وهذا الموضِعُ اشتبهَ على طوائفَ مِنَ الأُمَمِ؛ فلم يُميِّزوا بينَ هذا وهذا في مواضعَ، مَع ظهورِ التَّمييزِ بينَهما، وصارُوا يتكلَّمونَ بلفظِ الواحد، ويَظنُّونَ أنَّهُ واحدٌ بالعين، وإنَّما هوَ واحدٌ بالنَّوع، ولهذا قيلَ: أكثرُ اختلافِ العُقلاءِ مِنْ جهةِ اشتراكِ الأسماء، حتَّى آلَ الأمرُ بطوائفَ يَدَّعُونَ التَّحقيقَ والتَّوحيدَ والفُرقانَ، وأنَّهم بيَّنوا العِلمَ الذي رمزَ إليهِ هُرامسُ الدُّهورِ الأوليّة، ورامَتْ إفادتُهُ الهدايةَ النَّبويّةَ؛ إلى أنْ جَعلوا الوجودَ واحدًا بهذا الاعتبارِ؛ بناءً على أنَّ الموجوداتِ تشتركُ في مُسمَّى الوجودِ.
ولا ريبَ أنَّ الموجوداتِ مشترِكةٌ في مسمَّى الوجود، وأنَّ الوجودَ واحدٌ بهذا الاعتبار، ولكِنْ فرقٌ بينَ الواحدِ بالعَينِ والشَّخص، وبينَ الواحدِ بالنَّوعِ أو الجِنْسِ أو العرضِ العامّ، ونحوِ ذلكَ مِنِ اصطلاحِ المنطقيِّينَ التي يجمعُها كُلَّها اسمُ الجِنسِ في اصطلاحِ النُّحاة، فإنَّ هذهِ الكُلِّيَّاتِ الخمسةَ هيَ أسماءُ جنسٍ في اصطلاحِ النُّحاةِ؛ إذِ اسمُ (١) الجِنسِ عندَهم اسم لِما عُلِّقَ على الشَّيء، وعلى ما أشبهَهُ، بمنزلةِ ما يقولُ المنطقيُّونَ الكُلِّيّ، فاللَّفظُ يُسمِّيهِ هؤلاءِ كُلِّيًّا، أو يُسَمُّونَ معناهُ كُلِّيًّا يسمِّيهِ هؤلاء اسمَ جنسٍ.
فإذا قيلَ: الموجوداتُ مشترِكةٌ في مسمَّى الوجود، فهيَ بمنزلةِ أنْ يقالَ: الجواهرُ مشترِكةٌ في مسمَّى الجَوهر، والأجسامُ مشترِكةٌ في مسمَّى الجِسم، والحيواناتُ مشترِكةٌ في مسمَّى الحيوان، والأناسيُّ مشترِكةٌ في مسمَّى الإنسان، بَلْ والعربُ مشترِكةٌ في مسمَّى العربيّ، وأمثالُ ذلكَ ممّا لا يُحصى أمثلتُهُ.
_________
(١) رسمت في المخطوط (اسمي) ولعل المثبت هو الصحيح.
1 / 22