ويقدم إلينا الإمام الغزالي رحمه الله نصا محكما في الاجتهاد والاختلاف فيقول: " اعلم أن شرح ما يكفر به وما لا يكفر به يستدعي تفصيلا طويلا يفتقر إلى ذكر كل المقالات والمذاهب، وذكر شبهة كل واحد، ودليله، ووجه بعده عن الظاهر، ووجه تأويله، وذلك لا تحويه مجلدات، ولا تتسع لشرح ذلك أوقات، فاقتنع الآن بوصية وقانون، أما الوصية فأن تكف لسانك عن أهل القبلة ما داموا قائلين لا إله إلا الله محمد رسول الله بعذر أو غير عذر، فإن التكفير فيه خطر والسكوت لا خطر فيه، أما القانون فهو أن تعلم أن النظريات قسمان: قسم يتعلق بأصول الدين، وقسم يتعلق بالفروع، وأصول الإيمان ثلاثة: الإيمان بالله وبرسوله واليوم الآخر، وما عداه فروع، وأعلم أنه لا تكفير في الأصول أصلا إلا في مسالة واحدة، وهي أن ينكر أصلا دينيا علم من الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالتواتر، ولكن في بعضها تخطئة كما في الفقهيات وفي بعضها تبديع كالخطأ المتعلق بالإمامة وأحوال الصحابة " (¬1). ويظهر من كلام الغزالي عدم تكفير المسلم سواء كان خطؤه بعذر أو بغير عذر احتياطا للدين، ويرى انه لا يجوز التكفير للمسلم المخالف إلا في قضايا الأصول من الدين وهي الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر دون الفروع في الدين وهي ما سوى ذلك.
ويقول الذهبي عن التابعي قتادة السدوسي: "كان يرى القدر نسأل الله العفو ومع هذا فما توقف أحد في صدقه وعدالته وحفظه، ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه وبذل وسعه.. ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر له زلله ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك"(¬2).
مخ ۴۳