ولكنه - رحمه الله - لم يبلغ من أصحابه شيئا حتى طمع معاوية وأهل الشام في العراق وفي جزيرة العرب نفسها. فكان معاوية يرسل الكتائب تغير على أطراف العراق فتقتل وتنهب، وكان علي يرسل في إثر هذه الكتائب قطعا من جيشه تردهم عن أطراف دولته.
وقد أسرف معاوية في ذلك فأرسل بسر بن أرطاة في جيش إلى الحجاز، فأفسد فيه كثيرا وأفسد في اليمن أيضا واقترف من القسوة ما لم يكن للمسلمين به عهد.
ثم ما زال معاوية بمصر حتى أخذها وقتل والي علي محمد بن أبي بكر، وأهداها إلى عمرو بن العاص حياته، وقد جعل أمر علي يضعف شيئا فشيئا ويقوى أمر معاوية بما يتتابع على علي من هذا الضعف. ثم كانت الكارثة التي امتحن بها علي - رحمه الله - حين خالف عن أمره ابن عمه عبد الله بن العباس والي البصرة، فأخذ كل ما في بيت المال وفر به إلى الحجاز، فأقام بمكة آمنا مغاضبا لابن عمه لعرض من أعراض الدنيا، وأطمع ذلك معاوية فأرسل رسله إلى البصرة فأثاروا أكثر أهلها، واضطر علي إلى أن يرسل إلى البصرة جيشا يخضعها ويردها إلى الطاعة.
وفي أثناء ذلك عظم أمر الخوارج فأتمر نفر منهم بقتل هؤلاء الثلاثة الذين ملئوا الأرض شرا بزعمهم، وهم: علي، ومعاوية، وعمرو بن العاص. ولم يبلغ أربه من هؤلاء الثلاثة إلا صاحب علي عبد الرحمن بن ملجم قتله في المسجد وهو خارج للصلاة.
وكذلك أصبحت هذه الأمة الإسلامية التي تركها النبي
صلى الله عليه وسلم
مجتمعة الكلمة، والتي همت أن تتفرق فردها أبو بكر إلى الوحدة ووجهها إلى الفتح، والتي قهر بها عمر أعظم دول العصر القديم وتركها مجتمعة الكلمة متحدة الرأي، أصبحت هذه الأمة منقسمة أشنع انقسام وأبغضه إلى الله ورسوله؛ نسيت قول الله عز وجل في سورة آل عمران:
واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، ونسيت قول الله عز وجل في سورة الأنفال أيضا:
ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ، ثم نسيت قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم : «ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.»
ناپیژندل شوی مخ