(ومطلب هل ولم): للتصديق.
(الفصل الثانى): فى أن القياس البرهانى ينقسم إلى ما يفيد علة وجود النتيجة وإلى ما يفيد علة التصديق بالوجود فالأول يسمى برهان لم والآخر يسمى برهان أن ومثاله أن من ادعى فى موضع دخانا فقيل له لم قلت فقال لأن ثمة نار وحيث كان نار فثمة دخان فاذا ثمة دخان فقد أفاد برهان لم وهو علة التصديق بأن ثمة دخان وعلة وجود الدخان فأما إذا قال ثمة نار فقيل له لم وقال لأن ثمة دخان وحيث كان دخان فثمة نار فقد أفاد علة التصديق بوجود النار ولم يفد علة وجود النار وأنه بأى سبب حصل فى ذلك الموضع (وبالجملة): المعلول يدل على العلة والعلة أيضا تدل على المعلول ولكن المعلول لا يوجب العلة والعلة توجبه فهذا هو المراد بالفرق بين برهان أن وبرهان لم بل أحد المعلولين قد يدل على المعلول الآخر إن ثبت تلازمهما بأن كانا جميعا معلولى علة واحدة وليس من شرط برهان لم ان يكون علة لوجود الحد الأكبر مطلقا بل إن كان علة لاتصاف الحد الأصغر بالحد الأكبر كفى أعنى أن يكون علة لكونه فيه فانك تقول الانسان حيوان وكل حيوان جسم فالأنسان جسم فهذا برهان لم لأن الحد الأوسط علة وجود الأكبر فى الأصغر فان الانسان كان جسما لأنه حيوان أى الجسمية صفة ذاتية للحيوان تلحقه من حيث أنه حيوان لا لمعنى أعم ككونه موجودا أو لا لمعنى أخص ككونه كاتبا وطويلا.
(الفصل الثالث): في الأمور التى عليها مدار العلوم البرهانية وهى أربعة.
(الموضوعات، والاعراض الذاتية، والمسائل، والمبادئ) (الأول الموضوعات): ونعنى بها أن لكل علم لا محالة موضوعا ينظر فيه ويطلب فى ذلك العلم أحكامه كبدن الانسان للطب والمقدار للهندسة والعدد للحساب والنغمة للموسيقى وأفعال المكلفين للفقه وكل علم من هذه العلوم فلا يوجب على المتكفل به أن يثبت وجود هذه الموضوعات فيه فليس على الفقيه أن يثبت أن للانسان فعلا ولا على المهندس أن يثبت أن المقدار عرض موجود بل يتكفل باثبات ذلك علم آخر* نعم عليه أن يفهم هذه الموضوعات بحدودها على سبيل التصور.
(الثانى الاعراض الذاتية): ونعنى بها الخواص التى تقع فى موضوع ذلك العلم ولا تقع خارجة منه كالمثلث والمربع لبعض المقادير والانحناء والاستقامة لبعضها وهى أعراض ذاتية لموضوع الهندسة وكالزوجية والفردية للعدد وكالاتفاق والاختلاف للنغمات أعنى التناسب وكالمرض والصحة للحيوان ولا بد فى أول كل علم من فهم هذه الأعراض الذاتية بحدودها على سبيل التصور فأما وجودها فى الموضوعات فانما يستفاد من تمام ذلك العلم إذ مراد العلم أن يبرهن عليه فيه.
(الثالث المسائل): وهى عبارة عن اجتماع هذه الأعراض الذاتية مع الموضوعات وهى مطلوب كل علم ويسأل عنها فيه فمن حيث يسأل عنها فيه تسمى مسائل ذلك العلم ومن حيث تطلب تسمى مطالب ومن حيث أنها نتيجة البرهان تسمى نتائج والمسمى واحد ويختلف هذه الأسامى والعبارات باختلاف الاعتبارات وكل مسألة رهانية فى علم فاما أن يكون موضوعها موضوع ذلك العلم أو الأعراض الذاتية فى ذلك العلم لموضوعه فان كان هو الموضوع فاما أن يكون نفس الموضوع كما يقال فى الهندسة كل مقدار مشارك لمقدار آخر يجانسه ولا يباينه وكما يقال فى الحساب كل عدد فهو شطر طرفيه اللذين بعدهما بعدد واحد كالخمسة فانها شطر مجموع الستة والأربعة ومجموع الثلاثة والسبعة ومجموع الاثنين والثمانية ومجموع الواحد والتسعة وإما أن يكون هو الموضوع مع أمر ذاتى أعنى العرض الذاتى كما يقال فى الهندسة المقدار المباين لشىء مباين لكل مقدار يشاركه فقد أخذ المقدار المباين لا المقدار المجرد والمباين عرض ذاتى للمقدار وكما يقال فى الحساب كل عدد منصف فضرب نصفه فى نصفه ربع ضرب كله فى كله فانه أخذ العدد المنصف لا العدد وحده وإما أن يكون نوعا من موضوع العلم كما يقال الستة عدد تام فان الستة نوع من العدد وإما أن يكون نوعا مع عرض ذاتى كما يقال فى الهندسة كل خط مستقيم قام على خط مستقيم آخرحصل منهما زاويتان مساويتان لقائمتين فالخط نوع من المقدار الذى هو موضوع والمستقيم عرض ذاتى فيه وإما أن يكون عرضا كقولك فى الهندسة كل مثلث فزواياه مساوية لقائمتين فان المثلث من الأعراض الذاتية لبعض المقادير فاذا لا يخلو موضوعات المسائل البرهانية فى العلوم عن هذه الأقسام الخمسة وأما محمولها فهى الأعراض الذاتية الخاصة بذلك الموضوع.
(الرابع المبادىء): ونعنى بها المقدمات المسلمة فى ذلك العلم الذى يثبت بها مسائل ذلك العلم وتلك لا تثبت فى ذلك العلم ولكن إما أن تكون أولية فتسمى علوما متعارفة كقولهم فى أول أقليدس إذا أخذ من المتساويين متساويين كان الباقى متساويا، وإذا زيد متساويان كانا متساويين، وإما أن لا تكون أولية ولكن تسلم من المتعلم فان سلمها عن طيب نفس تسمى أصولا موضوعة وإن بقى فى نفسه عناد تسمى مصادرات ويصبر عليها إلى أن تتبين له فى علم آخر كما يقال فى أول أقليدس لا بد وأن نسلم أن كل نقطة يمكن أن تكون مركزا فانه يمكن أن يعمل عليها دائرة، ومن الناس من ينكر تصور الدائرة على وجه تكون الخطوط من المركز إلى المحيط متساوية ولكن يصادر عليها فى ابتداء العلم.
(الفصل الرابع فى بيان جميع شروط مقدمات البرهان): وهى أربعة أن تكون صادقة وضرورية وأولية وذاتية: (أما الصادقة): فنعنى بها اليقينية كالأوليات والمحسوسات وما معها وقد سبق هذا الشرط.
(وأما الضرورية): فنعنى بها أن تكون مثل الحيوان للانسان لا مثل الكاتب للانسان هذا إن كان يطلب منها نتيجة ضرورية فان المقدمة إذا لم تكن ضرورية لم تجب على العقل التصديق بالنتيجة الضرورية.
(وأما الأولية): فنعنى بها ان يكون المحمول في المقدمة ثابتا للموضوع لأجل الموضوع كقولك كل حيوان جسم فانه جسم لأنه حيوان لا لمعنى أعم منه كقولك الانسان جسم فانه ليس جسما لأنه إنسان بل لأنه حيوان ثم لكونه حيوانا كان جسما فالجسمية أولا للحيوان ثم بواسطته للانسان ولا لمعنى أخص منه كالكاتب للحيوان فانه ليس له ذلك للحيوانية بل للانسانية وهى أخص فالأولى ما ليس بينه وبين الموضوع واسطة فيكون لتلك الواسطة أولا ثم بواسطته له هذا شرط فى المقدمات الأولية فاما فى مقدمات كانت نتيجة أقيسة ثم جعلت مقدمات فى قياس آخر فلا يشترط ذلك فيها بل تشترط الضرورية والذاتية.
ناپیژندل شوی مخ