إذا تبيَّنَ هذا فإذا قدَّرنا موجودينِ واجبَي الوجود، وقالَ القائلُ: هما مشتركانِ في الوجودِ والوجوب، ومختلِفانِ بالتَّعيينِ أو الماهيّةِ أو الذّاتِ أو الحقيقة، أو نحوِ ذلكَ مِنَ العباراتِ التي تُقالُ في هذا المقام، وقالَ: إنَّ ما اتَّفَقا فيهِ إمّا أنْ يكونَ لازمًا لِما اختلَفا فيهِ أو بالعكسِ أو عارضًا لهُ أو بالعكسِ قيلَ: قد فرقتَ بينَ ما اتَّفَقا فيهِ واختلَفا فيهِ مِنْ جهةِ الإطلاقِ والتَّعيين، وجعلتَ هنا قِسمينِ: أحدهما يصلحُ أنْ يكونَ لازمًا للآخرِ أو ملزومًا أو عارضًا أو معروضًا، وهذانِ القِسمانِ متَّفقانِ في العمومِ والخصوصِ والإطلاقِ والتَّعيين، وبينَهما تلازمٌ مِنَ الطَّرفينِ إذا كانا مُتعاندين، وأمّا إذا كانا متَّحدينِ فقد بَطَلَتِ الحُجّةُ بالكُلِّيّةِ.
ولكِنْ إذا قيلَ: هما مُتغايرانِ فَكُلٌّ لازمٌ للآخرِ وملزومٌ لهُ، لا يجوزُ أنْ يكونَ أحدُهما اللّازمَ مِنْ غيرِ عكسٍ؛ وذلكَ أنَّ الوجودَ والوجوبَ الذي جعلتَهُ مشترَكًا إنْ أردتَ بهِ وجودًا مطلَقًا ووجوبًا مطلَقًا، فخُذْ مِنَ الضَّربِ الآخرِ ماهيّةً مطلَقةً وذاتًا مطلَقةً وحقيقةً مطلَقةً وتَعَيُّنًا مطلَقًا، فإنَّهما كما اشترَكا في مسمَّى الوجودِ والواجبِ اشترَكا في مسمَّى الذّاتِ والماهيّةِ والحقيقةِ والمعيَّنِ.
وإنْ قلتَ: اشترَكا في الوجودِ والوجوبِ قيلَ لكَ: اشترَكا في التَّعَيُّنِ والذّاتيّةِ والتَّحقُّقِ ونحوِ ذلكَ، وإنْ أردتَ بالوجودِ والوجوبِ لِكُلٍّ مِنهما ما يخصُّهُ، فخُذْ بإزاءِ ذلكَ لِكُلٍّ مِنهُما ما يخصُّهُ مِنْ مسمَّى التَّعيينِ والحقيقةِ والماهيّةِ ونحوِ ذلكَ؛ فإنَّهُ مِنَ المعلومِ أنَّ كُلًّا منهُما يوافقُ الآخرَ في أنَّهُ موجودٌ وأنَّهُ واجبٌ، وأنَّهُ متعيِّنٌ، وأنَّهُ ذاتٌ، وأنَّهُ حقيقةٌ وماهيّةٌ، ويفارقُهُ في
1 / 27