فقد تجلت ورق جوهرها
حتى تبدت في منظر عجب
فهي بغير المزاج من شرر
وهي لدى المزج سائل الذهب
في فتية من بني أمية أه
ل المجد والمأثرات والحسب
ما في الورى مثلهم، ولا بهم
مثلي، ولا منتم لمثل أبي
وما كاد ينتهي من غنائه حتى هجم عليه الوليد، وأخذ يقبله ويخلع من عقود الجوهر التي يتحلى بها، ويضعها في عنقه.
وهنا لم يطق الزهري الصبر، فهم بالوقوف، ودعا صاحبيه إلى الخروج، ولكن يزيد بن الوليد اجتذبه من كمه وهو يقول: إننا لا نستطيع أن نغادر القصر من غير أن نقضي حاجة هشام، فإنك تعرف ثورة غضبه على من يتهاون في تأدية ما يطلبه منه، ولمح الوليد ما يدور بين القوم فصرف المغنين، ثم أقبل على الزهري في أدب وخشوع، وكثير من الوقار، كأن لم يكن شيء، وكأن ما ملأ البهو من لهو وطرب منذ لحظة لم يكن منه شيء، أقبل على الزهري فحياه ورحب به، ثم نظر إلى يزيد بن الوليد، وإلى ابن عنبسة نظرة صلف، أتبعها بتحية، فيها تيه، وفيها اعتزاز، ثم أخذ يسأل الزهري عن مسائل في الحديث، وغريب اللغة، والقرآن، والقوم في دهش جارف ملك عليهم ألسنتهم، وأذهل عقولهم، فلما هدأت نفس الزهري قال: إننا جئنا إليك يا بني من قبل الخليفة لنسدي إليك النصح، وندعوك إلى ترك ما أنت فيه من لهو يقضي على المروءة، ويعبث بالشرف، وقد ضاق الخليفة ذرعا بما يسمعه عنك، وما ينقل إليه من أمرك، ثم إنه الآن - وقد تقدمت به السن - يخشى أن يترك الخلافة في يد من لا يصونها، أو يستطيع النفح دونها، وهؤلاء المسودة - كما يسمونهم - أو دعاة بني العباس قد ظهروا بخراسان، وأصبح لهم عديد وعدة، وأشياع وأنصار، فإذا لم يحم الخلافة رأي نافذ، وعزم باطش ضاع الملك الذي أثلتموه، ولاقى بنو أمية من أعدائهم شر ما يلاقي الذليل المقهور، فالخليفة ينذرك ويدعوك إلى التوبة، ونبذ ما أنت فيه، ويطلب إليك أن تسرح ندماءك وأصفياءك، وأن تبتدئ حياة جديدة كلها جد وصلاح، وابتعاد عن الدنيا، واهتمام بشئون الدولة؛ حتى تكون أهلا لولاية العهد.
ناپیژندل شوی مخ