381

مشارق الأنوار على صحاح الآثار

مشارق الأنوار على صحاح الآثار

خپرندوی

المكتبة العتيقة ودار التراث

(م م) قَوْله وَكَانَ رَسُول الله ﷺ إِذا نزل عَلَيْهِ الْوَحْي مِمَّا يُحَرك بِهِ شَفَتَيْه كَذَا ذكره البُخَارِيّ وَفِي مُسلم وَكَانَ كثيرا مِمَّا يرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء مَعْنَاهُ كثيرا مَا يُحَرك بِهِ شَفَتَيْه وَكَثِيرًا مَا يرفع رَأسه وَمثله قَوْله فِي الحَدِيث الآخر فِي كِرَاء الْمزَارِع فمما يصاب ذَلِك وتسلم الأَرْض وَمِمَّا تصاب الأَرْض وتسلم هَذِه بِمَعْنى ذَلِك أَيْضا وَهِي كلمة صَحِيحَة بَيِّنَة فِي هَذَا الحَدِيث وَنَحْو مِنْهُ فِي الْعبارَة أَيْضا فِي مُسلم كَانَ مِمَّا يَقُول من رأى مِنْكُم رُؤْيا قَالَ ثَابت فِي مثل هَذَا كَأَنَّهُ يَقُول هَذَا من شَأْنه ودأبه فَجعل الْكِنَايَة عَن ذَلِك يُرِيد ثمَّ أدغم النُّون وَقَالَ غَيره معنى مِمَّا هُنَا بِمَعْنى رُبمَا وَهُوَ من معنى مَا تقدم لِأَن رُبمَا تَأتي للتكثير أَيْضا وَقد ذكرنَا ذَلِك فِي بَابه فِي فتح مَكَّة
فِي مُسلم وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة مِمَّا يكثران يَدْعُونَا إِلَى رجله وَفِيه فِي حَدِيث النُّجُوم أَمَنَة السَّمَاء وَكَانَ كثيرا مِمَّا يرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء تكون مِمَّا هُنَا بِمَعْنى رُبمَا الَّتِي للتكثير وَقد تكون فِيهَا زَائِدَة
الْمِيم مَعَ النُّون
فصل فِي الْفرق بَين من وَمن فِي هَذِه الْكتب وَبَيَان مَا أشكل من ذَلِك وَاخْتلفت فِيهِ الرِّوَايَة
اعْلَم أَن من بِالْفَتْح من الْأَلْفَاظ المبهمة وَلَا تَأتي إِلَّا اسْما وَلَا تقع إِلَّا لمن يعقل ويليها الْفِعْل وَلها ثَلَاثَة معَان الشَّرْط والاستفهام وَتَأْتِي خَبرا مَوْصُولَة بِمَعْنى الَّذِي وَلَا تنفك فِي مَعَانِيهَا الثَّلَاثَة من تَقْدِير الَّذِي وَهِي فِي الشَّرْط وَالْجَزَاء مستغرقة لعُمُوم جنس مَا وَقعت عَلَيْهِ وَالِاسْم بعْدهَا مَرْفُوع وَكَذَلِكَ الْفِعْل الْمُضَارع وَفِي الشَّرْط وَالْجَزَاء مجزوم
وَأما من بِالْكَسْرِ فحرف جر لَا يَلِيهِ إِلَّا الِاسْم الْمَجْرُور بِهِ وَله معَان أشهرها وأبينها التَّبْعِيض وَلَا يَنْفَكّ أَكثر مَعَانِيهَا من شوب مِنْهُ وَتَأْتِي من مَكَان الْبَدَل تَقول كَذَا من كَذَا أَي بدله وَقيل ذَلِك فِي قَوْله ﷿ لجعلنا مِنْكُم مَلَائِكَة
(أَي بدلكم فَمن التَّبْعِيض قَوْله ﷺ حبب إِلَيّ من دنياكم ثَلَاث وَالْحيَاء من الْإِيمَان وَكَذَا وَكَذَا من الْإِيمَان وَثَلَاث من النِّفَاق وَلَيْسَ منا من فعل كَذَا وَلم أر عبقريا من النَّاس فِي أَحَادِيث لَا تنعد وَالْمعْنَى الثَّانِي الْبَيَان وتمييز الْجِنْس وَهُوَ كثير أَيْضا كَقَوْلِه ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار ونعوذ بِاللَّه من فتْنَة الْمَسِيح وَمن كَذَا وَمن كَذَا وَلَا أحد أحب إِلَيْهِ المدحة من الله وَلَا أحد أَصْبِر على أَذَى من الله وَلَا أغير من الله وَمِنْه كَانَ أَجود من الرّيح الْمُرْسلَة وَقَوله وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني وَقَوله
(وتصبح غرثى من لُحُوم الغوافل) وَهل تعلم الَّذِي أعلم مِنْك وَمن مَعَانِيهَا ابْتِدَاء الْغَايَة وَمِنْه قَوْله مِنْك وَإِلَيْك وسمعته من رَسُول الله ﷺ وَحكى قوم من النُّحَاة أَنَّهَا تَأتي لانْتِهَاء الْغَايَة من قَوْلهم رَأَيْت الْهلَال من خلل السَّحَاب وَقد يُقَال هَذَا فِي قَوْله ﷺ كَمَا ترَوْنَ الْكَوْكَب الدُّرِّي الغابر من الْأُفق وَهَذَا غير سديد عِنْدِي بل هُوَ على الأَصْل فِي الِابْتِدَاء أَي ابْتِدَاء ظُهُوره إِلَى من خلل السَّحَاب وَمن مَعَانِيهَا تَأْكِيد الْعُمُوم والاستغراق كَقَوْلِه مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا سيكلمه ربه وَمَا من أحد وَمَا من نفس منفوسة إِلَّا كتبت شقية أَو سعيدة وَبَعْضهمْ يسميها هُنَا زَائِدَة كَقَوْلِه مَا جَاءَنِي من أحد أَي أحد وأبى ذَلِك سِيبَوَيْهٍ وَقَالَ قَوْلك مَا رَأَيْت أحدا أَو مَا جَاءَنِي أحد قد يتَأَوَّل أَنه أَرَادَ وَاحِدًا مُنْفَردا بل جَاءَهُ أَكثر فَإِذا قَالَ من أحد أكد الِاسْتِغْرَاق والعموم وارتفع التَّأْوِيل هَذَا معنى كَلَامه وَمن هَذَا الْمَعْنى قَوْله توضئوا من عِنْد آخِرهم أَنه للاستغراق وتأكيد الْعُمُوم وَلَيْسَ من الْبر أَن تَصُومُوا فِي السّفر وَمن مَعَانِيهَا استيناف كَلَام غير جنس الأول واستفتاحه وَالْخُرُوج عَن غَيره كَقَوْل عَائِشَة وأثنت على سَوْدَة ثمَّ قَالَت من امْرَأَة

1 / 381