ولا يسل القارئ عن مقدار الاحتقار والازدراء الذي كان يظهره اليونانيون نحو الجنود المصرية المظفرة، فقد كانوا يظنونهم نساء في الحرب يهربون من ساحة القتال لأول طلقة نارية، ولكنهم لما اقتربوا منهم عرفوا أن أمامهم شجعانا كبارا وأبطالا يحق لمصر على مدى الدهر أن تفتخر بهم كل الفخار، وحق لمحمد علي ولابنه الكريم وقتئذ، ويحق لسلالتهما من بعد أن تفاخر بهم جنود أعظم الأمم المتمدنة.
وفي كل واقعة حدثت بين المصريين واليونانيين كان اليونانيون يولون الأدبار، ويهربون مسلمين البلاد والمواقع!
وقد رأى «إبراهيم باشا» أن الاستيلاء على «ناورين» لا يكون إلا بالاستيلاء على جزيرة «سفاكتيريا»، فأرسل إليها حسين بك الجريدلي المشهور بشهامته العظيمة ونظره الصائب في مسائل الاستحكامات العسكرية، فقهر جنود هذه الجزيرة اليونانية واستولى عليها، وما مضى إلا ثلاثة أيام على استيلائه عليها حتى فتح أهالي «بيلوس» أبوابها، وسألوا «إبراهيم باشا» أن يتركهم يهربون بدون أن يلحق بهم الأذى، فقبل ذلك «إبراهيم باشا» وكانت نتيجة تسامحه الجميل أن أهالي «ناورين» لما تضايقوا من طول الحصار ويئسوا من الأمر خابروه في أمر تسليم المدينة إليه بعين الشروط التي سلمت بها «بيلوس» فرضي ابن عزيز مصر بطلبهم، وسقطت «ناورين» في أيدي المصريين في شهر مايو سنة 1825.
ولما رأى «إبراهيم باشا» أن اليونانيين امتلأت قلوبهم بالخوف منه ومن جنوده الأعزاء شرع في مهاجمة مدائن المورة ومعاقلها، فاستولى بدون صعوبة تذكر على «نيزي» و«كالاماتا» وبلغ «تريبوليتسا» التي تركها اليونانيون وتركوا فيها ذخائرهم من شدة تسرعهم في الهروب منها، وفي 26 يونيو من سنة 1825 استولى «إبراهيم باشا» على مدينة «أرجوس».
وقد جعل اليونانيون دأبهم وقتئذ حرق مساكنهم ومعاقلهم ومنازلهم وتخريب المدائن والقرى، وكان أنصار اليونان في أوروبا يكذبون على العالم كله، ويدعون أن إبراهيم باشا هو الذي يخرب مدائن اليونان، وقد بلغت قحة بعضهم أن سماه بالسفاح!
أما خسرو باشا، فقد صدرت إليه أوامر الدولة بأن يسافر بأسطوله إلى الإسكندرية، حيث يستعد المرحوم «محمد علي باشا» لإرسال مدد جديد، فسافر إليها وكان المرحوم «إبراهيم باشا» أرسل كذلك بأسطوله إليها، وبقي هو وجنوده في المورة، فاهتم أمير مصر - رحمه الله - بتجنيد الجنود حتى تهيئوا جميعا، وكان عددهم أحد عشر ألف مقاتل، وسافروا من الإسكندرية بتاريخ 23 أكتوبر سنة 1825، وكان في ذلك الحين «رشيد باشا» محاصرا لمدينة «ميسولونجي» التي كان المدد يصلها من اليونانيين من جهة البر، وكانت محاطة ببرك عفنة انتشرت منها الأمراض والحميات في جيش رشيد باشا مما أطال الحصار، وأضر بالجيش العثماني ضررا بليغا، ولما علم بذلك «إبراهيم باشا» سافر بجنوده إلى «ميسولونجي»، وكانت الجنود المصرية وصلت عندئذ من مصر برفقة خسرو باشا، فقوي عدد الجيش المصري التركي المحاصر لهذه المدينة، وفي 9 مارس سنة 1826 استولى الجيش على قلعة «فازيليادي» وفي 13 منه سقطت «أنتاليكون» في أيدي العثمانيين، ولما رأى قواد الجيش المصري التركي أن «ميسولونجي» واقعة في أيديهم لا محالة، وأنها إن وقعت بغير التسليم من سكانها أسيلت فيها الدماء كتبوا إلى أهلها بتسليم المدينة والأسلحة، وخروج من يشاء الخروج منها، وأعلنوا كل من يريد البقاء فيها أنه يبقى آمنا مطمئنا.
وقد جاء عندئذ «مياوليس» بأسطوله، ووقف في خليج «باتراس» ولكن الأسطول المصري التركي هزمه شر هزيمة، وقضى بهذه الهزيمة على كل آمال اليونانيين.
وقد أراد اليونانيون المقيمون بميسولونجي الهجوم على الجيش المصري التركي في مساء 22 أبريل سنة 1826 ولكن «إبراهيم باشا» وجنوده تنبهوا للأمر، وأطلقوا الرصاص عليهم؛ فحصل بين اليونانيين فزع شديد، وولوا الأدبار، وفي فجر يوم 23 أبريل من السنة نفسها أي في اليوم التالي سقطت مدينة «ميسولونجي» في أيدي الجنود العثمانية.
وفي شهر يونيو سنة 1827 استولى الجيش العثماني على مدينة «أتينا» عاصمة اليونان الحالية، وقد أعجب كل منصف محب للإنسانية بالخطة التي جرى عليها العثمانيون في دخولهم أتينا؛ حيث عاملوا أهلها بالرفق، ولم يقتلوا ولم يهينوا أحدا ما، بخلاف ما عمله اليونانيون مع المسلمين عند استيلائهم في أول الثورة اليونانية على المدائن والقرى.
وتفصيل أخذ أتينا بالعثمانيين أن اليونانيين استدعوا إليهم اللورد «كوشران» والسير «روبرشرش» الإنكليزيين؛ ليقودا جيوشهم وعصاباتهم، فأجابا الطلب، وسافرا إلى اليونان، وتوليا رئاسة الجيش اليوناني المحاصر في أتينا.
ناپیژندل شوی مخ