أما زرت المقابر ، أما هالتك تلك المناظر ، أما رأيت القوم صرعى، والدود في عيونهم يرعى ، عن الحديث سكتوا ، وعن السلام صمتوا ، الظالم بجانب المظلوم ، والمنتصر بجانب المهزوم ، والضعيف مع الأمير ، والغني مع الفقير ، وانظر إلى المغمور والمشهور، والغالب والمقهور ، ذهب الحسن والجمال ، والجاه والمال ،وبقيت الأعمال ، أموات يتجاورون ، ولا يتزاورون .
سكتوا وفي أعماقهم أخبار
وتغيرت تلك الوجوه وأصبحت
وجافاهم الأصحاب والزوار
بعد الجمال على الجفون غبار
ماذا أعددت عندما توقف ، يا من هجر المصحف .
الزبير بن العوام ، بطل الإسلام ، جسمه كله جراح ، من آثار السيوف والرماح . وخالد بن الوليد ، الشجاع الفريد ، يمزق جسمه بالسهام ، ويخطط بدنه بالحسام ، لينتصر الإسلام ، بلال بن رباح ، يسمع حي على الفلاح ، فيجيب لسان حاله لبيك منادي الإصلاح ، يصهر جسمه على الحجارة ، ليصبح مؤذن الإسلام على المنارة ، يعذبونه ، وفي الرمضاء يذيبونه ، فيردد أحد أحد ، لأنه ذاق قل هو الله أحد ، الله الصمد، يضرب رأسه ، ويكتم نفسه ، فما يزيده ذلك إلا إصرارا ، وفي طريق الحق استمرارا :
سيدي علل الفؤاد العليلا
إن تكن عازما على قتل روحي
وأحيني قبل أن تراني قتيلا
فترفق بها قليلا قليلا
انظر لسلمان ، أقبل من خراسان ، يبحث عن الإيمان ، هجر ماله وأوطانه ، وإخوانه وخلانه ، وأعوانه وجيرانه ، يسأل عن الإمام ، بدر التمام ، رسول الإسلام ، فينطرح بين يديه ، ويلقي نفسه عليه ، ويبث شجونه إليه، فمرحبا يا سلمان يوم أتيت ، وهنيئا لك يوم اهتديت ، واقبل هدية : سلمان منا آل البيت :
فلا تحسب الأنساب تنجيك من لظى
أبو لهب في النار وهو ابن هاشم
ولو كنت من قيس وعبد مدان
مخ ۸۵