وذهاب الفجر الكاذب، وإياب ضده المعاقب، ذي الألقاب الغرّ والمناقب، فوصلنا وقت الضحى الأعلى إلى منزل سراقب، وهو منزل رحيب، ذو مرعى خصيب، قد أخذ من الحسن والإحسان أوفر نصيب، غير أنه كثير الطُّرار والطراق، جم اللصوص والسُّراق، فلما حان وقت الظهر وآن، رحلنا قاصدين قرية زيتان، فوصلناها ونزلنا بها:
والشّمسُ تَجنَحُ للغروبِ مريضَةً ... والليلُ نحو مغيبها يتطلَّع
بمكان نضر المنظر حسن المخبر يدور به النهر الواصل من جهة حَلَب، وهو في العذوبة والخفة غاية ما يُطلب، فصادفت الخواطر فيه مرتعًا والبهائم مرعى ومربعًا، وبتنا به تلك الليلة وهي ليلة الأربعاء ثم نسخ الهجوع الهجود، وانتهى المقام مع انتهاء قيام نبي الله داود، فأزمعنا على السرى وعزمنا على رفض الكرى، فسلكوا بنا طريقًا عسرًا عسرًا، ودربًا بعيدًا محجرًا، وسبيلًا وعرًا مضجرًا، متعدد التهائم والنجود، متزايد الهبوط والصعود، حتى تعبت الرجال والخيل، وولى الليل مشمر الذيل، وبرق من الفجر نوره، ولاحت من الصباح تباشيره، وتتابعت راياته في الأفق الشرقي حتى:
كأن سوادَ الليل والصبحُ طالعٌ ... بقايا مجالِ الكُحْلِ في الأعينِ الزُّرقِ
1 / 59