83

فتى لم يكد ينجو من الموت ذبيحا حتى مات بعيدا عن زوجه التي فارقها عروسا، وعن ولده الذي لم تره عيناه.

لكأنما وجد هذا الفتى في الدنيا ليعقب ذرية تريدها العناية الإلهية، ثم يتركها في كلاءة تلك العناية لقدر لا تغني فيه عناية الآباء.

وفي تاريخ الأنبياء أب عاش حتى شهد بعثة ابنه فأنكرها، وتواطأ مع قومه على خذلانها، فبقيت ذكراه خيبة أمل وحيرة لمن يجل الدعوة ويجل إبراهيم.

فأما هذه الأبوة فالرحمة فيها تملأ مكان الخيبة، والبر بالذكرى يملأ مكان الحيرة، ويتطلع وراءه إلى الأسى على الفقيد، والعزاء للوليد الوحيد.

وحياة لا تشبع سجل الحوادث والخطوب، ولكن النفس تشبعها بما يعوضها عن حوادثها وخطوبها حبا سابغا، وجمالا يفتن فيه الحس والخيال.

وهذا الذي صنعته بديهة الحياة الصادقة، فلم تدع سيرة عبد الله حتى أودعتها من الخواطر والأماني ما تزدحم به أعمار طوال، فما تمناه له المحزونون على صباه وتقواه يفيض في جوانب سيرته حتى تمتلئ به مائة حياة.

قيل في بعض ما قيل من هذه الخواطر والأماني: «إنه لما انصرف مع أبيه بعد أن فداه بنحر مائة من الإبل لرؤيا رآها، مر على امرأة كاهنة متهودة قد قرأت في الكتب يقال لها: فاطمة، فقالت له حين نظرت إلى وجهه - وكان أحسن رجل في قريش: لك مثل الإبل التي نحرت عنك، وأبذل لك نفسي؛ لما رأت في وجهه من نور النبوة، ورجت أن تحمل بهذا النبي الكريم

صلى الله عليه وسلم ، فأجابها بقوله:

أما الحرام فالممات دونه

والحل لا حل فأستبينه

ناپیژندل شوی مخ