217

Mecca and Medina in the Pre-Islamic Period and the Era of the Prophet Muhammad (PBUH)

مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم

خپرندوی

دار الفكر العربي

ژانرونه

من المشقة والعذاب، فتواصت البطون القرشية بتعذيب من أسلم منها، وألحت على المستضعفين من الموالي والعبيد بالعذاب، كما ألحت على من أسلم من رجالها ونسائها بالأذى، وهي مع كل ذلك تقيم دعاية قوية ضد دعوة محمد ﷺ وتتهمه مرة بالسحر ومرة بالجنون ومرة بالافتراء، وتقف لكل وارد على مكة تحذره من ذلك الرجل الذي يملك من سحر البيان ما يفرق به بين المرء وزوجه والأخ وأخيه، وتتخذ مما يحدث في بيوتها مثلًا تضربه على ما تقول، ثم هي لا تني عن سؤال أهل الكتاب من اليهود والنصارى عما يدعيه محمد ﷺ تريد بذلك أن تقيم حجة على ما تقول، ويقوم بعض رجالها بعقد مجالس يتحدثون فيها إلى الناس بغريب القصص وأساطير الأمم يعارضون بها مجالس محمد ﷺ يريدون بذلك أن يصرفوا الناس عنه، وأن يفهموهم أنه إنما يأتي بمثل هذه الأساطير١. وقد تسرف في تصرفها مع الوافدين على مكة من رجال القبائل، فتتعدى التحذير إلى الإعنات، وقد تبطش بمن لا تؤثر فيه دعايتها ويصر على إعلان إيمانه من الوافدين، ولم يكن يردها عن الفتك به إلا حرصها على علاقتها الطيبة مع القبائل وخوفها على مصالحها التجارية، كما فعلت بأبي ذر الغفاري حين أسلم٢.

١ ابن هشام ١/ ٣٨١.
٢ أسد الغابة ٥/ ١٨٧.
الهجرة في سبيل الدعوة:
ولما رأى النبي ﷺ الأذى يشتد بأصحابه، أمرهم بالهجرة إلى الحبشة: "فإن بها ملكًا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجًا مما أنتم فيه" فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله ﷺ إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة وفرارًا إلى الله بدينهم، فكانت أول هجرة في الإسلام١.
وفي هجرة المسلمين إلى الحبشة لا بد بعرض سؤال: لماذا فكر النبي ﷺ في الحبشة ولم يفكر في غيرها من أقاليم الجزيرة العربية؟ الواقع أن تفكير النبي ﷺ في الحبشة ينطوي على معرفة كبيرة بالظروف وإلمام تام بأحوال الجزيرة العربية، كما أن فيه لفتة سياسية من جانب النبي ﷺ موجهة إلى قريش.

١ ابن هشام ١/ ٣٤٣.

1 / 224