وإذا كانت نصوص الكتاب والسنة على ما هو معلوم؛ منها ما يقبل الخلاف والاجتهاد ومنها ما لا يقبلهما، ولا فرق بين هذه النصوص سواء أكانت تدل على مسائل علمية وهي مسائل العقيدة، أم كانت تدل على مسائل عملية وهي مسائل الفقه، والنصوص التي جاءت بفرضية الاجتهاد لا تفرق بين هذه النصوص أو تلك، وإذا كان الأمر كذلك فإنا نجد أن الصحابة والتابعين ومن بعدهم اجتهدوا في مسائل فروع الاعتقاد، واختلفت آراؤهم فيها من غير حدوث إنكار من بعضهم على بعضهم الآخر إلى حد التبديع أو التكفير أو القتل، وبقوا محافظين على وحدة كلمتهم واعتصامهم بحبل الله كما أمرهم الله بقوله: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون*واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا } (103: آل عمران). ولم يقعوا فيما نهاهم عنه وحذرهم منه بقوله تعالى: { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم } (105:آل عمران) وهكذا جمعوا بين الاختلاف في مسائل فروع الاعتقاد ووحدة الأمة ووحدة ولائها ووقوفها أمام أعدائها.
ولعل هذا البحث يسهم في إعادة تلك الصورة المشرقة من الاختلاف في الرأي مع وحدة القلوب والمواقف جمعا بين الأمر بالاجتهاد والأمر بالوحدة وعدم الاختلاف والنظر إلى المخالف على أنه معذور ومأجور وإن أخطأ في اجتهاده.
الدراسات السابقة:
لم أطلع على دراسة مستقلة تشير إلى مشروعية الاجتهاد في مسائل الاعتقاد، وإن كانت هناك نصوص تحدثت عن هذا الموضوع متفرقة في بطون الكتب كما سيظهر من خلال استعراض بعضها في ثنايا البحث.
منهجية الدراسة:
قامت الدراسة على المنهج العلمي القائم على الاستقراء والتحليل والاستنتاج، حيث قام الباحث:
-باستقراء الأدلة على مشروعية الاجتهاد في مسائل الاعتقاد، وتحليلها، واستنتاج هذه المشروعية منها.
-وعزو الآيات إلى مواضعها من السور، وتخريج الأحاديث النبوية، والحكم عليها حيث لزم الأمر.
إشكالية البحث: ما حكم الاجتهاد في مسائل الاعتقاد ؟ وهل هو نفس الحكم في مسائل الفقه ؟.
وهل في مسائل الاعتقاد ما يجوز الاجتهاد فيه وما لا يجوز كما هو الحال في مسائل الفقه ؟.
وهل يعذر المخطئ والمخالف في مسائل الاعتقاد كما هو الحال في مسائل الفقه؟.
وهل الحكم في المخطئ والمخالف في مسائل الاعتقاد كما هو الحال في مسائل الفقه ؟، وهو عدم التكفير أو التبديع هذا ما سيحاول البحث الإجابة عنه.
محددات البحث: سيكون هذا البحث مقتصرا على نظرة أهل السنة والجماعة في هذه المسألة، واقتصر على ذلك خشية الإطالة، وليكون الخطاب من كل طائفة من طوائف المسلمين من خلال علمائها وكتبها؛ وهذا ادعى للإقناع والقبول.
خطة البحث:
لقد قسم البحث إلى مقدمة وتمهيد، وأربعة مباحث وخاتمة.
التمهيد: مصطلحات البحث: تعريف الاجتهاد والأصل والفرع والعقيدة.
المبحث الأول: حكم الاجتهاد عموما وفي مسائل الاعتقاد خصوصا.
مخ ۳