي وهب لك الاستطاعة الى
~~ما رجعت الى صورتك الذي خلقك الله عليها.
فما استتم كلامه حتى انتفضت الغزالة ورجعت جارية اجمل خلق الله.
قال: فلما رءا الملك ذلك بهت من حسنها وجمالها فقال الملك للفتى: هل لك
~~في بيعها وتحكم علي بثمنها ما شئيت.
فقال له الفتى: وكيف ابيع زوجتي ولي منها ولدان؟ وفي قصتها اعجب العجايب
~~لمن يسمعها.
فقال الملك: اني احب ان اسمع ذلك.
فقال له: نعم ايها الملك:
[17.6]
وذلك اني كنت من اهل الشام وكان ابي كثير المال والخير ولم يكن له ولدا
~~غيري فعلمني القرءان والنحو والعلم حتى كنت عالما وكان قد اختار لي عالما
~~معلما من اعلم الناس واكيسهم وافضلهم فلما رءا المعلم فهمي وما حزت من
~~العلم قال: اني قد علمتك بما عندي من العلم وما بقا لي غير حرز واحد وهو
~~حرز عظيم اكتبه لك فانه حصن لك من الانس والجن والشياطين.
فقلت له: يا سيدي افعل.
[17.7]
فكتبه لي في صحيفة من الذهب وامرني ان اعلقه على عضدي الايمن فعلقته علي
~~ثم انه مات رحمه الله تعلى وانا قد بلغت مبلغ الرجال فاشتغلت بركوب الخيل
~~وخوضان اليل حتى صرت فارسا شجاعا فلما ان كبر ابي وشاخ قال: يا ابني اني
~~اريد ان ازوجك في حياتي بابنة عمك.
فقلت له: افعل ما شيت.
فصنع لي وليمة عظيمة ودخلت بالجارية ابنة عمي فبينما انا ذات يوم جالس في
~~اعلى قصري اذا نظرت الى فارس عليه ذرع وسلاح فاقبل علي واستاذن فامرت
~~بنزوله وامرت له بطعام وشراب فاكل ما يحتاج اليه وتانست به وسالته على
~~بلاده فقال لي: انا من البصرة.
[17.8]
فاقام عندي عشرة ايام فجعل يحدثني عن البصرة ويشوقني اليها ثم بعد ذلك
~~قال لي: اني اريد الرحلة الى البصرة والانصراف.
فقلت له: يشق علي فراقك.
فبتنا تلك الليلة وهو يحدثني على البصرة فلما اصبح الله بالصباح جهزته
~~وتودعت منه وانصرف يجد السير الى بلاده ثم بقيت متفكرا فيما وصف لي من حديث
~~البصرة فوصفت ذلك لابنة عمي فوقع في قلبها حب البصرة لما سمعت من جميع
~~شانها فقالت لي: يا ابن العم خذ على نفسك ترحل البصرة ولا بد منها ان شاء
~~الله تعلى.
فبعت جميع املاكي وخرجت ماشيا الى ان وصلت الى البصرة فنزلت في دار من
~~ديارها واقمت بها اياما.
فبينما انا ذات يوم من الايام جالس اذا بالباب يدق فخرجت فاذا انا بفتى
~~جميل الوجه في الباب فقال لي: اتعرفني؟
قلت: لا.
[17.9]
قال: انا الذي انزلتني في كرامتك.
فعرفته فسلمت عليه وسلم علي ثم قال لي: سر معي.
فسرت معه الى قصر عظيم واذا فيه جماعة قال لهم: هذا هو الذي حدثتكم عنه.
فقاموا الي اجلالا ورحبوا بي ثم انزلوني في احسن مكان ثم قدم الينا طعاما
~~فاكلنا جميعا وشربنا الى اخر النهار ثم رجعت الى منزلي وبقيت مع الفتى كذلك
~~كل يوم مدة من شهرين كاملين.
ثم ان الفتى مرض مرضا شديدا فاحضر القاضي والفقهاء واوصى بنصف ماله الي
~~ثم توفي الفتى رحمه الله تعلى.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
17.3 الليلة السابعة والتسعون
[17.10]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك لما مات الفتى البصري فاخذت جميع ما اوصى به واشتريت
~~مركبا وناديت: من يريد السفر الى الهند؟
ثم دخلت البحر انا وابنت عمي فسرنا بريح طيبة مدة من شهر كامل حتى نفذ كل
~~ما كان عندنا من الماء فقلت لمدبر المركب: هل هنا مواضع الماء؟
قال لي: في غدا ان شاء الله نسير الى جزيرة عظيمة كثيرة الانهار والثمار
~~ولكن لا يستطيع احد ان يصل اليها لاجل عفريت من الجن يعمرها.
[17.11]
فقلت لهم: سيروا بنا اليه.
قال: فلما كان في اليوم الثاني وصلنا الى الجزيرة المذكورة فخرجت انا
~~وحدي الى الجزيرة وسيفي بيدي وبيد الاخرا اناء للماء.
فلما هممت بالخروج واذا بريح مسود ونظرت الى شخص عظيما له قوايم كقوايم
~~الفرس ووجهه كانه اسد فصاح بي صيحة عظيمة فغشي علي ثم اني فقت فاقبل حتى
~~وصل الي فتاملته فاذا هو العفريت من الجن فلم يضرني ببركة الله وبركة الحرز
~~الذي عندي فضربته ضربة بالسيف فولى هاربا امامي وجعلت اضربه بالسيف فطار
~~عني في الهوى وسار نحو المركب واختطف منه ابنت عمي وطار بها في الهوى وانا
~~لا نعلم.
[17.12]
فلما وصلت الى اصحابي هنوني بالسلامة واعلموني بخبر ابنة عمي فاغتممت
~~لذلك غما شديدا ثم قلت لهم: يا قوم هل تعرفون لهذا العفريت موضعا ياوي اليه؟
فقال لي احدهم: انه ياوي الى جزيرة تعرف بكذا وكذا.
فقلت لمدبر المركب: سر بنا اليها.
فسرنا حتى وصلنا اليها واذا بها معمورة بالناس فنزلنا بها واقمنا مدة من
~~شهر فسالت اهل الجزيرة عن العفريت فاخبروني بخبره وما يلقون منه وانه يطرق
~~بلادهم في كل سنة فيخرجون له جارية من اجمل نسايهم وان لم يخرجوها له يصيح
~~بهم صيحة تلقي الحمل ما في بطنها من شدة صيحة ويفسد عليهم معاشهم ويحرق
~~اشجارهم وقد عزموا على الخروج من هذه الجزيرة من اجله مرارا فيمنعهم مالكها
~~وفي اليوم ياتي الى اخذ الجارية كالعادة فقلت لهم: بما تعرفون الجارية التي
~~يريد اخذها؟
[17.13]
قالوا له: عندنا علامة تهب علينا ريح فلا يبقى احد منا الا اصفر وجهه الا
~~الجارية فيحمر وجهها فتحمل الى الحمام ويصلح شانها وتحمل الى مغارة ومعها
~~طعام وشراب.
قال: فبقيت معهم حتى هبت تلك الريح كما ذكروا واسفرت وجوههم كلهم الا
~~ابنت الملك فامر باصلاح شانها وحملت الفرش الى المغارة المعلومة وحملوا
~~الطعام والشراب.
قال: فاخذت سلاحي وسرت معهم حتى وصلوا الى المغارة فنصبوا لها سرير
~~واجلسوا عليه الجارية وتركوها وحدها ورجعوا الى مكانهم بعدما ودع الملك ابنته.
فلما ساروا القوم دخلت تلك المغارة واخفيت فيها نفسي واقمت فيها ساعة
~~زمانية واذا بالعفريت قد دخل على الجارية فجئت من ورايه وضربته بالسيف ضربة
~~وانا اقرا في الحرز المذكور فولى هاربا امامي فتبعته قليلا ثم رجعت الى
~~الجارية فوجدتها قد غشي عليها فنضحت الماء على وجهها.
[17.14]
فما فاقت الا بعد حين فقالت لي: من انت الذي من الله علي بك؟
فقلت لها: انا انس مثلك وهذا العفريت عدوي.
فقالت لي: اجلس فكل واشرب واقم معي الى الصباح.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
17.4 الليلة الثامنة والتسعون
[17.15]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك ان الفتى بقى مع الجارية الى الصباح ثم اخفا نفسه
~~فلما اصبح الله بخير الصباح اقبلوا الناس يحملون الفراش فلما دخلوا المغارة
~~وجدوا الجارية في مكانها فرجعوا الى الملك مسرعين واخبروه بالقصة فركب
~~مسرعا مع عضماء قومه حتى وصلوا المغارة فدخل الملك عليها وضم على ابنته
~~فقال لها: ما شانك وما الخبر؟
[17.16]
قالت له كل ما كان من امرها ومن امر الفتا.
قال: ثم ان الفتى خرج الى الملك وقبل يديه واعلمه بقصته مع العفريت وكيف
~~اختطف له ابنت عمه.
من هذا المركب المرسي على بلادكم وانا هو صاحبه وانا اطلبه حتى اقتله.
قال: الحمد لله الذي من علينا بك ولاكن قد يئست من ابنت عمك وهذه الجارية
~~قد خلصها الله على يديك فانت اولى بها من غيرك وجزيت عني خير الجزاء.
فقلت له: ما اريد منك الا ان تعينني على طلب ابنت عمي وتعرفني باي موضع
~~ياوي اليه هذا العفريت.
ثم قال لي الملك: ان هذا العفريت ياوي الى واد عظيم لا يستطيع احد الوصول
~~اليه لا انس ولا جان وهو على مسيرة ثلاثة ايام من هذه الجزيرة.
[17.17]
ثم قلت له: ساعدني فيما طلبت منك وكن انت بعيد.
ثم انهم اوقفوني على بير عظيم وقالوا: من هذا الموضع هو المدخل اليه.
فاخذت حبلا وشددت به وسطي ثم قلت لهم: انزلوني فاذا حركت لكم الحبل
~~ارفعوني.
وعملت لهم ميجال ثلاثة ايام.
قال: فنزلت حتى وصلت الى قعر البير وسيفي بيدي وحرزي على عضدي فحللت
~~الحبل ثم نظرت الى جنب البير فرايت فيه ضوء يدخل من السرب فدخلت من ذلك
~~السرب فخرجت الى رحبة عظيمة وامام الرحبة قصر عظيم.
[17.18]
واذا بعجوزة جالسة عند باب القصر وبيدها مفتاح فلما ابصرتني قالت لي: انت
~~الفتا الدمشقي التي خرجت في طلب ابنت عمك؟
قلت لها: نعم من اين عرفتني؟
قالت لي: عرفتك بالعلامة التي وصفت لي ابنت عمك.
قلت: في الحياة هي ام في الممات؟
قالت لي: بل في الحياة هي والعفريت ما قرب اليها من اجل الجراح الذي
~~جرحته بها وفي كل يوم تاتي ابنت عمك فتسئلني عنك هل وصلت ام لا فاقول لها:
~~لا وكيف يصل الى هذا الموضع؟ فتقول لي اني اعرف منه الا يتركني ولو كنت في
~~تخوم الارض السابعة السفلى.
[17.19]
قال: فبينما نحن في الحديث واذا بجارية خارجة من القصر كانها البدر
~~المنير فقالت لي: يا دمشقي قد وجبت كرامتك علينا.
قلت لها: ومن اين علمت اني دمشقي؟
فقالت لي: بالعلامة الذي وصف لي اخي.
فقلت لها: ومن اخوك؟
قالت لي: هو العفريت الذي خرجت في طلبه.
فقلت لها: يا جارية وكيف تكرمينني وانا عدو اخيك ونطلب قتله ان وجدت الى
~~ذلك سبيلا؟
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
17.5 الليلة التاسعة والتسعون
[17.20]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ولذلك لما قال للجارية اخت العفريت ما قال قالت لي: يا
~~دمشقي احرص وافرح بقتله لكثرة اذايته الي لانه كافر وانا مومنة.
فقلت لها: وكيف السبيل الى الوصول بقتله؟
قالت لي: انك لم تستطع الوصول اليه ولاكن انا ادلك عليه واكون عونا لك
~~على قتله لاكن على عهد يكون بيني وبينك.
[17.21]
قلت لها: نعم وما هو العهد؟
قالت: بشرط تكون لي بعلا واكون لك زوجة.
قلت لها: اذا رضيت بذلك ابنت عمي.
فبينما نحن كذلك في الحديث واذ بابنت عمي قد اقبلت فلما راتني ترامت علي
~~وعنقتني وسلمت علي وبكت بكاء شديدا فقالت لها الجارية اخت العفريت: اسكتي
~~ولا تبكي فاني قد اردت هلاك اخي لاكن على شرط تعاهديني عهدا.
قالت لها ابنت عمي: على ماذا يكون العهد؟
قالت لها: ان تشاركني في ابن عمك واكون عونا لكما على قتل اخي العفريت
~~واعطيه كلما في القصر.
[17.22]
فقالت لها ابنت عمي: نعم فرضيت بذلك.
فسارت بعد ما تعاهدت معها ثم قالت لي: ان هذا القصر لا يمكنك الدخول اليه
~~لانه قاعد فيه ولا يدخل عليه احد فاخاف عليك ولاكن اجلس في مكانك حتى اتيك.
ثم دخلت القصر وعلت على سوره ودلت لي حبلا فرفعتني فيه به الى اعلا القصر.
قال: فلما طلعت اخذت بيدي وادخلتني الى القصر فاذا فيه مائة جارية من
~~بنات الملوك مما اختطف العفريت.
ثم انها اقبلت على باب في الارض عليه قفل من ذهب ففتحته ودخلت عليه واذا
~~بالعفريت على سرير من ذهب.
فلما رءا اخته انكر عليها وقال لها: ويحك اني اشم عليك رايحة الدمشقي.
[17.23]
قالت له: يخيل ذلك عليك من شدة خوفك منه وفزعك.
ثم انها غفلته وادخلت يدها تحت السرير واخرجت لي سيفا بعدما نام العفريت
~~وقالت: خود هذا السيف.
فاخذت السيف ودخلت على العفريت وضربته في نحره ضربة عظيمة فمات من ساعته.
ثم ساقت لي جميع ما في القصر من الحلي والحلل وغير ذلك وخرجت من السرب
~~الذي دخلت منه الى البير وحركت الحبل فرفعوا جميع ما كان في القصر والجوار
~~كلهم والعجوز معهم وطلعت انا ءاخرهم.
[17.24]
فلما رءا الملك ذلك سر سرورا عظيما ثم انه بعث كل جارية الى والدها وبقيت
~~انا مع الملك وتزوجت ابنته وبقيت معه حتى مات رحمه الله تعلى وتوليت الملك
~~بعده مدة من الزمان حتى ثقلت علي تلك الجزيرة فوليت على الملك غيري ورجعت
~~الى بلدي مع ابنت عمي وابنت الملك واخت العفريت وهي الغزالة التي انت ترا
~~ثم ماتت ابنت عمي فحزنت عليها مدة ثم ماتت ابنت الملك رحمها الله.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
17.6 الليلة الموفي المائة
[17.25]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي ثم ان الفتى الدمشقي قال: لما ماتت ابنت عمي وابنت الملك
~~ضاقت بي البلاد وخرجت الى هذا المرج وبنيت هذا القصر وجلست مع اخت العفريت
~~متونسا بها فهي تتنوع على كل رهط فمرة ترجع طاوس ومرة غزالة كما رايتها
~~ايها الملك ولي منها ولدان وهذا ما كان في قصتي.
فتعجب الملك والوزير من حديثه.
فلما اصبح الله بخير الصباح تودع الملك والوزير من الدمشقي وصاروا
~~يزورونه فبقوا كذلك في كل سنة يتونه الى ان اتاهم اليقين والحمد لله رب
~~العالمين.
18 حديث الوزير بن ابي القمر مع عبد الملك بن مروان رحمهم الله
18.1
[18.1]
قالت الجارية: زعموا ايها الملك المطاع والبطل الشجاع انه كان امير المومنين عبد الملك بن مروان وزيره وكان اسمه ابن ابي القمر وكان رجلا فاطنا عالم بكل علم وكان عند الملك بمرتبة عظيمة فحسدوه بنوا امية ورفعوا عليه الكلام القبيح والنقايص الى الملك فلم يقبل الملك منهم شيء من ذلك الى ان صنعوا عليه عقدا مدلسا بانه يريد القيام على الملك وشهدوا فيه اعدل اهل البلاد فلما وصل العقد الى الملك وقراه تغير لونه ولم يجد لذلك صبرا فقال لاحد عبيده: اذا اتى الوزير بن ابي القمر غدا راكبا فجردوه من ثيابه واكسيته وقل له: يقول لك الملك ان وج دتك بموضع من ارضي قتلتك وصلبتك فان كنت بريا بارك الله وان كنت ظالما اهلكك الله.
[18.2]
قال: فلما صبح الله الصباح اقبل الوزير على عادته فتلقته العبيد وفعلوا به ما امرهم الملك فقال الوزير في نفسه: يا ليت شعري ما الذي جنيت واذنبت.
ثم خرج من البلاد وسار وهو لا يدري اين يتوجه وقد دخله رعبا عظيما فصار يمشي هايما بنفسه وكان فصل الشتا فما زال يمشي الى ان وصل الى مدينة فدخلها وكان عشية النهار وقد ادركه الجوع والبرد مع شدة الرعب والخوف والتعب وقد اشرف على الهلاك فقصد الى فندق التجار وكان فيه بضايع واعيان الناس واموالهم فبقا حايرا لا يدري ما يصنع فقال لقايم الفندق: عسى عندك بيتا ابيت فيها الليلة؟
[18.3]
قال له: والله لا يبيت عندي صعلوكا فقيرا لان هذا الفندق فيه بضايع واموال التجار ولا ءامن على نفسي.
قال: فبقا الوزير حايرا لا يدري ما يصنع ثم قام اليه رجلا من التجار وقال: يا قايم هذا الفندق اعطيه بيتا يبيت فيه الليلة وهو في ضمانتي.
فادخله القايم الى بيت جديدة مسطحة فدخل الوزير في البيت والبيت دون حصير فاراد الجلوس فلم يستطع من شدة البرد فاراد ان يستند ظهره الى الحايط فلم يقدر من شدة برد الحيط فتحير الوزير واليل قد ارخا سدوله والناس قد اغلقوا ابوابهم فمنهم من يقرا في بيته ومنهم من ينشد والوزير يقول: {إنا لله وإنآ إله راجعون} بئس ما فعلت بنفسي هل لا اويت الى قبة فرن ابيت فيها الليلة؟
[18.4]
ثم انه فكر في حاله وبما كان فيه من النعم وكيف بدلت له نقم فجعل يتمثل بهذ الابيات:
فلو كان الموت يباع فاشتريه
فهذا العيش ما لا خير فيه
تراني كلما ابصرت قبرا
وددت بابي الملحود فيه
الا ارحم الهيمان اخرى
تصدق بالممات على اجيه
قال: فلما فرغ من انشاد شعره واذا بالباب قد نقر عليه وهو حاير فقام من ساعته وفتح الباب واذا بالرجل الذي ظمنه فدخل عليه بمصباح نحاس فركزه في الحايط وبمجمار بنار وكسا وملحفة مليحة واثواب وصفرة بالطعام وماء فنزع عنه العباء والبسه الثياب واطعمه واسقاه حتى شدت نفسه وزال عنه ما كان من الجهد والتعب ولم يزل التاجر يلاطفه ويحدثه ويؤنسه ويقول له: ما قصتك وما حديثك يا اخي فانه يظهر من شعرك انك قريح القلب.
قال له الوزير: يا اخي لاقولن كما قال يعقوب عليه السلام {إنمآ أشكو بثى وحزنى إلى الله} .
[18.5]
قال: فلم يزل التاجر يلاطفه فلم يقدر عليه ان يخبره خوفا من الملك فاشفق عليه التاجر وقال له: ان لي اربع بنات ولي راس مال بالف دينار فالنصف لي والنصف الاخر اني عاهدت الله الا ادفعها الا في مرضاته واني لا اجد احد اولا بها منك فخدها بارك الله لك فيها .
فقال له الوزير: لا اقبل ذالك.
فقال له التاجر: فعسى نصفها.
فامتنع الوزير عن اخدها ولم يزل التاجر يلح عليه حتى اخذ منها دينار واحد.
قال: فلما اصبح الله الصباح قال الوزير للتاجر: وضع الله فيك البركة وشكرك على ما فعلت معي.
ومشا التاجر الى بيته بعدما ودع الوزير ودعا له وبقا الوزير وحده.
[18.6]
فلم يزل مفكرا في نفسه فبينما هو كذلك اذا بعبد امير المومنين قد وقف على باب وهو راكب على مطية وعنده منديل فيه حواي ثم قال لقايم الفندق: انزل عندك البارحة رجل يعرف بابن ابي القمر؟
قال له: انما نزل عندي البارحة رجل مسكين نعرفه في ذالك البيت فدفع عنه الكرا رجل من التجار صدقة عنه لوجه الله تعلى.
قال: فقصد العبد الى البيت فلما رءاه الوزير فزع منه فزعا شديدا فقال له العبد: لا تخف يا مولاي فقد ادركك رضا مولاي وقد صلب اعداؤك وصح عنده انك على الحق وانهم ادعوا عليك الباطل وبما لم تفعل.
ثم قال له العبد: يا سيدي اركب هذه المطية والبس هذا الكسوة.
[18.7]
فقام الوزير من ساعته ولبس الثياب بعدما حمد الله تعلى واثنا عليه بما هو اهله وركب المطية وسار مع العبد حتى قرب من المدينة فاجتاز به العبد على البساتين ورياضات الامير عبد الملك.
فلما دخل الوزير على الملك قام اليه اجلالا له وعنقه وصفحه وانزل معه وقال: ايها الوزير جميع ما جزت من البساتين والرياضات فاني قد وهبتها لك في حق ما اخطيت عليك وصدقت فيك كلام الناس.
قال: فاخذ الوزير كلما وهب له الامير واعاده الى منزلته.
[18.8]
وكان من قضاء الله تعلى ان التاجر صاحب الوزير خرج ذات يوم من الايام في قافلة فبينما هم يسيرون في بعض الطريق اذا خرجت عليهم اللصوص فانزلوهم من اعلى دوابهم وسلبوا كل ما كان بايديهم ولم يبق للتاجر لا قليل ولا كثير فقال التاجر في نفسه: والله لامضي الى المدينة لعلي اجد فيها من يقارضني ولعل الله تعلى يجود علي بما يشاء لاني معروف بالتجارة.
وهنا ادرك شهرزاد الصبح فسكتت عن الكلام.
18.2 الليلة الحادية والمائة
[18.9]
قال فهراس الفيلسوفي:
قالت: يا مولاي وذلك لما قصد التاجر الى المدينة وهي الشام جاز على تلك
~~البساتين والرياضات التي وهبها الملك للوزير فبينما التاجر حايرا لا يدري
~~ما يصنع ولا اين يتوجه واذا بالوزير خارج من رياضة متوجها الى منزله اذا
~~نظره التاجر فلما قرب اليه عرفه.
[18.10]
فقال في نفسه: اليس هذا صاحبي الذي فعلت معه كذا وكذا والله لاتعرض اليه
~~فعسى يقبل علي ويحسن الي بشيء.
قال: فتعرض له التاجر فلم يقبل الوزير عليه ولا عرفه من كثرة الناس ولان
~~الوزير كان متغير الحال والتاجر ايضا كان متعفر الاحوال فقال التاجر في
~~نفسه: انا اعرفه بنفسي لعله يرحمني بشيء.
فسال عنه بعض الناس فاعلموه انه وزير الملك واعلمه الخبر فاتبعه التاجر
~~حتى عاينه قد دخل منزله فاخذ التاجر قرطاسا وكتب فيه بيتين من الشعر يذكر
~~بهما الوزير مقاله حين بات في بيت الفندق وهما هذه الابيات:
الا قل للوزير بلا احتشام
ما قال مذكرا ما قد نسيه
تدل وتقول بضيق حال
الا موت يباع فاشتريه
[18.11]
قال: فلما تم كتابة القرطاس دفعه الى غلام الوزير وقال له: ادفع هذا
~~القرطاس الى مولاك.
فدخل العبد الى سيده ودفع له القرطاس فلما قراه وعرف خبره خرج اليه وصفحه
~~وعنقه وقال له: والله لا دخلت الا على عنق الغلام.
فادخله وصنع له وليمة عظيمة واعطاه كلما وهب له الملك وجاء به الى الملك
~~وقال له: هذا هو الرجل الذي عرفتك به وقد وهبت له كلما وهبت لي.
قال: فنزله الامير بمنزلة عظيمة لما فعل من الخير مع وزيره من غير معرفة
~~وقربه الى نفسه الملك وبقا التاجر مع الوزير اخوانا حتى اتاهم اليقين
~~والحمد لله رب العالمين.
PARATEXT|
كملت الحكاية مائة ليلة وليلة بحمد الله تعلى وحسن عونه وتوفيقه والحمد
~~لله رب العالمين سنة 1190.
ناپیژندل شوی مخ