213

Mecca and Medina in the Pre-Islamic Period and the Era of the Prophet Muhammad (PBUH)

مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم

خپرندوی

دار الفكر العربي

ژانرونه

الحلم الذي سادت به القبائل، وها هو محمد ﷺ يسفه أحلامها ويحقر عقولها، ثم هو ينتقص من الدين الذي تقوم على رعايته ومنه أخذت زعامتها الروحية بين العرب، وعلى أساس هذه الزعامة يقوم مركزها الاقتصادي؛ لذلك رأت في الدعوة الجديدة خطرًا يتهدد مركز مكة الأدبي والمادي على السواء، ولم تستطع أن تقتنع بما يقوله محمد ﷺ بأنه جاءهم بخير ما يأتي به رجل قومه، وقالوا كما عبر القرآن: ﴿إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾ [القصص] وبالرغم من إحساسهم بأن ما جاء به حق فإنهم لم يطمئنوا إلى هذا الدين الجديد الذي يريد أن يشكل محمد ﷺ المجتمع على أساسه.
فالمصلحة المادية كانت عاملًا من العوامل التي دفعت قريشًا إلى الوقوف في وجه النبي ﷺ وكذلك الاستمساك بالقديم سبب آخر دعا قريشًا إلى المعارضة، وأيدها الرأي العام الوثني فجلت فيها. وبالرغم من وقوف العصبية العشائرية لحماية محمد ﷺ ومن آمن به من قريش؛ فإن النبي ﷺ لم يكن يستطيع أن يعتمد على العصبية في دعوته الدينية، لأسباب منها: أن دعوته إنسانية عامة تسمو على التعصب، ولأن التورط في مجال العصبية يجعله يدور في دائرة مقفلة يصعب عليه أن يخرج منها؛ بل هي تحصره في الدائرة القبلية التي كان يريد الخروج منها بطبيعة دعوته االدينية.
ولقد لقي النبي ﷺ ومن آمن به عنتًا كبيرًا، وأوذوا في أنفسهم وأموالهم، ودفع بعضهم حياته ثمنًا لعقيدته، فقد عذبت قريش المستضعفين من المسلمين، وحتى من كان له عصبية تحميه وعشيرة يعتز بها لم يسلم من الأذى؛ لأن البطون القرشية كلها اشتركت في محاولة فتنة المسلمين، وأخذت كل عشيرة نفسها بتعذيب من أسلم منها، حتى اضطر النبي ﷺ إلى أن يفكر في مخرج لأصحابه من هذه الفتنة الشديدة، فأذن لهم بالهجرة إلى الحبشة١.
وإذا كانت قريش قد حرصت على ألا تسفك دماء القرشيين حتى لا تقع ثارات فتجر إلى الحرب الداخلية في مكة؛ فإن بعض الموالي فقد حياته تحت التعذيب، فقد مات ياسر والد عمار بن ياسر تحت التعذيب، وقتلت زوجته سمية بطعنة من يد أبي جهل عمرو بن هشام أحد سادات قريش من بني مخزوم، ولقي عمار نفسه من العذاب ما كاد يقضي عليه٢، وكذلك ذاق بلال بن رباح، وغيره من الرقيق الذي أسلم نساء

١ ابن هشام ١/ ٣٤٢.
٢ ابن هاشم ١/ ٤٣٢.

1 / 220