وأما في الآستانة فلقد ثار الرأي العام العثماني ثورة عنيفة ضد روسيا مطالبا بالحرب.
ومع هذا ظل أبردين على تحفظه، فهو غير ميال إلى اتخاذ موقف حاسم، والدخول في غمار حرب كبيرة، ولكن الإمبراطور الفرنسي كان ميالا إلى القيام بعمل مسرحي درامتيكي؛ فاقترح ذهاب أساطيل الدولتين إلى القسطنطينية، فرفضت إنجلترا، وفضلت الانتظار حتى تعرف موقف القيصر الروسي من التعديلات التي اقترح الأتراك إدخالها، ولكن القيصر رفض هذه التعديلات.
حينئذ اضطرت إنجلترا إلى اتخاذ خطة عدائية صريحة ضد روسيا، خاصة وأن الصحافة والرأي العام الإنجليزي كانا عنيفين في ثورته ضد القيصر الروسي، وطالبت الصحافة الحكومة البريطانية باتخاذ إجراءات صارمة ضد روسيا؛ عندئذ قررت الوزارة الإنجليزية إرسال الأسطول الإنجليزي إلى الآستانة وخاصة حين رأت أن فرنسا قد وجدت نفس الضرورة لإرسال الأسطول الفرنسي إلى المياه العثمانية.
وأما في ألمتس، فلقد حاول القيصر الروسي بعد أن رأى إصرار إنجلترا وفرنسا على مقاومة نفوذه؛ إصلاح موقفه بعض الشيء، وتعهد بالانسحاب من الولايتين الدانوبيتين (الأمر الذي كان يهم النمسا بطبيعة الحال قبل كل شيء)، وحاول تفسير موقفه من مذكرة فينا، واقترح على النمسا تقديم مقترح بول
Buol
يحدد فيه موقف روسيا، وكان مشروع بول محاولة جدية لصيانة السلام، ولكن إنجلترا وجدت رفضه، وكذلك وجدت فرنسا، لاسيما وأن الأتراك قد أعلنوا فعلا الحرب على روسيا في 4 أكتوبر.
ولقد حاول ستراتفورد، بالرغم من إعلان الترك للحرب، منع وقوع أعمال عدوانية من جانب الباب العالي، حتى يكتسب عطف الدول الأوروبية.
وفي 8 أكتوبر طلب رشيد باشا دخول الأسطولين الإنجليزي والفرنسي الدردنيل، ولم يكن بد إذن من الحرب، بعد أن هاجم عمر باشا قوات الروس في الولايتين الدانوبيتين، وبدأت الحرب فعلا في 23 أكتوبر.
في هذا الشهر نفسه، كانت الوزارة الإنجليزية منقسمة على نفسها، فلقد كان الخوف شديدا من جانب بعض الوزراء، من دخول الحرب، أو إحراج الإمبراطور الروسي، وكان على رأس هؤلاء الخائفين الوزير أبردين، وعلى رأس المطالبين بالحرب بالمرستون ورسل، وأخذ نفوذ أبردين يتضاءل بسرعة أمام نفوذ هذين الوزيرين.
ولقد حاول ستراتفورد في القسطنطينية محاولة أخيرة للمحافظة على السلام، وذلك بناء على أوامر حكومته فلم يفلح، وجاء الرفض من جانب الأتراك، فلم يكونوا مستعدين لقبول السلم بأي ثمن، وخاصة بعد أن كسبت جيوشهم انتصارات على الجيوش الروسية في أواخر شهر نوفمبر.
ناپیژندل شوی مخ