ثم كان يحثهم على الأمانة في معاملاتهم كلها في حفظ الودائع وأدائها إلى أصحابها وفي البيع والشراء وفي جميع أقوالهم وأعمالهم، وكان يشدد عليهم في العدل في صلاتهم كلها ويحرج على المختصمين بين يديه أن يجور بعضهم على بعض ولو بفصاحة الألسنة والبراعة في الجدل، وكان ينبئهم بأن من غلب خصمه باللسن أو قوة العارضة ثم قضي له بغير ما يستحق فإنما قضي له بقطعة من النار.
وكان بهذا كله ينفذ فيهم قول الله تعالى في سورة النساء:
إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا .
وكان يشدد في تخويف الحكام من الأئمة والولاة والقضاة بالعذاب الشديد إن جاروا في الرعية ولم يرفقوا بها ولم يرعوا العدل في أحكامهم؛ تنفيذا لقول الله في الآية الكريمة من سورة النحل:
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون .
ولم يكن شيء أبغض إليه من نقض العهود والحنث في الأيمان، يبين للناس قول الله من سورة النحل:
وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون * ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون .
وكان شديد الحياء جدا وكان شديدا فيه على أصحابه، وكان يقول لهم إن الحياء شعبة من الإيمان، ثم كان لا يدع صغيرة أو كبيرة من أعمال الناس في حياتهم العامة والخاصة إلا بين لهم ما يحسن أن يأتوا منها وما يحسن أن يتركوا، وكان يعظهم فيبلغ في الموعظة حتى يوشك أن يشرف بهم على اليأس. ثم يبشرهم فيبلغ في تبشيرهم حتى يفتح لهم أبواب الرجاء على مصاريعها. وكان كثيرا ما يقول لأصحابه: لو تعلمون ما أعلم لضحكتكم قليلا ولبكيتم كثيرا.
ثم كان يحب اليسر في الأمر كله لا يخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وكان يقول لأصحابه: إنما بعثتم ميسرين لا معسرين. وكان يكره الغلو في الدين وتجاوز القصد في العبادة، بلغه أن رجلا من أصحابه ومن خيارهم هو عبد الله بن عمرو بن العاص أزمع أن يصوم الدهر ويقوم الليل فراجعه في ذلك أشد المراجعة، وذكره بأن لجسمه عليه حقا ولأهله عليه حقا، وما زال به حتى ألزمه بعدما رأى من تشدده أن يصوم يوما ويفطر يوما، وأنبأه أن ذلك كان صيام نبي الله داود.
وأبى على رجل من كرام أصحابه - هو عثمان بن مظعون - أن يترهب ويعتزل أهله.
ناپیژندل شوی مخ