ولقد كنت زمانا
خالي الذرع لشاني
شاق قلبي وعناني
حب سلمى وبراني
ولكم لام نصيح
في سليمى ونهاني
فكاد يخرج من ثيابه لشدة الطرب، فلما هدأت نفسه وثب مسرعا إلى الجناح الذي تسكنه أمه، وهو يصيح: يا سبرة، اطرد المغنين، واصرف الجواري، فقد سئمت هذا العبث، أخرجهم من القصر إن شئت؛ فإنهم جنود إبليس في هذه الأرض.
دخل الوليد على أمه حزينا مطرقا، يكاد يطفر الدمع من عينيه، وكانت أمه بنت محمد بن يوسف بن الحكم الثقفي أخي الحجاج بن يوسف، في نحو السادسة والأربعين، وهي على تجاوزها ريعان الشباب، لا تزال تزهى بلمحات جمال بارع، لم تذهب بنضارته السنون، وكانت مولعة بالوليد، كثيرة التدليل له، والرفق به، والإغضاء عن هفواته.
دخل عليها فرآها جالسة على أريكة نجدت بالحرير، وطرزت ستائرها بالقصب، وقد لفت رأسها بخمار من الحرير الأسود، فبدا منه وجهها كما يبدو البدر في حلك الظلام، وكانت تقرأ القرآن، وأبو رقية أمامها ممسك بالمصحف يستمع لتلاوتها.
وكان أبو رقية هذا في طليعة شبابه شديد الذكاء متوقد القريحة، تجرد لطلب علوم الدين والقرآن، فأوغل في الدرس، وواصل فيه ليله بنهاره، فغلبت عليه المرة السوداء، فاختلط عقله، وأصابته لوثة، وانتابه البله في أكثر أحواله، ولكنه كان يفيق أحيانا فيثوب إليه عقله، ويعاوده ذكاؤه، ويصدر عنه من الدهاء والمكر ما يعز على أكثر العقلاء، وقد يرى في أثناء إفاقته أن من الخير له أن يتباله، فلا يكاد يفرق من يراه بين بلاهته المطبوعة، وبلاهته المصنوعة، ومما يؤثر من نوادره في إحدى نوبات جنونه، أنه كان يحمل مرة في طوف ثوبه بيض دجاج، فأحرده الصبيان، وهموا برجمه بالحجارة، فخاف على البيض منهم، فوضعه على الأرض، وجلس عليه حتى لا يراه منهم أحد.
ناپیژندل شوی مخ