وكان قتل عمار تثبيتا لعلي والصالحين من أصحابه وتشكيكا لمعاوية ومن معه، ذلك أن كثيرا من المهاجرين والأنصار قد سمعوا النبي
صلى الله عليه وسلم
يقول وهو يمسح رأس عمار أثناء بناء المسجد: «ويحك يابن سمية! تقتلك الفئة الباغية.»
وكان رجل من صالح الأنصار، هو خزيمة بن ثابت يشهد صفين مع علي، ولكنه لم يكن يقاتل كأن قلبه لم يخل من بعض الشك، فلما رأى مقتل عمار بسيوف أهل الشام قال: الآن ظهر الحق. وقاتل حتى قتل.
فأما معاوية وعمرو بن العاص فما أسرع ما وجدا مخرجا من هذا الحرج، فقالا: لم نقتله وإنما قتله الذين جاءوا به إلى الحرب. وأذاعا مقالتهما هذه في أهل الشام؛ تثبيتا لقلوب الذين أدركهم شيء من الشك والقلق.
ورجع علي إلى الكوفة مرجعا لم يكن ينتظره؛ ذلك أن جيشه اختلف عليه، رضيت كثرة الجيش بالهدنة وفرضت على علي أن يقبل اختيار أبي موسى الأشعري حكما، وقد اختار معاوية عمرو بن العاص، وأبت قلة من جيش علي هذه الهدنة ورأتها مخالفة للقرآن، فكان الناس يقتتلون ويتضاربون ويتشاتمون في طريقهم إلى الكوفة. ثم وصل علي إلى الكوفة فلم ير فيها إلا مظاهر الحزن والحداد؛ لكثرة من ذهب معه من أهل الكوفة ثم لم يعد بعد أن لقي مصرعه بصفين.
ولم يلبث المنكرون لأمر الهدنة أن نظموا أمرهم وخرجوا من الكوفة أرسالا ، وكتبوا إلى إخوانهم في البصرة فانضموا إليهم وأعلنوا العصيان، بل أعلنوا أكثر من العصيان، أعلنوا أن عليا وأصحابه الذين قبلوا الهدنة قد كفروا؛ لأنهم خالفوا عن أمر الله حين قال في الآيتين الكريمتين من سورة الحجرات:
وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين * إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون .
ولما كان علي قد عرض الصلح غير مرة على معاوية وأصحابه فرفضوه، ثم كانت الحرب بينهم، فكان يجب على علي وأصحابه فيما رأى الخوارج أن يمضوا في الحرب حتى يقضي الله أمره، فيحق الحق ويبطل الباطل. ولكنهم لم يمضوا في الحرب وإنما قبلوا التحكيم فحكموا الرجال في دين الله، والله وحده هو أحكم الحاكمين. وما كان ينبغي لعلي وأصحابه أن يضعوا السيوف حتى يفيء معاوية وأهل الشام إلى أمر الله.
ومن هنا اتخذ الخوارج لأنفسهم شعارا من هذه الكلمة: «لا حكم إلا لله.» أي لا حكم إلا لله بواسطة الحرب ينصر الحق ويهزم الباطل. وكانوا كثيرا ما يجهرون بدعوتهم هذه في مسجد الكوفة، وربما قاطعوا بها عليا أثناء خطبته، وكان علي يقول: «كلمة حق أريد بها باطل.» ثم قوي أمر هذه الفئة حين التقى الحكمان فلم يصنعا شيئا، إنما اختلفا وتشاتما وافترقا كما التقيا؛ لأن عمرا أعلن خلعه لعلي وإثباته لمعاوية، ولأن أبا موسى زعم أنه اتفق مع عمرو على خلع الرجلين جميعا وجعل الخلافة شورى بين المسلمين. فلم يتحرج عمرو بن العاص من أن يخالف عما تراضى عليه الحكمان، وقد رفض علي هذا الحكم طبعا وقبله معاوية، وعادت الحرب بينهما سيرتها الأولى.
ناپیژندل شوی مخ