Mazid Fath al-Bari Bisharh al-Bukhari - Manuscript

Ibrahim ibn Ali al-Nu'mani d. 898 AH
43

Mazid Fath al-Bari Bisharh al-Bukhari - Manuscript

مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط

خپرندوی

عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري

د خپرونکي ځای

https

ژانرونه

المُسْتَمْلي: «قَالَ: ثمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ» بزيادة كلمة (ثُمَّ)، والبرُّ بكسر الباء الموحَّدة: الإحسان، و(بِرُّ الوَالِدَيْنِ): الإحسان إليهما والقيام بخدمتهما وترك العقوق والإساءة إليهما، من برَّ يَبرُّ فهو بارٌّ وجمعُه بَرَرَةٌ. قوله: (الجِهَادُ فِي سَبِيْلِ اللهِ) وهو المحاربة مع الكفَّار لإعلاء كلمة الله وإظهار شعائر الإسلام بالنفس والمال، فإن قلت: ما الحكم في تخصيص الذكر بهذه الأشياء الثلاثة؟ قال العَيني: هذه الثلاثة أفضل الأعمال بعد الإيمان، من ضيع الصَّلاة الَّتي هي عماد الدين مع العلم بفضيلتها كان لغيرها من أمر الدين أشدَّ تضييعًا وأشدَّ تهاونًا واستخفافًا، وكذا من ترك برَّ والديه فهو لغير ذلك من حقوق الله أشدُّ تركًا، وكذا الجهاد من تركه مع قدرته عليه عند تعيُّنه فهو لغير ذلك من الأعمال الَّتي يُتقرب بها إلى الله أشدُّ تركًا، فالمحافظ على هذه الثلاثة حافظ على ما سواها، والمضيِّع لها كان لما سواها أضيع. قوله: (حَدَّثَنِي بِهِنَّ) مقول عبد الله بن مسعود، أي بهذه الأشياء الثلاثة، وإنَّه تأكيد وتقرير لما تقدَّم، وإنَّه باشر السؤال وسمع الجواب؛ إذ لا ريب أنَّ اللَّفظ صريح في ذلك، وهو أرفع درجات التحمُّل. قوله: (وَلَوِ اسْتَزَدتُهُ) أي ولو طلبت منه الزيادة في السُّؤال لزادني رسول الله ﷺ في الجواب، ثمَّ طلبُه الزيادة يحتمل أن يكون أرادها من هذا النَّوع وهي مراتب أفضل الأعمال، ويحتمل أن يكون أرادها من مطلق المسائل المحتاج إليها، وفي رواية التِّرْمِذي من طريق المسعودي عن الوليد: «فسكت عنِّي رسول الله ﷺ ولو استزدته لزادني»، فكأنَّه فهم منه السآمة، فلذلك قال ما قاله، ويؤيِّده ما في رواية مسلم: «فما تركت أستزيده إلَّا إرعاء عليه» أي شفقة عليه لئلَّا يسأم. فيه: أنَّ أعمال البرِّ يفضل بعضها على بعض عند الله تعالى، فإن قلت: ورد أنَّ إطعام الطعام خير أعمال الإسلام، وورد أنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله أدومه وغيرُ ذلك، فما وجه التوفيق فيها؟ قال العَيني: أجاب النَّبِيُّ ﷺ لكلِّ من سأل بما يوافق غرضه، أو بما يليق به، أو بحسب الوقت، فإن الجهاد كان في ابتداء الإسلام أفضل الأعمال؛ لأنَّه كان الوسيلة إلى القيام بها والتمكُّن من أدائها، أو بحسب الحال؛ فإن النصوص تعاضدت على فضل الصَّلاة على الصدقة، وربَّما تجدَّد حالٌ يقتضي مواساة مضطر فتكون الصَّدقة حينئذ أفضل. ويقال: إن أفعل في أفضل الأعمال ليس على بابه، بل المراد به الفضل المطلق، ويقال: التقدير: إنَّ من أفضل الأعمال، فحذفت كلمة مِن، وهي مرادة. قال العَيني: وفيه نظر. قلت: من جهة أنَّ السائل على هذا التقدير لم يحصل له الجواب عن جميع ما سأل عنه، وأيضًا إذا قلنا: البيان لا يتأخَّر عن وقت الحاجة، وأيضًا فقد أتى في اللَّفظ بثُمَّ الَّتي لا تقتضي مشاركة الثَّاني للأوَّل في الرتبة. وقال ابن بطَّال: فيه أنَّ البدار إلى الصَّلاة في أوَّل وقتها أفضل من التراخي فيها؛ لأنَّه إنَّما شرط فيها أن تكون أحبَّ الأعمال إذا أُقيمت لوقتها المستحبِّ. قال العَيني: لفظ الحديث لا يدلُّ على ما ذكره على ما لا يخفى. وقال ابن دقيق العيد: ليس في هذا اللَّفظ - أي قوله ﵇: (على وقتها) ما يقتضي أولًا ولا آخرًا، وكأنَّ المقصود به الاحتراز عما إذا وقعت قضاء. قال شيخنا: وتُعُقِّبَ بأنَّ إخراجها عن وقتها محرَّم، ولفظ (أحبُّ) يقتضي المشاركة في الاستحباب، فيكون المراد الاحتراز
عن إيقاعها آخر الوقت. وأجيب: بأنَّ المشاركة إنَّما هي بالنسبة إلى الصَّلاة وغيرها من الأعمال، فإن وقعت الصَّلاة في وقتها كانت أحبَّ إلى الله تعالى من غيرها من الأعمال، فوقع الاحتراز عما إذا وقعت خارج وقتها من معذور كالنَّائم والناسي؛ فإن إخراجه لها عن وقتها لا يوصف بالتحريم، ولا يوصف بكونه أفضل الأعمال مع كونه محبوبًا، لكن إيقاعها في الوقت أحبُّ. وقال العَيني: الذي يدلُّ ظاهر اللَّفظ أنَّ الصَّلاة مشاركة لغيرها من الأعمال في المحبَّة، فإذا وقعت الصَّلاة في وقتها كانت أحبَّ إلى الله من غيرها، فيكون الاحتراز عن وقوعها خارج الوقت. فإن قلت: روى التِّرْمِذي من حديث ابن عُمَر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: «الوقت الأوَّل من الصَّلاة رضوان الله، والوقت الأخير عفو الله»، والعفو لا يكون إلَّا عند التقصير. قال العَيني: قال ابن حبَّان لمَّا رواه في «كتاب الضعفاء»: تفرَّد به يعقوب بن الوليد، وكان يضع الحديث. وقال أبو حاتم الرازي: هو موضوع. وقال الميموني: سمعت أبا عبد الله يقول: لا أعرف شيئًا ثبت في أوقات الصَّلاة أوَّلها كذا وأوسطها كذا، يعني مغفرة ورضوانًا. انتهى. قلت: لكن الحديث الذي أخرجه ابن خُزَيمَة في «صحيحه» عن بُندار يدلُّ على أنَّ الصَّلاة في أوَّل وقتها أفضل، وقال علماؤنا: ويسنُّ تعجيل الصَّلاة لأوَّل وقتها، ولا شكَّ أنَّ تارك السنَّة مقصِّر، ولم يزل الصالحون مثابرين على إقامة الصَّلاة في أوَّل الوقت، ولا يخفى أنَّ من قام بالمأمور به عند أوَّل وقتٍ من تعلَّق الخطاب به أحبُّ إلى الآمر ممن يتراخى في القيام به؛ لأنَّ الأوَّل يدلُّ على شدَّة محبَّته للآمر وحرِصه على القيام بحقِّه ونشاطِه، وإن كان التراخي لا يدلُّ على عدم هذه الأشياء غير أنَّ الأوَّل دلَّ فعلُه على هذا. انتهى. وفيه تعظيم الوالدين وبيان فضله، ويجب الإحسان إليهما ولو كانا كافرين. وفيه السؤال عن مسائل شتَّى في وقت واحد، وجواز تكرير السؤال. وفيه الرِّفق بالعالم والتوقُّف عن الإكثار عليه خشية مَلاله. وفيه ما كان هو ﵇ من إرشاد المسترشد ولو شقَّ عليه ﷺ. وفيه أنَّ الإشارة تنزل منزلة التصريح إذا كانت معيِّنة للمشار إليه مميزةً له على غيره، ألَّا ترى أنَّ الأخرس إذا طلَّق امرأته بالإشارة المفهمة يقع طلاقه بحسب الإشارة وكذا سائر تصرفاته؟! وقال ابن بَزيزَة: الذي يقتضيه النظر تقديم الجهاد على جميع أعمال البدن؛ لأنَّ فيه بذل النفس، إلَّا أنَّ الصبر على المحافظة على الصَّلوات وأدائها في أوقاتها والمحافظة على برِّ الوالدين أمر لازم متكرر دائم لا يصبر على مراقبته أمر الله فيه إلَّا الصدِّيقون، والله أعلم. قلت: وفي الحديث أنَّ طالب العلم يبدأ في تعلمه من العلم بما يدلُّ على أفضل الأعمال عند الله، فإن قلت: فعلى هذا تكون البداءة بالعلم المتعلِّق بذات الله وصفاته؟ قلت: هو كذلك، ولكن لما علم ﵇ أنَّ السائل عنده ذلك أجابه بمراده. فإن قلت: هل لعلم التوحيد عمل؟ قلت: علمُه عملُه وعملُه علمُه إذا قلنا: إنَّ اعتقاد القلب كان في ذلك دون النطق باللسان، فإن قلنا:

1 / 43