فأنا خفيف الظهر ، دائم البشر ، قليل الوزر ، ما بعت ولا شريت ، ولا اكتريت ولا اقتنيت ، لا أخشى سقوط بيت ، ولا ذهاب ميت. نجوت من الضغط والسكر ، لأنني في غير الآخرة لا أتفكر ، في قلبي عيادة السعادة وفي صدري بنك السرور ، ومصرف الحبور ، وعندي علم وإيمان ونور على نور ، أعجب من الفجار والتجار ، وأقول ما هذا الشجار . أتقتتلون على جيفه ؟ ما تساوي قطيفة ، سحقا لعقولكم السخيفة .
أين كنوز قارون ؟ أين ما مضى من القرون ؟ أين ما جمعوا ، وأودعوا ، وشيدوا وأبدعوا ؟ لا قصور ، لا دور ، لا أنهار ، لا أشجار . ذهبت الأبدان والأرواح . وبلي القفل والمفتاح . فصدقني ما عاش عيشتي هارون الرشيد ، ولا الكاتب عبد الحميد ، ولا الرئيس ابن العميد ، نفسي والحمد لله رضية ، وعيشتي هنية ، وقد نجوت من كل بلية ، فأنا لا طالب ، ولا مطلوب ، ولا أخشى من كنز منهوب ، ولا من مال مسلوب . ولا أقف على الأبواب ، ولا أتمرغ على العتاب ، وما قبلت يد كذاب ، طمعا في طعام وشراب ، وما قلت للكلب يا سيدي ، ويا عضدي ، ويا مؤيدي :
واعلم بأن عليك العار تلبسه
من عضة الكلب لا من عضة الأسد
وأحيانا أجلس أمام كوخي وسقفي السحاب ، ومخدتي صبرة من التراب ، وجليسي الكتاب . فوالله إنني أطيب عيشا من الناصر في الزهراء ، وسيف الدولة في حلب الشهباء ، ما استذلني متكبر ، ولا من علي متجبر ، ولا نهرني متهور :
أنا لا أرغب تقبيل يد
إن جزتني عن صنيعي كنت في
قطعها أحسن من تلك القبل
مخ ۹۴