إنه لمن الممل أن يتبع الباحث تاريخ هذه السنوات القاتمة المضطربة، فكتب التاريخ تعج بأخبار الحروب المتتالية لهذه الدويلات وتنعقد التحالفات وتنقطع عبر الأيام وتولد ممالك وتندثر أخرى الى أن تبرز من الخضم وحدات أكثر اتساعا واستقرارا تتمكن من البقاء الى آخر القرن «١» إذ ذاك انتهى الأمر بممالك الشمال مثل طليطلة وسرقسطة الى الانهيار تحت ضربات الأجوار المسيحيين: قشتالة وليون وأرغون.
ومن البديهي أن النصارى لم يبقوا مكتوفي الأيدي أمام الحالة المتداعية التي كانت عليها الأندلس في تلك الفترة فلقد استغلّوا كل الامكانيات المتاحة لديهم سواء كانت عنيفة أو سلمية لمدّ تأثيرهم الى جهات أوسع فأوسع من الأندلس نظرا لتشتّت المسلمين وعدم استقرار أمورهم وعجزهم عن الاتحاد والدفاع عن النفس.
وبلغ هذا المدّ أوجه سنة ٤٧٨/١٠٨٥ عندما احتلّ الفونش السادس ملك ليون وقشتالة مدينة طليطلة. وكان لهذه الكارثة وقع عظيم في كلّ العالم الاسلامي وسببت ردود فعل أندلسية: فلقد وقع الاستنجاد بالمرابطين الموجودين آنذاك بشمال افريقيا، ونزل يوسف بن تاشفين بالأندلس سنة ٤٨٣/١٠٩٠ يقود جيوشه لمقاومة مسيحي الشمال ولكن سرعان ما تبيّن له ان ذلك غير ممكن ان لم يحدث تغيير جوهري في وضع الأراضي الاسلامية السياسي، سيقضى اذن على ملوك الطوائف الواحد تلو الآخر وتضمّ ممتلكاتهم إلى الدولة المرابطية. وبذلك أعاد يوسف بن تاشفين وحدة الأندلس السياسية رغم أنف الأندلسيين في الغالب ولفائدة الدولة المرابطية أولا ولكن لفائدة الأندلسيين أيضا ودافع عن الأندلس وتمكن من تمديد حياتها قرنين آخرين.
إن القرن ٥ هـ/ ١١ م يقدم لنا لوحة قاتمة ومحزنة من الناحية السياسية ولكن كل ذلك لا يجب أن ينسينا جانب اللوحة الآخر. إن فترة التدهور السياسي والعسكري هذه تميزت بازدهار عجيب للحياة الثقافية والفنية وليست الأندلس المثال الوحيد لمثل هذا التناقض «٢» فإذا ما كانت قرطبة في عهد الأمويين مركزا ثقافيا مزدهرا فلقد
1 / 6