والعَرَضِ العامِّ والفرقِ بينَ المطلَقِ والمعيَّن، حيثُ عَمدوا إلى صفاتٍ متساويةٍ في العمومِ والخصوص، فجَعلوا بعضَها عامًّا وبعضَها خاصًّا.
والثّاني متعلِّقٌ بكلامِهم في الماهيّاتِ وصفاتِها الذّاتيّة، والفرقِ بينهما وبينَ العرضِيَّة اللَّازمةِ للماهيّة، والفرقِ بينَ الماهيّةِ والوجود، فهذا يتعلَّقُ بالسَّلْبِ والإيجاب، وذلكَ يتعلَّقُ بالخصوصِ والعُمومِ. وعلى هذا بَنَوْا عامّةَ كلامِهم الذي فارَقُوا بهِ أهلَ الفِطَرِ السَّليمةِ والعُقولِ المستقيمةِ وقَعُوا بسبَبِهِ في ضلالٍ وحيرةٍ حتَّى يبقى أحدُهم طولَ عُمرِهِ ناظرًا باحثًا ولم يتخامر عندَهُ ما يقوله في وجودِ واجبِ الوجودِ الذي هوَ أبيَنُ المعارفِ. وجهة الغلط الذي وقعَ فيهِ هؤلاءِ مَع ذكائِهم بالنِّسبةِ إلى أتباعهم أنَّ اسمَ الماهيّةِ في عُرفِهم غلبَ على ما في الذِّهن، ولفظَ الوجودِ غلبَ على ما في الخارجِ؛ لأنَّ الماهيّةَ مأخوذةٌ مِنْ قولِ القائلِ ما هوَ، والسّائلُ بما هوَ يطلبُ جوابَهُ، بقولِ المسؤولِ وهوَ المَقولُ في جوابِ ما هوَ، والمقولُ في جوابِ ما هوَ لا بُدَّ أنْ يتصوَّرَهُ الذِّهنُ، سواءٌ كانَ موجودًا في الخارجِ أو لم يكُنْ.
ومِنْ هنا جعلوا الماهيّةَ مغايِرةً لوجودِها كما يذكرونَهُ في المثلَّث، وأنَّ حقيقته مغايرة لوجودِ المثلَّثِ. وهذا صحيحٌ باعتبارِ أنَّ المثلَّثَ يمكنُ تصوُّرُهُ في الذِّهنِ بدونِ وجودِهِ في الخارج، وأمّا لفظُ الوجودِ فغلبَ على ما لَهُ وجودٌ في الخارجِ؛ إذْ ما تصوَّرَهُ الذِّهنُ إنْ لم يوجدْ في الخارجِ لا يكونُ موجودًا، فالفَرقُ بينَ الوجودِ والماهيّةِ فرقٌ بينَ ما في الوجودِ الذِّهنيِّ والوجودِ الخارجيّ، وهوَ فرقٌ صحيحٌ بهذا التَّفسيرِ؛ فإنَّ العقلَ الصَّريحَ يعلمُ أنَّ حقيقةَ الشَّيءِ الموجودةَ في الخارجِ ليسَتْ هيَ عينَ ما تصوَّرَهُ في
1 / 36