Averroes, Masʾala fī l-maqāyīs al-muḫtaliṭa (مسألة في المقاييس المختلطة).
مخ ۱۶۱
[١٣٢] وقد يسأل سائل فيقول: كيف قال أرسطو في المقاييس المختلطة التى كبراها سالبة مطلقة وصغراها موجبة ممكنة - وهى السالبة الغير تامة فى هذا الاختلاط - إنها تنتج نتيجتين: إحداهما سالبة ممكنة والثانية سالبة ضرورية، أو إنها تنتج مع السالبة الممكنة السالبة الضرورية، وسكت عن النتيجة المطلقة وهو قد ينتجها، وبرهان الخلف الذي استعمل أرسطو فى بيان أنه ينتج سالبة ضرورية وممكنة يقتضى أنه قد ينتج المطلقة وبالجملة سالبة ممكنة باشتراك الاسم - أعنى / الممكن المقول على الثلاث جهات. وكيف قال فى المقاييس التي كبراها سالبة ضرورية وصغراها موجبة ممكنة - وهى الغير تامة فى هذا الاختلاط - إنها تنتج أيضا نتيجتين إحداهما سالبة مطلقة والأخرى سالبة ممكنة، وقال إنه ليس يوجد فى هذا الصنف برهان على أنه ينتج السالب الضرورى ويبين من أمره أنه قد ينتج الضرورى، وبرهان الخلف الذي استعمل فى بيان إنتاجه السالب الممكن والسالب المطلق يدل على إمكان ذلك. وهل فى هذا كله فرق بين الموجبات والسوالب فى هذا الاختلاط الذى سماه غير تام - وهو الذي لا تكون الكبرى فيه ممكنة. فإن الذي فهم عنه من ذلك المفسرون الذين وصلتنا أقوالهم هو أن التأليفات الموجبة فى هذين النوعين من الاختلاط بخلاف السوالب، وأن الموجبات منها تنتج ممكنات حقيقية. وهذا الذي قاله المفسرون هو الذي يقتضيه ظاهر ألفاظه أو ليس فى ذلك فرق بين الموجبات والسوالب، بل كلى الصنفين ينتج نتائج ممكنة باشتراك الاسم على ظاهر ما يقتضيه برهان الخلف المستعمل فى ذلك وعلى ظاهر ما يذهب إليه أبو نصر فى تفسيره هذا الموضع.
[١٣٣] فنقول نحن الآن: إن الإنتاج بالجملة إما أن يكون سبب الانطواء وإما أن يكون سبب الاتصال. وأعنى بالانطواء تضمن المقول على الكل جهة المقدمة الصغرى وانطوائها تحت حمل الحد الأكبر على الأصغر. وأعنى بالاتصال تضمن المقول على الكل كون الحد الأوسط محمولا بإيجاب على الأصغر فقط من غير أن يتضمن الجهة - أعنى جهة المقدمة الصغرى - وإنما يتضمن جنسها وهو الإيجاب فقط. والاتصال منه تام وهو أن تكون كلتا المقدمتين موجبتين، ومنه غير تام وهو أن تكون الكبرى كلية سالبة والصغرى موجبة فقط.
مخ ۱۶۳
[١٣٤] فأرسطو لما نظر فى هذه المختلطات وجد منها ما ينتج بحسب الانطواء دائما وفى كل مادة - أعنى أن المقدمة الكبرى فيه تتضمن جهة النتيجة - فحكم فى هذه حكما جزما أن جهة النتيجة تابعة للمقدمة الكبرى، وذلك فى اختلاط الوجودى مع الضرورى وفى اختلاط الممكن مع الضرورى والوجودى فى الصنف التام منه أعنى إذا كانت المقدمة الكبرى هى الممكنة - فإن الانطواء موجود فى هذه التأليفات على ما تبين من قولنا. ولما نظر فى الصنف من اختلاط الممكن مع الضرورى والوجودى الذي تكون المقدمات الصغر فيه ممكنة، وجد الانطواء فيها جزئيا - أعنى فى بعض المواد - فرفض الإنتاج الذي يكون فى هذا الاختلاط من قبل الانطواء وعاد الى تبيين الإنتاج الذى يكون فى هذه من قبل الاتصال إذ كان هو الدائم. ومعنى دوامه أنه إذا رفعت نتيجته عن القياس لم يكن بعد قياسا، ولزم عنه الخلف. وفعل ذلك فى الصنفين من الاتصال جميعا - أعنى التام ، وهو الصنف الموجب، والناقص، وهو الصنف السالب - وعرف ما يلزم كل واحد منهما من النتائج من جهة الاتصال وما لا يلزمه، وأن الموجب فى ذلك بخلاف السالب. فابتدأ فعرف فى الموجب الذي يأتلف من مقدمة كبرى مطلقة وصغرى ممكنة أن النتيجة بحسب الاتصال يجب أن تكون ممكنة حقيقية وأنه ليس يمكن أن يكون غير ذلك، إذ الإنتاج لهذا الضرب إنما هو من جهة الاتصال. وذلك بأن يبين أنه متى وضعت نتيجة هذا القياس سالبة ضرورية كلية، أنه يعرض عن ذلك محال. وإذا كذبت السالبة الكلية الضرورية أمكن ان تصدق الموجبة الممكنة الكلية والموجبة المطلقة والضرورية. لكن اطرح المطلقة لأنها إنما تكون بحسب الانطواء، وسقطت الضرورية لأن الاتصال تام وليس فى المقدمتين جهة ضرورية، فبقى أن تكون ممكنة حقيقية.
مخ ۱۶۵
[١٣٥] وليس ينبغى أن يفهم هذا الموضع عاما على ما يقتضيه ظاهر برهانه من أنه لما أخذ نقيض النتيجة الممكنة - وهى غير الممكنة - فلزم عنها الضرورى السالب بين كذب السالب، فلما بين كذب السالب كذب الذي لزم عنه السالب الضرورى - وهو غير الممكن - وإذا كذب غير الممكن صدق / الممكن العام، فتكون النتيجة على هذا ممكنة باشتراك الاسم، فإن هذا الفهم محال. وذلك أنه إذا كانت آ محمولة على ب بإطلاق وب محمولة على كل ج بإمكان، فأقول إنه ليس يمكن أن تحمل آ على ج بإضطرار لأنه إن كان فى هذا الحمل انطواء فآ موجودة لج من الاضطرار وبإطلاق معا، وذلك خلف. فإن المطلق من طبيعة الممكن على ما تبين. وإن لم يوجد فيها غير معنى الاتصال، فظاهر أيضا أن أموجودة لج بإمكان لأنه إذا كانت ألف موجودة لكل ب بالفعل وب موجودة لكل ج بإمكان فإن آ بالضرورة تكون موجودة لج بإمكان لا بإضطرار، فإنها وجدت لج بتوسط وجود ب لها وب وجدت لها بإمكان، فآ موجودة لها ضرورة بإمكان. وذلك أنه لو وجدت آ بالضرورة لج من جهة مشاركتها لب، لوجب في ب أن تكون موجودة بالضرورة لج وقد كانت فرضت بإمكان. وكذلك يبين أيضا أنها لا تنتج من قبل الاتصال مطلقة، لأن النتيجة تكون أبدا فى الإنتاج الذي بحسب الاتصال التام تابعة لأخس المقدمتين، لأنه لما كانت النسبة التى بين الحد الأوسط والأصغر هى نسبة الكل إلى الجزء فظاهر متى حمل شيء على الكل حملا مخالفا لجهة حمل الكل على الجزء أنه إن كان ذلك الحمل أنقص جهة من حمل الكل على الجزء أنه يحمل على الجزء بالجهة التي حمل على الكل، فإن كان حمل الكل على الجزء أنقص جهة من حمل ذلك الشىء على الكل أن ذلك الشىء يحمل على الجزء حمل الكل على الجزء.
مخ ۱۶۷
[١٣٦] وهذا هو الذي ظهر لأوديمس وثاوفرسطس من قدماء المشائين من أن النتيجة تكون أبدا فى المختلطة جهتها تابعة لأخس جهتى المقدمتين. وما قالوه صحيح فى الإنتاج الذي يكون بحسب الاتصال - أعنى التام - لا بحسب الانطواء وهو الذي ذهب على القوم. فقد تبين من هذا أن الاختلاط ليس ينتج أصلا نتيجة ضرورية ولا مطلقة من جهة الاتصال الذى قصد أرسطو بيانه، إذ كان ذلك جزئيا وفى بعض المواد وكأنه بضرب من العرض إذ كان ذلك إنما يكون من قبل الانطواء، والانطواء أمر عارض لهذا التأليف. وبمثل هذا بين فى الاختلاط الذى يكون من كبرى ضرورية موجبة وصغرى ممكنة موجبة أن النتيجة تكون أيضا من قبل الاتصال ممكنة حقيقية - أعنى بذلك النوع من برهان الخلف - واطرح الضرورية لأنها بالعرض لهذا التأليف. وأما المطلقة فليس يمكن أن توجد فيه، إذ كان ليس توجد فى إحدى جهتى المقدمتين والاتصال تام. فإذا ما فهمه مفسرو المشائين من أن النتائج فى هذه المختلطات الموجبات ممكنة حقيقية هو الصحيح.
مخ ۱۶۸
[١٣٧] وأما الأقيسة السالبة فى هذا النوع من الاختلاط - وهو الذى اتصالها غير تام من قبل أن الكبرى فيه سالبة والسلب هو انفصال الاتصال - فإن أرسطو أيضا نظر فى جهات نتائجها من قبل الاتصال لا من قبل الانطواء، إذ كان عارضا فى هذا النوع من الاختلاط أيضا. فبين فى الاختلاط الذى يكون من كبرى سالبة مطلقة وصغرى موجبة ممكنة أن جهة النتيجة فى هذا الضرب من الاختلاط مرة تكون ممكنة حقيقية أعنى سالبة - ومرة تكون سالبة ضرورية. وذلك بأن بين أنه متى وضعت نتيجة هذا الشكل موجبة جزئية ضرورية أنه يعرض عن ذلك محال، وإذا كذبت الموجبة الجزئية الضرورية أمكن أن تصدق السالبة الكلية الضرورية وأمكن أن تصدق السالبة الممكنة والسالبة المطلقة، وهذا شىء عرض لهذا التأليف من قبل نقصان الاتصال - أعنى أنه ينتج جهة ليست هى جهة واحدة من المقدمتين المأخوذة فيه. وذلك أنه ليس يمنع أن يوجد شىء واحد مسلوب عن شيئين أحدهما باضطرار والآخر بإطلاق وأحد الشيئين موجود للآخر بإمكان، إذا لم يوجد فيهما الانطواء - مثل أن تكون آ غير موجودة لج باضطرار ولب بإطلاق وب لج بإمكان - وسكت هاهنا عن السالبة المطلقة، لأنها إنما تلزم عن الانطواء. وأما الاختلاط الذى يكون من سالبة كبرى ضرورية وموجبة ممكنة، فإنه قال فيه أيضا بحسب الاتصال إنه ينتج سالبة مطلقة وسالبة ممكنة فإنه بين أنه متى وضعت فى هذا الشكل موجبة جزئية ضرورية لزم عنها محال، وبين أنه متى كذبت الجزئية الموجبة الضرورية أنه يمكن أن تصدق السالبة المطلقة والسالبة الممكنة والسالبة الضرورية، / إلا أنه اطرح السالبة الضرورية إذ كانت إنما تنتج بحسب الانطواء - وهو جزئى. ولذلك قال إنه ليس يوجد قياس يبين به أن هذا التأليف ينتج سالبا ضروريا - يريد دائما - كما يبين وجود السالب الممكن دائما حيث يوجب الانطواء دائما - أعنى فى الضرب التام من هذا الاختلاط.
مخ ۱۶۹
[١٣٨] وليس الأمر فى هذا البيان الذى استعمله أرسطو على ما يظن من أنه إذا كذبت الموجبة الجزئية الاضطرارية صدقت السالبة الممكنة، فإن ذلك غير صادق. وقد بين ذلك أرسطو عندما فحص عن عكس السالبة الممكنة فيخص المنتج من قبل الاتصال الناقص أنه ينتج نتيجتين إحداهما بحسب أخس المقدمتين والأخرى برانية - أعنى ذات جهة غير موافقة لإحدى جهتى المقدمتين المأخوذة فى القياس. وتحصيل جهات هذه النتائج على مذهب أرسطو أن التأليف لا يخلو أن يوجد فيه معنى الانطواء دائما أو لا يوجد فيه معنى الانطواء دائما. فإن وجد فيه معنى الانطواء دائما، فجهة النتيجة تابعة لجهة المقدمة الكبرى، وذلك دائما. وإن لم يوجد فيه معنى الانطواء دائما وإنما وجد فيه معنى الاتصال، فجهة النتيجة تابعة عنده لحكم الاتصال لا لحكم الانطواء. فإن كان الاتصال تاما فجهة النتيجة موافقة لأخس جهتى مقدمتى القياس. وإن كان ناقصا فجهة النتيجة مرة تكون موافقة لأخس جهتى المقدمتين ومرة تكون برانية - أعنى غير موافقة بجهتها لإحدى جهتى مقدمتى القياس. فهكذا ينبغى أن يفهم الأمر عن أرسطو فى هذه النتائج.
مخ ۱۷۰
[١٣٩] وأحسب أن هذا المقصد من التفسير هو شىء ذهب على جميع المفسرين اللهم إلا الاسكندر، فإنه لم تصل إلينا أقواله فى هذه الآشياء، والرجل عظيم القدر جدا. وأما ثامسطيوس فإنا نجده قد ذهب عليه هذا الأمر، كما ذهب على قدماء المشائين، وكذلك يشبه أنيكون هذا المعنى ذهب على أبى نصر، وذلك بين من شرحه لهذا الموضع. فما أعجب شأن هذا الرجل وما أشد مباينة فطرته للفطر الإنسانية حتى كأنه الذي أبرزته العناية الإلهية لتوقفنا معشر الناس على وجود الكمال الأقصى فى النوع الإنسانى محسوسا ومشارا إليه، فما هو إنسان، ولذلك كان القدماء يسمونه اللإلاهى. ونحن فى تلخيصنا هذه المواضع قديما أجرينا العبارة فيها على ما يعطيه مفهوم قوله في بادى الرأى - وهو الذى فهمه المفسرون لنجد بذلك سبيلا إلى حل الشكوك الواردة فيه إلى أن ظهر لنا فيها هذا القول. فمن أحب أن يحول العبارة فيها إلى مالا يتطرق إليه شك فليفعل، وإن أمهل الله فى العمر فسنشرح هذا الموضع من كلامه على اللفظ، فإن هذا الموضع إلى هذه الغاية فيها أحسب لم يشرح شرحا تاما.
مخ ۱۷۱