191

Memoirs - Ali Al-Tantawi

ذكريات - علي الطنطاوي

خپرندوی

دار المنارة للنشر والتوزيع

شمېره چاپونه

الخامسة

د چاپ کال

١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٦ م

د خپرونکي ځای

جدة - المملكة العربية السعودية

ژانرونه

الثلاثة الذين منّ الله بهم عليّ في مكتب عنبر، فقبست منهم وأخذت عنهم: سلام، والمبارك، والجندي.
أما الشيخ عبد الرحمن سلام فهو الذي "جرّأني على امتطاء صهوات المنابر ومقارعة الفرسان في ميادين البيان. والذي كان عجبًا من العجب؛ إذا احتاج أن يتكلم في موضوع لم يكُن عليه إلاّ أن يفتح فمه ويحرك لسانه، فإذا المعاني في ذهنه والألفاظ على شفتيه والسحر من حوله، والأنظار متعلقة به والأسماع ملقاة إليه والقلوب مربوطة بحركات يديه. وكان يرتجل الشعر كما يرتجل الخطب، شعرًا دون أشعار المطبوعين المجوّدين وفوق شعر الفقهاء. وكان يرمي الكتاب (كتاب النحو) لا يحفل به، ويتكلم من أول الساعة إلى آخرها في اللغة وفي الأدب وفي كل شيء، كأنه كان يريد أن يربّينا على السليقة العربية بالمحاكاة والمران وينفخ فينا من سحره ليجعلنا أدباء قبل الأوان. وأما المبارك فما رأيت (وما أظن أني سأرى) مدرّسًا له مثل أسلوبه في الشرح والبيان، وفي امتلاك انتباه الطلاب، وفي نقش الحقائق في صفحات نفوسهم بهذه الضوابط المُحكَمة العجيبة التي تلخّص في جملة واحدة فصلًا من فصول العلم" (١).
وفي يوم من أيام سنة ١٩٢٣ دخل علينا الشيخ سلام ولكن لا كما كان يدخل كل يوم، وألقى خطبته ولكن لا كما يُلقي؛ دخل حزينًا وألقى خطبة الوداع، ثم ذهب وذهبَت معه قلوبنا.

(١) هذا المقطع والذي مرّ قبله في الصفحة السابقة جزء من مقالة «أستاذنا الجندي»، وهي في كتاب «من حديث النفس» (مجاهد).

1 / 202