فيجيبه بصراحته وبساطته: عندما يملأ الإنسان بطنه بثلاثة أو أربعة أصناف من اللحوم وخمس كئوس من الويسكي؛ فإنه يستطيع أن يعاشر عزرائيل نفسه!
وعقب حرب فلسطين الأولى 1948 توفيت زوجته الجديدة مخلفة عليه ثروة طائلة، ولم يفلح في إخفاء أفراحه حتى في الأيام الأولى للحدث، واستقال من وظيفته، وفكر في إنشاء عمل حر، حتى هداه تفكيره إلى فتح مقهى كبير في التوفيقية، وتحمل خسائر عام أو عامين حتى يتقن مهنته الجدية، ثم نجح المشروع نجاحا منعدم النظير، وانقطعت أخباره عني بطبيعة الحال حتى بعثها من الظلمات عم صقر عقب خروجه من السجن، فحدثني عن ثرائه الفاحش وما ملك من عمارات، وعن معيشته الحالية في قصره بالهرم، وعن نجاح أبنائه في المدارس والكليات، وقد بلغ عددهم اثني عشر ولدا. أخبرني كذلك بأنه أبقى على زوجه الأولى ولكنه اتخذ من راقصة إيطالية عشيقة له. قال عم صقر: إنه اليوم في السادسة والستين من عمره، ولكنه قوي مهيب كرجل في عز شبابه، ويرافق راقصة إيطالية، فهل سمعت عن عاشق في مثل هذه السن؟ ولكنه الحظ، ألف ليلة وليلة، وكل ما عداه باطل.
قدري رزق
كان يتردد على شقة عدلي بركات الفاخرة في أوائل عام 1948، وكان في الثلاثين من عمره أو دون ذلك بقليل، وطالما جالسنا ببدلته الرسمية كضابط في سلاح الفرسان، فيضفي على المجلس من روحه مرحا وصفاء، وبدا قليل الاهتمام بالسياسة والشئون العامة، ولولا محاولة بذلت لاغتيال مصطفى النحاس ما فطنت إلى أنه ينطوي على ميول وفدية ورثها غالبا عن أبيه الذي كان عضوا بالهيئة الوفدية.
وكان ممشوق القوام أسمر واضح الملامح جذابها ذا شارب غليظ لا يني يغازله في إعجاب وارتياح، وفي جلسات الأنس التي اشتهر بها مسكن عدلي بركات شهدت له غزوات موفقة مع فنانات كثيرات. وفي أعقاب حرب 1948 اجتمع بنا في شقة عدلي بركات، وقد زايله المرح ووشت حاله عموما بامتعاض وقرف. وكنا - أنا ورضا حمادة - في غاية من الحزن، فطرحنا عليه العديد من الأسئلة لعله يروي غلتنا أو يبدد من أفكارنا بعض الظلمات، ولكنه لم يمس التفاصيل وقال بإيجاز: لقد ضحى بالجيش بطريقة دنيئة قصد بها القضاء على كرامته وأرواح رجاله.
وهز رأسه بضيق وقال: لا يمكن أن يمر ذلك بلا ثمن!
فقلت ببراءة: لكننا لم نهزم، الفالوجة نصر مبين.
فقال بحدة: بل هزمنا، وحوصرنا بين عدوين، عدو في الخارج وعدو في الداخل.
واستجابت نفسي لغضبه بقدر ما وجدته متجاوبا معها، وقال رضا حمادة: كل ذلك نتيجة لحكم أحزاب الأقلية الذي مكن لطغيان الملك.
فقال قدري رزق: ونتيجة أيضا لضعف الوفد الذي عجز عن تحقيق الإرادة الشعبية.
ناپیژندل شوی مخ