ورأى علج من أهل البلد «قطريا» حين تدهدى من الشعب، فقال له قطري: «اسقني من الماء!» وكان قد اشتد به العطش، فقال له: «أعطني شيئا حتى أسقيك.» فقال: «ويحك، والله ما معي إلا ما ترى من سلاحي، فأنا مؤتيكه إذا أتيتني بماء.» قال: «لا، بل أعطنيه الآن.»
قال: «لا، ولكن ائتني بماء.»
فانطلق العلج حتى أشرف على قطري، ثم حدر عليه حجرا عظيما من فوقه دهدأه عليه فأصاب إحدى وركيه فأوهنته، وصاح بالناس فأقبلوا نحوه - والعلج حينئذ لا يعرف قطريا غير أنه يظن أنه من أشرافهم لحسن هيئته وكمال سلاحه - فدفع إليه نفر من أهل الكوفة فابتدروه فقتلوه وأتوا برأسه إلى الحجاج.
مقدمات المصرع
لما تشتت شمل الأزارقة بسبب الخلاف الذي دب بينهم بعد حروبهم الطويلة مع المهلب انضم بعض الأزارقة إلى قطري بن الفجاءة وانضم آخرون إلى عبد ربه الكبير.
8
قالوا وتوجه قطري يريد «طبرستان» وبلغ أمره الحجاج، فوجه إليه سفيان بن الأبرد ومعه جيش كبير من أهل الشام حتى لحقه في شعب من شعاب طبرستان، فقاتلوه قتالا شديدا انتهى بتفرق أصحاب قطري عنه، قالوا: ووقع عن دابته في أسفل الشعب فتدهدى حتى خر إلى أسفله، فقال معاوية بن محصن الكندي: «رأيته حيث هوى ولم أعرفه، ونظرت إلى خمس عشرة امرأة عربية هن في الجمال وحسن الهيئة كما شاء ربك، ما عدا عجوزا فيهن، فصرفتهن إلى سفيان بن الأبرد، فلما دنوت بهن منه انتحت لي بسيفها العجوز فضربت به عنقي فقطعت المغفر وقطعت جلده من حلقي، فضربتها بالسيف فأصاب قحف رأسها فوقعت ميتة، وأقبلت بالفتيات حتى دفعتهن إلى سفيان، وإنه ليضحك من العجوز وقال: ما أرادت أخزاها الله؟ فقلت: أوما رأيت أصلحك الله ضربتها إياي؟ والله إن كادت لتقتلني! قال: قد رأيت، فوالله ما ألومك على فعلك. قال: ورأيت قطريا حيث تتهدى من الشعب، وقد جاءه علج من أهل البلد، فقال له قطري: «اسقني ماء!» وقد كان اشتد عطشه فقال: «أعطني شيئا حتى أسقيك.» فقال: «ويحك والله ما معي إلا ما ترى من سلاحي، فأنا مؤتيكه إذا أتيتني بماء.» قال: لا، بل أعطنيه الآن.» قال: «لا، ولكن ائتني بماء قبل.» فانطلق العلج حتى أشرف على قطري ثم حدر عليه حجرا عظيما من فوقه دهدأه عليه، فأصاب إحدى وركيه فأوهنته، وصاح بالناس فأقبلوا نحوه، والعلج حينئذ لا يعرف قطريا، غير أنه يظن أنه من أشرافهم لحسن هيئته وكمال سلاحه، فدفع إليه نفر من أهل الكوفة فابتدروه فقتلوه.
أسباب الخلاف
قلنا في مقدمة مصرع قطري: إن الخلاف قد وقع بين الأزارقة، فانضم قوم إليه، وانضم آخرون إلى عبد ربه الكبير، فما سبب هذا الخلاف؟
قالوا: إن المهلب بعد قتاله الطويل مع الخوارج من غير أن ينال منهم أو ينالوا منه قتل عاملا لقطري على ناحية من كرمان يقال له: «المقعطر الضبي»، رجلا من الخوارج كان ذا بأس وكان كريما عليهم، فجاءوا إلى قطري يسألونه أن يسلم إليهم الضبي ليقتلوه فأبى، فأنكروا عليه ذلك، وكان رجل من الأزارقة حداد يسمى أبزي يعمل لهم نصالا مسمومة فيرمون بها أصحاب المهلب، فشكوا إليه ذلك، فقال لهم: سأكفيكموه إن شاء الله، ثم وجه رجلا من أصحابه إلى أبزي بألف درهم ومعه كتاب نصه بعد الديباجة: أما بعد، فإن نصالك قد وصلت إلي وقد وجهت إليك بألف درهم فاقبضها. وقال للرجل: «ألق هذا الكتاب والدراهم في عسكر قطري واحذر على نفسك.» فوقع الكتاب والدراهم إلى قطري فدعا بأبزي فقال: «ما هذا الكتاب؟»
ناپیژندل شوی مخ