قال كولن: «الجعة»، واضعا زجاجة في مكان يستطيع روس بلوغه بسهولة.
قالت جلينا: «روس» (قالت لكولن: «شكرا لك».) «روس، عليك أن تزيل فرش الأبواب. يجب أن تفعل ذلك. يبدو شكله لا بأس به، لكن رائحته غير طيبة. أستطيع أن أشمها. هناك.»
جلس كولن مع لينيت على درجة السلم على ركبة واحدة، مدركا أنه لن يثير موضوع عدم محافظة روس على مواعيد العمل، هذا بخلاف موضوع القبعتين. لن يذكر روس أن هذا هو العمل الأول الذي يحصل عليه خلال أكثر من عام. كان متعبا جدا، ويشعر الآن بسلام داخلي كبير. يرجع بعض هذا الشعور بالسلام الداخلي إلى ما تفعله جلينا. لم تكن جلينا تتعاون مع أي شخص غريب الأطوار تماما، أو تشارك في القيام بأي شيء لا طائل من ورائه. وها هي، تنظر إلى وجهها في أغطية العجلات، وتتشمم فرش السيارة، وتأخذ روس وسيارته على محمل الجد؛ حتى إن كولن عندما خرج من السيارة ورآها جاثمة، تصقل الأشياء، كان يرغب في أن يسألها هل كانت الأمور ستسير على هذا النحو طوال الصيف، في ظل انشغالها الشديد بسيارة روس مما لن تجد معه وقتا للعمل في المنزل. كان سيندم الآن إذا كان قد قال ذلك. ماذا سيفعل إذا لم تكن تحب روس، إذا لم تكن قد أحبته من البداية ووافقت على أن يكون موجودا معهما باستمرار؟ عندما قال روس الشيء الخطأ الوحيد، أثناء المقابلة الأولى، وابتسمت جلينا، ليس في أدب أو في تعال بل في دهشة وسرور حقيقيين، شعر كولن بارتياح كبير. شعر منذ ذلك الحين أنه لن يتحمل عبء روس الثقيل وحده، وأنه وجد من سيشاركه في تحمل هذا العبء. لم يكن يعول على سيلفيا في هذا الأمر قط.
كان الخاطر الآخر الذي جال بعقل كولن دنيئا بكل ما تحمل الكلمة من معان. لن يفعل روس ذلك أبدا. كان روس محتشما. كان وجهه يتجهم وتبدو عليه علامات الاشمئزاز ويبدو كما لو كان في طريقه إلى البكاء عندما يكون هناك مشهد جنسي في الأفلام. •••
في صباح السبت، كان ثمة كيس كبير من قطع الدجاج المجمد الآخذة في الذوبان على طاولة المطبخ، وهذا ذكر كولن بأن جلينا كانت قد دعت سيلفيا وإيدي وصديقتها - صديقتهما - نانسي على العشاء.
كانت جلينا قد ذهبت إلى المستشفى، سائرة، واضعة لينيت في عربة الأطفال، لتتلقى تحصينات حمى القش. كان روس يعمل أثناء ذلك. وقد جاء إلى المنزل ووضع شريطا لاصقا، تاركا الباب مفتوحا حتى يستطيع سماعه. كانت جلينا تحب سماع أغنية «عربات النار». كان روس يستمع عادة إلى الموسيقى الريفية والغربية.
كان كولن قد عاد لتوه من متجر مواد البناء، الذي لم يوصل لهم ألواح السقف التي طلبها منهم، على الرغم من وعوده الكثيرة بذلك. خرج ينظر إلى الحشائش التي كان قد زرعها السبت الماضي، قطعة من الحشائش على جانب المنزل، محاطة بسياج من السلك. رواها ببعض الماء، ثم راقب روس وهو يصقل العجلات بورق السنفرة. قبل أن يمضي وقت طويل ودون أن يقصد ذلك تماما، صار يصقل العجلات هو الآخر. كان الأمر يبدو كتنويم مغناطيسي، مثلما قالت جلينا، ولم يكن المرء يملك إلا أن يفعل ذلك. بعد صقلها بما يكفي، كان يجب طلاؤها بطلاء أساس (كان يحمي الإطارات من الطلاء بشريط لاصق وورق واق)، وعندما جف طلاء الأساس، كان يجب حكها بحشوة من النحاس وتنظيفها مرة أخرى باستخدام مزيل شمع وشحوم. كان روس قد خطط لذلك كله.
ظلوا يعملون طوال الصباح ثم طوال فترة ما بعد الظهيرة. أعدت جلينا شطائر هامبورجر للغداء. عندما أخبرها كولن أنه لن يستطيع تركيب ألواح السقف الخاصة بالمطبخ؛ لأن الألواح لم تكن قد جاءت بعد، قالت إنه لن يستطيع العمل في المطبخ على أي حال؛ لأنها ستصنع نوعا من الحلوى.
ذهب روس إلى الجزء الراقي من البلدة واشترى رشاش طلاء وطلاء بلون فحمي معدني، فضلا عن مادة تلميع آرمر-أوول للإطارات. كانت تلك فكرة جيدة؛ فقد سهل الرشاش كثيرا عملية الوصول إلى تجاويف العجلات. •••
وصلت نانسي في منتصف فترة ما بعد الظهيرة تقريبا، وهي تقود سيارتها الشيفروليه الأنيقة الصغيرة، وترتدي ملابس جديدة غريبة؛ بنطالا قصيرا فضفاضا، طويلا نسبيا، وبلوزة كانت أقرب إلى حقيبة بها فتحتات صنعت من أجل الرأس والذراعين، وكانت تلك البلوزة باللون البني ومربوطة عند الوسط بحزام قرنفلي رث طويل. كانت نانسي قد عينت ذلك العام لتدريس اللغة الفرنسية للطلبة من سن الحضانة إلى الصف الثامن، وهو ما كان أحد المتطلبات الجديدة للوظيفة. كانت فتاة ممشوقة القوام، شاحبة اللون، منبسطة الصدر، ذات شعر مجعد، بلون الذرة الصفراء، ووجه ترتسم عليه أمارات الذكاء، والحزن. وجدها كولن جذابة ومزعجة في آن واحد. جاءت مثل صديقة قديمة، حاملة معها جعتها وألبوماتها الموسيقية. تحدثت مع لينيت، وابتدعت لها اسما؛ ويني-ويني. لكن صديقة قديمة لمن؟ قبل سبتمبر الماضي، لم يكن يعرفها أي منهم. كانت في أوائل الثلاثينيات، وكانت قد عاشت مع ثلاثة رجال مختلفين، ولم تكن تعتقد قط أنها ستتزوج. في المرة الأولى التي التقت فيها سيلفيا وإيدي، أخبرتهما عن الرجال الثلاثة الذين كانت تعيش معهم وعن عقاقير الهلوسة التي كانت تتناولها. كانت سيلفيا قد حثتها على البوح، بالطبع. لم يكن إيدي يعرف أسماء عقاقير الهلوسة التي كانت تتحدث عنها. كانت تخبر من تتحدث معه عن أحوالها في كل مرة تراه. لم تكن تتحدث عن أنها مصابة بالصداع، أو بالبرد، أو لديها تضخم في الغدد، أو أن قدميها متقرحتان، بل كانت تتحدث عن اكتئابها أو نشوتها أو أي مما كانت تشعر به. وكانت تتحدث على نحو غريب عن هذه البلدة. كانت تتحدث عنها كما لو كانت مادة، كتلة، كما لو كان الناس فيها ملتصقين معا، وكما لو كانت الكتلة - بالنسبة إليها - لها خواص غريبة ومحبطة عادة.
ناپیژندل شوی مخ