فيُقالُ لكَ: هذا التَّقسيمُ منتشرٌ غيرُ منحصرٍ؛ فإنَّ قولَكَ إمّا أنْ يكونَ في الوجودِ والوجوب، أو في الماهيّاتِ ليسَ بحاصرٍ؛ إذْ هنا قسمٌ آخرُ وهوَ أنْ يكونَ اختلافُهما في الوجودِ والوجوبِ والماهيّاتِ؛ إذْ كُلٌّ منهُما يشاركُ الآخرَ في أنَّ لهُ ماهيّةً موجودةً واجبةً، فشاركَهُ في مطلَقِ الوجودِ والوجوبِ والماهيّة، ويفارقُهُ بما يخصُّهُ مِنْ وجودٍ ووجوبٍ وماهيّةٍ، واختلافُهما في الوجودِ والوجوبِ ليسَ المرادُ بهِ أنَّ أحدَهما يَكونُ موجودًا واجبًا دونَ الآخرِ كما قدَّرْتَهُ، بَلِ اختلافُهما هوَ أنْ يكونَ وجودُ هذا ووجوبُهُ ليسَ هوَ وجودَ الآخرِ ووجوبَهُ؛ فإنَّهما اشترَكا في شيءٍ وامتازَ كُلٌّ منهُما عَنِ الآخرِ بشيءٍ، فالامتيازُ هوَ الاختلافُ، وإذا امتازَ أحدُهما عَنِ الآخرِ بوجودِهِ ووجوبِهِ المختص بهِ فهوَ كامتيازِ عينِهِ بالماهيّةِ؛ أي: امتازَ عينُهُ لوجودِهِ الخاصِّ ووجوبِهِ الخاصِّ وماهيَّتِهِ الخاصّةِ.
وأمّا امتيازُ أحدِهما عَنِ الآخرِ بمطلَقِ الوجودِ والوجوب، فهذا ممتنِعٌ؛ إذْ هُما مشتركانِ فيهِ كما يشتركانِ في الماهيّة، فكُلُّ ما يشتركانِ فيهِ يمتازُ أحدُهما عَنِ الآخرِ في عينِهِ أصلًا، وإذ كان هذا التَّقسيمُ غيرَ منحصرٍ كانَتِ الحُجَّةُ باطلةً.
الوجه الخامسُ: قولُكَ: "الاتِّفاقُ في الوجودِ والوجوب، فلا يجوزُ لِما تقدَّمَ أنَّ الماهيّةَ لا يجوزُ أنْ تكونَ ولا صفةٌ مِنْ صفاتِها سببًا للوجودِ" قولٌ باطلٌ؛ وذلكَ أنَّ الاختلافَ في الماهيّةِ يرادُ بهِ أنَّ لهذا ماهيّةً تخصُّهُ كما أنَّ لهذا ماهيّةً تخصُّهُ، مَع كونهما مشترِكين في مسمَّى الماهيّة، كما أنَّ لهذا وجودًا أو وجوبًا يخصُّهُ، ولهذا وجودٌ ووجوبٌ يخصُّهُ، مَع كونهما
1 / 44