يقص عليهم أحيانا سابقتهم في الكفر به والجحود له والتنكر لمن أرسل إليهم من الأنبياء. ويقص عليهم كذلك عقاب الله لهم على هذا الكفر والجحود، وأحيانا أخرى يرد عليهم ما كانوا يفترون من الكذب ويزعمون أنهم يقرءونه في التوراة. ويصفهم بأنهم لا يقرءون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون. ويصفهم مرة أخرى بأنهم يسمعون كلام الله، ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه. ويصفهم مرة ثالثة بالنفاق لأنهم يلقون الذين آمنوا فيقولون: إنا معكم، فإذا خلا بعضهم ببعض قالوا: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم؟ ومرة أخرى يوبخهم لأنهم يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب، ويذكرهم غير مرة بأنه نجاهم من آل فرعون يسومونهم سوء العذاب يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم وبأنه أغرق آل فرعون أمامهم وهم ينظرون، ثم لم يلبثوا أن جحدوا هذه النعمة وكفروا بالذي أنعمها عليهم وعبدوا العجل من بعده ظالمين لأنفسهم. ويذكرهم غير مرة أيضا بجبنهم وكراهيتهم أن يدخلوا الأرض المقدسة التي اختصهم الله بها وقالوا لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون.
ويحصي عليهم كثيرا من آثامهم ومن تكذيبهم للرسل وقتلهم الأنبياء وما أصابهم في سبيل هذا كله من المحن وألوان البلاء. وربما تحداهم حين كانوا يزعمون لأنفسهم من الخصائص ما ليس لهم؛ فهم كانوا يزعمون أن النار لن تمسهم إلا أياما معدودات فيأمر الله نبيه أن يسألهم: هل اتخذوا عند الله عهدا أم يقولون على الله ما لا يعلمون؟
ويأمر نبيه أن يقول لهم: إن كانت الدار الآخرة خالصة لكم من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين، ثم يؤكد الله عز وجل أنهم لن يتمنوا الموت أبدا؛ لأنهم يعلمون ما قدمت أيديهم من السيئات؛ فهم يكذبون على الله حين يزعمون أن النار لن تمسهم إلا أياما معدودات، أو أن الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس.
ويؤكد الله لنبيه أنهم أحرص الناس على حياة، وأن أحدهم يود لو يعمر ألف سنة، ولو أتيح له ما يتمنى من طول العمر لما زحزحه ذلك عن العذاب.
وكذلك يمضي القرآن الكريم ناعبا على اليهود تلك الخصال التي أشرنا إليها في أول هذا الفصل، ولائما لهم على تاريخهم المليء بالجحود والغدر والكفر، ورادا عليهم ما كانوا يثيرون من المشكلات أو يلقون عليه من الأسئلة التي كانوا يرون أنها ستحرجه وتقطع حجته، فيفحمهم ويلزمهم الحجة.
ولذلك كله ظهر أول انحراف عن الرفق بهم حين حولت قبلة المسلمين في الصلاة عن بيت المقدس إلى المسجد الحرام. وكان النبي يتمنى لو غيرت قبلته عن بيت المقدس انحرافا عن اليهود، أولئك الذين وصفهم الله بما وصفهم به في آيات كثيرة جدا من القرآن، والذين مضوا في العناد والجحود إلى غير غاية فأنزل الله هذه الآية من سورة البقرة:
قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون .
ثم سخر الله منهم في هذه الآية من السورة نفسها:
ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين * الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون .
ثم بين بعد ذلك في نفس السورة أن البر ليس أن يولي الإنسان وجهه قبل المشرق والمغرب، وإنما البر خصال أخرى فصلها الله في هذه الآية:
ناپیژندل شوی مخ