Marwiyat Ghazwat Al-Hudaybiyyah: Compilation, Authentication, and Study
مرويات غزوة الحديبية جمع وتخريج ودراسة
خپرندوی
مطابع الجامعة الإسلامية،المدينة المنورة
د ایډیشن شمېره
١٤٠٦هـ
د خپرونکي ځای
المملكة العربية السعودية
ژانرونه
مرويات غزوة الحديبية
تأليف: الدكتور حافظ بن محمد بن عبد الله الحكمي
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ...
أما بعد: فإن الله قد ختم الرسالات برسالة محمد ﷺ وجعل دينه ناسخًا للأديان لا يقبل الله من أحد غيره قال تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ ١.
وقد بعث الله محمدًا ﷺ مبلغًا ومبينًا لهذا الدين قال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ ٢.
فقام صلوات الله وسلامه عليه بتلك المهمة خير قيام، حيث أوضح كل صغيرة وكبيرة في هذا الدين بقوله وفعله وتقريره - على مرأى من الناس ومسمع - ابتداء من طور السرية بمكة إلى قيام دولة الإسلام بالمدينة، وكان يسير أثناء ذلك في كل خطوة يخطوها على المستوى البشري، فقد اتخذ كافة الأسباب والوسائل التي هي من مقتضيات الطريق وما ذلك إلا ليتسنى لأمته التأسي به، وترسم خطاه لأنها قد كلفت بمهمته من بعده لا خيار لها، قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ٣.
وكما أنه لا خيار لأتباع محمد ﷺ في القيام بهمته من الدعوة إلى هذا الدين وحراسته، فإنه لا ضمان لنجاحهم في تلك المهمة إلا بسلوك الطريق الذي سلكه ﷺ، والدليل لطريقه ﷺ هو سيرته فلا بد من الوقوف عليها وترسم خطاه فيها.
_________
١ سورة آل عمران آية: ٨٥.
٢ سورة النحل آية: ٤٤.
٣ سورة يوسف آية: ١٠٨.
1 / 5
وأهم جوانب سيرته ﷺ هي مغازيه؛ لأنها استغرقت قسطًا كبيرًا من حياته في مجال الدعوة وهي التطبيق العملي لأحكام الجهاد - الذي يشكل السياج المنيع لحماية هذا الدين كما أنه من أهم وسائل الدعوة إليه، ولذلك أخبر ﷺ أنه ذروة سنام الإسلام - ١ كما حفلت المغازي بكثير من أساليب الدعوة والأحكام.
وقد أدرك السلف رضوان الله عليهم أهمية مغازي رسول الله ﷺ فأولوها جانبًا عظيمًا من عنايتهم، يدل لذلك ما روى الخطيب عن محمد بن عبد الله قال: سمعت عمي الزهري يقول: في علم المغازي علم الآخرة والدنيا٢.
وما روي عن إسماعيل بن محمد بن سعد (بن أبي وقاص) أنه قال: "كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله ﷺ وسراياه ويعدها علينا ويقول: هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوا ذكرها"٣.
وما روي عن علي بن الحسين أنه كان يقول: "كنا نعلَّم مغازي رسول الله ﷺ كما نعلم السورة من القرآن"٤.
وتتمثل عنايتهم بها أيضًا في تدوينهم لها في زمن مبكر، فقد قام بذلك جماعة من التابعين، منهم عروة بن الزبير المتوفى سنة (٩٤هـ)، وأبان بن عثمان بن عفان المتوفى ما بين (١٠١ - ١٠٥هـ)، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري المتوفى (١٢٤هـ)، وشرحبيل بن سعد المتوفى (١٢٤هـ)، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم (١٣٥هـ)، وموسى بن عقبة (١٤١هـ)، وغيرهم إلا أن كتب هؤلاء في حكم المفقود اليوم سوى نقولات عنها.
ثم تلت هؤلاء طبقة أخرى دونت المغازي بنطاق أوسع أمثال: محمد بن إسحاق (١٥١هـ)، ومحمد بن عمر الواقدي (٢٠٧هـ)، ومحمد بن سعد (٢٣٠هـ)، وابن جرير الطبري (٣١٠هـ)، وغيرهم٥.
ثم تتابع التأليف في ذلك إلا أن المتأخرين درجوا على الاختصار بحذف الأسانيد.
_________
١ سنن الترمذي، كتاب الإيمان، حديث رقم (٢٦١٦) .
٢ الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ٢/٢٥٢.
٣ م. السابق.
٤ م. السابق.
٥ انظر: د. فاروق حمادة مصادر السيرة النبوية وتقويمها: ٤٦، د. أكرم العمري نظرة في مصادر ودراسة السيرة النبوية: ٤.
1 / 6
وبما أن سيرة رسول الله ﷺ ومغازيه على وجه الخصوص بتلك المثابة من الأهمية - بحيث لا تستقيم متابعته في طريق الدعوة إلا من خلالها - فلا بد من معرفتها، وترسم خطاها فيها لكن هناك خطوة أولى لا يأمن العثار إلا بسلوكها، وهي تمييز ما صح من سيرته ﷺ عن غيره، لأن كتب المغازي المتداولة بأيدينا لم يلتزم أصحابها الصحة فيها، بل يوردون المقبول وغيره، وعذر المتقدمين أنهم يكتفون بذكر السند، إلا أنهم لا يفعلون ذلك دائمًا، أما المتأخرون فإنهم لا يذكرون سندًا للروايات فضلًا عن تمييز صحيحها من غيره.
نعم قام بعض المحدثين أخيرًا بتخريج المرويات في بعض كتب السيرة، وبيان درجتها إلا أن تلك الكتب لم تستوعب مرويات المغازي.
وكذلك وردت كثير من مرويات المغازي في بطون كتب السنة، وقد تفردت ببعضها عن كتب المغازي، لكن أغلبها لم يشترط أصحابها الاقتصار فيها على الصحيح، وما اشترط فيه ذلك لم يرد فيه إلا القليل من مرويات المغازي بالنسبة لما فاته، إلا أن كتب السنة تمتاز بالتزام السند.
وهذا كله يحتم العمل على جمع مرويات المغازي من كتب السنة بالدرجة الأولى، لأنها المصدر الثاني من مصادر السيرة النبوية١ بعد القرآن الكريم، ثم من كتب المغازي وغيرها من مصادر السيرة٢، ثم القياد بعد ذلك بدراسة أسانيدها دراسة فاحصة لبيان ما يصح العمل به من غيره لتبرز سيرة رسول الله ﷺ بعد ذلك صافية نقية لمرتاديها.
وهذا ما حملني على اختيار مرويات غزوة الحديبية موضوعًا لبحثي في مرحلة الماجستير.
وقد يسبق هذا السبب في اختياري للموضوع سبب آخر وهو شدة ولوعي بسيرة رسول الله ﷺ لما تفردت به من صفات عظيمة كالواقعية، والجدية، والوضوح، فهي بعيدة كل البعد عن الخيالات، والهزل، والغموض والطلاسم.
_________
١ د. فاروق حمادة مصادر السيرة النبوية وتقويمها: ٣٦، د. أكرم العمري نظرة في مصادر ودراسة السيرة النبوية: ٣.
٢ انظر لبيان ذلك المصدرين السابقين.
1 / 7
وقد سبقني في هذا المضمار بعض زملائي في قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية، فلهم فضل السبق، وقد أفدت كثيرًا من تجاربهم، وما قمنا به من جهد متواضع في هذا المجال أحسب أنه سيسد ثغرة لا بأس بها إن شاء الله، وإن كان ينقصه شيء من الاستيعاب لمضيق الوقت من جهة، ولاشتراط البعض كتبًا محدودة من جهة أخرى، علمًا بأني قد جانبت هذا الشرط، وبذلت قصارى جهدي لاستيعاب مرويات الغزوة، ولا أدعي حصول ذلك، لكن أسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه، وأن يمد الجميع بالعون لاستكماله حتى تبرز مغازي رسول الله ﷺ نقية من كل شائبة، وما بذل من جهد في هذا الصدد إنما هو من ثمرات جهود الجامعة الإسلامية التي بذلتها وتبذلها دائمًا - في خدمة الإسلام والسنة على وجه الخصوص.
ولا يفوتني أن أنوه بفضل الدكتور أكرم العمري لأن له اليد الطولى في سبب اختياري لهذا الموضوع، فجزاه الله خيرًا ...
1 / 8
منهجي في البحث
(١) قمت بجمع المرويات من مختلف مصادر السيرة لم أتقيد في ذلك بكتب معينة، فقد رجعت لكثير من كتب السنة من مجاميع ومسانيد وغيرها، كما رجعت لكثير من كتب المغازي والتاريخ والشمائل والدلائل، وكتب معرفة الصحابة ما بين مخطوط ومطبوع محاولًا بذلك استيعاب مرويات الغزوة.
(٢) بعد أن جمعت المرويات قسمت البحث إلى أربعة أبواب، ثم حصرت المرويات في الثلاثة الأبواب الأولى، وجعلت الباب الأخير لفقه أهم جوانب المرويات.
والقصد من ذلك هو الحفاظ على تسلسل أحداث الغزوة وترابطها، وتندرج تحت تلك الأبواب فصول ومباحث، وهي مفصلة في صلب الرسالة، وقد سردتها في فهرس الموضوعات.
(٣) أورد تحت المبحث الروايات المتعلقة به، وأجعل لكل رواية رقمًا ثم أقوم بتخريجها، وإذا ورد الحديث بأكثر من طريق أخرج كل طريق على حدة، محاولًا بذلك استيعاب جميع طرق الحديث وألفاظه دون تكرار.
(٤) إذا أعدت الحديث في مبحث آخر لحاجة لا أضع له رقمًا آخر، بل أشير إلى الرقم الذي تقدم به، وكذلك لا أعيد تخريجه إلا إذا اقتضت الحاجة ذكر شيء منه.
(٥) أعرف برجال السند إذا لم يكن الحديث في الصحيحين أو في أحدهما، وأقتصر في التعريف بهم على التقريب إن كانوا من رجاله، لكن أصرح بسنة وفاة الشخص، ولا أذكر الطبقة التي وضعها ابن حجر، إلا عند تعذر معرفة سنة الوفاة، وإذا أضفت شيئًا كسنة وفاة أو نحوها أشير إلى المصدر.
(٦) إذا كان الرواي من رجال التقريب، لكنه متكلم فيه، ويتوقف الحكم على السند على معرفة حاله، فإني أذكر أقوال العلماء فيه عند الكلام على درجة الحديث، وأبين ما ترجح لي فيه، إلا إذا كان في السند أكثر من اثنين بهذه الصفة فأنقل كلام العلماء فيهم عند التعريف بهم خشية الإطالة.
1 / 9
(٧) إذا لم يكن الراوي من رجال التقريب أعرف به من كتب الرجال الأخرى باختصار.
(٨) إذا لم يكن الحديث في الصحيحين أو أحدهما أقوم بدراسة سنده وفق القواعد التي رسمها المحدثون، ثم أذكر ما ترجح في بيان درجته، صحة أو غيرها، وإن وجدت في ذلك كلامًا لأحد نقلته، فإن وافق ما توصلت إليه فبها، وإلا بينت وجه مخالفتي له.
(٩) إذا اقتضت الحاجة إيراد حديث من غير مرويات الغزوة، فلا أضع له رقمًا، ولا أخرجه، ولا أعرف برجاله، بل أكتفي بنقل أقوال العلماء في بيان درجته، إلا إذا تعذر ذلك فأقوم بدراسة سنده وأبين ما ظهر لي فيه.
(١٠) إذا وقع خلاف في شيء من الأحداث الواردة في الغزوة، فإني أنقل أقوال العلماء في ذلك وأناقشها ثم أرجح ما يقتضيه الدليل.
(١١) ذكرت في الباب الرابع بعض الأحكام والدروس والعبر دون توسع، وقد أغفلت ذكر كثير من الأحكام الواردة في المرويات لضيق الوقت، ولأنها مبسوطة في مظانها من كتب الفقه، وأما ما ذكرته منها فقد جعلت توطئة للباب بينت فيها وجه أهميته.
1 / 10
رموز رجال السند المترجم لهم من التقريب
وضع ابن حجر لرجال التقريب رموزًا تشير إلى من روى عنهم من أصحاب الكتب الستة وإلى الكتاب الذي روى لهم فيه.
وقد استعملت تلك الرموز ونصها من التقريب.
خ: للبخاري في صحيحه.
خت: للبخاري إن كان حديثه عنه معلقًا.
بخ: للبخاري في الأدب المفرد.
عخ: للبخاري في خلق أفعال العباد.
ز: للبخاري في جزء القراء.
ى: للبخاري في رفع اليدين.
م: لمسلم.
مق: في مقدمة صحيحة.
د: لأبي داود.
مد: لأبي داود في المراسيل.
صد: لأبي داود في فضائل الأنصار.
خد: لأبي داود في الناسخ والمنسوخ.
قد: لأبي داود في القدر.
ف: لأبي داود في التفرد.
ل: لأبي داود في المسائل.
كد: لأبي داود في مسند مالك.
ت: للترمذي.
تم: للترمذي في الشمائل.
س: للنسائي.
1 / 11
عس: للنسائي في مسند علي.
كن: للنسائي في مسند مالك.
ق: لابن ماجه.
فق: لابن ماجه في التفسير.
ع: للجماعة.
تمييز: من ليست له رواية عند أحد من أصحاب الكتب الستة.
الإحالات للكتب التي رجعت إليها من المطبوع
بالنسبة لصحيح البخاري، ومسلم، وسنن أبي داود، والترمذي وابن ماجه، والموطأ: أحيل إلى اسم الكتاب ورقم الحديث.
والإحالة إلى كتاب الجرح والتعديل، وتهذيب الأسماء واللغات إلى الجزء، ثم القسم، ثم الصفحة.
والإحالة إلى التاريخ الكبير للبخاري إلى القسم، ثم الجزء، ثم الصفحة.
والإحالة إلى سائر الكتب غير هذه: إلى الجزء، والصفحة، أو إلى الصفحة.
1 / 12
الباب الأول: يشمل مقدمات الغزوة وخروج المسلمين لها وما واجههم أثناء سيرهم
الفصل الأول: تحقيق لاسم الغزوة وموقعها
المبحث الأول: المرجحات لتسمية هذه الحادثة بغزوة الحديبية
...
المبحث الأول: المرجحات لتسمية هذه الحادثة بغزوة الحديبية:
بعد أن تم اختياري «لمرويات غزوة الحديبية» موضوعًا لبحثي كانت أول قضية استوقفتني هي: اختلاف الذين كتبوا عن مغازي رسول الله ﷺ «في عنوان هذه الحادثة» .
فنرى بعضهم عنون لها بـ «أمر الحديبية» ١ وبعضهم بـ «قصة الحديبية» ٢، ومنهم من سماها ببعض القضايا التي وقعت فيها مثل: «عمرة الحديبية» ٣، أو «صلح الحديبية» ٤، وفريق آخر سماها بـ «غزوة الحديبية» ٥.
وكان لزامًا علي أن أختار لها عنوان مناسبًا من تلك العناوين المطروحة لكن وجدت أمامي سؤالًا يطرح نفسه، وهو: لماذا اخترت هذا العنوان دون غيره؟
وللجواب على هذا السؤال وأمثاله قررت أن يكون اختياري للعنوان ناتجًا عن دراسة وتحليل لتلك العناوين المطروحة لأنه لم يوضع واحد منها إلا باعتبار ما.
فأقول وبالله التوفيق:
بعد دراسة وتأمل لتلك العناوين رأيت أن العنوان المناسب لهذه الحادثة هو: «غزوة الحديبية» وذلك للأمور التالية:
_________
١ انظر: سيرة ابن هشام ٣/٣٠٨، والمواهب اللدنية ٢/١٧٩ مع شرح الزرقاني.
٢ انظر: تاريخ الطبري ٢/٧١، وزاد المعاد ٣/٢٨٦.
٣ انظر: الدرر لابن عبد البر ص ٢٠٤، وفقه السيرة لمحمد الغزالي ص ٣٤٨.
٤ انظر: تاريخ خليفة ابن خياط ص ٨١، وكتاب صلح الحديبية لمحمد باشميل.
٥ انظر: صحيح البخاري مع الفتح ٧/٤٣٩، ومغازي الواقدي ٢/٥٧١، والطبقات الكبرى لابن سعد ٢/٩٥، وتاريخ اليعقوبي ٢/٥٤، وعيون الأثر ٢/١١٣، وجوامع السيرة ص٢٠٧ وغيرها.
1 / 14
أولًا: أنه موافق لاصطلاح أهل السير والمحدثين.
قال الزرقاني: "وقد جرت عادة المحدثين وأهل السير واصطلاحهم غالبًا أن يسموا كل عسكر حضره النبي ﷺ بنفسه الكريمة (غزوة) وما لم يحضره بل أرسل بعضًا من أصحابه إلى العدو (سرية) أو (بعثًا) "١.
ثانيًا: ما يحمله لفظ (غزوة) من إيحاءات عميقة تعطى الحادثة اعتبارًا خاصًا في شعور المسلم ولا توجد في مثل لفظ (قصة) و(أمر) ذلك لأن لفظ (غزوة) أصبح ملازمًا لشخص رسول الله ﷺ فلا تكاد ترى أو تسمع هذه اللفظة حتى يسرح بك الخيال من وراء تلك الأجيال المتعاقبة لترى تحركات رسول الله ﷺ وأصحابه الأبرار يزلزلون الطغاة وأتباعهم.
ثالثًا: شمول هذا العنوان لجميع تحركات الرسول ﷺ في هذه الحادثة ابتداء من إحرامه بالعمرة ومرورًا بالبيعة والصلح إلى رجوعه للمدينة.
رابعًا: ورود عدة أحاديث تصرح بأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يسمونها (غزوة) ومن تلك الأحاديث ما يلي:
حديث سلمة بن الأكوع ﵁:
(١) قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا حماد بن مسعده عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال: "غزونا مع رسول الله ﷺ سبع غزوات فذكر خيبر٢، والحديبية، ويوم حنين٣، ويوم القرد٤، قال يزيد: ونسيت بقيتهم"٥.
_________
١ شرح الزرقاني على المواهب اللدنية ١/٣٨٧.
٢ لفظ خيبر: بلسان اليهود الحصن، وصار يطلق هذا الاسم على الولاية، وتشتمل على سبعة حصون ومزارع ونخيل كثيرة، فتحها النبي ﷺ سنة سبع من الهجرة، وتقع شمال المدينة بحوالي (١٦٤) كيلًا.
انظر: معجم البلدان ٢/٤٠٩، ونسب حرب: ٣٥٦، ومرويات غزوة خيبر لعوض الشهري: ٨.
٣ حنين: قال ياقوت: "يجوز أن يكون تصغير الحنان وهو الرحمة تصغير ترخيم، ويجوز أن يكون تصغير الحن، وهو حي من الجن، قال السهيلي: سمي بحنين بن قانيه بن مهائيل، قال: وأظنه من العماليق، حكاه عن أبي عبيد البكري، وهو اليوم الذي ذكره الله ﷿ في كتابه الكريم، وهو قريب من مكة، وقيل: واد قبل الطائف، وقيل: واد بجنب ذي المجاز، وقال الواقدي: بينه وبين مكة بضعة عشر ميلًا".
انظر: معجم البلدان ٢/٣١٣.
٤ يعني غزوة ذي قرد: وهو ماء على ليلتين من المدينة، بينها وبين خيبر، وكان رسول الله ﷺ انتهى إليه لما خرج في طلب عيينة بن حصن حين أغار على لقاحه.
معجم البلدان ٤/٣٢١.
٥ صحيح البخاري مع الفتح، كتاب المغازي: ٤٢٧٣.
1 / 15
وأخرجه أحمد١ عن حماد بن مسعدة.
حديث أبي قتادة ﵁:
(٢) قال مسلم٢: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي أخبرنا يحيى بن حسان حدثنا معاوية هو ابن سلام أخبرني يحيى، أخبرني عبد الله بن أبي قتادة أن أباه أخبره أنه غزا مع رسول الله ﷺ غزوة الحديبية، قال: فأهلوا بعمرة غيري ... (الحديث) .
حديث أنس بن مالك عند ابن جرير:
(٣) قال: حدثنا أحمد بن المقدام٣، قال: ثنا المعتمر٤ قال: سمعت أبي٥ يحدث عن قتادة٦ عن أنس٧ بن مالك قال: "لما رجعنا من غزوة الحديبية وقد حيل بيننا وبين نسكنا قال: فنحن بين الحزن والكآبة، قال: فأنزل الله ﷿: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا﴾ ٨ أو كما شاء الله فقال النبي ﷺ: "لقد أنزلت علي آية أحب إلي من الدنيا جميعًا"٩.
هذا حديث صحيح فرجاله رجال الصحيح وأحمد بن المقدام طعن فيه أبو داود بسبب مزاح كان فيه، وقد تعقبه ابن عدي١٠ بأنه لا يؤثر فيه، وبين ابن حجر١١ أيضًا وجه عدم تأثير طعن أبي داود فيه.
_________
١ مسند أحمد ٤/٥٤.
٢ صحيح مسلم، كتاب الحج: ٦٢، وسيأتي تخريجه برقم (٣٨) .
٣ أحمد بن المقدام أبو الأشعت العجلي، البصري، صدوق صالح الحديث، طعن أبو داود في مروءته، مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين، وله بضع وتسعون سنة: خ، ت، س، ق. تقريب: ١٦.
٤ معتمر بن سليمان التيمي أبو المعتمر البصري يلقب بالطفيل، ثقة، مات سنة سبع وثمانين ومائة، وقد جاوز الثمانين: ع. تقريب: ٣٤٢.
٥ سليمان بن طرخان التيمي أبو المعتمر البصري، نزل في التيم فنسب إليهم، ثقة عابد، مات سنة ثلاث وأربعين ومائة، وهو ابن سبع وتسعين: ع. تقريب: ١٣٤.
٦ قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي أبو الخطاب البصري، ثقة ثبت، يقال ولد أكمه، مات سنة بضع عشرة ومائة: ع. تقريب: ٢٨١.
٧ أنس بن مالك بن النضر الأنصار الخزرجي، خادم رسول الله ﷺ، خدمه عشر سنين، صحابي مشهور، مات سنة اثنتين وقيل ثلاث وتسعين، وقد جاوز المائة: ع. تقريب: ٣٩.
٨ سورة الفتح آية: ١.
٩ تفسير ابن جرير ٢٦/٦٩.
١٠ تهذيب التهذيب ١/٨٢.
١١ هدي الساري: ٣٨٧.
1 / 16
وقال عنه الذهبي١: "أحد الأثبات المسندين، واحتج به البخاري وغيره"٢.
وفي السند عنعنة قتادة وهو مشهور بالتدليس٣، لكنها غير مؤثرة على صحة الحديث، لأن أصله في صحيح مسلم٤، سوى ما في أوله، ويشهد له الحديثان السابقان.
_________
١ هدي الساري: ٣٨٧.
٢ ميزان الاعتدال ١/١٥٨.
٣ هدي الساري: ٣٨٧.
٤ جامع التحصيل في أحكام المراسيل: ١٢٤.
المبحث الثاني: تحقيق لاسم الحديبية وموقعها المطلب الأول: التحقيق في اسمها من حيث ضبطه وسبب إطلاقه عليها ... المطلب الأول: التحقيق في اسمها من حيث ضبطه وسبب إطلاقه عليها: (أ) ضبط لفظ الحديبية: الحديبية: بالتصغير - هي بضم الحاء وفتح الدال وياء ساكنة وباء موحدة مكسورة وياء مخففة أو مشددة على خلاف: فأهل العراق على تخفيفها، ونقله النووي عن الشافعي وأهل اللغة، وبعض أهل الحديث"١. وقال السهلي: "التخفيف هو الأعرف عند أهل العربية، ونقله البكري عن الأصمعي"٢. وقال أبو جعفر النحاس: "سألت كل من لقيت ممن وثقت بعمله من أهل العربية عن الحديبية فلم يختلفوا على أنها مخففة"٣. وقال أحمد بن يحيى: "لا يجوز غير التخفيف"٤. _________ ١ انظر: ص ٢٥٣. ٢ انظر: معجمك البلدان ٢/٢٢٩، تهذيب الأسماء واللغات ١/٢: ٨١. ٣ تاج العروس ١/٢٠٤ - ٢٠٥، الروض الأنف ٦/٤٧٥. ٤ المصباح المنير ١/١٧٠.
المبحث الثاني: تحقيق لاسم الحديبية وموقعها المطلب الأول: التحقيق في اسمها من حيث ضبطه وسبب إطلاقه عليها ... المطلب الأول: التحقيق في اسمها من حيث ضبطه وسبب إطلاقه عليها: (أ) ضبط لفظ الحديبية: الحديبية: بالتصغير - هي بضم الحاء وفتح الدال وياء ساكنة وباء موحدة مكسورة وياء مخففة أو مشددة على خلاف: فأهل العراق على تخفيفها، ونقله النووي عن الشافعي وأهل اللغة، وبعض أهل الحديث"١. وقال السهلي: "التخفيف هو الأعرف عند أهل العربية، ونقله البكري عن الأصمعي"٢. وقال أبو جعفر النحاس: "سألت كل من لقيت ممن وثقت بعمله من أهل العربية عن الحديبية فلم يختلفوا على أنها مخففة"٣. وقال أحمد بن يحيى: "لا يجوز غير التخفيف"٤. _________ ١ انظر: ص ٢٥٣. ٢ انظر: معجمك البلدان ٢/٢٢٩، تهذيب الأسماء واللغات ١/٢: ٨١. ٣ تاج العروس ١/٢٠٤ - ٢٠٥، الروض الأنف ٦/٤٧٥. ٤ المصباح المنير ١/١٧٠.
1 / 17
وأهل المدينة يثقلونها، وكذلك أكثر الفقهاء والمحدثين١.
وحكى ياقوت عن الشافعي ﵁ أنه قال: الصواب: "تشديد الحديبية، وتخفيف الجعرانة، وأخطأ من نص على تخفيفها، وقيل كل صواب"٢.
قلت: الظاهر أن الكل صواب، فقد قال النووي: "وهما وجهان مشهوران" ا. هـ٣
وقال ابن حجر: "والحديبية بالتخفيف والتثقيل لغتان ا. هـ٤
(ب) سبب تسمية ذلك الموضع بالحديبية:
قال ياقوت: "هي قرية متوسطة ليست بالكبيرة، سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة التي بايع تحتها" ا. هـ٥
وكذلك قال ابن حجر: هي بئر سمي بها المكان ا. هـ٦
وقال الخطابي: "إن الحديبية اسم لشجرة حدباء في ذلك الموضع وصُغِّرت وسُمِّي بها المكان، نقله عنه ياقوت"٧.
وحكاه ابن حجر٨ بصيغة التمريض.
وقال الزبيدي: "جزم المتأخرون أنها قريبة من قهوة الشميسى، ثم أطلق على الموضع"ا. هـ٩
قلت: القول الأول: يشهد له ما في حديث البراء: "كنا مع النبي ﷺ أربع عشرة مائة، والحديبية بئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة ... "١٠.
ولا يبعد أن تكون البئر سميت بالشجرة، والله أعلم.
_________
١ تهذيب الأسماء واللغات ١/٢: ٨١، تاج العروس ١/٢٠٤ - ٢٠٥.
٢ انظر: معجم البلدان ٢/٢٢٩.
٣ تهذيب الأسماء واللغات ١/٢: ٨١.
٤ فتح الباري ٧/٤٣٩.
٥ معجم البلدان ٢/٢٢٩.
٦ فتح الباري ٥/٣٣٤.
٧ انظر: معجم البلدان ٢/٢٢٩.
٨ فتح الباري ٥/٣٣٤.
٩ تاج العروس ١/٢٠٥.
١٠ انظر حديث رقم (٥٣) .
1 / 18
المطلب الثاني: موقع الحديبية وهل من الحل أو الحرام
...
المطلب الثاني: موقع الحديبية، وهل هي من الحل أو من الحرم؟
(أ) موقعها:
قال ياقوت: "بين الحديبية ومكة مرحلة وبينها وبين المدينة تسع مراحل".اهـ١ وقال النووي: "إنها على نحو مرحلة من مكة"٢.
وقال في المصباح: "تقع على طريق جدة دون مرحلة"٣.
وقال صاحب صحيح الأخبار: "فإن جزت وادي فاطمة أتيت الموضع الذي يقال له اليوم الشميسي، وكان يقال له في الزمن القديم: الحديبية."اهـ٤
وقال صاحب نسب حرب: "تقع غرب مكة على بعد (٢٢كيلًا) على الطريق إلى جدة، وقد تغير اسمها إلى الشميسي لأنه يقال: إن رجلًا يدعى الشميسي حفر بئرًا هناك فغلب اسمه عليها، وبالقرب منها من الغرب أقامت أمانة العاصمة حدائق تعرف بـ (حدائق الحديبية) وفي الحديبية اليوم مسجد الرضوان يقال: إنه بني مكان البيعة".اهـ٥
أفادت هذه النقول أن الحديبية تقع في الناحية الغربية من مكة كما صرح بذلك صاحب (نسب حرب) وهو مفهوم قول صاحب (المصباح) وصاحب (صحيح الأخبار) لأن جدة تقع في الجهة الغربية من مكة لكن الواقع أن الحديبية لا تحاذي بمكة من الجهة الغربية، بل تنحرف إلى جهة الشمال وقد أشار إلى ذلك ياقوت حيث ذكر: "أنها ليست في طول الحرم، ولا في عرضه، بل تقع في زاوية الحرم".اهـ٦
أما المسافة التي بين الحديبية وبين مكة فقد ذكر ياقوت أنها مرحلة، والمرحلة تقدر بـ (٤٠ كيلو مترًا) كما قرر ذلك صاحب تيسير العلام٧.
_________
١ معجم البلدان ٢/٢٢٩.
٢ تهذيب الأسماء واللغات ١/ ٢: ٨١.
٣ نقله الزبيدي: تاج العروس ١/٢٠٥.
٤ صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار ٢/١٣٨.
٥ نسب حرب: ٣٥٠.
٦ معجم البلدان ٢/٢٢٩.
٧ تيسير العلام ١/٤٨٣.
1 / 19
لكن نرى صاحب (نسب حرب) يقول: "إن بينهما (٢٢كيلو مترًا)، وهناك فرق شاسع بين القولين.
لكن الظاهر أن المتقدمين لا يريدون التحديد الدقيق، وإنما يقصدون التقدير التقريبي للمسافة. لذلك نرى النووي يقول: إنها على نحو مرحلة. وصاحب المصباح يقول: دون مرحلة.
أما صاحب (نسب حرب) فإنه يريد التحديد الدقيق للمسافة، وما ذكره هو المعروف اليوم.
وقد ذكر المتأخرون أنه قد غلب على مكان الحديبية اسم (الشميسي) فصار المكان يعرف بهذا الاسم، لكن ذكر صاحب (نسب حرب) أنها توجد، ثم حدائق تعرف بـ (حدائق الحديبية) وهذا يعني أن المكان لا زال يعرف أنه مكان الحديبية.
(ب) هل الحديبية من الحل أو من الحرم؟
عند مالك أن الحديبية جميعها من الحرم١.
وقال الشافعي: "الحديبية موضع من الأرض منه ما هو في الحل، ومنه ما هو في الحرم"٢.
وقال ياقوت: "وبعض الحديبية في الحل، وبعضها في الحرم، وهو أبعد الحل من البيت"٣.
وقال ابن القيم: "والحديبية في الحل باتفاق الناس".
وقد قال الشافعي: "بعضها في الحل، وبعضها في الحرم، ومراده: أن أطرافها من الحرم، وإلا فهي من الحل باتفاقهم" ا. هـ٤
_________
١ ذكره الزبيدي: تاج العروس ١/٢٠٥.
٢ الأم ٢/١٥٩.
٣ معجم البلدان ٢/٢٢٩.
٤ زاد المعاد ٣/٣٨٠.
1 / 20
قلت: الظاهر أن ما ذهب إليه الشافعي وياقوت هو الأرجح، وأما ما حكاه ابن القيم من الاتفاق على أن الحديبية كلها من الحل، فغير مسلم، لأن مالكًا يرى أنها من الحرم كلها، والشافعي وغيره يرون أن بعضها من الحرم.
وقد حمل ابن القيم قول الشافعي على أنه يقصد أن أطرافها من الحرم، لكنه لم يبين مساحة هذه الأطراف، وعلى افتراض أنه يقصد ذلك، فإن هذه الأطراف يطلق عليها بعض الحديبية، والله أعلم.
1 / 21
الفصل الثاني: سبب الغزوة وتاريخها
المبحث الأول: سبب الغزوة
...
المبحث الأول: سبب الغزوة:
درج كثير من أهل المغازي على جعل السبب في خروج المسلمين لهذه الغزوة رؤيا رآها النبي ﷺ قبيل خروجه، وملخصها: أن رسول الله ﷺ رأى أنه دخل البيت هو وأصحابه وطافوا به، وحلق بعضهم وقصر البعض، وأخبر أصحابه بذلك فاستبشروا.
وأول من أثبت هذا السبب - حسب علمي - هو الواقدي١، ثم تابعه كثير ممن كتب في المغازي كاليعقوبي٢، والمقريزي٣، الزرقاني٤، وصاحب تاريخ الخميس٥، والشيخ محمد بن عبد الوهاب٦، وغيرهم.
وقد تردد كثيرًا في إثبات تلك الرؤيا سببًا للغزوة، لأن أول من أثبتها - كما أشرت - هو الواقدي، بينما أغفلها من هو أثبت منه كابن إسحاق وابن سعد وغيرهما.
لكن بعد البحث والتتبع وجدت ما يشهد لها ويدل على أن لها أصلًا وذلك من القرآن والحديث:
قال تعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ ...﴾ ٧.
_________
١ مغازي الواقدي ٢/٥٧٢.
٢ تاريخ اليعقوبي ٢/٥٤.
٣ امتاع الأسماع ١/٢٧٤.
٤ شرح الزرقاني على المواهب اللدنية ٢/١٧٩.
٥ تاريخ الخميس ٢/١٧٩.
٦ مختصر سيرة الرسول ﷺ: ٢٦١.
٧ سورة الفتح الآية: ٢٧.
1 / 22
وقد ذكر المفسرون أن سبب نزول هذه الآية هو التساؤل الذي حصل حول الرؤيا.
فقد روى ابن جرير ذلك عن مجاهد وابن زيد:
(٤) قال ابن جرير: حدثنا محمد١ بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم٢ قال: ثنا عيسى٣، وحدثني الحارث٤ قال ثنا الحسن٥ قال: ثنا ورقاء٦ جميعًا عن ابن أبي نجيح٧ عن مجاهد٨ في قوله "الرؤيا بالحق" قال: أرى النبي ﷺ بالحديبية أنه يدخل مكة وأصحابه محلقين، فقال أصحابه حين نحر بالحديبية: أين رؤيا محمد ﷺ؟ "٩.
سند هذا الأثر حسن إلى مجاهد لكنه مرسل.
(٥) وقال ابن جرير: حدثني يونس١٠، قال: أخبرنا ابن وهب١١ قال: قال
_________
١ محمد بن عمرو بن عباد بن جبلة بن أبي رواد العتكي - بفتح المهلمة والمثناة - أبو جعفر البصري، صدوق، توفي سنة أربع وثلاثين ومائتين: م، د. تقريب: ٣١٣.
٢ هو: الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني، أبو عاصم النبيل البصري، ثقة ثبت، مات سنة اثنتي عشرة ومائتين أو بعدها: ع. تقريب: ١٥٥.
٣ عيسى بن ميمون الجرشي - بضم الجيم وفتح الراء والمعجمة - ثم المكي أبو موسى يعرف بابن داية - تحتانية خفيفة - ثقة من السابعة: خد. تقريب: ٢٧٢.
٤ الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميمي صاحب المسند، رمز له الذهبي بكلمة (صح) - وهي كما قال ابن حجر أنه اعتمد توثيقه - وقال الذهبي: كان عارفًا بالحديث حافظًا، تكلم فيه بلا حجة، وقال الدارقطني هو عندي صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات، وضعفه ابن حزم، توفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين. ميزان الاعتدال ١/٤٤٢، لسان الميزان ٢/١٥٧.
٥ الحسن بن موسى الأشيب - بمعجمة ثم تحتانية - أبو علي البغدادي قاضي الموصل وغيرها، ثقة، مات سنة تسع أو عشر ومائتين: ع. تقريب: ٧٢.
٦ ورقاء بن عمر اليشكري، أبو بشر الكوفي نزيل المدائن، صدوق في حديثه عن منصور لين: ع. تقريب ٣٧٩.
قال أحمد بن حنبل: ثقة صاحب سنة، توفي سنة نيف وستين ومائة ﵀. تذكرة الحفاظ ١/٢٣٠.
٧ عبد الله بن أبي نجيح يسار المكي أبو يسار الثقفي مولاهم، ثقة، رمي بالقدر وربما دلس، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة أو بعدها: ع، تقريب: ١٩١.
٨ مجاهد بن جبر - بفتح الجيم وسكون الموحدة - ابو الحجاج المخزومي مولاهم المكي، ثقة إمام في التفسير والعلم، مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومائة، وله ثلاث وثمانون: ع. تقريب: ٣٢٨.
٩ تفسير ابن جرير ٢٦/١٠٧.
١٠ يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة الصدفي أبو موسى البصري، ثقة، مات سنة أربع وستين ومائتين، وله ست وتسعون سنة: م، س، ق: تقريب: ٣٩٠.
١١ عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي مولاهم، أبو محمد المصري الفقيه، ثقة، حافظ عابد، مات سنة سبع وتسعين ومائة، وله اثنتان وسبعون سنة: ع، تقريب: ١٩٣.
1 / 23
ابن زيد١: في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ...﴾، قال لهم النبي ﷺ: "إني قد رأيت أنكم ستدخلون المسجد الحرام محلقين رؤوسكم ومقصرين" فلما نزل بالحديبية، ولم يدخل ذلك العام، طعن المنافقون في ذلك فقالوا: أين رؤياه؟ فنزلت الآية٢.
سند هذا الأثر صحيح إلى ابن زيد وهو عبد الرحمن بن زيد ضعيف، ضعفه ابن معين، وابن المديني، وأحمد والنسائي، وغيرهم٣.
لكن معنى الأثرين ثابت من حديث المسور ومروان ففيه من رواية معمر عند البخاري: "فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى: فأخبرتك أنك تأتيه العام؟ قال: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به٤.
وفي حديثهما من رواية ابن إسحاق عند أحمد بسند حسن "وقد كان أصحاب رسول الله ﷺ خرجوا وهو لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله ﷺ فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع وما تحمل رسول الله ﷺ على نفسه، دخل الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا أن يهلكوا ... "٥.
فالآية وما في حديث المسور ومروان تدل على أنه قد حصل للنبي ﷺ رؤيا خرج المسلمون إثرها لهذه الغزوة.
لكن الأثر الذي رواه ابن جرير عن مجاهد يُعَكِّرُ على جعل هذه الرؤيا سببًا لخروج المسلمين إذ فيه: "أن الرؤيا حصلت للرسول ﷺ بالحديبية"، وذلك بعد خروج المسلمين.
لكن إذا تأملنا حديث المسور ومروان نرى في رواية معمر قول عمر: "أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ ".
_________
١:هوعبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي مولاهم، ضعيف، مات سنة اثنتين وثمانين ومائة: ت، ق. تقريب: ٢٠٢.
٢ تفسير ابن جرير ٢٦/١٠٧.
٣ ميزان الاعتدال ٢/٥٦٤.
٤ انظر ص:١٧١.
٥ انظر ص: ١٧٢.
1 / 24
وفي رواية ابن إسحاق: "وقد كان المسلمون خرجوا وهو لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها النبي ﷺ".
فكلام عمر يدل على أن الرسول ﷺ كان يحدثهم بذلك قبل مجيئهم للحديبية، وما في رواية ابن إسحاق يفيد أن المسلمين خرجوا بعد الرؤيا.
لذلك حمل بعض العلماء الرؤيا التي يشير إليها الأثر الموقوف على مجاهد أنها رؤيا ثانية.
قال الزرقاني: "وأما ما رواه الفارابي وعبد بن حميد والبيهقي في الدلائل عن مجاهد قال: "أري النبي ﷺ وهو بالحديبية أنه يدخل مكة هو وأصحابه آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين، فلما نحر الهدي بالحديبية قال له أصحابه: أين رؤياك يا رسول الله؟ فنزلت: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ...﴾ فهي رؤيا رآها بالحديبية تبشيرًا له من الله ثانيًا فلا يصلح جعلها سببًا لخروجه من المدينة"١.
_________
١ شرح الزرقاني على المواهب اللدنية ٢/١٧٩.
المبحث الثاني: تاريخ خروج المسلمين لغزوة الحديبية استعمل النبي ﷺ على المدينة قبل خروجه نميلة بن عبد الله الليثي على قول ابن هشام١، وابن٢ سيد الناس ومن تبعهما. وذكر الواقدي٣، وابن٤ سعد ومن تبعهما أنه استعمل ابن أم مكتوم، وهناك قول ثالث٥: أنه استعمل أبارهم كلثوم بن الحصين. قال الزرقاني٦: "يحتمل أنه استخلف نميلة وأبارهم على المصالح والإمام ابن أم مكتوم". _________ ١ سيرة ابن هشام ٣/٣٠٨. ٢ عيون الأثر ٢/١١٣. ٣ مغازي الواقدي ٢/٥٧٣. ٤ الطبقات الكبرى ٢/٩٥. ٥ نقله الزرقاني عن البلاذري، شرح الزرقاني على المواهب اللدنية ٢/١٨٠. ٦ المصدر السابق.
المبحث الثاني: تاريخ خروج المسلمين لغزوة الحديبية استعمل النبي ﷺ على المدينة قبل خروجه نميلة بن عبد الله الليثي على قول ابن هشام١، وابن٢ سيد الناس ومن تبعهما. وذكر الواقدي٣، وابن٤ سعد ومن تبعهما أنه استعمل ابن أم مكتوم، وهناك قول ثالث٥: أنه استعمل أبارهم كلثوم بن الحصين. قال الزرقاني٦: "يحتمل أنه استخلف نميلة وأبارهم على المصالح والإمام ابن أم مكتوم". _________ ١ سيرة ابن هشام ٣/٣٠٨. ٢ عيون الأثر ٢/١١٣. ٣ مغازي الواقدي ٢/٥٧٣. ٤ الطبقات الكبرى ٢/٩٥. ٥ نقله الزرقاني عن البلاذري، شرح الزرقاني على المواهب اللدنية ٢/١٨٠. ٦ المصدر السابق.
1 / 25