طالما تشوقت إلى معرفة المزيد عنه، حياته الخاصة، نشأته الأولى، علاقاته بزوجه وأبنائه، تصرفه حيال سائر مغريات الحياة، ثم قنعت بما تيسر لي معرفته، فهو إنسان يتحلى بالنقاء لكنه يعيش في مستنقع مكتظ بالجراثيم، غير أن عنفه في الحق يدفعه أحيانا إلى حافة اللاإنسانية وهو لا يدري ، فصراحته كثيرا ما تتسم بالإيذاء في غير ما ضرورة، مما جر عليه شعورا عاما بالنفور بل والكراهية، وكان عبد الرحمن شعبان مترجم الوزارة يشير إليه بقوله «ابن المجنونة»، كما كان الأستاذ عباس فوزي يقول عنه متهكما: سيدنا طنطاوي بن الخطاب رضي الله عنه!
ورغم ذلك كله فلم يستطع أن يصد موجة «العصر» عن أن تغزو عرينه، فذات يوم - وأنا موظف جديد - رأيت فتاة مليحة جذابة تجلس إلى جانب مكتبه قدمني إليها ثم قدمها إلي قائلا: ثريا رأفت كريمة شقيقي.
ثم قال باحتجاج باسم: طالبة بالمعهد العالي للتربية!
ثم وهو يهز رأسه: العلم نور، ولكني لا أوافق على المرأة العاملة، ومن ذلك فلا سلطان لي على بنت أخي الأكبر إلا النصيحة.
ولعل آخر موقف انطبع في نفسي من طنطاوي إسماعيل كان غداة يوم 4 فبراير 1942، قال لي قبل أن يجلس إلى مكتبه: ما رأيك؟ .. ها هو زعيمك يرجع إلى الوزارة فوق الدبابات البريطانية.
وكنت أتجنب مناقشته، وبخاصة وهو ثائر، وجعل يتساءل وعيناه تبرقان: أسمعتم عن زعامة من هذا النوع من قبل؟!
ثم اجتاحته موجة من الغضب فجعل يصيح كالممسوس: الطوفان .. الطوفان .. الطوفان.
طه عنان
ظهر في حياتنا ونحن في السنة الرابعة الثانوية، كان أبوه مأمور قسم شرطة بأسيوط، ثم نقل إلى القاهرة مأمورا لقسم الوايلي، متخذا من العباسية مقاما لأسرته، وتعرف طه عنان بأصدقائي جعفر خليل ورضا حمادة وسرور عبد الباقي من زملاء المدرسة الثانوية، ولكن علاقته توثقت بي وبرضا حمادة فقط لاشتراك ثلاثتنا في العقيدة الوفدية والميول الثقافية. وقد اشترك في الإضراب الذي استشهد فيه زميلنا بدر الزيادي، ومما يذكر أن أباه كان ضمن القوة التي حاصرت المدرسة ثم اقتحمتها بعد ذلك بالقوة والعنف. وناقشنا موقف والده، وكان خجلا منه ومتألما وجعل يدافع عنه فيقول: أبي وطني، مثلنا تماما، ويؤمن بمصطفى النحاس كما آمن بسعد زغلول، ولكنه يؤدي واجبه!
فقال رضا حمادة: سمعنا عن ضباط مثله انضموا إلى الثوار في سنة 1919.
ناپیژندل شوی مخ