أتسمّونها مصادفات؟ أم هي حظوظ؟ أم دليل على أن الشهرة ليست مقياس عظمة الرجال؟
* * *
لمّا أرسل إليّ الأستاذ ظافر أصول كتابه «مكتب عنبر» لأكتب مقدمته كنت في الرياض، في أول سنة قدمت فيها المملكة (هذه القَدْمة الأخيرة سنة ١٣٨٣هـ). تركت محكمة النقض (وكنت مستشارًا فيها) وجئت. ولم أكُن أعرف أحدًا ولا يكاد يعرفني أحد، فكنت من السأم والمَلال كمَن كان في ظلام السينما فطلع عليه الفِلم يعرض صور عالَم كان يومًا دنياه وكانت فيه حياته.
لقد حرّكَت تلك الأصول سواكنَ نفسي وبعثَت لي أحداث أمسي، وهزّتْني هزًا حتى لقد أحسست كأنْ قد عادت لي مَواضي أيامي. وهل تعود الأيام الماضيات؟ لا، ما تعود، ولكنْ أنا الذي عاد إليها على جناحَين من ذكرى وخيال، لأدخلها مرة ثانية فأعيش فيها في حلم ممتع فنان.
إن مدرّسي الإنشاء ومخبري الصحف ومذيعي الإذاعة لا يكادون يلقَون أحدًا حتى يسألوه: ما هو شعورك؟ كلمة تُقال وتُردَّد، لا السائل يدري عمَّ يَسأل ولا المسؤول يدري بمَ يجيب؟
ولكني إن سُئلت عن شعوري وأنا أتحدث عن مكتب عنبر -بعدما فارقته من ثلاث وخمسين سنة- لقلت إنه كشعور البدوي العاشق، الذي طالما أنس بلقاء المحبوب على غفلة الرقيب في ظلال الخيمة المنفردة ساعة الأصيل، وعلى طرف الغدير الصافي