لقد ضَنَّتْ عَلَيْنَا كُتُبُ التَّرَاجِم بكُلِّ ذلِكَ، فَأصْبَحَ ضَائعًا فِي مَتَاهَةِ تاريخ بَعيدٍ لَمْ يُدْرَسْ، وَلَمْ تُسَلِّط، وَلَو شعاعًا وَاحِدًا عَلَى جَانبٍ مِنْ جَوانِب هذِهِ الْحَيَاةِ الْكَريمَةِ!! ..
أسباب خروجه من بلده:
بَعْد مُضي هذهِ الفترةِ الغامِضَةِ، نَجدُ ابنَ حبان شَريدًا طَريدًا، أُكْره عَلى مُفارقة الأهلِ الذين أَحَبَّ، وَالموْطِنِ الَّذي هَام بِهِ وترعرع فِيه. ونسأل عن سبب ذلكَ، فتحدد لنا كتب التراجم سببين لهذا الإخراج المقيت: يَقولُ الذَّهبي في "ميزان الاعَتدال" ٣/ ٥٠٧: "قال أبو إسماعيل الأنصاري، شيخ الإسلام: سألت يحيى بن عمار عن أبي حاتم بن حبان: رَأيْتَهُ؟. فَقَالَ رَأيتُهُ، وَنَحْن أخْرَجناهُ مِنْ سَجستان، كان لهُ علمٌ كَثيِرٌ، ولم يكنْ لهُ كبيرُ دينٍ، قدمَ علينا، فَأنكرَ الحدَّ لله، فَأخرجْنَاهُ" (١). وقال أبو إسماعيل الأنصاري: "سَمِعْتُ عَبْدَ الصمدِ بْنَ مُحمد بن
_________
(١) تعقب الإمام الذهبي هذا القول في "سير أعلام النبلاء" ١٦/ ٩٧ - ٩٨ بقوله: "قلت: إنكارُكم عليه بِدْعَة أَيْضًا، والخوض في ذلِكَ مما لم يأذن بهِ الله، ولا أتى نصُّ بإثبات ذلك ولا بنفيه، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، وتعالى اللهُ أَنْ يُحَدَّ، أَوْ يُوصَفَ إِلَاّ بمَا وَصَفَ بهِ نَفْسَهُ، أَوْ عَلَّمَهُ رُسُلَة بالمعنى الَّذي أرادَ، بِلَا مِثْل وَلَا كَيْفٍ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهَ شَيْء وَهُوًالسمِيعُ الْبَصِيرُ﴾. [الشورى: ١١] ". وقال ابن حَجَرٍ في"لسان الميزان" ٥/ ١١٤ بعد أن ذكر القول هِذا: "وَالحَقُّ أَنَّ الحَقَّ مَعَ ابْن حِبَّان". وقال السُّبْكى في "طبقات الشافعية الكبرى" ٣/ ١٣٢ - ١٣٣: "قُلْت َ، انْظُرْ مَا أَجْهَلَ هذَاَ الجارِحَ! وَلَيْتَ شِعْرِي مَن الْمَجْرُوحُ؟ مُثْبتُ الْحَدِّ، أَوْ نَافِيهِ؟. وَقَدْ رَأَيْتُ للحافظ صلاح الدين خَليل بن كيكلديَ العلائي ﵀ عَلَى هُنا كَلَامًا أَحْبَبْتُ نَقْلَهُ بعِبَارَتِهِ، قَالَ ﵀ ومن خطه نقلت: "يَا الله العجب!! مَنْ أَحَقُّ بِاْلإخْرَاجِ، وَالتَبْدِيعِ، وَقِلًةِ الدِّينِ؟!.
1 / 19