Methodology of the Companions in Inviting Polytheists Who Are Not People of the Book
منهج الصحابة في دعوة المشركين من غير أهل الكتاب
خپرندوی
دار الرسالة العالمية
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤٤٢ هـ - ٢٠٢١ م
د خپرونکي ځای
بيروت
ژانرونه
منهج الصحابة ﵃
في دعوة المشركين من غير أهل الكتاب
الدكتور:
عبدالعزيز بن محمد بن سعود الكبير
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 3
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ (^١).
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (^٢).
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ (^٣).
وصلى الله وسلم على نبي الأمة وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله، الذي أُرسل رحمة للعالمين، بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله وسراجًا منيرًا، وهو الذي أورث مسؤولية الدعوة إلى أمته بالتأسي به، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
_________
(^١) سورة آل عمران، الآية: ١٠٢.
(^٢) سورة النساء، الآية: ١.
(^٣) سورة الأحزاب، الآيتان: ٧٠ - ٧١.
1 / 5
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (^١). وجعل الله سبحانه الدعوة من أحسن الأقوال، وربط بها خيرية الأمة، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (^٢)، وقال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (^٣). وكما ورد في حديث درة بنت أبي لهب ﵂ قالت: قام رجل إلى النبي ﷺ وهو على المنبر، فقال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ فقال ﷺ: (خير الناس أقرؤهم وأتقاهم وآمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر، وأوصلهم للرحم «^٤).
وقد اختار الله ﷾ قومًا هم أفضل هذه الأمة بعد نبيها ﷺ ليكونوا صحابته، وشرّفهم بالصحبة، وأثنى عليهم في مواقع كثيرة، قال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (^٥).
_________
(^١) سورة الأحزاب، الآية: ٢١.
(^٢) سورة فصلت، الآية: ٣٣.
(^٣) سورة آل عمران، الآية: ١١٠.
(^٤) المسند، الإمام أحمد، مسند النساء، رقم ٢٧٩٨٠، ٨/ ٨٦٣. حديث ضعيف (الألباني، ضعيف الجامع الصغير، رقم ٢٨٩٧، ص ٤٢٦). وقد ذكر هذا الحديث مع ضعفه للاستئناس به في هذا المجال.
(^٥) سورة التوبة، الآية: ١٠٠.
1 / 6
ومن هذا المنطلق قام صحابة رسول الله ﵃ باتباع سنته، والحرص على الدعوة في حياته، وبعد مماته ﷺ؛ ومما ورد عن الرسول ﷺ في فضل صحابته، وأنهم خير الناس، حديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (خير أمتي القرن الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم ... (الحديث (^١)، وقد أوصى ﷺ باتباع أصحابه ﵃، واتباع سنتهم، كما ورد في حديث العرباض بن سارية قول رسول الله ﷺ: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ «^٢). ولِما لهؤلاء القوم من فضل وتفضيل على من بعدهم، وأمره ﷺ باتباعهم، فإنه دليل على أن منهجهم هو المنهج الصحيح بعد رسول الله ﷺ، فيؤخذ منهم، ويستفاد من طريقتهم، وخصوصًا في مجال الدعوة؛ لأنهم أول من قام بالدعوة بعد الرسول ﷺ ونشرها بين الناس؛ وذلك ما دعا إلى البحث في منهجهم، وطريقة دعوتهم، وتعاملهم مع من يدعون، فمن هذا يمكن الاستفادة من منهجهم الصحيح، وخبراتهم وتجاربهم الناجحة، خصوصًا في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن والبدع والانحرافات، والتي شملت كل مجال، ومنها مجال الدعوة إلى الله.
_________
(^١) صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، رقم ٦٤٧٣، ص ١١١٠.
(^٢) سنن أبي داود، أول كتاب السنة، باب لزوم السنة، رقم ٤٦٠٧، ص ٦٥١. حديث صحيح (الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، المجلد السادس، القسم الأول، رقم ٢٧٣٥، ص ٥٢٦).
1 / 7
ومنهج الصحابة ﵃ في دعوة المشركين من غير أهل الكتاب يُعد مرجعًا يستفاد منه لتأصيل المنهج الدعوي الصحيح، وذلك بمعرفة الطرق والأساليب والوسائل التي عملوا بها في دعوتهم، وتوضيح ذلك، والاستفادة منه على أرض الواقع، وخصوصًا إذا علمنا أنه يوجد نسبة عالية من سكان العالم ممن هم على أديان مختلفة من غير أهل الكتاب، وهذا مما يؤكد أهمية دراسة هذا الموضوع وتبيان الأحكام المستفادة منه، والبحث في المصادر والمراجع المتعددة؛ لإيضاح منهج الصحابة ﵃ في دعوة المشركين من غير أهل الكتاب، والإحاطة بالموضوع من جميع جوانبه. ومما يدعونا أيضًا للبحث في هذا الموضوع إيماننا أن الإسلام جاء للبشرية أجمع، وبعث الله به أنبياءه من قبل، قال تعالى: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (^١)، وقال تعالى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (^٢)، وقال تعالى: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾ (^٣).
وختم الله الأنبياء بإرسال نبينا محمد ﷺ بالإسلام ودين الحق ليظهره على الدين كله، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ
_________
(^١) سورة آل عمران، الآية: ٦٧.
(^٢) سورة البقرة، الآيتان: ١٣٢ - ١٣٣.
(^٣) سورة المائدة، الآية: ١١١.
1 / 8
كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (^١)، فسعى ﷺ في نشر هذا الدين، وقيض الله له صحابته؛ ليكونوا الدعاة والمبلغين لرسالته ﷺ، فهم الذين ساروا على نهجه حتى بلغت الدعوة ما بلغت على أيديهم ﵃، في حياته ﷺ وبعد مماته، ولم تكن هذه الدعوة تخص فردًا دون آخر، أو دينًا دون دين، أو عرقًا دون عرق، فقد كانت دعوة شاملةً عالميةً، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (^٢). فكان الصحابة ﵃ يدعون أقوامهم من المشركين الوثنيين، فغالبية الصحابة كانوا قبل إسلامهم مشركين من أهل الأوثان، إلا من كان كتابيًا أو وُلد في الإسلام، ومن هذا كان لدعوتهم هذه الفئة دور كبير، وتأثير عميق؛ مما جعل الأفواج تدخل في الإسلام بسبب الدعوة إلى الله بالطريقة الصحيحة، ولم يقفوا بالدعوة عند التعريف بالإسلام فقط، بل تعدوا ذلك إلى التأثير على المدعوين بالأخلاق، وحسن المعاملة، ولين الجانب، ومن ذلك ما ورد في قصة إسلام أسيد بن الحضير، وسعد بن معاذ، ودعوة أبي ذر لحويطب بن عبدالعزى، ودعوة أم سليم لأبي طلحة، إضافةً إلى ما قاموا به ﵃ بعد وفاة الرسول ﷺ من جهود في الدعوة، وحتى آخر من توفي من الصحابة، وهو أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي ﵁ والذي توفي سنة مائة للهجرة.
إن الوقوف على منهج الصحابة ﵃ في دعوتهم للمشركين خلال تلك المدة هو من احتياجات الدعوة الملحة لوضع القواعد الصحيحة للدعوة، وخصوصًا
_________
(^١) سورة التوبة، الآية: ٣٣.
(^٢) سورة الأنبياء، الآية: ١٠٧.
1 / 9
في هذا العصر، الذي كثر فيه الاختلاف والابتداع، كما أن كثرة الشعوب المشركة التي ليست على دين أهل الكتاب توجب البحث في هذا المجال، وعمل دراسة علمية وافية.
وكان هذا البحث جزءًا من رسالة دكتوراه بعنوان: منهج الصحابة ﵃ في دعوة المشركين من غير أهل الكتاب إلى الإسلام (^١). وقد رأيت أن أعيد صياغته بطريقة كتاب ليسهل على كل قارئ الاستفادة منه، فقد حذفت منه التعريفات المطولة، وبعض الفقرات التي لا تلزم القارئ وتشتت أفكاره.
_________
(^١) رسالة دكتوراه مقدمة للمعهد العالي للدعوة والاحتساب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عام: ١٤٣٤ - ١٤٣٥ هـ.
1 / 10
الفصل التمهيدي
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: الصحابة ﵃ ومكانتهم.
المبحث الثاني: مفهوم المشركين وأصنافهم وسماتهم.
1 / 11
تمهيد:
إن أهمية الصحابة ﵃ لدى كل مسلم توجب التطرق لهم، وذكرهم، ومن الأهمية بمكان معرفة معنى الصحبة، ومن يندرج تحت هذه التسمية، خصوصًا أنه اختُلف في ذلك، وكذلك ما يترتب على الصحبة من فضل تبنى عليه مكانتهم لدى المسلمين، وبها تكون محبتهم التي هي من محبة رسول الله ﷺ.
وفي المقابل نجد من الأهمية أيضًا معرفة مفهوم المشركين وسماتهم وأقسامهم، والأصناف التي تندرج تحت هذا المصطلح.
ومن أجل ذلك وضع هذا الفصل ليبين من هم الصحابة ومكانتهم وفضلهم، والمشركون ومفهومهم وسماتهم وأصنافهم.
وهو ينقسم إلى مبحثين:
المبحث الأول: الصحابة ﵃ ومكانتهم.
المبحث الثاني: مفهوم المشركين وصفاتهم وسماتهم.
1 / 13
المبحث الأول:
الصحابة ﵃ ومكانتهم
أولًا: معنى الصحابة في اللغة:
""صحب": الصاد والحاء والباء أصل واحد يدل على مقارنة شيء ومقاربته" (^١). "وصحب: صَحبَهُ يَصْحَبُه صُحْبة بالضم، وصحابة بالفتح، وصاحبه: عاشره، والصاحب: المعاشر، وكل ما لازم شيئًا فقد استصحبه" (^٢)، وعند ابن قتيبة: "صحبت الرجل من الصحبة، وأصحبت له، أي: انقدت له وتابعت" (^٣)، وقال الجوهري: "الصحابة بالفتح: الأصحاب، وهي في الأصل مصدر، وجمع الأصحاب أصاحيب، وأصحبته الشيء: جعلته له صاحبًا، وكل شيء لاءَمَ شيئًا فقد استصحبه، واصطحب القوم: صحب بعضهم بعضًا" (^٤)، "والصُّحبَة والصَّحْبُ اسمان للجمع، وهو خلاف لمذهب سيبويه حسب قول الأخفش، وصاحب القوم: أحدهم" (^٥)، "وأصحب فلان:
_________
(^١) معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، كتاب الصاد، باب الصاد والحاء وما يثلثهما، ٣/ ٣٣٥.
(^٢) لسان العرب، ابن منظور، مادة: صحب، ١/ ٥١٩.
(^٣) أدب الكاتب، ابن قتيبة، باب الأفعال، ص ٣٦٠.
(^٤) الصحاح، الجوهري، حرف الصاد، ص ٦٣٣.
(^٥) المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده، ٣/ ١٦٦.
1 / 15
إذا بلغ ابنه، ومعناه: كان فردًا فصار ذا صاحب، وأصحبتُه فهو مُصحَبٌ، أي: فعلت به ما جعلته صاحبًا لي غير نافر عني" (^١)، "والصاحب: الملازم إنسانًا كان أو حيوانًا أو مكانًا أو زمانًا، ولا فرق بين أن تكون مصاحبته بالبدن وهو الأصل والأكثر، أو بالعناية والهمة، ولا يقال في العرف إلا لمن كثرت ملازمته، والمصاحبة والاصطحاب أبلغ من الاجتماع لأجل أن المصاحبة تقتضي طول لبثه، فكل اصطحاب اجتماع وليس كل اجتماع اصطحابًا" (^٢)، ويرى الكفوي أن "كلمة الصاحب تعم القليل والكثير، وهي لمن كثرت ملازمته وطالت صحبته" (^٣).
ويقول الفراهيدي: "إن الصاحب يكون في حالٍ نعتًا لكنه عمَّ في الكلام فجرى مجرى الاسم كقولك صاحب مال، أي: ذو مال، وصاحب زيد، أي: أخو زيد" (^٤).
ومن جميع هذه التعريفات نجد أن كلمة "صحابة" في اللغة لا تتعدى أن تكون اسم جمع لمن طالت عشرتهم وملازمتهم وهم متفقون متلائمون.
وجذر "صحب" في اللغة لها معانٍ عدة تختلف عن المعنى المقصود هنا والذي ذكرناه سابقًا، وسوف نذكرها هنا للاستفادة والتفريق بين المعاني، فمنها "قولك صاحب مال، أي: ذو مال -ذكرناه سابقًا-، وهو يدل على الملكية لشيء، كما تعني كلمة
_________
(^١) أساس البلاغة، الزمخشري، حرف السين، ص ٤٦٦.
(^٢) المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، كتاب الصاد، ص ٢٧٥.
(^٣) الكليات، الكفوي، فصل الصاد، ٣/ ١١٢.
(^٤) العين، الفراهيدي، حرف الحاء، باب الثلاثي الصحيح، باب الحاء والصاد والباء، ٣/ ١٢٤.
1 / 16
صاحب من يملك التصرف والتدبير في أمر معين كصاحب الشرطة وصاحب الخراج والجيش وصاحب السوق للمحتسب" (^١)، بالإضافة إلى أصحاب الفيل وأصحاب الأخدود الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم، والصاحبة هي الزوجة كما ورد في قوله تعالى: ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ﴾ (^٢)، وقوله تعالى: ﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ﴾ (^٣)، ويقول الشيخ السعدي: "إن الصاحبة في الآيات هي الزوجة" (^٤).
"ويصحب: تأتي بمعنى يجير ويمنع، فيقول القرطبي في قوله تعالى: ﴿وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ﴾ (^٥)، أي: يجارون، وتقول العرب: أنا لك جار وصاحب من فلان، أي: مجير منه" (^٦). "وجلد أصحب، أي: عليه شعر أو وبر، وأصحب الماء: علاه الطحلب، ويتصحب منا، أي: يستحي منا" (^٧).
ثانيًا: مفهوم الصحابة ﵃ في الاصطلاح:
إن مفهوم الصحابة وتحديد من هو الصحابي من غيره من المسلمين وما الصفات التي يجب أن تتوافر فيه ليطلق عليه اسم صحابي من الاصطلاحات المختلف عليها عند أهل الاختصاص، فمنهم من توسع في إطلاق لفظ الصحابي وجعله مصطلحًا
_________
(^١) الكليات، الكفوي، فصل الصاد، ٣/ ١١٢، (بتصرف).
(^٢) سورة الأنعام، الآية: ١٠١.
(^٣) سورة المعارج، الآيتان ١١ - ١٢.
(^٤) تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ١٠٤٦.
(^٥) سورة الأنبياء، الآية: ٤٣.
(^٦) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، الجزء الثاني، المجلد السادس، تفسير سورة الأنبياء، ص ١٤٧.
(^٧) لسان العرب، ابن منظور، مادة: صحب، ١/ ٥٢٠.
1 / 17
واسعًا بدون قيد أو شرط، أو كانت شروطه مرنة جدًا كالمحدثين من أهل العلم، ومنهم من قيد لفظ الصحابي بشروط محددة وفي نطاق ضيق وتشدد في ذلك، وهم الأصوليون من أهل الفقه، وفي هذا المبحث سوف نتكلم عن آراء الفريقين ومن تبنى كل رأي من علماء الإسلام وأئمته.
لعل أكثر المحدثين يتبنون رأي الإمام البخاري في الصحيح "أن من صحب النبي ﷺ أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه" (^١). وهذا القول أخذه الإمام البخاري حسب قول الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" من كلام شيخه علي بن المديني حيث كتب ابن حجر قائلًا: "قرأت في "المستخرج" لأبي القاسم بن منده بسنده إلى أحمد بن سيار الحافظ المروزي قال: سمعت أحمد بن عتيك يقول: قال علي بن المديني: من صحب النبي ﷺ أو رآه ولو ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي ﷺ «^٢). ومن هذين التعريفين يتبين توسع الإمام البخاري وشيخه ابن المديني في إطلاق لفظ الصحابي، بحيث لم يجعلا للصحبة مدة محددة، إنما يكفي فيها الصحبة أو الرؤية، فيدخل في هذا كل من أسلم في عهد النبي ﷺ ورآه. إلا أن هذا التعريف أوجد إشكالًا لدى الأصوليين، وذلك فيمن ارتد عن الإسلام سواء رجع أو لم يرجع عن ردته، ومن رأى الرسول ﷺ وهو طفل لم يبلغ ولم يميز، ومن رأى الرسول ﷺ بعد وفاته وقبل دفنه، وفي تعريف الإمام البخاري
_________
(^١) صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، ص ٦١٣.
(^٢) فتح الباري، ابن حجر، كتاب فضائل أصحاب النبي، ٧/ ٤٢٢٩.
1 / 18
يقول ابن حجر: "يعني أن اسم صحبة النبي ﷺ مستحق لمن صحبه أقل ما يطلق عليه اسم صحبة لغة، وإن كان العرف يخص ذلك بعض الملازمة ويطلق أيضًا على من رآه رؤية ولو على بعد" (^١). والرؤية هنا أوسع من الصحبة في اللغة، فمن رأى الرسول ﷺ في الحج أو العمرة أو في الغزو أو من رآه في مكة أو المدينة أو في الحل والسفر وهو مسلم فقد شمله اسم "صحابي".
ويرى الإمام أحمد "أن كل من صحب الرسول ﷺ سنة أو شهرًا أو يومًا أو ساعة أو رآه، فهو من أصحابه، له من الصحبة على قدر ما صحبه، وكانت سابقته معه وسمع منه ونظر إليه" (^٢). وأضاف شيخ الإسلام ابن تيمية كلمة "مؤمنًا" بعد كلمة "رآه" (^٣). وهنا جعل المدة والسمع والنظر إلى الرسول ﷺ هي من يحدد قدر الصحبة منهم مكثر ومنهم مقل وجميعهم صحابة. وقد استند كلام الإمام أحمد والبخاري وشيخ الإسلام في تعريفهم هذا على حديث أبي سعيد الخدري ﵁ عن النبي ﷺ قال: (يأتي على الناس زمان، يغزو فئام (^٤) من الناس فيقال لهم: فيكم من رأى رسول الله ﷺ؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس، فيقال لهم: هل فيكم من رأى من صحب رسول الله ﷺ؟ فيقولون نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم: هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله ﷺ؟ فيقولون نعم، فيفتح
_________
(^١) فتح الباري، ابن حجر، كتاب فضائل أصحاب النبي، كتاب فضائل أصحاب النبي، ٧/ ٤٢٢٨.
(^٢) الكفاية، الخطيب البغدادي، ص ٥٠.
(^٣) انظر: مجموع الفتاوى، ابن تيمية، فصل الاعتقاد، ٤/ ٤٦٤.
(^٤) الفئام: الجماعة من الناس، (انظر: العين، الفراهيدي، باب الثلاثي المعتل من الفاء، ٨/ ٤٠٥).
1 / 19
لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من رأى أصحاب أصحاب أصحاب رسول الله ﷺ؟ فيقولون: نحن، فيفتح لهم «^١)، يقول شيخ الإسلام: "وحديث سعيد هذا يدل على شيئين: على أن صاحب النبي ﷺ هو من رآه مؤمنًا به وإن قلت صحبته ... " (^٢).
أما الحافظ ابن حزم الأندلسي فقد أورد تعريفًا للصحابة مفصلًا أكثر من التعاريف السابقة، فيقول: "أما الصحابة ﵁ فهم كل من جالس النبي ﷺ ولو ساعة وسمع منه ولو كلمة فما فوقها، أو شاهد منه (أمرًا يعيه، ولم يكن من المنافقين الذين اتصل نفاقهم واشتهر حتى ماتوا على ذلك، ولا مثل من نفاه (باستحقاقه كهيت المخنث ومن جرى مجراه، فمن كان كما وصفنا أولًا فهو صاحب" (^٣). ففصَّل ﵀ في تعريف الصحابي وكأنه يضع ضوابط لمعرفة الصحابي، فأول ضابط هو المجالسة ولو ساعة، وهذا الضابط ذكره الإمام أحمد في تعريفه، وهو توسيع لدائرة الصحبة، كما أنه جعل من ذلك السماع من الرسول ﷺ ولو كلمة وما فوقها، فبهذا يكون رد السلام من الرسول ﷺ يُدْخِلُ في دائرة الصحبة.
_________
(^١) صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، رقم ٦٤٦٧، ص ١١١٠.
(^٢) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ٢٠/ ٢٩٨.
(^٣) الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم الأندلسي، ٥/ ٨٩.
1 / 20
كما أن المشاهدة لأمر يعيه المشاهد حتى لو كانت عن بعد تدخل في الصحبة بشرط أن يعيه، أي يكون مميزًا وليس طفلًا صغيرًا لم يصل لمرحلة التمييز أو فاقدًا للعقل عند رؤية الرسول ﷺ سواء بمؤثر كالخمر وبدون مؤثر كالجنون، والضابط الأهم هو ألا يكون منافقًا مشتهر النفاق حتى مات، فهذا يخرجه من دائرة الإسلام؛ لأن المنافقين إخوان الكفار، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ (^١)، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ (^٢)، وقال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ (^٣).
وقد أورد الخطيب البغدادي قول ابن عمر أن أهل العلم يقولون: "كل من رأى رسول الله ﷺ وقد أدرك الحلم وأسلم وعقل أمر الدين ورضيه فهو عندنا ممن صحب النبي ﷺ ولو ساعة من نهار، ولكن أصحابه على طبقاتهم وتقدمهم في الإسلام" (^٤).
وفي هذا القول تأييد للأقوال السابقة من حيث الرؤية والتمييز، إلا أنه جعل الحلم شرطًا في الصحبة، وهذا مختلف فيه بين أهل العلم، فيقول العراقي في "التقييد والإيضاح": "والصحيح أن البلوغ ليس شرطًا في حدِّ الصحابي، وإلا لخرج بذلك من أجمع العلماء على عدِّهم في الصحابة، كعبدالله بن الزبير، والحسن والحسين ﵃ " (^٥).
_________
(^١) سورة الحشر، الآية: ١١.
(^٢) سورة النساء، الآية: ١٤٠.
(^٣) سورة التوبة، الآية: ٦٨.
(^٤) الكفاية، الخطيب البغدادي، ص ٤٩.
(^٥) التقييد والإيضاح، زين الدين العراقي، ص ٢٩٥.
1 / 21
ولعل تعريف الإمام ابن حجر العسقلاني هو أوفى التعاريف وأشملها، وأقرب لوصف الصحابي، وتعريفه هذا الذي أورده في كتابه "الإصابة" حيث يقول: "إن الصحابي من لقي النبي ﷺ مؤمنًا به، ومات على الإسلام، فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو، ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى" (^١).
ثم شرح ابن حجر هذا التعريف، ومن يدخل في الصحبة ومن يخرج منها، وسوف نذكر بعض النقاط المهمة التي ذكرها في شرحه، فمنها الإيمان بالرسول ﷺ، وهو يعني خروج من لقيه كافرًا ولو أسلم بعد ذلك ولم يلق الرسول ﷺ، كما أن كلمة "مؤمنًا به" تعني كل مكلف سواء من الإنس أو الجن الذين آمنوا به، أما قوله: "مات على الإسلام" فيخرج من الصحبة من ارتد ومات على الكفر كعبيد الله بن جحش (^٢).
ونلحظ هنا أن ابن حجر لم يبين هل يُشترط في اعتبار الصحبة أن من رأى الرسول ﷺ لا بد أن يكون بالغًا أو مميزًا؟ أو يدخل في ذلك حتى الأطفال الرضع، وبهذا قد يشمل تعريفه أكثر أطفال المسلمين؛ لأنه في زمن الرسول ﷺ كان من ولد له ولد أَتى به إلى الرسول ﷺ ليحنكه، وهذا من مواضع الخلاف لدى المعرفين لمعنى الصحبة.
_________
(^١) الإصابة، ابن حجر، ١/ ٧.
(^٢) انظر: المرجع السابق، ١/ ٧.
1 / 22
ومما سبق يتضح لنا أن هناك صفات متفقًا عليها وصفات أخرى مختلفًا فيها فيمن يطلق عليه اسم الصحبة، ومن الصفات المتفق عليها ما يأتي:
١. الإيمان بالرسول ﷺ، ويخرج من آمن بغيره من الأنبياء دونه ﷺ كأهل الكتاب.
٢. رؤيته حقيقة أو ملاقاته، ويشمل ذلك من كان أعمى كابن أم مكتوم، ويخرج منه من رآه في المنام.
٣. عدم الردة، يخرج بهذا من ارتدَّ كعبيد الله بن جحش وربيعة بن أمية بن خلف وغيرهم.
٤. الموت على الإسلام.
أما الصفات التي اختلف عليها الفقهاء والمحدثون فهي ما يأتي:
١. التمييز والبلوغ.
٢. الإسلام بعد الردة، وذلك بعد وفاة الرسول ﷺ كالأشعث بن قيس.
٣. الغزو مع الرسول ﷺ.
٤. الرواية عن الرسول ﷺ.
٥. السماع من الرسول ﷺ.
٦. رؤية الرسول ﷺ بعد مماته كأبي ذؤيب الهذلي.
٧. مجالسة الرسول ﷺ.
1 / 23
ثالثًا: مكانة الصحابة ﵃ وفضلهم:
إن تقرير هذه المسألة في غاية الأهمية، لاسيما في هذا الوقت الذي انحرف فيه منهج الدعوة عن مساره لدى بعض الطوائف والأفراد والجماعات، وضعفت مكانة الصحابة ومنزلتهم في نفوس بعض الدعاة حتى انتقصهم أو كاد، ومما لا يشك فيه أي مؤمن عاقل محب لله ولرسوله وصافي العقيدة أن للصحابة فضلًا على من سواهم من البشر، وفضلهم هذا مستمد من صحبتهم لرسول الله ﷺ ومحبته لهم ومحبتهم له، وسوف يتبين فضل هذه الفئة من الناس في هذا المطلب، وذلك اعتمادًا على ما ورد في القرآن الكريم وما ثبت في السنة النبوية وأقوال السلف الصالح، وقد رتب الحاكم النيسابوري الصحابة إلى اثنتي عشرة مرتبة جعلها كالآتي (^١):
١. الطبقة الأولى: قوم أسلموا بمكة قبل الجهر بالدعوة عند دار الندوة، ومنهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ﵃ وغيرهم.
٢. الطبقة الثانية: أصحاب دار الندوة، وذلك بعد إسلام عمر بن الخطاب ﵁ حمل الرسول ﷺ إلى دار الندوة فبايعه جماعة من أهل مكة.
٣. الطبقة الثالثة: الصحابة المهاجرة للحبشة.
٤. الطبقة الرابعة: أصحاب بيعة العقبة الأولى.
٥. الطبقة الخامسة: أصحاب بيعة العقبة الثانية وأكثرهم من الأنصار.
_________
(^١) انظر: معرفة علوم الحديث، النيسابوري، ص ٢٩ - ٣١.
1 / 24