أقول استعمال «المد» في هذه الآية استعمال لطيف دقيق ، فهو غير «المد» المعروف بمعنى البسط ، وهو استعمال خاص بهذه اللغة الشريفة.
قال الزمخشري «الكشاف 1 : 67» :
( ويمدهم في طغيانهم ) [الآية 15] : من مد الجيش وأمده إذا زاده ، وألحق به ما يقويه ويكثره. وكذلك مد الدواة وأمدها : زادها ما يصلحها.
ومددت السرج والأرض : إذا استصلحتهما بالزيت والسماد. ومده الشيطان في الغي وأمده : إذا وأصله بالوساوس حتى يتلاحق غيه انهماكا فيه.
فإن قلت : لم زعمت أنه من المدد دون المد في العمر والإملاء والإمهال؟ قلت : كفاك دليلا على أنه من المدد دون المد ، قراءة ابن كثير وابن محيصن : (ويمدهم)، وقراءة نافع : ( وإخوانهم يمدونهم )، على أن الذي بمعنى أمهله إنما هو مد له مع اللام كأملى له. فإن قلت : فكيف جاز أن يوليهم الله مددا في الطغيان وهو فعل الشياطين؟ ألا ترى الى قوله تعالى : ( وإخوانهم يمدونهم في الغي ) [الأعراف : 202]؟ قلت : إما أن يحمل على أنهم لما منعهم الله ألطافه التي يمنحها للمؤمنين ، وخذلهم بسبب كفرهم وإصرارهم عليه ، بقيت قلوبهم بتزايد الرين والظلمة فيها ، تزايد الانشراح والنور في قلوب المؤمنين فسمى ذلك التزايد مددا. وأسند إليه سبحانه لأنه مسبب عن فعله بسبب كفرهم. وإما على منع القسر والإلجاء ، وإما على أن يسند فعل الشيطان إلى الله لأنه بتمكينه وإقداره ، والتخلية بينه وبين إغواء عباده.
فإن قلت : فما حملهم على تفسير المد في الطغيان في الإمهال ، وموضوع اللغة كما ذكرت لا يطاوع عليه؟ قلت استجرهم إلى ذلك خوف الإقدام على أن يسندوا إلى الله ما أسندوا إلى الشياطين ، ولكن المعنى الصحيح ما طابقه اللفظ وشهد لصحته ، وإلا كان منه بمنزلة الأروى من النعام.
وفي قوله تعالى : ( ويمدهم في طغيانهم يعمهون (15)) .
العمه : مثل العمى.
قال الزمخشري : «الكشاف 1 : 69» ، «والعمه مثل العمى ، إلا أن العمى عام في البصر والرأي ، والعمه في الرأي
مخ ۹۸