ووصف جامع دهلي قائلا: «إنه كبير الساحة، حيطانه وسقفه وفرشه، كل ذلك من الحجارة البيض المنحوتة أبدع نحت، ملصقة بالرصاص، وفيه 13 قبة ومنبره من الحجر، وله أربعة من الصحون، وفي وسط الجامع العمود الهائل من سبعة معادن، وعند الباب الشرقي صنمان كبيران جدا من النحاس، وفي الصحن الشمالي الصومعة التي لا نظير لها في الإسلام من الرخام والذهب الخالص، وهي من بناء السلطان معز الدين بن ناصر الدين بن السلطان غياث الدين. وأراد السلطان قطب الدين أن يبني بالصحن الغربي صومعة أعظم منها فبنى الثلث وقتل، وأراد السلطان محمد إتمامها فتشاءم».
افتتاح دهلي
قال ابن بطوطة: «إن مدينة دهلي افتتحت في 584ه على يد الأمير قطب الدين أيبك الملقب «بسلار»؛ أي مقدم الجيوش، وهو أحد مماليك السلطان شهاب الدين محمد بن سنام الغوري ملك غزنة وخراسان المتغلب على ملك إبراهيم ابن السلطان الغازي محمود بن سبكتكين الذي ابتدأ فتح الهند. وكان السلطان «شمس الدين للمش» أول من ولي الملك بمدينة دهلي مستقلا به، وكان قبل ذلك مملوكا للأمير قطب الدين أيبك، فلما مات هذا خلفه.
ولما توفي السلطان شمس الدين، خلف من الأولاد ثلاثة: ركن الدين، ومعز الدين، وناصر الدين. تولى الأول وقتل الثاني، ثم قتل الناس ركن الدين انتقاما، فخلفته أخته رضية، وكانت سافرة تركب كما يركب الرجال، فخلعها الناس وولوا أخاها الأصغر ناصر الدين وقتلوا رضية، ودام الملك له عشرين سنة وكان ملكا صالحا، ينسخ بيده نسخا من القرآن ويبيع المصاحف المنسوخة ويقتات بثمنها، لكن «غياث الدين بالبان» مملوكه والنائب عنه قد قتله، وخلفه في الملك عشرين سنة، وكان من خيار السلاطين حليما.
ولما توفي السلطان غياث الدين ليلا وكان ابنه ناصر الدين غائبا، أصبح ابنه «معز الدين» سلطانا ودام حكمه أربعة أعوام، كثرت خيراتها ورخصت أسعار حاجاتها، وكان السلطان يكثر النكاح والراح فاعترته علة ويبس أحد شقيه، وخلفه نائبه باسم السلطان جلال الدين الذي قتله ابن عمه وخلفه باسم السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي، الذي بعد وفاته خلفه ابنه السلطان شهاب الدين، الذي خلعه أخوه وجلس على العرش باسم «السلطان قطب الدين بن السلطان علاء الدين» بعد أن قتل إخوته، لكن أكبر أمرائه قتله وخلفه باسم «السلطان خسرو خان ناصر الدين» وكان فاتحا شجاعا، لكنه أخفق بين المسلمين حين عمد إلى استرضاء الهندوس بتحريمه ذبح البقر، فإن جراء من يذبحها في شريعتهم أن يحاط في جلدها ويحرق، وهم يشربون بولها للبركة وللاستشفاء، ويلطخون بيوتهم بأرواثها، لكن قتله وخلفه «السلطان غياث الدين تغلق شاه» وكان فاتحا، ولما مات خلفه ابنه محمد شاه وكنيته أبو المجاهد».
أسرة تقلق المالكة
شق الرجا الهندوسي في وارانجال عصا الطاعة للأسرة المالكة الجديدة التي أسسها تقلق أو تغلق، ولم يقع هذا العصيان إلا في 1223 على يد آلك خان ابن السلطان حين ضمت مملكة تلينجانا إلى الإمبراطورية، فأصبحت ولاية منقسمة محافظات ومراكز تولاها المسلمون، كما جعل تقلق مملكة البنغال الشرقية التي ظلت مستقلة 13 سنة إحدى ولايات دلهي، ووطد سيادته على البنغال الغربية تاركا ناصر الدين من أحفاد بوغرا خان من بيت بالبان نائبا عنه فيها، كذلك ضم إليه تيرهوت، وحين كان تقلق عائدا إلى مقر ملكه في تقلق باد التي بناها جنوبي دلهي دبر ابنه ألك خان مؤامرة تفضي إلى موته، وذلك بأن جعل السقف يسقط على رأسه، فقد كان هذا الابن الأكبر عاقا على غير ولاء لوالده وكان صفيا للشيخ نظام الدين أوليا، الذي أبدى الأب كراهيته له. وبعد هذا جلس ألك على عرش دلهي في 1325 باسم محمد شاه، وكانت المملكة تمتد من ممر خبير إلى السندر باند، ومن الهيملايا إلى ميسور.
هذا ويؤخذ مما ورد في «تاريخ ظهور الإسلام الجزء الأول ص409-443» تأليف فيريشتا ، والفصل السادس من الجزء الثالث من تاريخ الهند طبعة كامبردج، أن هذا الملك كان متدينا لا يشرب الخمر، وكان قائدا مظفرا وإداريا قديرا يوضع في صفوف أعظم القواد والإداريين غير أنه كان شديدا في معاملة رعاياه إلى حد القسوة، يقتل أحدهم على الذنب الصغير. ولما قتل ابن عمه بهاء الدين جورشاب الذي ثار عليه ذبحه وقدم رأسه لأسرته، وذلك في السنة الثانية من الحكم، وقد أنشأ مدينة «دولة آباد» وجعلها العاصمة، وساعده موقعها في القضاء على ثورة المولتان والسند وإقرار السلام في الدكن، وهزم المنغوليين بعد أن اجتازوا الحدود وعاد إلى دلهي فوجد سكانها متذمرين؛ إذ إن نقل العاصمة منها قد ألحق بها الضرر ، فأمرهم بإخلائها والذهاب إلى دولة آباد التي تبعد عنها أكثر من 600 ميل.
وقد فرض على الحكومات الإقليمية تقييد الوارد والمنصرف في السجلات، ثم إنه حين زاد الضرائب في ولايتي دوب وكانوج ثارتا عليه، واستخدم الورق بدلا من العملة في النقود، وهذا ما عرفته الصين وإيران قبلا ولكنه لم يوفق إذ اختلطت النقود الصميمة بالنقود المزيفة، ولما رخص لسكان دلهي بالعودة إليها أمدهم بالذخيرة والغلال ولم يكن هذا كافيا فأمرهم بإخلائها للمرة الثانية وبنى بديلا منها عششا ثم مباني سارا جادواري.
ولما كان يطمح إلى أن يكون سيد العالم طرا؛ هاجم الصين من التبت بجيش مؤلف من 100 ألف فبادوا في الطريق ولم يعد منهم سوى قائدهم مالك نيكباي وضابطان، وذهبت الأموال سدى مما أفضى إلى انقضاض 23 ولاية عليه، واستطاعت البنغالان الشرقية والغربية استرداد استقلالهما في 1339 وتألفت منهما مملكة واحدة تحت حكم مالك إلياس في 1352، كذلك ظهرت المجاعات فأصبح الناس من آكلي لحوم البشر، واسترد فيرا باللالا استقلاله في دافارا فايتبورا وحكم أيضا أحد الراجات كامبلي، ونادى كريشنا نيك الذي أقصى من تيلينجاتا بنفسه مكافي وزانجال. وفي 1347 انتهى هذا الملك المترنح إلى حسن ظفر خان الذي كان محصلا للضرائب واستطاع أن يجمع الثائرين المسلمين حوله وأن يستولي على الدكن، وقد مات محمد تقلق بالحمى، وخلفه في آخر أغسطس 1351 ابن عمه فيروزشاه، وكان وزيره القدير مالك مقبول برهميا ثم أسلم، وخفض الضرائب، وجعل الحكم غير مركزي، ومنح الولاة الأراضي بدلا من النقود، وألغى ديون الفلاحين للحكومة، ونظم الري بالخزانات والترع، وأنشأ حول دلهي 1200 حديقة للفاكهة والعنب، وبلغ إيراد المملكة 6850000ج، وكان متسامحا لم يلغ المعابد ولكنه منع استرسال الهندوس في مذاهبهم الجديدة، وكان قاسيا على الملحدين وأصحاب المذاهب الإسلامية الشاذة، وكان عاملا على التبشير بالإسلام، معفيا من الضرائب أو مانحا الهدايا لمن يدينون بالإسلام، وكان من أثر هذا أن أصبح الملايين من الهندوس مسلمين وكذلك الأسرى وعددهم 180 ألفا مسلمين، وقد أنشأ فيروزآباد متصلة بدلهي، وأنشأ قصرا هو مدينة في جونيور، وقامت الاضطرابات في دلهي في أثناء حملات الملك في البنغال حيث قام شمس الدين بن إلياس شاه المستقل، وكذلك في 1359 أخفق للمرة الثانية في ضم البنغال إلى ملكه، ولكنه غزا أوريا في شتاء 1360 لكن الجيش ضل الطريق ستة أشهر في عودته، وكذلك أخفقت حملة فيروز في 1362 في السند، وفي 1362 اضطر جام مالي حاكم السند إلى عقد الصلح مقابل دفع الجزية. وفي 1377 قام بحملة أخرى موفقة في إتاوا ولما بلغ الخامسة والسبعين كان إدراكه العقلي في هبوط ثم مات في 1388.
ناپیژندل شوی مخ