ونشط غير هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء آخَرُونَ من الزَّنَادِقَة الَّذين لم يَكُونُوا برئوا بعد من أثر الْمَجُوسِيَّة والمانوية والزردشية والمزدكية.
كَانَ هَمهمْ وضع الحَدِيث لبلبلة الأفكار وإفساد عقائد الْمُسلمين.
لقد أحصى المحدثون لبَعض فرق الزَّنَادِقَة
وحدهم زهاء أَرْبَعَة عشر ألف حَدِيث مَكْذُوب على الرَّسُول الْكَرِيم ﵊.
وأفظع من ذَلِك وأشنع مَا صنعه ثَلَاثَة نفر فَحسب هم: أَحْمد بن عبد الله الجويباري، وَمُحَمّد بن عكاشة الْكرْمَانِي، وَمُحَمّد بن تَمِيم الْفرْيَابِيّ، الَّذين وضعُوا عشرَة آلَاف حَدِيث وحدهم ونسبوها زورا إِلَى النَّبِي الْكَرِيم، ليضلوا بهَا عَن سَبِيل الله.
وَلم يكن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة، فرسَان حلبة خلت من أَقْرَان، بل كَانَ هُنَاكَ مِمَّن ساواهم، بل بزهم وضاعون آخَرُونَ من أَمْثَال: ابْن أبي يحيى بِالْمَدِينَةِ، والواقدي بِبَغْدَاد، وَمُحَمّد بن سعيد المصلوب بِالشَّام، وَمُقَاتِل بن سُلَيْمَان بخراسان.
لم تكن حَرَكَة الْوَضع وضع الْأَحَادِيث المكذوبة على الرَّسُول الْكَرِيم حَرَكَة ارتجالية عفوية فِي كل الأحيان، إِنَّمَا تطورت إِلَى حَرَكَة مدروسة هادفة، وخطة شَامِلَة لَهَا خطرها وآثارها.
كَانَ من نتائجها الْمُبَاشرَة على العديد من أجيال الْمُسلمين فِي العديد من أقطارهم، شيوع مَا لَا يُحْصى من الآراء الغريبة، وَالْقَوَاعِد الْفِقْهِيَّة الشاذة، والعقائد الزائفة، والافتراضات النظرية المضحكة الَّتِي أيدتها، وتعاملت بهَا، وروجت لَهَا، فرق وَطَوَائِف مُعينَة، لبست مسوح الدروشة والتصوف حينا، والفلسفة حينا، والعباد والزهاد أَحْيَانًا.
وجافت فِي غَالب أحوالها السلوك السوي والفكر وَالْعقل السَّلِيم، فضلا عَن مجافاتها الصارخة لكتاب الله سُبْحَانَهُ، وَهدى نبيه الْكَرِيم عَلَيْهِ والصلاه السَّلَام.
إزاء ذَلِك.
وفى بَوَادِر هَذَا الطوفان وَقد أوشك الْقرن الثَّانِي أَن ينتصف
1 / 9