أما المرأة فمشهورة بالجمال وخاصة جمال العينين وبالجاذبية، ولها أنف دقيق وشفتان غليظتان مستديرتان وقامة هيفاء، وطالما كانت بيوت كبار المصريين والحجازيين والأتراك والأعيان مزدانة بالجواري الحبشيات، وطالما تزوجوا منهن. والمرأة الحبشية مثال الشجاعة والإقدام والتضحية، وهي تشترك في الحرب مع الرجال، وهي وافرة الذكاء بسيطة الهندام والأناقة. وفي أديس أبابا جمعية اسمها جمعية نساء أتيوبيا الوطنية، وقد قامت بمظاهرة وحملت لوحة جاء فيها باللغة الأمهرية: «أيها الشبان، انهضوا ولا تخافوا، ودافعوا عن وطنكم، دافعوا إننا سنموت معكم». هذا ولا تتزوج المرأة الحبشية إلا بإذن أبيها، وإلا كانت ملعونة، وهي تشجع بجاذبيتها الشبان على خطوبتها، وأحيانا تهرب مع عشيقها، وهي تشرب البيرة، وقد يتخذ الرجل الحبشي عشيقة له لمدة سنة - وهي زوجية مؤقتة، وعلى المرأة الحبشية أن تطيع زوجها.
هذا والبغاء في الحبشة منتشر والطلاق كثير، وأكثر بغايا السودان من الحبشيات المهاجرات، وتكثر بينهن الأمراض التناسلية في صورة مخيفة محزنة.
والحبشة متقسمة ولايات وممالك صغيرة وقبائل متنازعة، وقلما تهدأ الحالة الداخلية في الحبشة؛ فهناك حروب بين ملوك الحبشة أو بين بعضهم وبين إمبراطورها.
وقد نادى «ساهالاسيلاسي» - ملك شواه وإيفات والجالا في سنة 1813 - بنفسه ملكا على ملوك الحبشة، وجعل الملك بطريق التوارث في أسرته.
و«ساهالاسيلاسي» الذي ولد في سنة 1795، وعين ملكا سنة 1813، ومات سنة 1847؛ ولد له ستة أولاد، كان منهم «هيلاملاكوت» الذي ولد سنة 1825 ومات سنة 1885، وخلفه ابنه منليك الثاني الذي ولد سنة 1844 وصار ملكا لشوا سنة 1866، وإمبراطورا سنة 1889، ومات سنة 1913، وتزوج الإمبراطورة تاتو سنة 1883 ولم يرزق منها ذكورا. وقد كان من بناته ثواراجا التي تزوجت الرأس ميكائيل، ورزقت بولد اسمه ليج ياسو سنة 1896، وعين إمبراطورا سنة 1913 خلفا للإمبراطور منليك إلى سنة 1916، ثم قامت ضده فتنة لأن الأحباش المسيحيين اتهموه بأنه يمالئ مسلمي الحبشة ويقربهم ويؤثرهم، وبأنه اعترف بخلافة سلطان تركيا وحالفه وحالف الألمان وأغضب الحلفاء. وقد أعلن مطران الحبشة حرمانه، وهرب ياسو ولكنه لم يذعن لقرار المطران، وجمع جيشا وآزره الرأس ميكاييل حاكم ولاية جايا. وقد خلفته الإمبراطورة زوديتو ابنة منليك الثاني التي ولدت سنة 1876 وتوجت سنة 1916، وقد قامت بينها وبين أتباع ياسو والرأس ميكاييل مذبحة عنيفة في ساجال في أكتوبر سنة 1919 وأسرت الرأس ميكاييل وهرب ياسو ثم مات وتوجت زوديتو رسميا سنة 1917.
أما إمبراطور الحبشة الحالي فهو هيلاسلاسي، كان أصله الرأس تفري ولد سنة 1881 وهو ابن الرأس ماكونن بن وزيروتانا أحد أبناء الملك ساهالاسيلاسي. وقد عين الرأس تفري وصيا للعرش مع الإمبراطورة زوديتو التي ماتت سنة 1930، ثم توج الرأس تفري إمبراطورا سنة 1930 باسم الإمبراطور هيلاسلاسي، وقد تزوج سنة 1912 من الأميرة وازيرومنن، وولدت له سنة 1912 ماميتى التي ماتت طفلة، ثم أصفاواصين سنة 1916، وهو ولي العهد الرسمي، ولكن أباه الإمبراطور غاضب عليه، وورك ولدت سنة 1918، ويشي أمابت ولدت سنة 1920، وماكونن ولد سنة 1923، وهو محبوب من أبيه، وقد سماه والده «دوق هرر». ومن الإشاعات التي لم نقف على صحتها أن «زوديتو» ماتت مسمومة ليخلو الجو للإمبراطور هيلاسلاسي.
أما الأمة الحبشية فهي أمة جندية جميع أفرادها على استعداد للقتال وهو حرفتهم وسجيتهم. وقد أنشأ الإمبراطور هيلاسلاسي جيشا باسم الحرس الإمبراطوري، قام بتدريبه ضباط سويسريون وبلجيكيون وسويديون، وبه وحدات من البيادة والسواري والطبجية، وله بنادق عصرية ومجهز بمدافع كبيرة وصائدات للطائرات، وتدربه الآن بعثة عسكرية بريطانية.
هذا ولكل رأس من رءوس الحبشة «حكامها» حرس أو جيش لا يقل مجموع أعداده عن ربع مليون، وجيش غير نظامي لا يقل عدده عن نصف مليون، ولدى إمبراطور الحبشة طائرات وذخائر.
ثم إنه لم يكن للإمبراطورية الحبشية نظام مخصوص للجندية كنظام القرعة العسكرية المصرية أو كنظام التطوع لدى الدول الغربية، بل تطلب الجنود من الولايات بحسب سعة الولاية وضيقها. أما الجيش العامل في حفظ الأمن في وقت السلم فهو 200 ألف جندي. أما في وقت الحرب فتصبح الجندية فرض عين على كل رجل يستطيع حمل السلاح، والأحباش أكثر الناس شغفا بالحروب وأسرعهم قبولا لويلاتها، هكذا كانت الحبشة في غارتها على مملكة سنار وفي حربها الحملة المصرية التي كان يقودها السردار محمد راتب باشا بأمر إسماعيل، وكذا في واقعة القلابات وواقعة عدوة في سنة 1895م، وفي حرب الحبشة في عامي 1935 و1936، وفي استرداد بلادها بين 1942 و1943. أما القيادة العامة فللإمبراطور نفسه. والذي يراجع تاريخ الحبشة قل أن يرى إمبراطورا مات حتف أنفه كما حدث للإمبراطور ياهنس الرابع أي «يوحنا» الذي قتله أنصار المهدية وخلافه من أسلافه.
أما ولايات الحبشة فهي ثلاث عشرة ولاية، لكل منها ملك يلقب بالرأس، وهو حاكم الولايات القائم بشئونها الإدارية والسياسية تحت إشراف الإمبراطور أو النجاشي، وهناك ألقاب أخرى وهي دجاح ودجاز جماج وفيتواري وقيفا زماج وغير ذلك من الألقاب. وتتألف من تلك الممالك الصغيرة إمبراطورية ذات شأن عظيم، ويلقب الإمبراطور هناك بالنجاشي وهو لقب كلقب بطليموس عند دولة البطالسة، وقيصر عند الروس، وشاه عند العجم، وباي تونس عند التونسيين، وخديوي عند ولاة مصر سابقا. وللحبشة لقب ثان وهو منليك إلا أنه يقصر على الملوك من سلالة نبي الله سليمان - عليه السلام - لأنه تزوج بلقيس ملكة سبأ، ولما رزق منها بولد قال لها: «مني إليك» فمزجت الجملتان فصارت «منليك»، وجاء في رحلة الدكتور محمد نيازي الذي كان طبيبا لأحد الآلايات المصرية في سنة 1282ه بالسودان أنه قال: سمعت أحد الأطباء الإفرنج يقول إنه قرأ في بعض المؤلفات القديمة أن ذلك المولود الذي هو منليك الأول بن سليمان كانت بلقيس تخاف عليه من قومها، فبعثته إلى مدينة سوبا ليربى بها، وسميت المدينة سبأ ثم حرف الاسم إلى سوبا لتقادم الزمان، وقد تبوأ عرش الحبشة كثير من الملوك، فلا حاجة إلى بيان أسمائهم وزمن كل ولاية منهم؛ تجنبا للتطويل.
ناپیژندل شوی مخ