عليه أما أولا فبعدم صحة السند لان عبد الله المذكور لم يوثقه أحد من الرجاليين بل إنما يمدح فقط نعم إنما نقلوا عن ابن إدريس (ره) أنه وصف هذه الرواية بالصحة وهو مما لم يصلح للتعويل بعد عدم توثيق الرجاليين لعدم ظهور مراده من لفظ الصحة لجواز أن يكون مراده غير الصحة المشهورة بين المتأخرين وأما ما ذكره العلامة (ره) في المختلف والمنتهى في هذا المقام من رواية الشيخ (ره) في الصحيح عن عبد الله بن يحيى الكاهلي فلا يدل على توثيقه إذ يجوز أن يكون مراده أنه صحيح إلى عبد الله وكثيرا ما يجري كلامهم على هذا الاصطلاح وأما ثانيا فمنع دلالتها على المدعى لان انتفاء الغسل عند مجئ ما يفسد الصلاة ويحتمل وجهين أحدهما أن يكون لأجل أن الصلاة غرض من الغسل فعند عدم إمكان الاتيان به لم يكن غسل وثانيهما أن يكون لأجل أن صحة الغسل موقوفة على عدم تحقق حدث لا يمكن ارتفاعه وقد كنى عنه في الرواية بمجئ ما يفسد الصلاة فعند تحقق الحيض لم يكن غسل لعدم صحته وعلى هذا فلا يتم الاستدلال بل نقول حمل الرواية على الاحتمال الأخير أظهر لان قوله (عليه السلام) فلا تغتسل أما نهي أو نفي وعلى الأول أما للحرمة أو للكراهة ولا شك في عدم ترتب الحرمة والكراهة على مجرد كون الغرض من الغسل الصلاة فقط مع عدم وجوب الصلاة كيف والقائلون بوجوبه بالغير وعدم وجوبه ما لم يجب الغير أيضا قائلون باستحبابه قبل وجوب الغير ولا كذلك الاحتمال الأخير لظهور ترتب الحرمة على عدم صحة الغسل إذ العبادة ما لم يكن متلقاة من الشارع لا يجوز الاتيان بها وعلى الثاني أيضا لما لم يمكن حمله على ظاهره فلابد من حمله على النهي ويعود ما ذكرنا فعلى الاحتمال الأول لا بد أن يخرج الكلام عن ظاهره ويحمل على نفي الوجوب سواء كان نفيا أو نهيا حتى يستقيم بخلاف الاحتمال الأخير مع أنك تعلم مما سبق أن ترتب نفي الوجوب أيضا على المعنى المذكور محل نظر وتأمل وإن الاستلزام الذي يدعونه ممنوع ويرد أيضا أن حمله على نفي الوجوب ليس بأولى من حمله على نفي التضيق فكان السائل إنما سئل عن تضيق الغسل عليها وعدمه فأجاب (عليه السلام) بأنه لا تضيق حينئذ إذ ليس وقت صلاة حتى يتضيق ولا يتوهم أن كونه مضيقا بتضيق الصلاة أيضا يدل على المراد إذ قد عرفت أن الخلاف ها هنا ظاهرا في انحصار الوجوب في الغيري وعدمه لا في أصل الوجوب الغيري إذ لا خلاف فيه وهذا المعنى كما يلزم الأول كذلك يلزم الثاني أيضا فلا دلالة له على المراد لا يقال إذا كان الغسل واجبا لنفسه لا وجه لتوقف صحته على انتفاء الحدث المانع من الصلاة نعم إنما يعقل ذلك إذا كان واجبا للصلاة إذ لا منافاة بينهما لجواز أن يكون شرع الغسل لتحصيل الحالة التي يستباح معها الصلاة وإن لم يكن استباحة الصلاة غرضا بل يكون تلك الحالة أمرا مهما في نفسها أو لغرض آخر فإذا لم يمكن تحصيل تلك الحالة لم يشرع الغسل لفوات الغرض منه فإن قلت قد روى الشيخ (ره) في زيادات التهذيب في باب الحيض عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن المرأة يواقعها زوجها ثم تحيض قبل أن تغتسل قال أن شائت أن تغتسل فعلت وعلى هذا لا يمكن حمل قوله (عليه السلام) فلا تغتسل في رواية الكاهلي على التحريم مع أن الاحتمال الأخير الذي ذكرت إنما يستلزم التحريم كما قررت فعلى تقدير الوجوب لنفسه على ما تحمل الرواية الكاهلي بناء على العمل بهذه الرواية قلت أما أولا فقد عرفت حمله على نفي التضيق مع عدم منافاته للوجوب النفسي وأما ثانيا فنحمل فلا تغتسل على الكراهة ونقول بجواز كون فضيلة الغسل وكماله موقوفة على انتفاء الحدث لا صحته ولا فساده أو نحمله على نفي الوجوب ولا استبعاد في أن يكون الغسل على تقدر وجوبه لنفسه أيضا لا يجب في وقت الحدث وإن كان يصح الاتيان به كما في صورة الوجوب الغيري بعينه واستدل أيضا بجواز تأخيره إلى وقت تضيق الصلاة فلا يكون واجبا لغيرها وضعفه ظاهر واستدل أيضا بوجوه ضعيفة لا يحسن إيرادها وأما حجة القائلين بالوجوب النفسي فأمور أيضا منها قوله تعالى وإن كنتم جنبا إلى آخره علق الوجوب على الجنابة فقط فلم يكن مشروطا بشئ آخر وفيه أنه موقوف على كونه معطوفا على جملة إذا قمتم وهو ممنوع لجواز عطفه على فاغسلوا وإن كنتم محدثين المقدر في نظم الكلام كما قيل ومنها قوله تعالى ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وجه الاستدلال أنه تعالى نهى عن قربان الصلاة جنبا بدون الغسل فيكون حراما فيجب تركه وهو يحصل بأمرين ترك القربان مطلقا أو تركه على هذه الصفة وإذ لم يجز الأول فتعين الثاني فإذا فرض أن قبل دخول وقت الصلاة يمكن الغسل ويظن أو يعلم أن وقت الدخول لم يتيسر لفقد الماء مثلا فحينئذ نقول لا شك أن المعنى الثاني الذي بينا وجوبه إنما يتوقف على الغسل في هذا الوقت فيكون واجبا بناء على وجوب ما يتوقف عليه الواجب فإذا ثبت الوجوب في بعض أوقات خارج الوقت فقد ثبت في جميعه بشرط الحدث لئلا يلزم خرق الاجماع المركب فثبت الوجوب النفسي أو يقال إذا ثبت الوجوب خارج الوقت في الجملة فقد بطل الوجوب الغيري لانتفاء لازمه حسب ما يعتقدون أعني عدم الوجوب ما لم يدخل الوقت فيكون إلزاما عليهم فإن قلت هذا إنما يتم إذا كان المراد بالصلاة حقيقتها وأما إذا كان المراد مواضعها كما مر أنه الراجح فلا قلت على هذا أيضا يمكن إجراء الدليل بأن يفرض أنه نذر أحد الاستيطان في المسجد في وقت الظهر مثلا وفرض الغرض المذكور فيلزم حينئذ أيضا وجوب الغسل مع عدم وجوب غايته فبطل الوجوب الغيري كما قررنا إلا أن يقال أن مرادهم من نفي الوجوب النفسي أنه لا وجوب نفسيا بحسب أصل الشرع وهذا في الحقيقة داخل في الوجوب بالنذر الذي استثنوه لكن لا يخفى أنه يتحقق وجوب الدخول بأصل الشرع أيضا بدون النذر مثل دخول المسجد الحرام للطواف
مخ ۳۰