(أحدها): التغذية بقوة مغذية.
(والثانى): التنمية بقوة منمية.
(والثالث): التوليد بقوة مولدة والغذاء عبارة عن جسم يشبه الجسم المغتذى بالقوة لا بالفعل وإذا وصل إلى المغتذى أثرت فيه القوة المغذية وهى قوة محيلة للغذاء تخلع صورته وتكسوه صورة المغتذى فينتشر فى أجزائه ويلتصق به ويسد مسد ما تحلل من أجزائه* وأما النمو فهو عبارة عن زيادة الجسم بالغذاء فى أقطاره الثلاثة على التناسب اللائق بالنامى حتى ينتهى إلى منتهى النشوء مع التفاوت الذى يليق به أعنى فيما ينخفض من أجزاء النامى ويرتفع ويستدير ويستطيل والقوة التى يليق لها هذا الفعل تسمى منمية فان هذه القوى لا تدرك بالحس بل يستدل عليها بالفعل إذ كل فعل فلا بد له من فاعل فيشتق لها الاسم من الفعل.
(والقوة المولدة): هى التى تفصل جزأ من جسم شبيها به بالقوة ليستعد لقبول صورة مثله كالنطفة من الحيوان والبذرة من الحبوب ثم القوة الغاذية لا تزال عاملة إلى آخر العمر ولكن تضعف فى آخره لعجزها عن سد ما تحلل لضعفها عن إحالة جسم الغذاء.
(وأما القوة المنمية): فانها تفعل إلى وقت البلوغ وكمال النشوء ثم تقف فاذا وقفت النامية من حيث الزيادة فى المقدار لا من حيث الزمان انتهضت المولدة وقويت.
(القول في النفس الحيوانى): فان اتفق مزاج اقرب إلى الاعتدال وأحسن مما قبله استعد لقبول النفس الحيوانى وهو أكمل من النباتى إذ فيه قوى النباتى وزيادة قوتين.
(أحدهما): المدركة.
(والأخرى): المحركة فان الحيوان عبارة عما يدرك ويتحرك بالارادة وهاتان قوتان هما والنفس واحدة فترجعان إلى أصل واحد ولذلك يتصل فعل بعضها بالبعض فمهما حصل الادراك انبعثت الشهوة حتى يتولد منها الحركة إما إلى الطلب وإما إلى الهرب* والقوة المحركة لا بد لها من الارادة ولا تكون الارادة إلا من الشهوة والنزوع إما أن يكون إلى الطلب ويحتاج اليه لطلب الملائم الذى به بقاء الشخص كالغذاء أو بقاء النوع كالجماع ويسمى هذا النوع من النزوع قوة شهوانية وإما أن يكون إلى الهرب والدفع ويحتاج اليه لدفع ما ينافى ويضاد دوام البقاء ويسمى القوة الغضبية والخوف عبارة عن ضعف القوة الغضبية والكراهة عن ضعف القوة الشهوانية وهما متحركتان للقوة المحركة المنبثة فى العضلات والأعصاب على سبيل البعث والاستحثاث على مباشرة الحركة فالقوة التى في العضلات مؤتمرة والقوة النزوعية باعثة آمرة وأما القوة المدركة فتنقسم إلى ظاهرة كالحواس الخمس وإلى باطنة كالقوة الخيالية والمتوهمة والذاكرة والمتفكرة كما سيأتى تحقيقها ولولا أن للحيوان قوة باطنة سوى الحواس لكان إذا تصور أكل شىء مثلا دفعة واحدة استبشعه لا يمتنع منه ثانيا ما لم يذقه دفعة أخرى بالأكل فانه أكل في الأول لأنه لم يعرف أنه مضر فلولا أنه بقى فى ذكره تلك الصورة لكان لا يعرفه إذا رآه ثانيا أنه مضر وذلك الذكر أمر وراء الرؤية والشم وسائر الحواس فلولا أن هذه الحواس الخمس تؤدى ما تدرك من الصور إلى قوة أخرى واحدة جامعة للكل تسمى حسا مشتركا لكنا إذا رأينا شيئا أصفر لا ندرك أنه حلو ما لم نجد إدراك ذلك المذوق أولا أعنى العسل فان العين لا تدرك الحلاوة والذوق لا يدرك الصفرة فلا بد من حاكم يجتمع عنده الأمران حتى يحكم بأن الأصفر حلو وليس هذا الحكم للذوق ولا العين وإنما ذلك لقوة أخرى باطنة ليست واحدة من الحواس الظاهرة ولولا وجود قوة باطنة لم تكن الشاة تدرك العداوة من الذئب فتهرب منه فان العداوة لا ترى* وهذه مجامع القوى ولا بد من تفصيلها.
(القول فى تحقيق الادراكات الظاهرة) أما حس اللمس فظاهر وهو قوة مبثوثة فى جميع البشرة واللحم يدرك بها الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والصلابة واللين والخشونة والملاسة والخفة والثقل وهذه القوة تصل إلى أجزاء اللحم والجلد بواسطة جسم لطيف كالحامل لها يسمى روحا ويجرى فى شباك العصب وبواسطة العصب يصل وإنما يستفيد ذلك الجسم اللطيف تلك القوة من الدماغ والقلب كما سيأتى وما لم تستحيل كيفية البشرة إلى شبه المدرك من البرودة والحرارة أو غيرها لم تكن مدركة ولذلك لا تدرك إلا ما هو أبرد منه وأسخن فأما المساوى لها فى الكيفية فلا تؤثر فيه فلا تدركه* وأما الشم فانه قوة في زائدتى الدماغ الشبيهتين بحلمتى الثديين وإنما تدرك بواسطة جسم ينفعل من الروائح ويمتزج أو يختلط به أجزاء ذى الرائحة وذلك مثل الهواء والماء وليس يلزم أن يكون أجزاء ذى الرائحة مختلطة بالهواء بل لا يبعد أن يستحيل الهواء فيقبل الرائحة ويستعد لقبولها من واهب الصور بسبب المجاورة منه لا بأن تنتقل الرائحة اليه فان ذلك محال في العرض وقد بينا استحالة انتقال الأعراض ولو لم يكن اختلاط أجزاء الرائحة بأجزاء الهواء لما انتشرت الرائحة فراسخ وقد حكى اليونانيون أن الرخمة انتقلت برائحة الجيف التى حصلت من حرب وقعت بينهم من مسافة مائتى فرسخ إلى المعركة في بلدة لم تكن حواليها رخمة بل كانت الرخمة منه على مائتى فرسخ وذلك بقوة حواس الطير وانفعال الهواء وقبوله لرائحة الجيف* وأما البخار المتصاعد من الجيف فلا يمكن أن ينتشر أجزاؤه إلى هذا الحد* وأما السمع فانه قوة مودعة فى عصبة مفروشة فى أقصى الصماخ ممدودة عليه مد الجلد على الطبل وهى تدرك الصوت والصوت عبارة عن تموج الهواء بحركة شديدة يحصل من قرع بعنف أو قلع بحدة فان كان من قرع اصطك منه الجسمان وانفلت الهواء بشدة وإن كان من قلع تولج الهواء بين الجسمين المنفصلين بشدة وحدث الصوت عند التموج فى الهواء ويصل إلى حيث تصل حركة التموج فاذا انتهت تلك الحركة إلى الهواء الراكد الذى فى الصماخ انفعل بها ذلك الهواء الراكد المجاور لتلك العصبة وهى مفروشة على أقصى الصماخ فحدث فيها ما يحدث فى جلد الطبل من الطنين فتشعر بذلك الطنين القوة المودعة فى تلك العصبة والحركة تحدث فى الهواء موجا مستديرا كما يحدث الموج المستدير فى الماء إذا ألقى فيه حجر فتنتشر منه دوائر صغار ولا تزال تلك الدوائر تتسع وتضعف فى حركتها إلى أن تنمحى فكذلك يحدث فى الهواء وكما أن الطاس إذا كان فيه ماء وألقى فيه حجر نشأت عنه دائرة إلى أطراف الطاس المحيطة بالماء انصدمت بها تلك الدائرة ثم انعطفت إلى الوسط إلى موضع ابتدأت فيه فكذلك موج الهواء إذا انصدم بجسم صلب ربما انعطف فيكون منه الصدى ويكون بتلاحق الانعطاف وتزيده دوام الصوت فى الطشت والحمام والصريخ تحت الجبل* فأما الذوق فهو بقوة مودعة في العصبة المفروشة على ظاهر اللسان بواسطة الرطوبة اللعابية التى لا طعم لها المنبسة على ظهر اللسان فانها تأخذ طعم ذى الطعم وتستحيل اليه وتتصل بتلك العصبة فتدركها القوة المودعة فى العصبة وأما البصر فهو قوة دراكة للألوان والأشكال مودعة فى ملتقى تجويف العينين من مقدم الدماغ والابصار هو عبارة عن أخذ صورة المدرك أعنى انطباع مثل صورته فى الرطوبة الجليدية من العين التى تشبه البرد والجمد أى الجليد وهى مثل المرآة فاذا قابلها متلون انطبع مثل صورته فيها كما ينطبع صورة الانسان المقابل للمرآة فيها بتوسط جسم شفاف بينهما لا بأن ينفصل من المتلون شىء ويمتد إلى العين ولا بأن ينفصل من العين شعاع فيمتد إلى الصورة فان كليهما محالان فى الابصار وفى المرآة ولكن يحدث مثال صورته فى المرآة وفى عين الناظر ويكون استعداد حصوله بالمقابلة المخصوصة مع توسط الشفاف* وأما حصوله فمن واهب الصور وكل إدراك فى الحواس الخمس بل وغيرها إنما هو عبارة عن أخذ صورة المدرك فاذا حصلت الصورة فى الجليدية أفضت إلى القوة الباصرة المودعة فى ملتقى العصبتين الجوفتين.
النابتتين من مقدم الدماغ على هذه الصورة فأدركته النفس بتوسط الحس المشترك كما سيأتى شرحه ولو كان للمرآة نفس لأدركت مما يقابلها ويحصل فيها مثال صورته* وأما سبب تأثير البعد في أن يرى الصغير كبيرا فهو أن الرطوبة الجليدية كرية ومقابلة الكرة إنما تكون بالمركز فاذا فرضنا سطحا مستديرا كالترس في مقابلة كرة العين أدركت العين السطح المستدير بانفعال الهواء الذى بين السطح والعين وانفعال طبقة العين عن الهواء إلى أن ينتهى إلى الروح الباصر ويكون المنفعل وهو الهواء مخروط الشكل قاعدته سطح المدرك ورأسه ينتهى إلى الروح الباصر ورأسه زاوية مجسمة هى المدرك بالحقيقة فاذا ازداد سطح المرئى الذى هو قاعدة المخروط بعدا من العين طال المخروط وصغرت زاويته أعنى رأسه الذى ينتهى إلى الحدقة وكلما بعد سطح المرئى أعنى قاعدة المخروط طال المخروط وبطوله يدق رأسه أى يصغر الزاوية المدركة في الحقيقة إلى أن ينتهى من الصغر إلى حد لا تقوى القوة الباصرة على إدراكه فيغيب المرئى عن الادراك وهذه صورته ولو كان المرئى غير مستدير لكان أيضا الهواء المنفعل بينه وبين الحدقة شكلا مخروطا يحيط به أضلاع وزوايا بحسب شكل المرئى وينتهى رأسه إلى الحدقة على زاوية أو زوايا ويستقصى علم ذلك من الكتب الموضوعة في علم المناظر من الرياضات وفى هذا القدر كفاية لغرضنا وهذا الذى استقر عند (ارسطاطاليس) في كيفية الادراك وأما من قبله فقالوا لا بد من اتصال بين الحس والمحسوس حتى يحصل الاحساس قالوا وإذا استحال أن ينفصل من المبصر صورة ويمتد إلى العين فلا بد وأن ينفصل من العين جسم لطيف هو الشعاع ويتصل بالمبصر وبواسطته يحصل الابصار وهذا محال إذ متى تتسع العين لأجسام تنبسط على نصف العالم ونصف كرة السماء فاستبشع هذا طائفة من الأطباء فاحتالوا له وقالوا إن الهواء المتصل بالعين يحدث فيه الانفعال بسبب خروج شعاع يسير من العين واشتباكه بشعاع الهواء حتى يصيرا كالشىء الواحد في أقل من طرفة العين ويصير بمجموعهما آلة فى الابصار وهذا أيضا محال من وجوه.
ناپیژندل شوی مخ