وها هنا أيضا لما كان اشتراط وجوب الوضوء بالصلاة أمرا معلوما شايعا فلذا أطلق تلك الرواية ولم يقيد بالصلاة لعدم الاحتياج إليه وفيه أنه وإن كان الامر كما ذكر فيما علم الاشتراط لكن علم معلومية الاشتراط وتعارفه فيما بينهم فيما نحن بصدده إذ مجرد الاحتمال لا يكفي ها هنا وإن كان المقام مقام المنع إذ الاستدلال بظواهر الاطلاقات والعمومات لا يقدحه احتمال التقييد والتخصيص وإلا تبطل أكثر الاستدلالات بالظواهر والدلايل المتقدمة لا يتم كما عرفت فينبغي حمل الروايات على ظواهرها حتى يظهر خلافها هذا غاية ما يمكن أن يستدل به على الطرفين وليس في شئ منها ما تسكن النفس وتطمئن إليه لكن أصالة براءة الذمة من الوجوب قبل دخول الوقت والشهرة بين الأصحاب فإن المتقدمين وإن لم يتعرضوا لذلك المعنى صريحا لكن بعض كلماتهم يشعر بذلك حيث يذكرون أن الوضوء يجب لكذا وكذا ولم يذكروا وجوبه في نفسه أصلا والمتأخرين الذي تعرضوا لهذا المعنى أكثرهم قايلون بالوجوب الغيري والقول بالوجوب النفسي ليس له قايل معلوم سوى ما نقل المصنف (ره) في الذكرى مجهولا إنما يقوى طرف الوجوب الغيري وأمر ظواهر الروايات سهل لان الاطلاق في مثل هذا المقام لا يثمر ظنا بعدم الاشتراط كما يظهر عند الرجوع إلى الوجدان وتتبع الروايات ولا يخفى عليك أن ما ذكروه في ثمر النزاع من أمر نية الوجوب أو الندب فأمره سهل إذ الظاهر كما سيجئ إنشاء الله تعالى عدم الاحتياج إلى تعرض وجه الوجوب والندب في النية مع أنك قد عرفت أنه على تقدير الوجوب بالغير أيضا لا يبعد صحة نية الوجوب قبل دخول الوقت إلا أن يثبت ما هو لازمه باعتقادهم من عدم الوجوب قبل وجوب غايته وأمر الاحتياط في الفائدة الأخرى واضح إذ عند ظن يتضيق الوفاء بدون شغل الذمة بغايته ينبغي أن يؤتى به حتى يخرج عن عهدة الخلاف هذا ثم أن المفهوم من كلام الأصحاب ها هنا أن الوضوء الذي يجب بعد دخول الوقت على القول بالوجوب بالغير إذا فعل قبل الدخول يكون ندبا ولم ينصوا على أن هذه الوضوء المندوب وخارج عن الأقسام التي يذكرونها للوضوء المستحب كما سيجئ بعد هذا أو داخل وعلى الأول ما الدليل على استحبابه وعلى الثاني دخوله في تحت أي قسم من الأقسام المذكورة وسيجئ لهذا زيادة بسط في بيان إباحة الوضوء المندوب للصلاة إنشاء الله تعالى ولنذكر الان أدلة الجانبين في الغسل ونخص الكلام ابتداء بغسل الجنابة لشهرة الخلاف فيه حجة القائلين بالوجوب لغيره أمور منها قوله تعالى وإن كنتم جنبا فاطهروا والاستدلال به ومن وجوه الأول إن المفهوم منه عرفا أن الغسل للصلاة كما في قولك إذا أردت الأمير فالبس ثيابك فيكون الغرض منه الصلاة فلا يكون واجبا لنفسه ويرد عليه مع ما تقدم في نظيره من الاستدلال على وجوب الوضوء للغير أن عطف وإن كنتم على فاغسلوا ممنوع إذ يجوز أن يكون معطوفا على جملة إذا قمتم فإن قيل العطف بأن دون إذا يأباه قلنا يمكن أن يكون في العطف بأن دون إذا استعار المبالغة في أمر الصلاة والتأكيد فيها حيث أتى في القيام بها بكلمة إذا الدالة على تيقن الوقوع يعني أنه أمر متيقن الوقوع البتة وليس مما يجوز العقل عدمه وفي الجنابة بكلمة أن الموضوعة للشك مع تحقق وقوعها وتيقنها تنبيها على أنها في جنب القيام كأنه أمر مشكوك الوقوع والثاني أن المفهوم من الشرط عدم الوجوب عند عدم القيام إلى الصلاة ويرد عليه أيضا مع ما تقدم في نظيره الايراد المذكورة آنفا الثالث أن عطفه على الوضوء يقتضي وجوبه لغيره كالوضوء لوجوب تشريك المتعاطفين في الحكم ويرد عليه أنه إن كان المراد من عطفه على جملة فاغسلوا فقد عرفت ما فيه وإن كان المراد عطفه على جملة إذا قمتم فلا يتمشى الاستدلال إذ ليس لهذه الجملة حكم الوجوب بالغير حتى يلزم ثبوته للمعطوف عليه وهو ظاهر نعم لا بد من المناسبة بين المتعاطفين وهي حاصلة هنا باعتبار أن كلا منهما حكم متعلق برفع الحدث والصلاة لان الغسل على تقدير الوجوب لنفسه أيضا مما يرفع الحدث ويبيح الصلاة بل واجب للصلاة أيضا لما عرفت من أن الظاهر عدم الخلاف في الوجوب الغيري في الجملة ولا يلزم أن يكون مناسبة تامة من جميع الوجوه مع أن الحال في الوضوء أيضا قد عرفت ما فيه الرابع أن عطف جملة التيمم عليه يقتضي الوجوب لغيره للتشريك ويرد عليه أيضا إن التيمم المذكور بعده ليس مخصوصا بالتيمم الذي بدل من الوضوء بل يعمه وغيره من الذي يدل من الغسل أيضا والتيمم الذي بدل من الغسل لا نسلم وجوبه لغيره بل حكمه حكم مبدله فحينئذ فالتيمم الذي يشمل الصنفين إذا أورد بعد جملتين أحديهما يكون الحكم فيها الوجوب لغيره والثانية الوجوب لنفسه فلا يخفى ما فيه من المناسبة والملائمة وعلى تقدير أن يكون التيمم منحصرا في الواجب لغيره أيضا قد عرفت عدم وجوب المناسبة التامة من جميع الوجوه بل يكفي كون كل منهما من متعلقات الحدث والصلاة مع أن حال التيمم أيضا كحال الوضوء في عدم الجزم بوجوبه لغيره الخامس أن توسيطه بين جملتي الوضوء والتيمم الواجبين بالغير يقتضي وجوبه بالغير أيضا وإلا لم يناسب التوسيط وجوابه أيضا يظهر مما ذكر في سابقيه ومنها صحيحة زرارة المتقدمة عن أبي جعفر (عليه السلام) إذا دخل الوقت فقد وجب الطهور والصلاة وقد ما مر فيه ويزيد ها هنا إيراد آخر لجواز أن يكون المراد بالطهور الوضوء لأنه الفرد السابع المتعارف والمتبادر إلى الذهن ومنها ما رواه الشيخ (ره) في زيادات التهذيب في باب الأغسال وكيفية الغسل من الجنابة عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة يجامعها الرجل فتحيض وهي في المغتسل فتغتسل أم لا قال قد جاء ما يفسد الصلاة فلا تغتسل ووجه الدلالة أنه عليه السلام نفى الغسل معللا بفساد الصلاة في أصل كلامه عليه السلام أن الفرض من الغسل الصلاة ولما جاء ما يفسدها فلا غسل وهذا دلالة ظاهرة على وجوبه لغيره لا لنفسه ويورد
مخ ۲۹