ودخلنا الجامعة في عام واحد فزامل رضا حمادة في كلية الحقوق، وعارف رضا بيني وبينه، ونحن نشاهد مباراة كرة حامية بين النادي الأهلي والمختلط. قلت له: نحن أبناء حي واحد منذ قديم، ومع ذلك لم نتعارف إلا اليوم.
فابتسم قائلا في اقتضاب: نعم.
وتمعنته عن قرب فإذا به رغم الأناقة والعظمة المطبوعة يشبه أباه الفلاح لحد التماثل، ولم يرث عن الأم التركية شيئا ظاهرا ينتفع به! وأدركت من أول وهلة أنه متعب، وأنه يحتاج إلى سياسة خاصة في معاملته كي يمنح ثقته وصداقته، وأنه يحتقر كل شيء في الوجود، وأن كلمة «مضحك» إكليشيه لاصق بلسانه يصف به أي شخص أو أي فعل مهما يكن رأي المتحدث فيه، فأستاذ المدني «دكتور مضحك»، ومصطفى النحاس «زعيم مضحك»، وقرار الوفد بإعلان المقاطعة «إعلان مضحك»، وقواعد الإسلام «قواعد مضحكة» حتى سألته مرة: من يستحق احترامك من الناس؟
فأجاب وهو يضحك: الجميل الشرير!
ثم وهو يواصل الضحك: يقال إن إسماعيل صدقي كان كذلك في شبابه.
فقلت: ولكنك تحترم والدك بلا شك؟
فبصق على الأرض بتلقائية ووحشية وقال: اللعنة عليه وعلى جميع الحشرات!
وعرفت ما لم أكن أعرف من مقته لأبيه. وحدثني موسيقار من جيرانه عن تلك العلاقة الغريبة، فقال إنه - عدلي - لم يعد يخفي كراهيته لأبيه منذ زمن بعيد، وإن الباشا يداريه مسلما أمره لله. وسألت عن السبب فقال: لا يدري أحد شيئا على سبيل اليقين، وعدلي نفسه لا يحب أن يفشي ذلك الجانب من أسراره، ولكن المظنون أن مرجع هذه الكراهية إلى زواج أبيه من امرأة أخرى بعد وفاة أمه.
ولما توثقت العلاقة بيننا سألته عما يدعوه إلى مقت أبيه واحتقاره فحدجني بنظرة قاسية وقال: ألا يكفي لذلك أن يورثني سحنته؟!
فقلت: أنت فلاح جميل!
ناپیژندل شوی مخ