د یوازې سړي پر مړینه پر مړکۍ
موت الرجل الوحيد على الأرض
ژانرونه
رمقتها زينب بعينيها السوداوين اللتين اتسعتا في دهشة وقالت: أستغفر الله العظيم. ربنا كبير يا عمتي، ويساعد كل مظلوم. قومي توضئي وصلي وادعي الله ليساعدنا.
أشاحت زكية بيديها: ياما صليت وياما دعيت يا زينب، وكل يوم لا نرى إلا مصيبة وراء مصيبة!
لم يكن صوتها غاضبا، بل كان خافتا هادئا وباردا كقطعة الثلج. لكن عيني زينب اتسعتا بالدهشة حين نظرت في عينيها، ورأتهما مرفوعتين شاخصتين نحو السماء في نظرة غريبة، جعلت الشعر فوق جسدها ينتصب بقشعريرة غامضة، وارتجفت يدها وهي تمتد لتمسك يد زكية، وقالت لها: ما لك يا عمتي؟ يدك باردة كقطعة من الثلج؟
لم ترد زكية عليها، وظلت عيناها السوداوان مفتوحتين، متسعتين، شاخصتين في الفراغ، فارتعدت يد زينب وهي تهزها في كتفها: ما لك يا عمتي؟
حينما لم ترد زكية وعيناها ظلتا واسعتين سوداوين لا يرمش لهما جفن، صرخت زينب صرخة عالية وهي تلطم وجهها: عمتي يا ناس! عمتي زكية!!
لم تسمع زكية الأصوات ولم تر الأجسام التي ملأت مدخل البيت الترابي والدار والحارة وحجبت عن عينيها الباب الكبير، لكن الأعمدة الضخمة ظلت أمام عينيها كالسيقان الحديدية الطويلة تزحف نحوها ببطء وهي راقدة على بطنها في المدخل الترابي، تلعق التراب بلسانها، واللعاب يسيل من فمها وأنفها وعينيها، وتبكي بصوت عال لتسمعها أمها وتأتي لتحملها بين ذراعيها بعيدا عن أقدام الجاموسة، لكن الجاموسة تقترب منها وتكاد تدوسها، لولا أن أمها تأتي أخيرا وترفعها. حلم غريب ظل يتردد على نومها، أحيانا ترى جسدها يسقط من فوق جبل عال ثم يغرق في النيل، لكنها تسبح بكل قوتها رغم أنها لا تعرف السباحة وتكاد تصل إلى نهاية الطريق لكنها ترى بابا أو نافذة عليها قضبان من الحديد، وهي راقدة على الحصيرة بين زوجها عبد المنعم وابنها جلال. تفتح عينيها وهي نائمة بينهما على صوت أنفاسها؛ ترى من وراء النافذة الحديدية رجلا غريبا يجر عربة يد عليها كوارع ورأس وكرشة، العربة لا يزال يتساقط منها الدم، عينا الرجل تنظران إليها وهو يقترب منها، وتمتد يده الطويلة ليشد الخلخال من قدمها. حين يقترب ترى أن عيني الرجل هما عينا أم صابر، وأم صابر تشدها من ساقها وتشد فخذها لتبعده عن الفخذ الآخر، ثم تضع الموس البارد على عنقها وتذبحها، تحاول أن تصرخ لكنها لا تستطيع، وتحاول أن تجري هاربة لكنها لا تستطيع، كأنما تسمر جسدها في الأرض ... تحرك رأسها فترى ابنها جلال نائما إلى جوارها، تحاول أن تضمه إليها لكن يدها لا تصل إليه، تحس من الناحية الأخرى يدا تقبض عليها وترى زوجها عبد المنعم راقدا، لكنه ينهض بسرعة ويضربها على رأسها وصدرها وبطنها، وترتطم قدمه ببطنها الحامل فتصرخ، لكن صوتها لا يخرج، وتراه يقترب منها ويشق جلبابها بأصابعه، وتضغط أصابعه على ثديها، ثم تزحف إلى بطنها وتهبط إلى فخذيها، وتحس جسده القوي الثقيل فوقها يضغط ويضغط، ويهز الأرض هزا شديدا. لم يستيقظ ابنها جلال على صوت هزات الأرض، لكنها فتحت عينيها ولم تر وجه عبد المنعم زوجها وإنما وجه كفراوي أخيها، فشهقت مذعورة وندت عنها صرخة لم يسمعها أحد، وأخفى كفراوي وجهه في الحصيرة وسمعت صوته وهو ينشج بالبكاء كأنفاس متقطعة؛ مدت يدها وأمسكت رأسها، ورفعت وجهه من فوق الحصيرة، فرأت أنه وجه جلال ابنها. مسحت دموعه بكفها، وغسلت له فمه وأنفه بماء الزير، لكن أنفه يظل يسيل، وفمه يظل مفتوحا يندفع منه الماء، ومن حوله على الأرض يتجمع الماء وبراز سائل كالماء، يتجمع على شكل بركة صغيرة، لا تلبث أن تجف، ويجف أيضا جسد ابنها وينكمش كالأرنب الصغير، تنبش الأرض بأصابعها وتدفنه كما الأرنب الميت. يعود زوجها عبد المنعم من الحقل، وحين لا يجد ابنه يضربها في رأسها وبطنها، في كل مرة يموت لها ولد يضربها، وفي كل مرة تلد له بنتا يضربها، ولدت عشرة أولاد وست بنات، ماتوا جميعا إلا جلال، الوحيد الذي كبر وعاش.
تتلفت زكية حولها وترى عيونا تحدق في وجهها فتقول كأنما تكلم نفسها: «جلال الوحيد الذي كبر وعاش، ولكنه ذهب هو الآخر ولم يعد. وكفراوي ذهب، ونفيسة ذهبت، والدار أصبحت خالية، وزينب لا تزال صغيرة، وأنا أصبحت عجوزا، ولا أحد سيرعى الحقل والجاموسة.»
وتسمع أصواتا كثيرة ترد في نفس واحد: «ربنا كبير يا زكية، ادعي ربنا يرجعهم بالسلامة.»
وترد وهي لا تنظر إليهم: «ياما دعيت، ياما صليت، وياما قلت يا رب، ولا أحد يرد ولا أحد يسمع.»
وتهتف الأصوات الكثيرة في نفس واحد: أستغفر الله.
ناپیژندل شوی مخ