-29- والثاني : أن ( ما ) تقع بمعنى الذي بلا خلاف ، والذي تستعمل فيمن يعقل ، وفيما لا يعقل ، وإنما يعرف ذلك بما يتصل بها ، فإن اتصل بها ما يدل على أنها لمن يعقل، حملت عليه ، وإن دل على أنها لما لا يعقل ، حملت عليه ، وكذلك في ( ما ) ، لا سيما إذا اتصل بها ما تصير به وصفا ، وإنما تفترق ( ما ) و( الذي ) في أن الذي توصف بلفظها ، وما لا توصف بلفظها ، فإن قيل : كيف يصح هذا والرحماء جمع ، وما بمعنى الذي مفردة ، والمفرد لا يخبر عنه بالجمع ؟ قيل : (ما ) يجوز أن يخبر عنها بلفظ المفرد تارة ، وبلفظ الجمع أخرى ، مثل ( من ) و( كل ) ، كقولك : ما عندي ثياب ، وما عندي ثوب ، ولا خلاف في ذلك ، كما إنه لا خلاف في قولك : جاءني من تعرفه ، ومن تعرفهم ، ومنه قوله تعالى : [ ومنهم من يستمع إليك ] (1) وقال في آية أخرى :[ ومنهم من يستمعون إليك ](2) وكذلك قوله عز وجل :[ بلى من أسلم وجهه لله ] (3) ثم قال [ ولا خوف عليهم ] ( 4) ، وقال في كل : [ وكل أتوه داخرين ] (5) و[ كلهم آتيه يوم القيامة فردا ] (6) ، فالأفراد محمول على لفظ ( من ) و( ما ) و( كل ) والجمع محمول على معانيها0 وأما الذي فقد استعملت مفردة للجنس ، ورجع الضمير تارة إلى لفظها مفردة ، وتارة (7) إلى معناها مجموعا ، قال الله تعالى : [ مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم ] (8) فجاء بالضمير مفردا وجمعا ، وقال الله تعالى : [ والذي جاء بالصدق وصدق أولئك هم المتقون ] (9) فهي مثل الآية الأولى ، ومنه قول الشاعر (10) :
(و) إن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد ( الطويل )
-30-
فأعاد الضمير بلفظ الجمع لا غير ، وإذا جاء ذلك في ( ما ) و( الذي ) والتي ما بمعناها ، كان ذلك سائغا في الخبر ، من غير دافع عنه ، ولك على هذا الوجه أن تجعل أن العاملة ، وأن تجعلها بمعنى نعم ، على ما سبق 0
الوجه الثاني من وجوه ( ما ) التي يجوز معها رفع الرحماء : أن تكون ( ما ) نكرة موصوفة في موضع فريق أو قبيل ، و( يرحم ) وصف لها ، و( الرحماء ) الخبر ، والعائد من الصفة إلى الموصوف محذوف تقديره : إن فريقا يرحمه الله الرحماء ، فإن قيل : كيف يصح الابتداء بالنكرة ، والإخبار بالمعرفة عنها ؟ قيل : النكرة هنا قد خصصت بالوصف ، والرحماء لا يقصد بهم قوم بأعيانهم ، فكان فيه لذلك نوع من إبهام ، فلما قرنت النكرة هنا بالصفة من المعرفة ، وقربت المعرفة من النكرة ، بما فيها من إبهام ، صح الإخبار بها عنها ، على أن كثيرا من النكرات تجري مجرى المعارف في باب الإخبار ، إذا حصلت من ذلك فائدة ، والفائدة هنا حاصلة 0
والوجه الثالث : أن تكون ( ما ) مصدرية ( و) (1) في تصحيح الإخبار عنها بالرحماء ثلاثة أوجه :
مخ ۱۵