وأساس من جوانب الثقافة العربية الإسلامية، بعد قرون من محاولات تأطيرها في نمط فكري محدد، أو ضمن لون واحد لا يرى الآخر ولا يعترف باختلافه، بل يلجأ إلى تكفيره واختزاله وقولبته في أنماط فكرية ومقولات جاهزة.
ولنا في قول أبي الفداء: «والعهد عليه في ذلك» أي الرواية على ذمة الراوي، خير منهج في التعاطي مع الرواية المخالفة، أو تلك التي لا تتفق مع توجهاتنا، ذلك المنهج الذي غاب منذ نحو سبعة قرون فوصلنا إلى ما وصلنا إليه.
ألّف الحسن بن أحمد المهلّبي كتابه «المسالك والممالك» للعزيز بالله الفاطمي، في الفترة ما بين عامي ٣٦٥ هجرية [٩٧٥ م] و٣٨٠ هجرية [٩٩٠ م] أي تاريخ وفاته كما تشير المصادر المتوفرة. ولذلك سمي بالكتاب «العزيزي» .
وينقل لنا المقريزي في «اتعاظ الحنفا» صورة مشرقة عن العزيز بالله الفاطمي الذي يبدو لنا قائدا حكيما حليما محبا للعلم والعلماء كارها لسفك الدماء، عفوّا إلى أقصى درجات العفو، لم ينتقم من رجل قام ضدّه أو تمرّد عليه، ولم يردّ طالبا ولم يخذل سائلا. جنوحا نحو السلم والمهادنة، حريصا على أداء فرائضه الدينية، مواظبا على خدمة الحرمين بالكسوة والنفقات.
وإضافة إلى كل ذلك من صفات تجعله واحدا من أعدل وأعظم الحكام العرب المسلمين، تجده مهتما بالعلم والعلماء شغوفا
1 / 14